فريق منتدى الدي في دي العربي
07-19-2022, 10:04 PM
الزكاة للمصابين بكورونا .. نظرة في أقوال الفقهاء
إدريس أحمد
من الأمور التي يتكرر السؤال عنها كل عام في شهر رمضان المبارك، هو ما حكم تعجيل الزكاة عن وقتها؟ حيث إن العادة التي استقرت عليها المجتمعات المسلمة تعجيل الزكاة وإخراجها أثناء رمضان، للفضل الذي يختص به هذا الشهر، ولكن مع وضع جائحة كورونا المستجد الحالي، والفيروس في حالة من تكاثر السلالة، وقوة الانتشار، وسرعة الانتقال وإصابة الأصحاء، حتى حصد الأرواح، فإن المسألة قد تأخذ صورة مختلفة، هل يجوز دفع الزكاة إلى المستشفيات التي تقدم الرعاية الصحية اللازمة للمرضى المصابين بكورونا؟
هذه الزكاة للمصابين بكورونا حين تدفع لهذه الجهة فإنها بلا شك ستدخل ضمن الأموال التي تخضع لشراء المعدات والأجهزة والأدوية ومستلزمات أخرى للمستشفى مما يعين على تقديم الرعاية المناسبة، وتدخل كذلك في المنافع العامة التي لا يتوفر فيها شرط التمليك لعين الزكاة إلى مصارفها المحددة بالشرع المبين.
وقد اجتهدت مؤسسات الفتوى في العالم الإسلامي في حكم الحالة المذكورة، واختلفت آراؤهم في تكييف الحكم من أجل الوصول إلى الرأي المناسب الموافق لمقاصد التشريع الإسلامي، نذكر هنا بعض الفتاوى الصادرة من بعض مجالس الفتوى، وهي تجيز هذا الأمر، ثم نراجع بعض القضايا الأساسية التي استندت هذه الفتاوى:
1 – موقف دار الإفتاء المصرية
جاء في أجوبة دار الإفتاء المصرية جواز دفع الزكاة إلى المستشفيات التي جرى العرف أنها تعالج المرضى الفقراء مجانا، لاسيما الزكاة للمصابين بكورونا وبنوا الفتوى على أن الزكاة تمليك للفقراء لسد حاجتهم، ولا شك أن الحاجة للدواء حاجة مُلِّحَة؛ فلا حرج أن نعطي من الزكاة ما يرفع هذه الحاجة.
كما بنوها على قول جمعِ من الفقهاء الذين أجازوا صرف الزكاة إلى جميع وجوه الخير من المصالح العامة، والتي لا يختص بالانتفاع بها شخص محدد، كالمستشفيات الحكومية التي يلجأ إليها المرضى الفقراء وذوي الدخل المحدود؛ وذلك تفسيرًا لقوله – تعالى: في مصارف الزكاة { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ }[ التوبة: 60].
ومما نص عليه دار الإفتاء المصرية: “يمكن اللجوءُ إلى هذا القول عند الحاجة كما هو الحال في دعم المستشفيات المجانية بما يرجع بشكل مباشر إلى علاج المرضى؛ كالأجهزة الطبية والأدوية والمستلزمات والأَسِرَّة، أما ما يختص بالمباني وغيرها -إنشاءً أو صيانة- مما يرجع إلى العلاج بشكل غير مباشر فنرى عدم التوسع فيه من الزكاة إلا عندما تمس الحاجة ولا يتوفر من موارد التبرعات والصدقات الجارية ما يفي بذلك.”
ويظهر من هذه الفتوى أن دار الإفتاء المصرية رغم تخريج حالة دفع الزكاة إلى المستشفيات على القول الذي يرى توسيع مصرف (وفي سبيل الله)، إلا أنها ترى ضرورة البقاء على المقصد الأصلي وهو تمليك الزكاة للفقراء والمساكين لكفاية حاجاتهم، وأجازت دفع الزكاة إلى المستشفيات للحاجة الداعية إلى دعمهم.
