مشاهدة النسخة كاملة : لكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل نبي ولاة من النبيين)


فريق منتدى الدي في دي العربي
07-20-2022, 07:10 PM
الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل نبي ولاة من النبيين)
فواز بن علي بن عباس السليماني



قال المصَنِّفُ: وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلَاةً مِنْ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ وَلِيِّي مِنْهُمُ أَبِي إِبْرَاهِيم وَخَلِيلُ رَبِّي»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَالله وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾[1]، رواه الترمذي[2].

قوله: (إن لكن نبي ولاة): قال المبارك فوري: في "تحفة الأحوذي" (8/ 274): قوله: «إن لكل نبي ولاة» ـ بضم الواو ـ جمع ولي، قال التوربشتي: أي: أحباء وقرناء، هم أولى به من غيرهم.


قوله: «من النبيين»: حال من الولاة أي: كائنين من النبيين.


قوله: «وإن وليي أبي»: يعني إبراهيم، وقد بينه بقوله: «وخليل ربي» خبر بعد خبر لأن، ثم قرأ استشهادًا: ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيم ﴾ أي: أحقهم به للذين اتبعوه أي: في زمانه.


﴿ وَهَذَا النَّبِيُّ ﴾ محمد لموافقته له في أكثر شرعه.

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ أي: من أمته، فهم الذين ينبغي أن يقولوا نحن على دينه لا أنتم.


﴿ وَالله وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي: ناصرهم وحافظهم.


فإن قلت لزم من قوله: «لكل نبي ولاة» أن يكون لكل واحد منهم أولياء متعددة؟ قلت: لا؛ لأن النكرة إذا وقعت في مكان الجمع أفادت الاستغراق أي: أن لكل نبي واحد واحد، واحدًا واحدًا؛ اهـ.


وقال المناوي: في "فيض القدير" (2/ 517): قال التوربشتي: وفي "المصابيح": وإن وليي ربي، وهو غلط، ولعل من حرفه دخل عليه الدخيل من قوله تعالى: ﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ الله ﴾ [الأعراف:196].


والصواب: ما ذكرنا، واعترضه المظهر، بأنه لو كان كذا كان قياس التركيب أن يكون وليي أبي خليلي ربي ـ بغير (واو) العطف الموجبة للتغاير ـ وبإضافة الخليل إلى ربي؛ ليكون عطف بيان لأبي.


قال الطيبي: والرواية المعتبرة ما في "الترمذي" وغيره، ولو ذهب إلى أن خليلي ربي عطف بيان بلا (واو)، لزم حصول كون إبراهيم أبا النبي ووليه، فأتى به بيانًا، وإذا جعل معطوفًا عليه يلزم شهرته به، والعطف يكون لإثبات وصف آخر له على سبيل المدح؛ اهـ.


تنبيه: تقدم تعريف النبي والرسول، والفرق بينهما في شرح حديث: بني الإسلام على خمس.


قوله: وخليل ربي:
تعريف الخلة:
قال ابن رجب: في "الفتح" (3/ 274): والخلة: هي المحبة المبالغة المخللة لمسالك الروح من القلب والجسد، كما قيل:
قد تخللت مسلك الروح مني <h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>

وبهذا سمي الخليل خليلا <h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>





وقال ابن حجر: في "الفتح" (3/ 57): قوله: أوصاني خليلي: الخليل: الصديق الخالص الذي تخللت محبته القلب، فصارت في خلاله أي: في باطنه، واختلف هل الخلة أرفع من المحبة أو بالعكس؛ اهـ.


أقسام المحبة:
قال ابن أبي العز: في "شرح الطحاوية" (ص165): والمحبة مراتب:
أولها: العلاقة، وهي تعلق القلب بالمحبوب.
والثانية: الإرادة، وهي ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له.
الثالثة: الصبابة، وهي انصباب القلب إليه بحيث لا يملكه صاحبه، كانصباب الماء في الحدور.
الرابعة: الغرام، وهي الحب اللازم للقلب، ومنه الغريم، لملازمته، ومنه: ﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ﴾ [الفرقان:65].
الخامسة: المودة، والود، وهي صفو المحبة وخالصها ولبها، قال تعالى: ﴿ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم:96].
السادسة: الشغف، وهي وصول المحبة إلى شغاف القلب.
السابعة: العشق: وهو الحب المفرط الذي يخاف على صاحبه منه، ولكن لا يوصف به الرب تعالى ولا العبد في محبة ربه، وإن كان قد أطلقه بعضهم.
واختلف في سبب المنع، فقيل: عدم التوقيف، وقيل غير ذلك، ولعل امتناع إطلاقه أن العشق محبة مع شهوة.
الثامنة: التيم، وهو بمعنى التعبد.
التاسعة: التعبد.
العاشرة: الخلة، وهي المحبة التي تخللت روح المحب وقلبه.
وقيل في ترتيبها غير ذلك، وهذا الترتيب تقريب حسن، لا يعرف حسنه إلا بالتأمل في معانيه؛ اهـ.


