فريق منتدى الدي في دي العربي
07-18-2022, 10:56 AM
نساء الهجرة.. مع الرسول ? في الطريق إلى الله
نورالدين قلالة
منذ بزوغ فجر الإسلام، أدركت المرأة المسلمة دورها المنوط بها، فلم تغب لمستها في الكثير من الأحداث التاريخية، وفي مقدمة هذه الأحداث الهجرة النبوية الكبرى التي ساهمت المرأة في تنشيطها والإعداد لها قبيل التحرك من مكة وحتى الوصول إلى الحبشة. فقد شكلت نساء الهجرة اللبنة الأولى لجيل ساهم بقدر وفير في صنع تاريخ الأمة الإسلامية.
لا شك أن المجتمع المسلم لا يقوم إلا باكتمال تعاون الجنسين (الرجل والمرأة) فيما بينهما، ومن أجل ذلك فقهت المرأة المسلمة حدود المسؤولية التي تبوّأتها – كونها مربية الأجيال وصانعة الرجال – وعملت بمقتضاها بما حباها الله عزّ وجل من فطرة سليمة، وعقل نيّر، وفكر واع.
عندما أشار النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه في السنة الخامسة للبعثة، وفي قرابة السنة العاشرة للبعثة بالهجرة إلى الحبشة، وذلك للعديد من الأسباب أهمها وقاية المسلمين من الأذى وحفظ الدعوة الإسلامية، فُتحت أبواب جديدة وهاجر المسلمون بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وجاء في كتاب “الرحيق المختوم” لصفي الرحمن المباركفوري، أنه “في رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة. كان مكونا من اثني عشر رجلا وأربع نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهما: “إنهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام” . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء المهاجرين المهاجرات بالبقاء في المكان الذي هاجروا إليه، ونشر الدعوة الإسلامية هناك، وفي هذه المادة سنتحدث عن نساء الهجرة المهاجرات إلى الحبشة في المرة الأولى.
مبادىء ترسخت في نفوس المهاجرات
لولا أن كان لدى نساء الهجرة وكل المسلمات المتقدمات للهجرة مبادىء ترسخت في نفوسهن لما هاجرن مخلفات وراءهن الأهل والديار فارات بدينهن إلى الله ورسوله.
هذه المبادىء تتلخص في الآتي:
الإدراك الكامل والقناعة التامة لدى المرأة المسلمة بأن مكانها في تلك الظروف هو جنب أخيها الرجل لرفع شأن كلمة الله وإعلاء صوت الحق.
تأصّل جذور العقيدة في النفوس والعقول والقلوب، حيث نتج عنها مفاصلة الجاهلية، واتضح من خلالها نهج الولاء والبراء.
القناعة التامة بأن الإسلام هو دين الله الحقّ، ولإعلاء رايته لا بدّ من المجاهدة المطلقة بكافة أنواعها ومتطلباتها.
اليقين بأنه لن ينصلح للمسلمين عيش إلا في ظل الدولة الإسلامية فهاجرن للمساهمة في إقامتها هناك في الحبشة وفي المدينة المنورة.
حين خاضت المرأة تجربتها هذه أثبتت أنها على قدر عال من القيام بالتكليف الرباني. وقد أثبت هذا الأمر أن المرأة في جميع الأزمنة والعصور تستطيع _ إن أرادت- تقديم الكثير في سبيل نشر دين الله تعالى بين الأمم.
النساء المهاجرات مع الرسول صلى الله عليه وسلم
خرجت من النساء المهاجرات في الهجرة الأولى إلى الحبشة أربع نساء برفقة أزواجهنَّ، وجميعهن كان لهنّ دور في نشر الدعوة الإسلامية إلى جانب الرجال، وقد تحملن الكثير من الأذى في سبيل الدعوة الإسلامية، ومن تلك النساء من عادت إلى مكة أو المدينة لاحقًا بعد هجرته صلى الله عليه وسلم، ومنهن من ماتت في أرض الحبشة أو في طريق عودتها.
1- رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
هاجرت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم برفقة زوجها عثمان بن عفان الذي كان أول من هاجر إلى الحبشة، أما رقية فهي بنت رسول الله من خديجة بنت خويلد، وأسلمت وهي ذات سبع سنين فقط، وكانت قد تزوجت ابن عم أبيها عتبة ابن أبي لهب، ولكنه فارقها بعد نزول الآيات في أبيه، ثم تزوجت عثمان بن عفان وهاجرت برفقته إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وقد توفيت صغيرة وهي تبلغ من العمر 22 عامًا، ودفنت بالبقيع.
كانت السيدة رقية بنت رسول الله تكنى بأم عبد الله، وتكنى بذات الهجرتين، أي هجرة الحبشة وهجرة المدينة. أمها خديجة بنت خويلد، وقد أسلمت حين أسلمت خديجة، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي وأخواتها حين بايعه النساء. وولدت السيدة رقية وعمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث وثلاثون، وبعث النبي وعمره أربعون، وأسلمت رقية مع أمها خديجة، فعلى هذا يكون عمرها عند إسلامها سبع سنوات.
ولما أراد عثمان بن عفان الخروج إلى أرض الحبشة، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اخرج برقية معك”. قال: أخال واحد منكما يصبر على صاحبه، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فقال: “ائتني بخبرهما”. فرجعت أسماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر رضي الله عنه فقالت: يا رسول الله، أخرج حمارا موكفًا فحملها عليه، وأخذ بها نحو البحر. فقال رسول الله : “يا أبا بكر، إنهما لأول من هاجر بعد لوط وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام”.
وقد شاءت قدرة الله لرقية أن ترزق بعد صبرها زوجا صالحا كريما من الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ذلك هو عثمان بن عفان رضي الله عنه صاحب النسب العريق، والطلعة البهية، والمال الموفور، والخلق الكريم.
2- أم سلمة
وهي أم المؤمنين أم سلمة من بني أمية من السابقين في الإسلام، وكانت قد هاجرت إلى الحبشة برفقة زوجها أبي سلمة، وبعد وفاته تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت آخر أمهات المؤمنين وفاةً، وقيل إنها توفيت في خلافة يزيد بن معاوية.
وقصة أم سلمة مع الهجرة لها معان وحكم كثيرة، وما تعرضت له أم سلمة في هجرتها من الصعب أن تتحمله أية امرأة أخرى، فهي مثال قلما نجده في النساء اليوم. فقد كان من أمرها أنها لما أرادت الهجرة مع زوجها أبي سلمة وابنها سلمة، فاعترض طريقهم بنو المغيرة (قبيلة أم سلمة) فنزعوا خطام البعير من يده، وأخذوا زوجته منه. وغضب بنو عبد الأسد (قبيلة أبي سلمة) وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها صاحبنا، فتجاذبوا الطفل سلمة حتى خلعوا يده، ثم انطلقوا إلى موطنهم، وحبس بنو المغيرة أم سلمة عندهم، وانطلق أبو سلمة وبقي ابنه وقد خُلع كتفه عند قومه.
وفي “السيرة النبوية” لابن هشام، تروي أم سلمة ما حدث لها من جرّاء ذلك فتقول: “فكنت أخرج كلّ غداةٍ فأجلس في الأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي، سنة أو قريبًا منها، حتى مرّ بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تَحَرَّجُون من هذه المسكينة؟ فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها، فقالوا: الحقي بزوجك إن شئتِ. فردّ بنو عبد الأسد إلى عند ذلك ابني، فارتحلتُ بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حِجْري، ثم خرجتُ أريد زوجي بالمدينة، وما معي أحد من خلق الله”.
3- سهلة بنت سهيل
وهي الصحابية سهلة من بني عمرو القرشية، هاجرت إلى الحبشة برفقة زوجها أبي حذيفة بن عتبة، ثم تزوجت من الصحابي عبد الرحمن بن عوف بعد موت زوجها أبي حذيفة، وأنجبت له ابنه سالم.
