فريق منتدى الدي في دي العربي
06-23-2022, 01:00 PM
بدر العظمى: الدروس المستفادة
التجاني صلاح عبدالله المبارك
في السابع عشر من رمضان من كل عام، تمر في الأذهان ذكرى أول مواجهة حقيقية بين قوى الكفر والشرك، وقوى النور والتوحيد، فقد كانت تلك المواجهة الهامة في تاريخ الإسلام التي شهدها شهر رمضان، هي بداية النهاية للوثنية والظلام الذي تعيشه أقوى القبائل العربية في ذلك الوقت، بل بداية النهاية لكل القوى الظلامية، ممن امتزجت لديهم الأباطيل بالأساطير، وتعانق الواقع عندهم بالوهم والضلالات!
كانت نفسية الجيش المكي قبل المواجهة في بدر في وضعية غير مستقرة وغير مطمئنة، يغلب عليها الاضطراب والتشويش، والرعب والفزع: رؤيا "عاتكة بنت عبدالمطلب"، التي فشت في أندية مكة وتناقلها الناس، واحتسبوا أيامها الثلاث، أدخلت الشك والريبة وفتحت الباب للعديد من الاحتمالات والتخرصات، وجعلت "أبا جهل ابن هشام" يقول في لهجة محتدة: يا بني عبدالمطلب، أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم؟ قد زعمت "عاتكة" في رؤياها أنه قال: انفروا في ثلاث، فسنتربص بكم هذه الثلاث، فإن يك حقًّا ما تقول، فسيكون، وإن تمضِ الثلاث ولم يكن من ذلك شيء، نكتب عليكم كتابًا أنكم أكذب أهل بيت في العرب.
رسالة "ضمضم بن عمرو" وهو يصرخ: الغوث الغوث، اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، وهو واقف على بعيره وقد جُدع أنفه، وحول رحله، وشق قميصه، كانت بمثابة إنذار وجرس يدقه للموقف المعقد والمجهول الذي يمضون إليه بالتزامن مع اليوم الثالث للرؤيا.
حديث "عمير بن وهب الجمحي" الذي لا يبعث على الاطمئنان من الوضع والمصير الذي يقبل عليه الجيش، ويدعو على استحياء إلى الرجوع ونبذ فكرة الاشتباك والالتحام: "ما وجدت شيئًا، ولكن قد رأيت - يا معشر قريش - البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يقتل رجلًا منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم، فما خير العيش بعد ذلك، فروا رأيكم".
مع هذا، فقد اجتمعت قوى الشر والكفر كلها وقتذاك على قلب رجل واحد، لسحق الدعوة الإسلامية، وجعلوا في قلوبهم إعلاء دين الآباء والأجداد، ونصر الوثنية والعزى وهبل واللات، ومن أجل تلك الأباطيل والضلالات، خرجت قريش وأشرافها وجمعوا القبائل العربية المتاخمة، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي، فإنهم أبوا.
وفي السابع عشر من رمضان وعلى حدود بدر التقت القوتان: قوة المسلمين، وقوة قريش، كانت نعرات الجاهلية تمكنت في قريش تمكنًا كبيرًا، شأنها في ذلك شأن كل القبائل العربية في ذلك الوقت، حتى لا تسمع القبائل بضعف أو نقص في قوة قريش المهيبة بين القبائل، غير أنه شتان وفرق كبير بين من يخرج من أجل سمعته وهيبته وسيادته، واتباع عادات ونعرات، وبين من يخرج ابتغاء مرضاة الله ورضوانه وإعلاء كلمته، بين من يبتغي سيادة الدولة، ومن يقصد سيادة الدين، بين من يبتغي عرض الدنيا، ومن يبتغي الآخرة.
إن رفض الإسلام والتوحيد، وتحكيم الأهواء والآراء والأصنام، والحمية والعصبية، هي محركات ودوافع جيش الكفر الذي كان يعتزم اقتلاع دعوة الإسلام، وهي محركات ودوافع منقطعة، لا تحقق نصرًا أو تحرز تقدمًا، أمام محركات ودوافع متصلة بقوة الله والإيمان به، إضافة فإن قوة الإسلام كان محركها هو إظهار دعوة التوحيد، وعبادة رب العباد، ومحرك قوة الكفر كان هو حمية الجاهلية؛ إن العصبية والحمية هي التي دفعت مجتمع قريش للخروج ومواجهة هذه القوة، التي مثَّلت لها قلقًا مستديمًا فكانوا بين رجلين، إما خارج وإما باعث مكانه رجلًا، وأوعبت قريش فلم يتخلف من أشرافها أحد.