يقول دار الإفتاء: ” دعم المستشفيات الخيرية وإن كان مآله يرجع إلى علاج فقراء المرضى إلَّا أنه ليس فيه تمليك الزكاة المباشر المخصوص للفقراء الذي هو المقصود الأصلي لها، ومن ثَم فقد أُجِيز ذلك استثناءً على خلاف الأصل للحاجة الداعية إليه”.
2- موقف المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث
أجاز المجلس دفع زكاة المال أو زكاة الفطر للمستشفيات في ظل أزمة كورونا، وبنى هذا الفتوى على مبدأ التعاون على البر المطلوب شرعا من المسلمين، فقال:
“ودعم المستشفيات هو ضرب من ضروب التعاون على البرّ ومن صور فعل الخير، ويمكن أن يكون ذلك كلّه من مال الصدقة التي تعدّ من الحقوق الواجبة في المال، علمًا بأنّه لا حدَّ للصدقة قلّة وكثرة، حيث يمكن للمرء أن يتصدّق بما يزيد على مقدار الزكاة الواجبة، شريطة ألّا يؤدّي ذلك إلى الإخلال بحاجات من يعولهم من أهله.
أمّا زكاة المال فالأصل أن تؤدّى في مصارفها الثمانية المذكورة في الآية: ?إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ? فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ? وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ? [التوبة: 60]
والأصل في زكاة الفطر أن تؤدّى للفقراء لقول ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ? زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ“. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وقد أجاز ابن سيرين والزهري والأحناف دفعها لفقراء غير المسلمين.
وعليه فإنّنا نرى ترتيب الأولويات لتعدّد الحاجات حتى يحدث التوازن وعدم الإخلال بحاجة مصرف دون غيره، بحيث تعطى المستشفيات من عموم مال الصدقة وتبقى الزكاة لتصرف اليوم في سدّ حاجات الفقراء والمساكين من آحاد الناس والأسر، خاصّة أنّ الأزمة ضاعفت من أعداد الفقراء والمعوزين، كما يمكن أيضًا توجيه قدر من الزكاة لسدّ حاجات المراكز الإسلاميّة كما بيَّن المجلس”.
وهذا البيان لا يتضح جيدا إن كان يجوز صرف الزكاة للمستشفيات التي ترعى مرضى كورونا، حتى لو كان على وجه الاستثناء، على نحو ما سبق من فتوى دار الإفتاء المصرية.
ولعل ما أدلى به الدكتور خالد حنفي – الأمين العام المساعد للمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث – في تصريحاته للجزيرة مباشر، يفيدنا في تفسير البيان الرسمي من مجلس الإفتاء الأوروبي، فقد قال حنفي: “الرأي الذي نرجحه هو جواز إعطاء غير المسلم من الزكاة، فإذا كانت المستشفى قاصرة على الفقراء من المسلمين وغير المسلمين جاز دفع الزكاة لها”.
كفاية المحتاجين في الزكاة
في النموذجين السابقين كان أحد مبررات دفع الزكاة للمصابين بكورونا أن الحاجة القائمة تهدد حياة العالم – جائحة كورونا – ويلزم تقديم العون والمساعدة للحد منه، كل حسب طاقته، ولكن يظهر في هذا التصريح أنهم يراعون شرط الكفاية للمصارف الثمانية، فمنهم من يرى عدم الإخلال بهذا الجانب في الفقراء المستحقين، ليس على حساب مساعدة حاجات المستشفيات، ومنهم من يرى أن مال الزكاة يدفع للمستشفيات التي تعنى بالمرضى من الفقراء، واعتبر حاجتهم هنا إلى الملبس مثل حاجتهم إلى الدواء.