أدلة إثبات خُلَّتي نبيا الله محمد وإبراهيم ـ عليهما الصلاة والسلام:
قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125].


وفي حديث أنس رضي الله عنه ـ في الشفاعة ـ: ويقول ـ يعني نوحًا ـ: ائتوا إبراهيم، الذي اتخذه الله خليلًا، رواه البخاري برقم (7197)، ومسلم (495).

وعن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل؛ فإن الله تعالى قد اتخذني خليلًا، كما اتخذ إبراهيم خليلًا، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلا لاتَّخذت أبا بكر خليلًا»؛ رواه مسلم برقم (1216).


وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وقال: لو كنت متخذًا خليلًا غير ربي، لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته؛ رواه البخاري برقم (3454)، ومسلم (6320).


وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو كنت متخذًا من أمتي خليلًا، لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي، رواه البخاري برقم (3456).


وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «لو كنت متخذًا خليلًا؛ لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكنه أخي وصاحبي، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلًا»، رواه مسلم (6322).


طريقة السلف في وصف الله بالمحبة والخلة:
قال ابن أبي العز: في "شرح الطحاوية" (ص165) ـ في تتمة كلامه السابق ـ: واعلم أن وصف الله تعالى بالمحبة والخلة، هو كما يليق بجلال الله تعالى وعظمته، كسائر صفاته تعالى، وإنما يوصف الله تعالى من هذه الأنواع بالإرادة والود والمحبة والخلة، حسبما ورد النص؛ اهـ.


الحكمة من أمر الله لخليله إبراهيم بذبح ولده إسماعيل:
قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصافات:102ـ 107].


قال الحافظ ابن رجب: في "الفتح" (3/ 274) ـ بعد كلامه السابق ـ: ومن هنا قيل: إن إبراهيم ؛ إنما أمر بذبح ولده إسماعيل لتفريغ قلبه من محبته وشدة تعلقه به، حيث وهب له على الكبر، فلما بادر إلى اضطجاعه وإخراجه من قلبه امتثالًا لأمر الله وطاعته أسقط عنه ذبحه بعد ذلك؛ لأنه لم يكن المقصود إراقة دمه، بل تفريغ محل الخلة منه، حتى لا تزاحم خلة الواحد الأحد محبة الولد؛ اهـ.


الحكمة في براءة رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخاذه خليلًا غير الله تعالى:
قال ابن رجب: في "الفتح" (3/ 274): وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى سبب براءته من خلة المخلوقين، وهو أن الله اتخذه خليلًا لنفسه، كما اتخذ إبراهيم خليلًا، ومن كان خليلًا لله، فلا يصلح له أن يخالل بشرًا؛ اهـ.


وقال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ﴾ [الإسراء:73]؛ اهـ.


على ما ذا يحمل قول أبي هريرة وأبي ذر وغيرهما من الصحابة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال خليلي وصدق خليلي ونحوها، وهل يعتبر ذلك من اتخاذ الرسول خليلًا:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على الوتر؛ رواه البخاري برقم (1124)، ومسلم (1605).


وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله: «لا يزالون يسألونك يا أبا هريرة حتى يقولوا هذا الله فمن خلق الله؟»، قال: فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الأعراب، فقالوا يا أبا هريرة: هذا الله فمن خلق الله؟ قال: فأخذ حصى بكفه فرماهم، ثم قال: قوموا قوموا صدق خليلي؛ رواه مسلم برقم (366).


وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء»؛ رواه مسلم برقم (609).


وعن أبي رافع قال: رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يسجد في ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾ [الانشقاق:1]، فقلت: تسجد فيها، فقال: نعم رأيت خليلي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها، فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه؛ رواه مسلم برقم (1334).