إن طلب المدد والمعونة في بداية الحرب أو أثنائها، هو إقرار واعتراف بحقيقة مضمونها هو عدم مقدرة هذه القوة المحاربة للوصول إلى الهدف المناط بها، وإقرار بحقيقة الضعف الذي يجعل من القوة في كفة العدو هي القوة الراجحة، وينبغي الاستعانة بقوة أخرى، بما يمكن معه أحداث الخلل في ميزان القوى غير المتعادل، وترجيح ذلك لهم للوصول للأهداف المطلوبة.
إن الفرد المسلم يدعو الله النصر؛ لأن النصر من عنده، وهذا الطلب في حد ذاته إقرار وتوحيد لرب العالمين بالربوبية، فهو عز وجل المعطي والمانع، والوهاب والقوي، إن النصر وغلبة الأعداء لا يظهر بكثرة العدد أو أسباب القوة، إنما يظهر بإرادة الله ومشيئته، بالتوكل عليه، والإنابة له ودعائه.
إن جيش الإسلام في بدر، لم يطلب هذه المعونة والمساندة من جيوش أخرى، ولكنه توجه بطلبه إلى من يملك القوة الكاملة والمطلقة، التي لا يشوبها نقص، أو يعتريها ضعف وعطب، وهذا هو الدرس المستفاد مضافًا إلى دروس غيره عديدة؛ طلبها من الله جل وعز: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتِ ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض))؛ [رواه مسلم في صحيحه].
حدثنا زهير بن حرب واللفظ له، قال: حدثنا عمر بن يونس الحنفي، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني أبو زميل: هو سماك الحنفي، قال: حدثني عبدالله بن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب، قال: ((لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض، فما زال يهتف بربه، مادًّا يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداؤه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9]؛ فأمده الله بالملائكة)).
إن الإيمان بالله الواحد وتقواه، هو أكبر محرك للبشر لتحقيق النصر وإحراز التقدم أمام أي قوة ظلامية منقطعة، تحقيق النصر أو النصر، أو تحقيق النصر والنصر، النصر أو الحسنيين، النصر الأول أو الحسنة الأولى هي الغلبة في الميدان، النصر الثاني أو الحسنة الثانية هي الفوز بجنة الله، فإما هذا أو هذا، وإما هذا وهذا.
التجاني صلاح عبدالله المبارك
في السابع عشر من رمضان من كل عام، تمر في الأذهان ذكرى أول مواجهة حقيقية بين قوى الكفر والشرك، وقوى النور والتوحيد، فقد كانت تلك المواجهة الهامة في تاريخ الإسلام التي شهدها شهر رمضان، هي بداية النهاية للوثنية والظلام الذي تعيشه أقوى القبائل العربية في ذلك الوقت، بل بداية النهاية لكل القوى الظلامية، ممن امتزجت لديهم الأباطيل بالأساطير، وتعانق الواقع عندهم بالوهم والضلالات!
كانت نفسية الجيش المكي قبل المواجهة في بدر في وضعية غير مستقرة وغير مطمئنة، يغلب عليها الاضطراب والتشويش، والرعب والفزع: رؤيا "عاتكة بنت عبدالمطلب"، التي فشت في أندية مكة وتناقلها الناس، واحتسبوا أيامها الثلاث، أدخلت الشك والريبة وفتحت الباب للعديد من الاحتمالات والتخرصات، وجعلت "أبا جهل ابن هشام" يقول في لهجة محتدة: يا بني عبدالمطلب، أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم؟ قد زعمت "عاتكة" في رؤياها أنه قال: انفروا في ثلاث، فسنتربص بكم هذه الثلاث، فإن يك حقًّا ما تقول، فسيكون، وإن تمضِ الثلاث ولم يكن من ذلك شيء، نكتب عليكم كتابًا أنكم أكذب أهل بيت في العرب.
رسالة "ضمضم بن عمرو" وهو يصرخ: الغوث الغوث، اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، وهو واقف على بعيره وقد جُدع أنفه، وحول رحله، وشق قميصه، كانت بمثابة إنذار وجرس يدقه للموقف المعقد والمجهول الذي يمضون إليه بالتزامن مع اليوم الثالث للرؤيا.
حديث "عمير بن وهب الجمحي" الذي لا يبعث على الاطمئنان من الوضع والمصير الذي يقبل عليه الجيش، ويدعو على استحياء إلى الرجوع ونبذ فكرة الاشتباك والالتحام: "ما وجدت شيئًا، ولكن قد رأيت - يا معشر قريش - البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يُقتل رجل منهم حتى يقتل رجلًا منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم، فما خير العيش بعد ذلك، فروا رأيكم".