ولو أردنا أن نطوف على بعض أقوال الفقهاء عن حقيقة الكفاية المعتبرة للفقراء والمساكين نجد الكفاية لديهم تشمل الرعاية الصحية بشكل واضح، رغم الخلاف الفقهي بين حد الكفاية:
فمنهم من يرى الكفاية إخراج الفقير من الحاجة بشكل كامل، وهذا اختيار الشافعية، ويرى أخرون أن الكفاية إعطاء ما يكفي حاجة الفقير للسنة الواحدة لأن أموال الزكاة حولية، وهذا اختيار المالكية والحنابلة.
وما يظهر من هذا الخلاف أن الكفاية للفقير والمسكين من مال الزكاة مقصد مطلوب لا سيما حين تشرف على الزكاة جمعا وتوزيعا مؤسسات الزكاة الرسمية، فهنا يجب على هذه المؤسسات مراعاة هذا المعنى.
وبناء على هذا التحرير فإن الكفاية تشمل جميع حاجات الفقير من المأوى والعيش والصنعة لو كان صاحب حرفة وصناعة وغير ذلك، حتى التزويج ، وهي مما لا يمكن قصره على تمليك عين المال، لأن ما ذكر من الحاجات يدخل ضمن تغطية المنافع الخاصة.
لذلك كان من سياسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: (إذا أعطيتم فأغنوا). [مصنف عبد الرزاق: 4/449].
جاء في فقه الزكاة للقرضاوي: كـان عمـر يعمـل علـى إغنـاء الفقير بالزكاة، لا مجرد سـد جوعتـه بلقيمـات أو إقالـة عثرتـه بدريهمات.
ويذكر النووي: «والمعتبر في قولنا يقع موقعا من كفايته المطعم والملبس والمسكن وسائر مالا بد له منه على ما يليق بحاله بغير إسراف ولا إقتار لنفس الشخص ولمن هو في نفقته». «المجموع شرح المهذب» (6/ 191).
بل أجاز بعض الفقهاء تزويج الفقير إن احتاج إلى النكاح[1]. وجاء في حاشية الدسوقي: «يجوز أن يدفع من الزكاة للفقير في مرة واحدة من عين أو حرث أو ماشية كفاية سنة من نفقة وكسوة، وإن اتسع المال زيد العبد *ومهر الزوجة»[2].
وتبعا لأصل الكفاية يظهر أنه يمكن دفع الزكاة للمستشفيات المخصصة في علاج مرضى كورونا خصوصا إذا كانت مما تقدم الخدمة مجانا، ولا يتعارض مع الكفاية المعتبرة في القدر المحدد للفقير. لأن علاج الفقير يدخل في الكفاية. يقول الخطابي:
«*الحد *الذي *ينتهي *إليه العطاء في الصدقة هو الكفاية التي تكون بها قوام العيش وسداد الخله وذلك يعتبر في كل إنسان بقدر حاله ومعيشته ليس فيه حد معلوم يحمل عليه الناس كلهم مع اختلاف أحوالهم.»[3]
المصلحة العامة
يظهر كذلك في الفتاوى المذكورة خصوصا من دار الإفتاء المصرية أن صرف الزكاة للمستشفيات يدخل في مدلولات مصرف (وفي سبيل الله)، فإن من مذاهب بعض الفقهاء أن (سبيل الله) يشمل جميع وجوه الخير من المصالح العامة، والتي لا يختص بالانتفاع بها شخص محدد.
وقد أشار ابن الأثير إلى أن أصل دلالة كلمة (سبيل الله) في الشرع عامة لجميع أبواب الخير، ثم ما طرأ عليها التضييق بالجهاد أو الغزاة، فقال: وسبيل الله عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات، وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد، حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه[4].