وجاء في كتاب “أسد الغابة في معرفة الصحابة” الطبعة العلمية لابن الأثير، أن “سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشية من بني عامر بن لؤي. تقدم نسبها في ترجمة أبيها. وهي امرأة أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة وهاجرت معه إلى الحبشة وولدت له بالحبشة محمد بن أبي حذيفة. وأخبرنا عبيد الله بن أحمد، بإسناده عن يونس، عن ابن إسحاق، في تسمية من هاجر إلى أرض الحبشة: وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكانت معه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو، أخي بني عامر بن لؤي، ولدت له بأرض الحبشة محمد بن أبي حذيفة. ولا عقب له وهي أيضا أم سليط بن عبد الله بن الأسود القرشي العامري، وأم بكير بن شماخ بن سعيد بن قائف، وأم سالم بن عبد الرحمن بن عوف، قاله أبو عمر، والزبير.”
و سهلة بنت سهيل من السابقين إلى الإسلام، أسلمت قديما بمكة وبايعت، وهاجرت إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا. ولسهلة قصة شهيرة مع الرضاعة.
فقد كان زوجها أبو حذيفة تبنى مولى له اسمه سالم، وكان يرى أنه ابنه، وفي يوم ما جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول الله ? فقالت :”إن سالمًا قد بلغ ما يبلغ الرجال. وعقَل ماعقَلوا. وإنه يدخل علينا وإن أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا. فقال لها النبيُّ ? أَرضِعيه تحرُمي عليه، ويذهب الذي في نفسِ أبي حذيفةَ”، فقالت كيف ارضعه وهو كبير؟ ثم رجعت فقالت: إني قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة”.
4- ليلى بنت أبي الحاكم
وهي ليلى بنت أبي حثمة القرشية العدوية، بنت أبي حثمة بن حذيفة بن غانم بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب أخت سليمان بن أبي حثمة، وأم عبد الله بن عامر بن ربيعة. إحدى النساء الأربع اللاتي هاجرن إلى الحبشة في الهجرة الأولى، وقد هاجرت برفقة زوجها الصحابي الجليل عامر بن ربيعة رضي الله عنه.
ليلى بنت أبي الحاكم من المهاجرات، هاجرت الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة، وصلت القبلتين، وهي راوية للحديث حيث روى عنها الصحابية الشفاء بنت عبد الله وابنها عبد الله بن عامر. هاجرت، فرارا بدينها من فتنة الاضطهاد، ومعها زوجها عامر بن ربيعة.
قبيل الانطلاق إلى الحبشة التقت بعمر بن الخطاب وسألها: “إنه الانطلاق يا أم عبد الله؟» فأجابته: “نعم واللَّه لنخرجن فِي أرض اللَّه آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل اللَّه لنا مخرجا” فقال عمر: “صحبكم اللَّه” وحكت عن هذا الموقف بقولها: “ورأيت له رِقة لم أَكن أراها، ثم انصرف وقد أحزنه فيما أرى خروجنا” وكانت تطمع في إسلامه رغم ما كان يتلقى المسلمون منه من البلاء والشدة عليهم.
أسلمت ليلى بنت أبي حثمة هي وزوجها قبل أن يدخل النبي دار الأرقم وقبل الدعوه فيها، ولدت له ابنه عبدالله بن عامر وبه كانت تكنى.كانت بارعة وذات فراسة كعادة العرب. وقد ثبت ذلك في إسلام عمر بن الخطاب الذي التقته قبيل الانطلاق إلى الحبشة، فتحدثت إليه وقالت ععن تلك الواقعة: “عندما أردنا الهجرة بديننا إلى أرض الحبشة خرج عامر في بعض حاجتنا إذا جاء دارنا عمر بن الخطاب وهوعلى شركه وكان أشد الناس عداوة للإسلام حيث لقينا منه الكثير من الأذى والعذاب، فقال إنه الانطلاق يا أم عبدالله؟ فقلت نعم نخرج إلى أرض من أرض الله لا نؤذى في عبادته إذ آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا مخرجاً وكانت داخلها تخشى عمر بن الخطاب وبطشه ولكن نظرت إليه فرأت الحزن في وجهه والرأفة في عينيه؛ لقد أحزنه خروجنا ولم يعترضنا بشيء “.