مع هذا، فقد اجتمعت قوى الشر والكفر كلها وقتذاك على قلب رجل واحد، لسحق الدعوة الإسلامية، وجعلوا في قلوبهم إعلاء دين الآباء والأجداد، ونصر الوثنية والعزى وهبل واللات، ومن أجل تلك الأباطيل والضلالات، خرجت قريش وأشرافها وجمعوا القبائل العربية المتاخمة، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي، فإنهم أبوا.
وفي السابع عشر من رمضان وعلى حدود بدر التقت القوتان: قوة المسلمين، وقوة قريش، كانت نعرات الجاهلية تمكنت في قريش تمكنًا كبيرًا، شأنها في ذلك شأن كل القبائل العربية في ذلك الوقت، حتى لا تسمع القبائل بضعف أو نقص في قوة قريش المهيبة بين القبائل، غير أنه شتان وفرق كبير بين من يخرج من أجل سمعته وهيبته وسيادته، واتباع عادات ونعرات، وبين من يخرج ابتغاء مرضاة الله ورضوانه وإعلاء كلمته، بين من يبتغي سيادة الدولة، ومن يقصد سيادة الدين، بين من يبتغي عرض الدنيا، ومن يبتغي الآخرة.
إن رفض الإسلام والتوحيد، وتحكيم الأهواء والآراء والأصنام، والحمية والعصبية، هي محركات ودوافع جيش الكفر الذي كان يعتزم اقتلاع دعوة الإسلام، وهي محركات ودوافع منقطعة، لا تحقق نصرًا أو تحرز تقدمًا، أمام محركات ودوافع متصلة بقوة الله والإيمان به، إضافة فإن قوة الإسلام كان محركها هو إظهار دعوة التوحيد، وعبادة رب العباد، ومحرك قوة الكفر كان هو حمية الجاهلية؛ إن العصبية والحمية هي التي دفعت مجتمع قريش للخروج ومواجهة هذه القوة، التي مثَّلت لها قلقًا مستديمًا فكانوا بين رجلين، إما خارج وإما باعث مكانه رجلًا، وأوعبت قريش فلم يتخلف من أشرافها أحد.
إن طلب المدد والمعونة في بداية الحرب أو أثنائها، هو إقرار واعتراف بحقيقة مضمونها هو عدم مقدرة هذه القوة المحاربة للوصول إلى الهدف المناط بها، وإقرار بحقيقة الضعف الذي يجعل من القوة في كفة العدو هي القوة الراجحة، وينبغي الاستعانة بقوة أخرى، بما يمكن معه أحداث الخلل في ميزان القوى غير المتعادل، وترجيح ذلك لهم للوصول للأهداف المطلوبة.
إن الفرد المسلم يدعو الله النصر؛ لأن النصر من عنده، وهذا الطلب في حد ذاته إقرار وتوحيد لرب العالمين بالربوبية، فهو عز وجل المعطي والمانع، والوهاب والقوي، إن النصر وغلبة الأعداء لا يظهر بكثرة العدد أو أسباب القوة، إنما يظهر بإرادة الله ومشيئته، بالتوكل عليه، والإنابة له ودعائه.
إن جيش الإسلام في بدر، لم يطلب هذه المعونة والمساندة من جيوش أخرى، ولكنه توجه بطلبه إلى من يملك القوة الكاملة والمطلقة، التي لا يشوبها نقص، أو يعتريها ضعف وعطب، وهذا هو الدرس المستفاد مضافًا إلى دروس غيره عديدة؛ طلبها من الله جل وعز: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتِ ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض))؛ [رواه مسلم في صحيحه].
حدثنا زهير بن حرب واللفظ له، قال: حدثنا عمر بن يونس الحنفي، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني أبو زميل: هو سماك الحنفي، قال: حدثني عبدالله بن عباس، قال: حدثني عمر بن الخطاب، قال: ((لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض، فما زال يهتف بربه، مادًّا يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداؤه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9]؛ فأمده الله بالملائكة)).
إن الإيمان بالله الواحد وتقواه، هو أكبر محرك للبشر لتحقيق النصر وإحراز التقدم أمام أي قوة ظلامية منقطعة، تحقيق النصر أو النصر، أو تحقيق النصر والنصر، النصر أو الحسنيين، النصر الأول أو الحسنة الأولى هي الغلبة في الميدان، النصر الثاني أو الحسنة الثانية هي الفوز بجنة الله، فإما هذا أو هذا، وإما هذا وهذا.