عن الأحنف بن قيس قال: قال أبو ذر: قال لي الخليلي، قلت: من خليلك؟ قال النبي: «يا أبا ذر أتبصر أحدًا؟»، قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار، وأنا أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسلني في حاجة له، قلت: نعم، قال: «ما أحب أن لي مثل أحد ذهبًا، أنفقه كله، إلا ثلاثة دنانير»؛ رواه البخاري برقم (1342)، ومسلم (992).


وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدًا مجدع الأطراف؛ رواه مسلم برقم (1499).


قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (5/ 234): قوله: أوصاني خليلي: لا يخالف قوله: لو كنت متخذًا من أمتي خليلًا؛ لأن الممتنع أن يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم غيره خليلًا، ولا يمتنع اتخاذ الصحابي وغيره النبي صلى الله عليه وسلم خليلًا؛ اهـ.


وقال: في (15/ 151): وأما قول أبي هريرة وغيره من الصحابة: سمعت خليلي، فلا يخالف هذا؛ لأن الصحابي يحسن في حقه الانقطاع إلى النبي؛ اهـ.


وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (3/ 57): قول أبي هريرة هذا لا يعارضه ما تقدم من قوله: لو كنت متخذًا خليلًا، لاتخذت أبا بكر؛ لأن الممتنع أن يتخذ هو صلى الله عليه وسلم غيره خليلًا لا العكس، ولا يقال: إن المخاللة لا تتم حتى تكون من الجانبين؛ لأنا نقول: إنما نظر الصحابي إلى أحد الجانبين، فأطلق ذلك، أو لعله أراد مجرد الصحبة أو المحبة؛ اهـ.


وقال: في (7/ 13): قوله: لو كنت متخذًا خليلًا: قال الداودي: لا ينافي هذا قول أبي هريرة وأبي ذر وغيرهما: أخبرني خليلي؛ لأن ذلك جائز لهم، ولا يجوز للواحد منهم أن يقول، أنا خليل النبي، ولهذا يقال: إبراهيم خليل الله، ولا يقال الله خليل إبراهيم؛ اهـ.


وقال السيوطي في "الديباج" (2/ 344): قوله: أوصاني خليلي: لا يخالف حديث: لو كنت متخذًا خليلًا من أمتي؛ لأن الممتنع أن يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم غيرَ ربِّه خليلًا، ولا يمتنع اتخاذ الصحابي وغيره النبي صلى الله عليه وسلم خليلًا؛ اهـ.


أيهما أفضل الخلة أم أخوة الإسلام؟
قال في "الفتح"(7/ 13) قلت: لا يخفى ما فيه قوله: ولكن أخوة الإسلام ومودته؛ أي: حاصلة.


ووقع في حديث ابن عباس الآتي بعد باب: أفضل، وكذا أخرجه الطبراني من طريق عبيدالله بن تمام عن خالد الحذاء بلفظ: ولكن أخوة الإيمان والإسلام أفضل.


وأخرجه أبو يعلى من طريق يعلى بن حكيم عن عكرمة بلفظ: ولكن خلة الإسلام أفضل، وفيه إشكال، فإن الخلة أفضل من أخوة الإسلام؛ لأنها تستلزم ذلك وزيادة، فقيل: المراد أن مودة الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من مودته مع غيره.


وقيل: أفضل بمعنى: فاضل، ولا يعكر على ذلك اشتراك جميع الصحابة في هذه الفضيلة؛ لأن رجحان أبي بكر عُرف من غير ذلك، وأخوة الإسلام ومودته متفاوتة بين المسلمين في نصر الدين وإعلاء كلمة الحق، وتحصيل كثرة الثواب، ولأبي بكر من ذلك أعظمه وأكثره، والله أعلم.


ووقع في بعض الروايات: ولكن خوة الإسلام - بغير ألف - فقال ابن بطال: لا أعرف معنى هذه الكلمة، ولم أجد خوة بمعنى خلة في كلام العرب، وقد وجدت في بعض الروايات: ولكن خلة الإسلام، وهو الصواب.


وقال ابن التين: لعل الألف سقطت من الرواية، فإنها ثابتة في سائر الروايات، ووجهه ابن مالك بأنه نقلت حركة الهمزة إلى النون، فحذف الألف وجوز مع حذفها ضم نون لكن وسكونها، قال: ولا يجوز مع إثبات الهمزة إلا سكون النون فقط؛ اهـ.