وما ذكره ابن الأثير يشير إلى الخلاف الفقهي القديم في تحرير المقصود بمصرف (في سبيل الله)، وما يشمله هذا المصرف وما يخرج عنه، وهل يقصر معنى (في سبيل الله) على الجهاد كما يتبادر إلى الذهن عند الإطلاق، أم يتجاوز ذلك فيشمل المعنى الأصلي للكلمة في اللغة، فلا يبقى عمل من أعمال الخير والبر والإحسان إلا دخل فيه؟
فقد رأينا الكاساني من فقهاء الحنفية يجيز صرف الزكاة إلى جميع أبواب الخير والقرب والطاعات غير أنه يشترط تمليكها لشخص بعينه، فلا تعطى لجهة عامة، وشرط التمليك يجعل كلامه يندرج تحت كلام جمهور الفقهاء.
وذهب فقهاء آخرون إلى توسيع دائرة في سبيل الله ليشمل المصالح العامة للمسلمين، حيث التزم هؤلاء أصل الكلمة في الاستعمال، جاء في التحرير والتنوير: «قال الطبري: الصدقة لسد خلة المسلمين أو لسد خلة الإسلام، وذلك مفهوم من مآخذ القرآن في بيان الأصناف وتعدادهم. قلت وهذا الذي اختاره حذاق النظار من العلماء، مثل ابن العربي، وفخر الدين الرازي.»[5]
من هؤلاء السيد صديق حسن خان، والقاسمي من علماء الشام، والسيد رشيد رضا، والشيخ شلتوت، والشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق وغيرهم[6].
وفي النهاية صرف الزكاة إلى المستشفيات القائمة بعلاج المصابين بمرض كورونا ليس أمرا جديدا، ويوجد من أقوال الفقهاء وفتاواهم ما يعين على جوازه.
[1] قال في «حاشية الروض المربع لابن قاسم» (3/ 311): ومن تمام الكفاية ما يأخذه الفقير ليتزوج، إن لم يكن له زوجة، واحتاج إلى النكاح.
[2] «الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي» (1/ 494).
[3] «معالم السنن» (2/ 68).
[4] «النهاية في غريب الحديث والأثر» (2/ 339)
[5] «التحرير والتنوير» (10/ 237)
[6] فقه الزكاة (620).
إدريس أحمد
من الأمور التي يتكرر السؤال عنها كل عام في شهر رمضان المبارك، هو ما حكم تعجيل الزكاة عن وقتها؟ حيث إن العادة التي استقرت عليها المجتمعات المسلمة تعجيل الزكاة وإخراجها أثناء رمضان، للفضل الذي يختص به هذا الشهر، ولكن مع وضع جائحة كورونا المستجد الحالي، والفيروس في حالة من تكاثر السلالة، وقوة الانتشار، وسرعة الانتقال وإصابة الأصحاء، حتى حصد الأرواح، فإن المسألة قد تأخذ صورة مختلفة، هل يجوز دفع الزكاة إلى المستشفيات التي تقدم الرعاية الصحية اللازمة للمرضى المصابين بكورونا؟
هذه الزكاة للمصابين بكورونا حين تدفع لهذه الجهة فإنها بلا شك ستدخل ضمن الأموال التي تخضع لشراء المعدات والأجهزة والأدوية ومستلزمات أخرى للمستشفى مما يعين على تقديم الرعاية المناسبة، وتدخل كذلك في المنافع العامة التي لا يتوفر فيها شرط التمليك لعين الزكاة إلى مصارفها المحددة بالشرع المبين.
وقد اجتهدت مؤسسات الفتوى في العالم الإسلامي في حكم الحالة المذكورة، واختلفت آراؤهم في تكييف الحكم من أجل الوصول إلى الرأي المناسب الموافق لمقاصد التشريع الإسلامي، نذكر هنا بعض الفتاوى الصادرة من بعض مجالس الفتوى، وهي تجيز هذا الأمر، ثم نراجع بعض القضايا الأساسية التي استندت هذه الفتاوى:
1 – موقف دار الإفتاء المصرية
جاء في أجوبة دار الإفتاء المصرية جواز دفع الزكاة إلى المستشفيات التي جرى العرف أنها تعالج المرضى الفقراء مجانا، لاسيما الزكاة للمصابين بكورونا وبنوا الفتوى على أن الزكاة تمليك للفقراء لسد حاجتهم، ولا شك أن الحاجة للدواء حاجة مُلِّحَة؛ فلا حرج أن نعطي من الزكاة ما يرفع هذه الحاجة.
