فريق منتدى الدي في دي العربي
06-27-2022, 01:36 PM
إخواني؛ مع دخولنا لأيام العشر الأول من ذي الحجة (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
): أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأناديكم بنداء الله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
أيها المسلمون: إن للأيمان في الإسلام حرمة عظيمة وشأناً كبيراً؛ فلقد جاءت الشريعة بأحكام خاصة للأيمان تحفظ لها حرمتها وتوجهها الوجهة الصحيحة دون إفراط أو تفريط، ومن المؤسف جداً أن يشيع الجهل بهذه الأحكام في بعض أوساط المسلمين. مع كثرة انتشار الأيمان بينهم، ومع سيلانها على ألسنتهم غدواً وعشياً، إن أحكام الأيمان أحكام كثيرة ليس هذا مقام بسطها وتفصيلها ولو أردنا ذلك ما كفتنا هذه الدقائق المعدودة.
أيها الأخوة: دعونا نتفق أولاً أن الله -سبحانه وتعالى- أعظم من أن نجعله عُرضةً للغو والنكث وعدم الإيفاء بالمواعيد، الله أعظم وأجل من أن نجعل الحلف به دعاية لترويج السلع وفرض الولائم على الزائرين والزائرات، نقول ذلك لأنه يتكرر بين الناس هذه الأفعال حتى ألفوها واعتادوها؛ فتجد الرجل يحلف على ضيفه ويُضيق عليه أن يأكل ويأكل حتى يشبع، وآخر يحلف على صاحبه أن يأخذ تلك القطعة من نعاله أو لباسه، وذلك الزوج يحلف على زوجته إن تفعل كذا وتُعرض عن كذا فيجعل من أمرها عسرا، وتلك الأم تحلف على ابنها وذلك الأب يحلف على ولده وغير ذلك من صور، وهذا قليل من كثير وغيض من فيض وإلا فإن الأمر قد عمّ وطمّ وشاع وذاع.
أيها الأخوة: وفي هذه الكلمات -بمشيئة الله- تعالى سنقف مع مسائل عديدة في الحلف والأيمان وهي مسائل مهمة يهمنا جميعاً معرفتها وفقه معانيها. وأول هذه المسائل وهي أعظمها: مسألة الحلف بغير الله ﷻ، فينبغي أن يُعلم أنه لا يجوز الحلف بغير الله ﷻ، قال رسول الله ﷺ: "من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله" ~ (رواه الشيخان).
وقد شاع التهاون بهذا في كثير من بلاد المسلمين فتسمع من البعض الحلف بالمخلوقين جهاراً نهاراً حتى اعتادوا عليه وألفوه -والعياذ بالله-، سمع النبي ﷺ عمر -رضي الله عنه- وهو يحلف بأبيه جهلاً منه بتحريم ذلك، فقال ﷺ: " إن الله ينهاكم عن الحلف بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت "، ولقد ازداد الأمر سوءاً في بعض البقاع حتى هُجر تماماً الحلفُ بالله، وشاع وانتشر بضده الحلف بغيره، وكأن الأمر عندهم هين ألا إنه عند الله عظيم.
ومن ذلك أن تجد البعض قد اعتاد الحلف بالنبي أو بالنعمة أو برأس فلان وعلان، وكل ذلك من شرك الألفاظ كما نص على ذلك أهل العلم ونبهوا عليه مراراً وتكراراً، وإن تعجب فأعجب من هؤلاء القوم كيف يتساهلون بذلك وهم يسمعون الوعيد الشديد في قول الرسول ﷺ: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" ~ (رواه الإمام احمد وغيره) ~ ، وقال ﷺ: "من حلف بالأمانة فليس منا" ~ (رواه أبو داود).