ما صحة ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه اتخذ خليلًا من أصحابه:
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (7/ 23): وقد تواردت هذه الأحاديث على نفي الخلة من النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من الناس، وأما ما روي عن أبي بن كعب قال: إن أحدث عهدي بنبيكم قبل موته بخمس دخلت عليه، وهو يقول: إنه لم يكن نبي إلا وقد اتخذ من أمته خليلًا، وإن خليلي أبو بكر، ألا وإن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا، أخرجه أبو الحسن الحربي في "فوائده".


وهذا يعارضه ما في رواية جندب عند "مسلم"، كما قدمته أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بخمس: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن ثبت حديث أبي أمكن أن يجمع بينهما بأنه لما برئ من ذلك تواضعًا لربه وإعظامًا له، أذن الله تعالى له فيه من ذلك اليوم، لما رأى من تشوُّفه إليه، وإكرامًا لأبي بكر بذلك، فلا يتنافى الخبران، أشار إلى ذلك المحب الطبري.


وقد رُوي من حديث أبي أمامة نحو حديث أُبي بن كعب، دون التقييد بالخمس، أخرجه الواحدي في "تفسيره"، والخبران واهيان، والله أعلم؛ اهـ.


وقال المناوي في "التيسير" (2/ 580)، وقد جاء عن أبي هريرة عند ابن عساكر، ولفظه: لكل نبي خليل في أمته، وإن خليلي عثمان، وفي إسناده إسحاق بن نجيح كذاب؛ اهـ. بتصرُّف.


هل للإنسان أن يتخذ أحدًا خليلًا، أم أنها خاصة بالله ومَن خَصَّ مِن رسله؟:
أما رسولَا الله محمد وإبراهيم ـ عليهما الصلاة والسلام - فقد ورد المنع في حقهم لشرفهم.


وأما غيرهما، فيقول الله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ [الفرقان: 27 ـ 28].


قد جاء فيها سبب نزول ضعيف، ذكره الواحدي والسيوطي رحمهما الله تعالى في أسباب نزولهما.


ومقصودي من إيرادها: هو عموم قوله تعالى: ﴿ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ أي: ليتني لم أتخذ صديق سوء، لا أنه يحرم اتخاذ الخليل الصالح.


وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل، عن أبي هريرة؛ رواه أحمد برقم (4835)، وأبو داود (4833)، والترمذي (2378).
وقال الترمذي: حديث حسن؛ اهـ.
وقال النووي في "الرياض" تحت رقم (371): سنده صحيح؛ اهـ.
قلت: وهو في "الصحيحة" برقم (927)، و"الصحيح المسند" (1272).


قوله: ﴿ وَهَذَا النَّبِيُّ ﴾: قال العلامة الشوكاني: في "فتح القدير" (1/ 349): قوله تعالى: ﴿ وَهَذَا النَّبِيُّ ﴾ يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم، أفرده بالذكر تعظيمًا له وتشريفًا، وأولويته صلى الله عليه وسلم بإبراهيم من جهة كونه من ذريته، ومن جهة موافقته لدينه في كثير من الشريعة المحمدية ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ من أمة محمد؛ اهـ.

[1] آل عمران [68].

[2] رواه الترمذي (2995) من طريق أبي الضحى، عن مسروق، ثم رواه: من طريق أبي الضحى، عن عبد الله، عن النبي ق مثله، ولم يقل فيه عن مسروق.
قال أبو عيسى: هذا أصح من حديث أبي الضحى عن مسروق، ثم قال: حدثنا أبو كريب، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى، عن عبد الله، وليس فيه عن مسروق. اهـ مختصرا
وقال محقق "تفسير ابن كثير" (2/ 58) (طـ ـ طيبة): رواه سعيد بن منصور، في "السنن" (501) والترمذي برقم (2995)، وقد خولف أبو أحمد الزبيري، وأبو الأحوص في رواية هذا الحديث: فرواه ابن مهدي ويحيى القطان وأبو نعيم، فلم يذكروا فيه مسروق.
قال ابن أبي حاتم في "العلل" (2/ 63): سألت أبي وأبا زرعة، عن حديث، رواه أبو أحمد الزبيري وروح بن عبادة، فذكره، فقالا جميعًا: هذا خطأ رواه المتقنون من أصحاب الثوري، عن الثوري عن أبيه، عن أبي الضحى، عن النبي ق بلا مسروق؛ اهـ.
وقد رجح الإمام الترمذي: أنه منقطع.
وقد أعله شيخنا الوادعي: في "تعليقه على تفسير ابن كثير" عند الآية السابقة، والله أعلم.

Adsense Management by Losha