مشاهدة النسخة كاملة : ملاحظات في دفع الإشكالات بين آل البيت والصحابة


فريق منتدى الدي في دي العربي
07-23-2022, 07:44 AM
ملاحظات في دفع الإشكالات بين آل البيت والصحابة











محمد رفعت أحمد زنجير






يظن فريق من المسلمين أن هنالك حربا خفية بين الصحابة رضي الله عنهم وآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تحولت إلى حرب علنية في أيام الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه،، وقد تناولت دراسات كثيرة تفنيد هذا الأمر، مثل كتاب العواصم من القواصم لابن العربي، وغيره، وهاهنا سننعرض بعض الملاحظات التي تؤكد أنهم كانوا مؤمنين إخوة، وأن ما شجر بينهم فيما بعد كان خلافا سياسيا وليس عقديا، وأننا كمسلمين علينا بناء مستقبل واعد يشترك فيه الجميع من دون إقصاء ولا إلغاء بعيداً عن التشاحن والبغضاء، فلا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، وذلك كما قال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.


أولاً: معنى آل البيت

أقرباء الرجل هم أهله وعشيرته، وفي الشريعة والقانون تم وضع درجات للأقرباء، فهنالك:

قرابة الأصول والفروع (الآباء والأبناء) وتكون من الدرجة الأولى للأبوين وكذلك للأبناء، ومن الدرجة الثانية للأجداد والأحفاد...

و قرابة الحواشي وهم من ليسوا في أصول أو فروع الإنسان، وتكون درجة ثانية للإخوة، ودرجة ثالثة للأعمام والأخواال، ودرجة رابعة لأبناء وبنات العمومة والأخوال

وهنالك قرابة المصاهرة ويكون أقرباء الزوجة بنفس درجة القرابة للزوج، والعكس صحيح، فقرابة والد الزوجة بالنسبة للزوج هي من الدرجة الأولى.

وليس بين الزوج وزوجته درجة قرابة فكل منهما يقوم مقام الآخر فكأنهما شيء واحد، قال تعالى : (وخلق منها زوجها) (1)

وعليه عندما نقول أقرباء الرجل فنعني: أصول الرجل وفروعه وزوجاته وحواشيه، وعندما نقول آل بيته فإن معنى آل البيت يعم الآباء والأبناء والزوجات، ولا يعقل أن يعم الأبناء وهم قرابة من الدرجة الأولى ولا يعم الأزواج اللواتي هن سبب وجود الأبناء، وهم بمنزلة نفس المرء في الشريعة والقانون.

ثانياً: شبهة وردها

إذا لم يكن أزواجه صلى الله عليه وسلم من آل بيته كما يزعم بعضهم، فخديجة ليست من آل بيته، وفاطمة عليها السلام ليست من آل بيت علي كرم الله وجهه، فكيف يكون علي من آل بيتها ولا تكون هي من آله؟! هل علي من آل البيت بسبب أنه ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيستوي بهذا مع ابن عباس مثلا وبقية إخوته، وهذه قرابة من الدرجة الرابعة، أم أنه من آل البيت بسبب المصاهرة فيستوي بهذا مع عثمان؟ وهي قرابة من الدرجة الأولى.

ثالثا: فضائل الشيخين

إذا كان الصهر من الآل، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يُعتبر من آل بيت أبي بكر وعمر وأبي سفيان بسبب المصاهرة، وقرابة الصهر مع أبي الزوجة وأمها هي من الدرجة الأولى، فكيف يشقى قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم؟ حاشا وكلا!

والرسول صلى الله عليه وسلم يثق بالشيخين، فقد اختار الصديق رفيقا له بالهجرة، وكانت أسماء ذات النطاقين تحضر لهما الطعام في الغار، وكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بأخبار قريش كما ذكر ابن إسحاق، في حين لم يكن أحد من بني هاشم يعرف شيئا عن تفاصيل هجرته ومخبئه في غار ثور، ولولا ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكر وأسرة أبي بكر رضي الله عنهم ما جعلهم مخزن سره يوم الهجرة.