وإنما نهى الشرع عن هذا الحلف لأن من حلف بأمر فإنما مقصده تعظيمه وتبجيله وليس ذلك إلا لله ولا يستحقه إلا الله -عز وجل- وعلى هذا الإجماع كما نقل ابن عبد البر -رحمه الله-، وقد قرر العلماء أن من حنث في حلف بغير الله فلا كفارة عليه لأنه قسمٌ غير شرعي ولا أثر له إلا الإثم، ويلزم التوبة منه.
أيها الأخوة: والمسألة الثانية من مسائل الأيمان والتي ينبغي التنبيه عليها والاهتمام بها هي: جواز الحنث باليمين للمصلحة الراجحة ولكن مع التكفير عنها فقد جاءت الشريعة بحمد الله سهلة سمحة ليس فيها إصرٌّ ولا غل ولا مشقة؛ فمن حلف على يمين ثم رأى المصلحة في الحنث بها فانه يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير، فعن عبد الرحمن ابن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله ﷺ: "إذا حلفت على يمين ورأيت غيرها خيراً منها فأتى الذي هو خير وكفر عن يمينك" ~ (متفق عليه).
ومن العجب أن تجد واحداً من الناس عادته جعل اليمين لُجة في اللجاجة والخصومة، فترى الشخص يحلف على أمر ثم يجد أن المصلحة في الرجوع عنه، ومثاله أن يحلف أن لا يزور أخاه أو لا يأكل من طعام جاره ونحو ذلك ثم يظن انه لا مخرج له فيستمر على قطيعته وآثامه والواجب عليه أن يصل رحمه ويكرم جاره و يُكفر عن يمينه ويتوب إلى الله تعالى من زلته واستمع إلى قول الرسول ﷺ حيث قال: " لئن يلج أحدكم في يمينه في أهله آثم له عند الله تعالى من أن يعطي كفارته التي فرض الله عليه" ~ (متفق عليه) ~ ، وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: "إني والله -إن شاء الله- لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها"، وأما كفارة اليمين، فكما قال الله تعالى في كتابه: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم و احفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون).
أيها الإخوة: وفي هذه الآية مسائل عديدة منها: أن الله -تبارك وتعالى- ولرحمته بنا فإنه لا يؤاخذنا بتلك اليمين التي حلفنا بها بغير قصد ولا دراية بل جرت على ألسنتنا هكذا، كما فسرت ذلك عائشة -رضي الله عنها- بحديثها عنه ﷺ وفيه قوله: (هو كلام الرجل في بيته) ~ (لا والله) ~ (وبلى والله) ~ واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يدخل في لغو اليمين كذلك أن يعقد الحالف اليمين يظن صدق نفسه ثم يتبين أن الأمر بخلافه فهذان النوعان ليس على صاحبها إثم ولا كفارة.
ومن مسائل هذه الآية أن كفارة الحنث باليمين قد حددها الشارع بنص من كتاب الله والكفارة هي:
أولاً: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم كبار كانوا أو صغار والإطعام يكون بما يقارب الكيلو من الأرز مثلاً مع قطعة من اللحم لكل مسكين من هؤلاء العشرة أو كسوتهم فتكسو لكُلّ مسكين ثوباً وشماغاً للرجل أو جلباباً للمرأة من أوسط ما تلبسون وإلا كان الاختيار البديل وهو عتق رقبة والأحوط أن تكون مؤمنة خروجاً من الخلاف في هذه المسألة، فإن لم يكن هذا ولا ذاك فصيام ثلاثة أيام متتابعة، وقد نبه العلماء إلى أن من صام ثلاثة أيام ولكنه فرق بينها فإنها لا تصح والكفارةُ باقية في ذمته وبعض الناس تجده يحنث بقسمه فيهرع للصيام وهو قادر على إطعام عشرة مساكين وفي ذلك مخالفة منه لأمر الله ولكنه الجهل الذي يورد صاحبه الموارد.