خرج عمر بن الخطاب، ولكن لم تفارق مخيلته صورة ليلى ونبرة الحزن التي بداخلها وكأنها أحست بندمه على تعرضه وإيذائه للمساكين والضعفاء من المسلمين .وعندما رجع زوجها عامر أخبرته بما دار بينها وابن الخطاب فقالت لو رأيت يا أبا عبدالله وجه عمر وهو خارج من دارنا فقال لها أطمعت في إسلامه؟
قالت نعم فقال لها والله لا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، قال ذلك وهو يائس من إسلامه لما رآه من غلظته وتشدده، وما هي إلا أيام قليلة حتى ذهب عمر لرسول الله وأعلن إسلامه، فكانت هي ضمن أول الوفود المهاجرة للحبشة.
كانت لها مكانة مرموقة عند رسول الله وكان يزورها ويتفقدها كما ظلت تؤدي دورها بين صحابيات رسول الله وكانت قدوة لغيرها من النساء ولم يذكر التاريخ وفاتها ولكن ظلت سيرتها عطرة وهي لها فراسة شهد لها بذلك إسلام الفاروق رضي الله عنه وأرضاه .
دور المرأة في الهجرة النبوية
ومن خلال ما قامت به النساء الأربع في الهجرة الأولى إلى الحبشة، ندرك جيدا دور المرأة المسلمة في تحمل أعباء الدعوة والهجرة، حيث يصل إصرار المرأة على الهجرة بدينها مداه حين تتكرر الهجرة مرة إلى الحبشة وأخرى إلى المدينة.
ويتجلى دور المرأة المسلمة في الهجرة الشريفة من خلال الدور الذي قامت به حيث كانت نعم الناصر والمعين في أمر الهجرة، فلم تخذل أبا أو ابنا أو زوجا، و حفظت خبر الهجرة ولم تفش سر الرحلة لأحد، ولم تتوان أي من نساء الهجرة في تجهيز الرحلة تجهيزا كاملا.
ولأن الهجرة النبوية هي أهم حدث فى تاريخ الإسلام، لذلك أرخ المسلمون به لأيامهم، وكل من أسهم فى نجاحها سجل له التاريخ دوره رجلا كان أو امرأة، فلم يخل ذلك الحدث التاريخى العظيم من دور بارز للمرأة المسلمة تتشرف به نساء الدنيا على مر العصور.
وبخصوص الحديث عن نساء الهجرة، وعن الدور الذى أدته المرأة المسلمة فى الهجرة النبوية، يقول الشيخ أحمد ربيع الأزهرى وهو من علماء الأزهر والأوقاف: “أن المرأة المسلمة أثناء عطائها وتضحياتها فى الهجرة استلهمت هذا النفس القدسى الذى حل فى السيدة هاجر عليها السلام، التى جعل الله لها من اسمها نصيبا، وكانت هجرتها الى الموضع الذى وصف بأنه غير ذى زرع، وكانت عليها السلام نموذجا وقدوة لكل نساء العالمين”. كما تؤكد الدكتورة إلهام محمد شاهين ـ أستاذة العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات العربية والإسلامية بالقاهرة، أن المرأة كان لها دور عظيم فى الهجرة النبوية، طفلة وشابة وكهلة، وأنه علينا أن نتعلم من جلد وتحمل وقوة مواجهة نساء الهجرة لظروف الهجرة.
وهذه رسالة لنساء اليوم تتعلم منها أن المرأة تظل تعمل وتقوم بدورها وتخدم دينها مهما حدث ومهما بلغ بها العمر.