كما بنوها على قول جمعِ من الفقهاء الذين أجازوا صرف الزكاة إلى جميع وجوه الخير من المصالح العامة، والتي لا يختص بالانتفاع بها شخص محدد، كالمستشفيات الحكومية التي يلجأ إليها المرضى الفقراء وذوي الدخل المحدود؛ وذلك تفسيرًا لقوله – تعالى: في مصارف الزكاة { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ }[ التوبة: 60].
ومما نص عليه دار الإفتاء المصرية: “يمكن اللجوءُ إلى هذا القول عند الحاجة كما هو الحال في دعم المستشفيات المجانية بما يرجع بشكل مباشر إلى علاج المرضى؛ كالأجهزة الطبية والأدوية والمستلزمات والأَسِرَّة، أما ما يختص بالمباني وغيرها -إنشاءً أو صيانة- مما يرجع إلى العلاج بشكل غير مباشر فنرى عدم التوسع فيه من الزكاة إلا عندما تمس الحاجة ولا يتوفر من موارد التبرعات والصدقات الجارية ما يفي بذلك.”
ويظهر من هذه الفتوى أن دار الإفتاء المصرية رغم تخريج حالة دفع الزكاة إلى المستشفيات على القول الذي يرى توسيع مصرف (وفي سبيل الله)، إلا أنها ترى ضرورة البقاء على المقصد الأصلي وهو تمليك الزكاة للفقراء والمساكين لكفاية حاجاتهم، وأجازت دفع الزكاة إلى المستشفيات للحاجة الداعية إلى دعمهم.
يقول دار الإفتاء: ” دعم المستشفيات الخيرية وإن كان مآله يرجع إلى علاج فقراء المرضى إلَّا أنه ليس فيه تمليك الزكاة المباشر المخصوص للفقراء الذي هو المقصود الأصلي لها، ومن ثَم فقد أُجِيز ذلك استثناءً على خلاف الأصل للحاجة الداعية إليه”.
2- موقف المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث
أجاز المجلس دفع زكاة المال أو زكاة الفطر للمستشفيات في ظل أزمة كورونا، وبنى هذا الفتوى على مبدأ التعاون على البر المطلوب شرعا من المسلمين، فقال:
“ودعم المستشفيات هو ضرب من ضروب التعاون على البرّ ومن صور فعل الخير، ويمكن أن يكون ذلك كلّه من مال الصدقة التي تعدّ من الحقوق الواجبة في المال، علمًا بأنّه لا حدَّ للصدقة قلّة وكثرة، حيث يمكن للمرء أن يتصدّق بما يزيد على مقدار الزكاة الواجبة، شريطة ألّا يؤدّي ذلك إلى الإخلال بحاجات من يعولهم من أهله.
أمّا زكاة المال فالأصل أن تؤدّى في مصارفها الثمانية المذكورة في الآية: ?إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ? فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ? وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ? [التوبة: 60]
والأصل في زكاة الفطر أن تؤدّى للفقراء لقول ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ? زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ“. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وقد أجاز ابن سيرين والزهري والأحناف دفعها لفقراء غير المسلمين.
وعليه فإنّنا نرى ترتيب الأولويات لتعدّد الحاجات حتى يحدث التوازن وعدم الإخلال بحاجة مصرف دون غيره، بحيث تعطى المستشفيات من عموم مال الصدقة وتبقى الزكاة لتصرف اليوم في سدّ حاجات الفقراء والمساكين من آحاد الناس والأسر، خاصّة أنّ الأزمة ضاعفت من أعداد الفقراء والمعوزين، كما يمكن أيضًا توجيه قدر من الزكاة لسدّ حاجات المراكز الإسلاميّة كما بيَّن المجلس”.