أيها الأخوة: ويختم الله -سبحانه وتعالى- تلكم الآية بقوله (واحفظوا أيمانكم) ~ إنها الوصية الربانية لعباده كي يحفظوا أيمانهم فلا ينثروها عند هؤلاء وأولئك، وعند كل حقير وعظيم، ولكن هل يستمع الناس لهذه الوصية؟ وهل يستشعرونها في حياتهم؟ الواقع يشهدُ بغير ذلك، فعددٌ من الناس غفير يأتون يسألون عن المخرج فلقد حلفوا على أمور ثم نقضوها وحنثوا بها بل من عجيب ما ترى، أن تجد شاباً صغيراً جاء إلى أحد العلماء وقال له قد تزوجت منذ أيام قليلة وحتى الآن حلفت على زوجتي كذا مرة، فمن أين تعلم هذا الأمر؟؟ ومن رباه على هذا السلوك؟ من رباه على الحلف على كل صغيرة وكبيرة؟ ولذا كان من حكمة الله أن جعل للناس رادعاً من التساهل وعدم حفظ الأيمان فكانت الكفارة لمن لم يحفظها.
أيها الإخوة في الله: احفظوا أيمانكم.. وصية الله لعباده تكلم عنها العلماء وشرحوها؛ فهذا ابن عباس -رضي الله عنه- يقول: "احفظوا أيمانكم" يريد الله لا تحلفوا وقال آخرون: "احفظوا أيمانكم؛ أيّ من الحنث فلا تحنثوا"، وقال ابن جرير -رحمه الله-: "لا تتركوها بلا تكفير"، وهذه الأقوال متلازمة فإنه يلزم من كثرة الحلف كثرة الحنث مع ما يدل عليه من الاستخفاف بشان اليمين وعدم تعظيم الله -عز وجل-؛ إذ هو معنى القسم به -جل وعلا-.
ومن آثار التساهل في الأيمان في البيع: محق الكسب؛ كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب"، وقال ﷺ: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.. ثم الذين يلونهم ثم يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" وهذا حال من صرف رغبته إلى الدنيا فخف أمر اليمين عنده لقلة خوفه من الله وعدم استشعار رقابة الله لحاله. هذا وللكلام بقية فنسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
): أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأناديكم بنداء الله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
أيها المسلمون: إن للأيمان في الإسلام حرمة عظيمة وشأناً كبيراً؛ فلقد جاءت الشريعة بأحكام خاصة للأيمان تحفظ لها حرمتها وتوجهها الوجهة الصحيحة دون إفراط أو تفريط، ومن المؤسف جداً أن يشيع الجهل بهذه الأحكام في بعض أوساط المسلمين. مع كثرة انتشار الأيمان بينهم، ومع سيلانها على ألسنتهم غدواً وعشياً، إن أحكام الأيمان أحكام كثيرة ليس هذا مقام بسطها وتفصيلها ولو أردنا ذلك ما كفتنا هذه الدقائق المعدودة.
أيها الأخوة: دعونا نتفق أولاً أن الله -سبحانه وتعالى- أعظم من أن نجعله عُرضةً للغو والنكث وعدم الإيفاء بالمواعيد، الله أعظم وأجل من أن نجعل الحلف به دعاية لترويج السلع وفرض الولائم على الزائرين والزائرات، نقول ذلك لأنه يتكرر بين الناس هذه الأفعال حتى ألفوها واعتادوها؛ فتجد الرجل يحلف على ضيفه ويُضيق عليه أن يأكل ويأكل حتى يشبع، وآخر يحلف على صاحبه أن يأخذ تلك القطعة من نعاله أو لباسه، وذلك الزوج يحلف على زوجته إن تفعل كذا وتُعرض عن كذا فيجعل من أمرها عسرا، وتلك الأم تحلف على ابنها وذلك الأب يحلف على ولده وغير ذلك من صور، وهذا قليل من كثير وغيض من فيض وإلا فإن الأمر قد عمّ وطمّ وشاع وذاع.