نورالدين قلالة
منذ بزوغ فجر الإسلام، أدركت المرأة المسلمة دورها المنوط بها، فلم تغب لمستها في الكثير من الأحداث التاريخية، وفي مقدمة هذه الأحداث الهجرة النبوية الكبرى التي ساهمت المرأة في تنشيطها والإعداد لها قبيل التحرك من مكة وحتى الوصول إلى الحبشة. فقد شكلت نساء الهجرة اللبنة الأولى لجيل ساهم بقدر وفير في صنع تاريخ الأمة الإسلامية.
لا شك أن المجتمع المسلم لا يقوم إلا باكتمال تعاون الجنسين (الرجل والمرأة) فيما بينهما، ومن أجل ذلك فقهت المرأة المسلمة حدود المسؤولية التي تبوّأتها – كونها مربية الأجيال وصانعة الرجال – وعملت بمقتضاها بما حباها الله عزّ وجل من فطرة سليمة، وعقل نيّر، وفكر واع.
عندما أشار النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه في السنة الخامسة للبعثة، وفي قرابة السنة العاشرة للبعثة بالهجرة إلى الحبشة، وذلك للعديد من الأسباب أهمها وقاية المسلمين من الأذى وحفظ الدعوة الإسلامية، فُتحت أبواب جديدة وهاجر المسلمون بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وجاء في كتاب “الرحيق المختوم” لصفي الرحمن المباركفوري، أنه “في رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة. كان مكونا من اثني عشر رجلا وأربع نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهما: “إنهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام” . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء المهاجرين المهاجرات بالبقاء في المكان الذي هاجروا إليه، ونشر الدعوة الإسلامية هناك، وفي هذه المادة سنتحدث عن نساء الهجرة المهاجرات إلى الحبشة في المرة الأولى.
مبادىء ترسخت في نفوس المهاجرات
لولا أن كان لدى نساء الهجرة وكل المسلمات المتقدمات للهجرة مبادىء ترسخت في نفوسهن لما هاجرن مخلفات وراءهن الأهل والديار فارات بدينهن إلى الله ورسوله.
هذه المبادىء تتلخص في الآتي:
الإدراك الكامل والقناعة التامة لدى المرأة المسلمة بأن مكانها في تلك الظروف هو جنب أخيها الرجل لرفع شأن كلمة الله وإعلاء صوت الحق.
تأصّل جذور العقيدة في النفوس والعقول والقلوب، حيث نتج عنها مفاصلة الجاهلية، واتضح من خلالها نهج الولاء والبراء.
القناعة التامة بأن الإسلام هو دين الله الحقّ، ولإعلاء رايته لا بدّ من المجاهدة المطلقة بكافة أنواعها ومتطلباتها.
اليقين بأنه لن ينصلح للمسلمين عيش إلا في ظل الدولة الإسلامية فهاجرن للمساهمة في إقامتها هناك في الحبشة وفي المدينة المنورة.
حين خاضت المرأة تجربتها هذه أثبتت أنها على قدر عال من القيام بالتكليف الرباني. وقد أثبت هذا الأمر أن المرأة في جميع الأزمنة والعصور تستطيع _ إن أرادت- تقديم الكثير في سبيل نشر دين الله تعالى بين الأمم.
النساء المهاجرات مع الرسول صلى الله عليه وسلم
خرجت من النساء المهاجرات في الهجرة الأولى إلى الحبشة أربع نساء برفقة أزواجهنَّ، وجميعهن كان لهنّ دور في نشر الدعوة الإسلامية إلى جانب الرجال، وقد تحملن الكثير من الأذى في سبيل الدعوة الإسلامية، ومن تلك النساء من عادت إلى مكة أو المدينة لاحقًا بعد هجرته صلى الله عليه وسلم، ومنهن من ماتت في أرض الحبشة أو في طريق عودتها.
1- رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
هاجرت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم برفقة زوجها عثمان بن عفان الذي كان أول من هاجر إلى الحبشة، أما رقية فهي بنت رسول الله من خديجة بنت خويلد، وأسلمت وهي ذات سبع سنين فقط، وكانت قد تزوجت ابن عم أبيها عتبة ابن أبي لهب، ولكنه فارقها بعد نزول الآيات في أبيه، ثم تزوجت عثمان بن عفان وهاجرت برفقته إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وقد توفيت صغيرة وهي تبلغ من العمر 22 عامًا، ودفنت بالبقيع.
كانت السيدة رقية بنت رسول الله تكنى بأم عبد الله، وتكنى بذات الهجرتين، أي هجرة الحبشة وهجرة المدينة. أمها خديجة بنت خويلد، وقد أسلمت حين أسلمت خديجة، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي وأخواتها حين بايعه النساء. وولدت السيدة رقية وعمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث وثلاثون، وبعث النبي وعمره أربعون، وأسلمت رقية مع أمها خديجة، فعلى هذا يكون عمرها عند إسلامها سبع سنوات.
ولما أراد عثمان بن عفان الخروج إلى أرض الحبشة، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اخرج برقية معك”. قال: أخال واحد منكما يصبر على صاحبه، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فقال: “ائتني بخبرهما”. فرجعت أسماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر رضي الله عنه فقالت: يا رسول الله، أخرج حمارا موكفًا فحملها عليه، وأخذ بها نحو البحر. فقال رسول الله : “يا أبا بكر، إنهما لأول من هاجر بعد لوط وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام”.
وقد شاءت قدرة الله لرقية أن ترزق بعد صبرها زوجا صالحا كريما من الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ذلك هو عثمان بن عفان رضي الله عنه صاحب النسب العريق، والطلعة البهية، والمال الموفور، والخلق الكريم.
2- أم سلمة
وهي أم المؤمنين أم سلمة من بني أمية من السابقين في الإسلام، وكانت قد هاجرت إلى الحبشة برفقة زوجها أبي سلمة، وبعد وفاته تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت آخر أمهات المؤمنين وفاةً، وقيل إنها توفيت في خلافة يزيد بن معاوية.
وقصة أم سلمة مع الهجرة لها معان وحكم كثيرة، وما تعرضت له أم سلمة في هجرتها من الصعب أن تتحمله أية امرأة أخرى، فهي مثال قلما نجده في النساء اليوم. فقد كان من أمرها أنها لما أرادت الهجرة مع زوجها أبي سلمة وابنها سلمة، فاعترض طريقهم بنو المغيرة (قبيلة أم سلمة) فنزعوا خطام البعير من يده، وأخذوا زوجته منه. وغضب بنو عبد الأسد (قبيلة أبي سلمة) وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها صاحبنا، فتجاذبوا الطفل سلمة حتى خلعوا يده، ثم انطلقوا إلى موطنهم، وحبس بنو المغيرة أم سلمة عندهم، وانطلق أبو سلمة وبقي ابنه وقد خُلع كتفه عند قومه.
وفي “السيرة النبوية” لابن هشام، تروي أم سلمة ما حدث لها من جرّاء ذلك فتقول: “فكنت أخرج كلّ غداةٍ فأجلس في الأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي، سنة أو قريبًا منها، حتى مرّ بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تَحَرَّجُون من هذه المسكينة؟ فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها، فقالوا: الحقي بزوجك إن شئتِ. فردّ بنو عبد الأسد إلى عند ذلك ابني، فارتحلتُ بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حِجْري، ثم خرجتُ أريد زوجي بالمدينة، وما معي أحد من خلق الله”.
3- سهلة بنت سهيل
وهي الصحابية سهلة من بني عمرو القرشية، هاجرت إلى الحبشة برفقة زوجها أبي حذيفة بن عتبة، ثم تزوجت من الصحابي عبد الرحمن بن عوف بعد موت زوجها أبي حذيفة، وأنجبت له ابنه سالم.