وهذا البيان لا يتضح جيدا إن كان يجوز صرف الزكاة للمستشفيات التي ترعى مرضى كورونا، حتى لو كان على وجه الاستثناء، على نحو ما سبق من فتوى دار الإفتاء المصرية.
ولعل ما أدلى به الدكتور خالد حنفي – الأمين العام المساعد للمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث – في تصريحاته للجزيرة مباشر، يفيدنا في تفسير البيان الرسمي من مجلس الإفتاء الأوروبي، فقد قال حنفي: “الرأي الذي نرجحه هو جواز إعطاء غير المسلم من الزكاة، فإذا كانت المستشفى قاصرة على الفقراء من المسلمين وغير المسلمين جاز دفع الزكاة لها”.
كفاية المحتاجين في الزكاة
في النموذجين السابقين كان أحد مبررات دفع الزكاة للمصابين بكورونا أن الحاجة القائمة تهدد حياة العالم – جائحة كورونا – ويلزم تقديم العون والمساعدة للحد منه، كل حسب طاقته، ولكن يظهر في هذا التصريح أنهم يراعون شرط الكفاية للمصارف الثمانية، فمنهم من يرى عدم الإخلال بهذا الجانب في الفقراء المستحقين، ليس على حساب مساعدة حاجات المستشفيات، ومنهم من يرى أن مال الزكاة يدفع للمستشفيات التي تعنى بالمرضى من الفقراء، واعتبر حاجتهم هنا إلى الملبس مثل حاجتهم إلى الدواء.
ولو أردنا أن نطوف على بعض أقوال الفقهاء عن حقيقة الكفاية المعتبرة للفقراء والمساكين نجد الكفاية لديهم تشمل الرعاية الصحية بشكل واضح، رغم الخلاف الفقهي بين حد الكفاية:
فمنهم من يرى الكفاية إخراج الفقير من الحاجة بشكل كامل، وهذا اختيار الشافعية، ويرى أخرون أن الكفاية إعطاء ما يكفي حاجة الفقير للسنة الواحدة لأن أموال الزكاة حولية، وهذا اختيار المالكية والحنابلة.
وما يظهر من هذا الخلاف أن الكفاية للفقير والمسكين من مال الزكاة مقصد مطلوب لا سيما حين تشرف على الزكاة جمعا وتوزيعا مؤسسات الزكاة الرسمية، فهنا يجب على هذه المؤسسات مراعاة هذا المعنى.
وبناء على هذا التحرير فإن الكفاية تشمل جميع حاجات الفقير من المأوى والعيش والصنعة لو كان صاحب حرفة وصناعة وغير ذلك، حتى التزويج ، وهي مما لا يمكن قصره على تمليك عين المال، لأن ما ذكر من الحاجات يدخل ضمن تغطية المنافع الخاصة.
لذلك كان من سياسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: (إذا أعطيتم فأغنوا). [مصنف عبد الرزاق: 4/449].
جاء في فقه الزكاة للقرضاوي: كـان عمـر يعمـل علـى إغنـاء الفقير بالزكاة، لا مجرد سـد جوعتـه بلقيمـات أو إقالـة عثرتـه بدريهمات.
ويذكر النووي: «والمعتبر في قولنا يقع موقعا من كفايته المطعم والملبس والمسكن وسائر مالا بد له منه على ما يليق بحاله بغير إسراف ولا إقتار لنفس الشخص ولمن هو في نفقته». «المجموع شرح المهذب» (6/ 191).
بل أجاز بعض الفقهاء تزويج الفقير إن احتاج إلى النكاح[1]. وجاء في حاشية الدسوقي: «يجوز أن يدفع من الزكاة للفقير في مرة واحدة من عين أو حرث أو ماشية كفاية سنة من نفقة وكسوة، وإن اتسع المال زيد العبد *ومهر الزوجة»[2].