أيها الأخوة: وفي هذه الكلمات -بمشيئة الله- تعالى سنقف مع مسائل عديدة في الحلف والأيمان وهي مسائل مهمة يهمنا جميعاً معرفتها وفقه معانيها. وأول هذه المسائل وهي أعظمها: مسألة الحلف بغير الله ﷻ، فينبغي أن يُعلم أنه لا يجوز الحلف بغير الله ﷻ، قال رسول الله ﷺ: "من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله" ~ (رواه الشيخان).
وقد شاع التهاون بهذا في كثير من بلاد المسلمين فتسمع من البعض الحلف بالمخلوقين جهاراً نهاراً حتى اعتادوا عليه وألفوه -والعياذ بالله-، سمع النبي ﷺ عمر -رضي الله عنه- وهو يحلف بأبيه جهلاً منه بتحريم ذلك، فقال ﷺ: " إن الله ينهاكم عن الحلف بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت "، ولقد ازداد الأمر سوءاً في بعض البقاع حتى هُجر تماماً الحلفُ بالله، وشاع وانتشر بضده الحلف بغيره، وكأن الأمر عندهم هين ألا إنه عند الله عظيم.
ومن ذلك أن تجد البعض قد اعتاد الحلف بالنبي أو بالنعمة أو برأس فلان وعلان، وكل ذلك من شرك الألفاظ كما نص على ذلك أهل العلم ونبهوا عليه مراراً وتكراراً، وإن تعجب فأعجب من هؤلاء القوم كيف يتساهلون بذلك وهم يسمعون الوعيد الشديد في قول الرسول ﷺ: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" ~ (رواه الإمام احمد وغيره) ~ ، وقال ﷺ: "من حلف بالأمانة فليس منا" ~ (رواه أبو داود).
وإنما نهى الشرع عن هذا الحلف لأن من حلف بأمر فإنما مقصده تعظيمه وتبجيله وليس ذلك إلا لله ولا يستحقه إلا الله -عز وجل- وعلى هذا الإجماع كما نقل ابن عبد البر -رحمه الله-، وقد قرر العلماء أن من حنث في حلف بغير الله فلا كفارة عليه لأنه قسمٌ غير شرعي ولا أثر له إلا الإثم، ويلزم التوبة منه.
أيها الأخوة: والمسألة الثانية من مسائل الأيمان والتي ينبغي التنبيه عليها والاهتمام بها هي: جواز الحنث باليمين للمصلحة الراجحة ولكن مع التكفير عنها فقد جاءت الشريعة بحمد الله سهلة سمحة ليس فيها إصرٌّ ولا غل ولا مشقة؛ فمن حلف على يمين ثم رأى المصلحة في الحنث بها فانه يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير، فعن عبد الرحمن ابن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله ﷺ: "إذا حلفت على يمين ورأيت غيرها خيراً منها فأتى الذي هو خير وكفر عن يمينك" ~ (متفق عليه).
ومن العجب أن تجد واحداً من الناس عادته جعل اليمين لُجة في اللجاجة والخصومة، فترى الشخص يحلف على أمر ثم يجد أن المصلحة في الرجوع عنه، ومثاله أن يحلف أن لا يزور أخاه أو لا يأكل من طعام جاره ونحو ذلك ثم يظن انه لا مخرج له فيستمر على قطيعته وآثامه والواجب عليه أن يصل رحمه ويكرم جاره و يُكفر عن يمينه ويتوب إلى الله تعالى من زلته واستمع إلى قول الرسول ﷺ حيث قال: " لئن يلج أحدكم في يمينه في أهله آثم له عند الله تعالى من أن يعطي كفارته التي فرض الله عليه" ~ (متفق عليه) ~ ، وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: "إني والله -إن شاء الله- لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها"، وأما كفارة اليمين، فكما قال الله تعالى في كتابه: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم و احفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون).