وجاء في كتاب “أسد الغابة في معرفة الصحابة” الطبعة العلمية لابن الأثير، أن “سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشية من بني عامر بن لؤي. تقدم نسبها في ترجمة أبيها. وهي امرأة أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة وهاجرت معه إلى الحبشة وولدت له بالحبشة محمد بن أبي حذيفة. وأخبرنا عبيد الله بن أحمد، بإسناده عن يونس، عن ابن إسحاق، في تسمية من هاجر إلى أرض الحبشة: وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وكانت معه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو، أخي بني عامر بن لؤي، ولدت له بأرض الحبشة محمد بن أبي حذيفة. ولا عقب له وهي أيضا أم سليط بن عبد الله بن الأسود القرشي العامري، وأم بكير بن شماخ بن سعيد بن قائف، وأم سالم بن عبد الرحمن بن عوف، قاله أبو عمر، والزبير.”
و سهلة بنت سهيل من السابقين إلى الإسلام، أسلمت قديما بمكة وبايعت، وهاجرت إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا. ولسهلة قصة شهيرة مع الرضاعة.
فقد كان زوجها أبو حذيفة تبنى مولى له اسمه سالم، وكان يرى أنه ابنه، وفي يوم ما جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول الله ? فقالت :”إن سالمًا قد بلغ ما يبلغ الرجال. وعقَل ماعقَلوا. وإنه يدخل علينا وإن أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا. فقال لها النبيُّ ? أَرضِعيه تحرُمي عليه، ويذهب الذي في نفسِ أبي حذيفةَ”، فقالت كيف ارضعه وهو كبير؟ ثم رجعت فقالت: إني قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة”.
4- ليلى بنت أبي الحاكم
وهي ليلى بنت أبي حثمة القرشية العدوية، بنت أبي حثمة بن حذيفة بن غانم بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب أخت سليمان بن أبي حثمة، وأم عبد الله بن عامر بن ربيعة. إحدى النساء الأربع اللاتي هاجرن إلى الحبشة في الهجرة الأولى، وقد هاجرت برفقة زوجها الصحابي الجليل عامر بن ربيعة رضي الله عنه.
ليلى بنت أبي الحاكم من المهاجرات، هاجرت الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة، وصلت القبلتين، وهي راوية للحديث حيث روى عنها الصحابية الشفاء بنت عبد الله وابنها عبد الله بن عامر. هاجرت، فرارا بدينها من فتنة الاضطهاد، ومعها زوجها عامر بن ربيعة.
قبيل الانطلاق إلى الحبشة التقت بعمر بن الخطاب وسألها: “إنه الانطلاق يا أم عبد الله؟» فأجابته: “نعم واللَّه لنخرجن فِي أرض اللَّه آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل اللَّه لنا مخرجا” فقال عمر: “صحبكم اللَّه” وحكت عن هذا الموقف بقولها: “ورأيت له رِقة لم أَكن أراها، ثم انصرف وقد أحزنه فيما أرى خروجنا” وكانت تطمع في إسلامه رغم ما كان يتلقى المسلمون منه من البلاء والشدة عليهم.
أسلمت ليلى بنت أبي حثمة هي وزوجها قبل أن يدخل النبي دار الأرقم وقبل الدعوه فيها، ولدت له ابنه عبدالله بن عامر وبه كانت تكنى.كانت بارعة وذات فراسة كعادة العرب. وقد ثبت ذلك في إسلام عمر بن الخطاب الذي التقته قبيل الانطلاق إلى الحبشة، فتحدثت إليه وقالت ععن تلك الواقعة: “عندما أردنا الهجرة بديننا إلى أرض الحبشة خرج عامر في بعض حاجتنا إذا جاء دارنا عمر بن الخطاب وهوعلى شركه وكان أشد الناس عداوة للإسلام حيث لقينا منه الكثير من الأذى والعذاب، فقال إنه الانطلاق يا أم عبدالله؟ فقلت نعم نخرج إلى أرض من أرض الله لا نؤذى في عبادته إذ آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا مخرجاً وكانت داخلها تخشى عمر بن الخطاب وبطشه ولكن نظرت إليه فرأت الحزن في وجهه والرأفة في عينيه؛ لقد أحزنه خروجنا ولم يعترضنا بشيء “.
