فريق منتدى الدي في دي العربي
07-23-2022, 07:44 AM
المبين والفارق بين "عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة" و "جواز تأخيره عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة"
روضة محمد شويب
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه، ومن تبعهم إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
فإن علم أصول الفقه من أهم العلوم؛ إذ لا يستغني عنه الفقيه ولا المفسر ولا المحدث، وهو القانون الذي يضعه المجتهد ليبني عليه صرح مذهبه حتى يعتصم من الخطأ والزلل في الاستنباط، وبه تُلحق الأحكام بأشباهها، والفرع بأصله، والعلة بمعلولها[1].
قال جمال الدين يوسف بن حسين بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي رحمه الله في فصل في المبين المبيَّن: "يقابل المجمل، أمَّا البيان: إظهار المعنى المخاطب وإيضاحه له، والفعل يكون بيانًا عند الأكثر"[2].
قال رحمه الله: "ولا بجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ فتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وهذا حُكي فيه الاتفاق؛ لأن فيه تكليفَ ما لا يُطاق، أرأيتم لو أمرنا الله عز وجل بالحج، وجاء الحج، ولم يبين لنا الرسول صلى الله علبه وسلم كيفية الحج، ونحن مطالبون بأدائه، أو أمرنا بالصيام ولم يبيِّن لنا ما الذي يلزم، وما حدوده، وما الواجب فيه، وما الذي لا يجب، وما الذي يُفطر، وما الذي لا يُفطر، فهذا تأخير بيان عن وقت الحاجة، وهو لا يجوز، وقد حُكي فيه الاتفاق[3].
قال رحمه الله: "ويجوز عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة، فهذا جائز؛ لأن الله عز وجل يقول: ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 18، 19]؛ أي: يمكن أن ينزل النص ثم المُبيِّن يتأخر، من نزول الخطاب إلى وقت الحاجة إلى العمل، فيأمرنا الله عز وجل بالحج في أوَّل السنة، ثم يبيِّن لنا كيفية الحج في أشهر الحج، فلا إشكال في ذلك، فيكون ما بينهما المكلف يتهيأ ويعزم، وإن كان لا يعرف الكيفية، لكن يتهيأ ويعزم و يُثاب على عزمه وتهيئه، فهذا يدل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة، وفائدته تهيؤ المكلف، وامتثاله، وثواب الله عز وجل لهؤلاء المكلفين على استعدادهم وتهيئهم، وهم إلى الآن لا يحتاجون إلى أن يعملوا؛ فلذلك لا بأس في تأخر البيان[4].
فيُمكن أن ينزل العام ويأتي المخصص في وقت الحاجة، أو المقيد في وقت الحاجة، أو ينزل المُجمل؛ نحو قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141]، ثم وقت الحاجة يبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم مقادير الزكاة ونحو ذلك.
قال رحمه الله: "في إحدى الروايتين، هذا أصح الروايتين أنه يجوز"[5].
وقال الطوفي رحمه الله: "قلنا: وهذا الانقياد التكليفي وإيجاب الصلاة، والزكاة، وقطع يد السارق ونحوهما يفيد ماهيات الأحكام وتُفصَّل عند الفعل"[6].
أسأل الله علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملًا متقبلًا.
هذا، والله أعلم.
تم بحمد لله في شهر ذي ١٥ من شهر القعدة ١٤٤٣.
[1] غاية السول في علم الأصول على مذهب الإمام المبجل والحبر المفضل أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تأليف العلامة جمال الدين يوسف بن حسين بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي، تحقيق: بدر بن ناصر بن مشرع السبيعي، ص ٥.
[2] نفس المرجع، انظر صفحة ١١٨-١١٩.
[3] نفس المرجع.
[4] نفس المرجع.
[5] نفس المرجع.
[6] مختصر الروضة البلبل في أصول الفقه ص١٦٤.
روضة محمد شويب
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه، ومن تبعهم إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
فإن علم أصول الفقه من أهم العلوم؛ إذ لا يستغني عنه الفقيه ولا المفسر ولا المحدث، وهو القانون الذي يضعه المجتهد ليبني عليه صرح مذهبه حتى يعتصم من الخطأ والزلل في الاستنباط، وبه تُلحق الأحكام بأشباهها، والفرع بأصله، والعلة بمعلولها[1].
قال جمال الدين يوسف بن حسين بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي رحمه الله في فصل في المبين المبيَّن: "يقابل المجمل، أمَّا البيان: إظهار المعنى المخاطب وإيضاحه له، والفعل يكون بيانًا عند الأكثر"[2].
قال رحمه الله: "ولا بجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ فتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وهذا حُكي فيه الاتفاق؛ لأن فيه تكليفَ ما لا يُطاق، أرأيتم لو أمرنا الله عز وجل بالحج، وجاء الحج، ولم يبين لنا الرسول صلى الله علبه وسلم كيفية الحج، ونحن مطالبون بأدائه، أو أمرنا بالصيام ولم يبيِّن لنا ما الذي يلزم، وما حدوده، وما الواجب فيه، وما الذي لا يجب، وما الذي يُفطر، وما الذي لا يُفطر، فهذا تأخير بيان عن وقت الحاجة، وهو لا يجوز، وقد حُكي فيه الاتفاق[3].
قال رحمه الله: "ويجوز عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة، فهذا جائز؛ لأن الله عز وجل يقول: ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 18، 19]؛ أي: يمكن أن ينزل النص ثم المُبيِّن يتأخر، من نزول الخطاب إلى وقت الحاجة إلى العمل، فيأمرنا الله عز وجل بالحج في أوَّل السنة، ثم يبيِّن لنا كيفية الحج في أشهر الحج، فلا إشكال في ذلك، فيكون ما بينهما المكلف يتهيأ ويعزم، وإن كان لا يعرف الكيفية، لكن يتهيأ ويعزم و يُثاب على عزمه وتهيئه، فهذا يدل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة، وفائدته تهيؤ المكلف، وامتثاله، وثواب الله عز وجل لهؤلاء المكلفين على استعدادهم وتهيئهم، وهم إلى الآن لا يحتاجون إلى أن يعملوا؛ فلذلك لا بأس في تأخر البيان[4].
فيُمكن أن ينزل العام ويأتي المخصص في وقت الحاجة، أو المقيد في وقت الحاجة، أو ينزل المُجمل؛ نحو قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141]، ثم وقت الحاجة يبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم مقادير الزكاة ونحو ذلك.
قال رحمه الله: "في إحدى الروايتين، هذا أصح الروايتين أنه يجوز"[5].
وقال الطوفي رحمه الله: "قلنا: وهذا الانقياد التكليفي وإيجاب الصلاة، والزكاة، وقطع يد السارق ونحوهما يفيد ماهيات الأحكام وتُفصَّل عند الفعل"[6].
أسأل الله علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملًا متقبلًا.
هذا، والله أعلم.
تم بحمد لله في شهر ذي ١٥ من شهر القعدة ١٤٤٣.
[1] غاية السول في علم الأصول على مذهب الإمام المبجل والحبر المفضل أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تأليف العلامة جمال الدين يوسف بن حسين بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي، تحقيق: بدر بن ناصر بن مشرع السبيعي، ص ٥.
[2] نفس المرجع، انظر صفحة ١١٨-١١٩.
[3] نفس المرجع.
[4] نفس المرجع.
[5] نفس المرجع.
[6] مختصر الروضة البلبل في أصول الفقه ص١٦٤.