رابعاً: إثبات أن الزوجة من الأهل

الزوجة هي بمنزلة النفس عند الزوج، فهي أقرب من الأهل جميعا، وقد أطلق عليها القرآن لفظ الأهل في مواضع عدة، ففي قصة إبراهيم وبشارة الملائكة لززوجه سارة قال تعالى: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ، قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ) (هود/72-73)

وفي قصة يوسف ورد في كلام امرأة العزيز لفظ أهل بمعنى زوجة، قال تعالى: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (يوسف/25).

وفي قصة موسى عليه السلام حين سار ليلا يصطحب زوجته سماها سبحانه أهله، قال تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ، إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) (سورة طه/9-10)

وفي خطابه سبحانه وتعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وأمرهن بالحجاب، سماهن الحق سبحانه أهل البيت، قال تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا). (سورة الأحزاب: 32-34).

وليس ثمة ما يشير إلى أن هذه الآيات كانت بحق أحد غير نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما يوضح ذلك سياق الآيات، ولو أن نساء الرجل لسن من أهل بيته كما يظن البعض؛ إذاً لانتفى أن تكون خديجة من آل البيت، وانتفى أن تكون فاطمة من آل علي، رضي الله تعالى عنهن جميعاً.

وفي السنة سمى النبي صلى الله عليه وسلم زوجته عائشة أهله، فقال في شأن عبد الله بن أبي بن سلول في قصة الإفك: (من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا) (مسلم/ 2770).

خامساً حديث العباءة وتأويله

طالما تعد الزوجة من الأهل، فلماذا اقتصر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث العباءة أهل بيته على أربعة فقط ؟

روت عائشة، قالت: خرج الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ غداةً وعليه مِرطٌ مُرحَّل من شعر أسود، فجاء الحسنُ بن عليٍ فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)(2). أليس المراد من آل البيت هؤلاء؟.

قلنا: هذا الحديث يدل على أن فاطمة وأولادها وزوجها علي رضي الله عنهم جميعاً من آل البيت، ولكن لا ينفي أن له أهلاً سواهم، فأهل الرجل هم أزواجه وأولاده وأصهاره، فالآية عامة، والحديث من إطلاق الكل وإرادة الجزء، أي هؤلاء بعض من آل بيتي؛ وإلا فلا يمكن أن تكون البنت من آل البيت دون سواها، ويؤكد ما ذهبنا إليه قوله تعالى: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (سورة هود: 73). فالآية نزلت في شأن سارة زوج سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهي دعاء من الملائكة لأهل بيت إبراهيم، ولم يكن في هذا البيت إلا إبراهيم وزوجه، فكلمة أهل البيت تدل على أن الزوجة مقصودة في هذه الآية، وهي من آل البيت.

وهذا الحديث يدل على أمانة الصديقة بنت الصديق، إذ رغم خلافها السياسي مع علي ـ رضي الله عنه ـ فقد أقرت بفضله ولم تخف هذا الحديث ولا غيره، رضي الله عن الجميع.

فإن قيل: إذا دخل علي في آل البيت فهل يدخل عثمان؟

والجواب: أن علياً إن دخل كصهر فعثمان يدخل كذلك، لأنه زوج ابنتي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وإن دخل كابن عم، فإن عثمان من أبناء عمومة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ويلتقي معه في النسب، ولكنه من أبناء عبد شمس وليس من أبناء هاشم، فيبعد أن يدخل بهذا الاعتبار، والأولى منه في هذه الحالة أولاد العباس، وأولاد بقية أعمام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ممن أسلم منهم.

فإن قيل: هل التطهير خاص بآل البيت؟

فالجواب: التطهير عام في المؤمنين، قال تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) (سورة الأنفال: 11)، وهذه الآية تحدثت عن التطهير الحسي، وأما التطهير المعنوي فقد جاء في قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (سورة التوبة: 103). وقد شهد الله لهم بالسكينة في قلوبهم، وزيادة إيمانهم، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (سورة الفتح: 4). فتطهير الله تعالى لصحابة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشبه تطهيره آل البيت، فهم في الطهر بمعناه العام سواء!، وهذا لا يمنع أن يكون بعضهم أطهر من بعض!.

فإن قيل: إن المصدر المؤكد (تطهيراً) يدل على زيادة التطهير لآل البيت.