خرج عمر بن الخطاب، ولكن لم تفارق مخيلته صورة ليلى ونبرة الحزن التي بداخلها وكأنها أحست بندمه على تعرضه وإيذائه للمساكين والضعفاء من المسلمين .وعندما رجع زوجها عامر أخبرته بما دار بينها وابن الخطاب فقالت لو رأيت يا أبا عبدالله وجه عمر وهو خارج من دارنا فقال لها أطمعت في إسلامه؟
قالت نعم فقال لها والله لا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، قال ذلك وهو يائس من إسلامه لما رآه من غلظته وتشدده، وما هي إلا أيام قليلة حتى ذهب عمر لرسول الله وأعلن إسلامه، فكانت هي ضمن أول الوفود المهاجرة للحبشة.
كانت لها مكانة مرموقة عند رسول الله وكان يزورها ويتفقدها كما ظلت تؤدي دورها بين صحابيات رسول الله وكانت قدوة لغيرها من النساء ولم يذكر التاريخ وفاتها ولكن ظلت سيرتها عطرة وهي لها فراسة شهد لها بذلك إسلام الفاروق رضي الله عنه وأرضاه .
دور المرأة في الهجرة النبوية
ومن خلال ما قامت به النساء الأربع في الهجرة الأولى إلى الحبشة، ندرك جيدا دور المرأة المسلمة في تحمل أعباء الدعوة والهجرة، حيث يصل إصرار المرأة على الهجرة بدينها مداه حين تتكرر الهجرة مرة إلى الحبشة وأخرى إلى المدينة.
ويتجلى دور المرأة المسلمة في الهجرة الشريفة من خلال الدور الذي قامت به حيث كانت نعم الناصر والمعين في أمر الهجرة، فلم تخذل أبا أو ابنا أو زوجا، و حفظت خبر الهجرة ولم تفش سر الرحلة لأحد، ولم تتوان أي من نساء الهجرة في تجهيز الرحلة تجهيزا كاملا.
ولأن الهجرة النبوية هي أهم حدث فى تاريخ الإسلام، لذلك أرخ المسلمون به لأيامهم، وكل من أسهم فى نجاحها سجل له التاريخ دوره رجلا كان أو امرأة، فلم يخل ذلك الحدث التاريخى العظيم من دور بارز للمرأة المسلمة تتشرف به نساء الدنيا على مر العصور.
وبخصوص الحديث عن نساء الهجرة، وعن الدور الذى أدته المرأة المسلمة فى الهجرة النبوية، يقول الشيخ أحمد ربيع الأزهرى وهو من علماء الأزهر والأوقاف: “أن المرأة المسلمة أثناء عطائها وتضحياتها فى الهجرة استلهمت هذا النفس القدسى الذى حل فى السيدة هاجر عليها السلام، التى جعل الله لها من اسمها نصيبا، وكانت هجرتها الى الموضع الذى وصف بأنه غير ذى زرع، وكانت عليها السلام نموذجا وقدوة لكل نساء العالمين”. كما تؤكد الدكتورة إلهام محمد شاهين ـ أستاذة العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات العربية والإسلامية بالقاهرة، أن المرأة كان لها دور عظيم فى الهجرة النبوية، طفلة وشابة وكهلة، وأنه علينا أن نتعلم من جلد وتحمل وقوة مواجهة نساء الهجرة لظروف الهجرة.
وهذه رسالة لنساء اليوم تتعلم منها أن المرأة تظل تعمل وتقوم بدورها وتخدم دينها مهما حدث ومهما بلغ بها العمر.