وتبعا لأصل الكفاية يظهر أنه يمكن دفع الزكاة للمستشفيات المخصصة في علاج مرضى كورونا خصوصا إذا كانت مما تقدم الخدمة مجانا، ولا يتعارض مع الكفاية المعتبرة في القدر المحدد للفقير. لأن علاج الفقير يدخل في الكفاية. يقول الخطابي:
«*الحد *الذي *ينتهي *إليه العطاء في الصدقة هو الكفاية التي تكون بها قوام العيش وسداد الخله وذلك يعتبر في كل إنسان بقدر حاله ومعيشته ليس فيه حد معلوم يحمل عليه الناس كلهم مع اختلاف أحوالهم.»[3]
المصلحة العامة
يظهر كذلك في الفتاوى المذكورة خصوصا من دار الإفتاء المصرية أن صرف الزكاة للمستشفيات يدخل في مدلولات مصرف (وفي سبيل الله)، فإن من مذاهب بعض الفقهاء أن (سبيل الله) يشمل جميع وجوه الخير من المصالح العامة، والتي لا يختص بالانتفاع بها شخص محدد.
وقد أشار ابن الأثير إلى أن أصل دلالة كلمة (سبيل الله) في الشرع عامة لجميع أبواب الخير، ثم ما طرأ عليها التضييق بالجهاد أو الغزاة، فقال: وسبيل الله عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات، وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد، حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه[4].
وما ذكره ابن الأثير يشير إلى الخلاف الفقهي القديم في تحرير المقصود بمصرف (في سبيل الله)، وما يشمله هذا المصرف وما يخرج عنه، وهل يقصر معنى (في سبيل الله) على الجهاد كما يتبادر إلى الذهن عند الإطلاق، أم يتجاوز ذلك فيشمل المعنى الأصلي للكلمة في اللغة، فلا يبقى عمل من أعمال الخير والبر والإحسان إلا دخل فيه؟
فقد رأينا الكاساني من فقهاء الحنفية يجيز صرف الزكاة إلى جميع أبواب الخير والقرب والطاعات غير أنه يشترط تمليكها لشخص بعينه، فلا تعطى لجهة عامة، وشرط التمليك يجعل كلامه يندرج تحت كلام جمهور الفقهاء.
وذهب فقهاء آخرون إلى توسيع دائرة في سبيل الله ليشمل المصالح العامة للمسلمين، حيث التزم هؤلاء أصل الكلمة في الاستعمال، جاء في التحرير والتنوير: «قال الطبري: الصدقة لسد خلة المسلمين أو لسد خلة الإسلام، وذلك مفهوم من مآخذ القرآن في بيان الأصناف وتعدادهم. قلت وهذا الذي اختاره حذاق النظار من العلماء، مثل ابن العربي، وفخر الدين الرازي.»[5]
من هؤلاء السيد صديق حسن خان، والقاسمي من علماء الشام، والسيد رشيد رضا، والشيخ شلتوت، والشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق وغيرهم[6].
وفي النهاية صرف الزكاة إلى المستشفيات القائمة بعلاج المصابين بمرض كورونا ليس أمرا جديدا، ويوجد من أقوال الفقهاء وفتاواهم ما يعين على جوازه.
[1] قال في «حاشية الروض المربع لابن قاسم» (3/ 311): ومن تمام الكفاية ما يأخذه الفقير ليتزوج، إن لم يكن له زوجة، واحتاج إلى النكاح.
[2] «الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي» (1/ 494).
[3] «معالم السنن» (2/ 68).
[4] «النهاية في غريب الحديث والأثر» (2/ 339)
[5] «التحرير والتنوير» (10/ 237)
[6] فقه الزكاة (620).