أيها الإخوة: وفي هذه الآية مسائل عديدة منها: أن الله -تبارك وتعالى- ولرحمته بنا فإنه لا يؤاخذنا بتلك اليمين التي حلفنا بها بغير قصد ولا دراية بل جرت على ألسنتنا هكذا، كما فسرت ذلك عائشة -رضي الله عنها- بحديثها عنه ﷺ وفيه قوله: (هو كلام الرجل في بيته) ~ (لا والله) ~ (وبلى والله) ~ واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يدخل في لغو اليمين كذلك أن يعقد الحالف اليمين يظن صدق نفسه ثم يتبين أن الأمر بخلافه فهذان النوعان ليس على صاحبها إثم ولا كفارة.
ومن مسائل هذه الآية أن كفارة الحنث باليمين قد حددها الشارع بنص من كتاب الله والكفارة هي:
أولاً: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم كبار كانوا أو صغار والإطعام يكون بما يقارب الكيلو من الأرز مثلاً مع قطعة من اللحم لكل مسكين من هؤلاء العشرة أو كسوتهم فتكسو لكُلّ مسكين ثوباً وشماغاً للرجل أو جلباباً للمرأة من أوسط ما تلبسون وإلا كان الاختيار البديل وهو عتق رقبة والأحوط أن تكون مؤمنة خروجاً من الخلاف في هذه المسألة، فإن لم يكن هذا ولا ذاك فصيام ثلاثة أيام متتابعة، وقد نبه العلماء إلى أن من صام ثلاثة أيام ولكنه فرق بينها فإنها لا تصح والكفارةُ باقية في ذمته وبعض الناس تجده يحنث بقسمه فيهرع للصيام وهو قادر على إطعام عشرة مساكين وفي ذلك مخالفة منه لأمر الله ولكنه الجهل الذي يورد صاحبه الموارد.
أيها الأخوة: ويختم الله -سبحانه وتعالى- تلكم الآية بقوله (واحفظوا أيمانكم) ~ إنها الوصية الربانية لعباده كي يحفظوا أيمانهم فلا ينثروها عند هؤلاء وأولئك، وعند كل حقير وعظيم، ولكن هل يستمع الناس لهذه الوصية؟ وهل يستشعرونها في حياتهم؟ الواقع يشهدُ بغير ذلك، فعددٌ من الناس غفير يأتون يسألون عن المخرج فلقد حلفوا على أمور ثم نقضوها وحنثوا بها بل من عجيب ما ترى، أن تجد شاباً صغيراً جاء إلى أحد العلماء وقال له قد تزوجت منذ أيام قليلة وحتى الآن حلفت على زوجتي كذا مرة، فمن أين تعلم هذا الأمر؟؟ ومن رباه على هذا السلوك؟ من رباه على الحلف على كل صغيرة وكبيرة؟ ولذا كان من حكمة الله أن جعل للناس رادعاً من التساهل وعدم حفظ الأيمان فكانت الكفارة لمن لم يحفظها.
أيها الإخوة في الله: احفظوا أيمانكم.. وصية الله لعباده تكلم عنها العلماء وشرحوها؛ فهذا ابن عباس -رضي الله عنه- يقول: "احفظوا أيمانكم" يريد الله لا تحلفوا وقال آخرون: "احفظوا أيمانكم؛ أيّ من الحنث فلا تحنثوا"، وقال ابن جرير -رحمه الله-: "لا تتركوها بلا تكفير"، وهذه الأقوال متلازمة فإنه يلزم من كثرة الحلف كثرة الحنث مع ما يدل عليه من الاستخفاف بشان اليمين وعدم تعظيم الله -عز وجل-؛ إذ هو معنى القسم به -جل وعلا-.
ومن آثار التساهل في الأيمان في البيع: محق الكسب؛ كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب"، وقال ﷺ: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.. ثم الذين يلونهم ثم يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" وهذا حال من صرف رغبته إلى الدنيا فخف أمر اليمين عنده لقلة خوفه من الله وعدم استشعار رقابة الله لحاله. هذا وللكلام بقية فنسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.