فالجواب: نعم، لما كان نساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ متميزات ولسن كأحد من النساء في المنزلة، فقد أمرهن في الآيات الكريمة السابقة بالتقوى والحجاب، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، حتى يطهرهن الله بهذه العبادات من الرجس، وهذه الأوامر ليست خاصة بهن، بل هي عامة للمؤمنين أيضاً، كوصية يعقوب لأولاده بعبادة الله وحده، فهي ليست وصية لهم دون سواهم، وإنما تأكيد عليهم لقربهم منه أكثر من غيرهم، والتطهير لنساء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو ارتفاعهن بالتقوى والعبادة والحشمة عن بقية النساء، صيانة لبيت النبوة من جهة، ودرءاَ لألسنة الفاسدين من المنافقين الذين يلوكون ألسنتهم بأعراض الناس، ولذلك قال تعالى: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) (سورة النور: 12).

فإن قيل: هل التطهير يعني العصمة؟.

قلنا: معنى طهرت الشي: نظفته، فكيف أنظفه إذا كان نظيفاً؟!. فطالما طهرهم من الذنوب وأدران أهل الجاهلية الأولى؛ فهو لم يعصمهم، وإنما سامحهم، والمعصوم وحده هو النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المبلغ عن ربه، قال تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً) (سورة الفتح: 1-2).

سادسا: قصة المباهلة وآل البيت

قال تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ). (سورة آل عمران: 61).

يلاحظ الجمع: أبناءنا، ونساءنا وأنفسنا، لتشمل جميع المؤمنين أو خيارهم، ولو كان سيدعو امرأة واحدة أو ولداً واحداً لم يجمع، ثم ماذا نعمل بالضمير في أنفسنا؟ هل يتحدث عن نفسه ويجعلها أنفس؟ من المعتاد أن يتحدث المفرد بلغة الجمع، ولكن لا يجمع لفظ يدل على المفرد (نفس) ثم يضيف له (نا) إلا إذا كانت القضية تعني الجميع، ولا تعنيه وحده ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ويؤكد هذا أن كلمة أنفس جاءت حديثاً للجماعة في القرآن، كما في قوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) (سورة الأنعام: 130)، وقال أيضاً: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (سورة الأعراف: 23).

فإن قيل: لما نزلت الآية السابقة، دعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي) (3) ، فهل هؤلاء وحدهم قد طلبوا للمباهلة؟.

قلنا: الآية تقول نساءنا ولفظ الجمع ليس يفيد امرأة واحدة بعينها وهي السيدة فاطمة... وكذا الشأن في بقية ألفاظ المدعوين كما فصلنا سابقاً، والمراد من الحديث إذاً: هؤلاء أخص آل بيتي، لأن الآية ابتدأت بذكر الأبناء، وقد توفي أبناؤه وبناته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حياته، ولم يبق له إلا فاطمة وأبناؤها رضي الله عنهم، فأمر طبيعي أن يدعوها مع أبنائها وزوجها علي ـ رضي الله عنهم جميعاً ـ فقد كان بمنزلة أخيه الصغير، وبقول هؤلاء أهل بيتي، ولكن لا يعني هذا حصر آل البيت فيهم دون سواهم، فهو من ذكر لفظ الكل وإرادة البعض، أي هؤلاء بعض أهل بيتي، أو خاصة أهل بيتي، فلا بد من الجمع بين النصوص وفهمها وفق مقتضى لغة العرب!.

والآية السابقة نزلت في شأن نصارى نجران، وقد جاء وفدهم إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فدعاهم للمباهلة فتريثوا في أمرهم، ثم رفضوا، وطلبوا من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يبعث معهم أحد أصحابه فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح، فلم تحدث المباهلة، ولم يدع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعض أفراد أسرته دون بعض، ليقال بعد ذلك: هؤلاء فقط آل البيت، والله أعلم.(4)

سابعاً: دفاع الله تعالى عن آل البيت

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ، لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) (سورة النور:11-12).

قصة الإفك معروفة، وقد دافع الله عن زوجة نبيه عائشة ـ رضي الله عنها ـ وبرأها مما قيل في حقها من زور وبهتان، ثم أمر الله تعالى المؤمنين بحسن الظن، ونهاهم سبحانه عن الخوض في ما لا علم لهم به، قال تعالى: (وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)، ثم أعقب ذلك بعدة آيات قوله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (سورة النور: 26). وهذه آية عامة، تبين أن الله تعالى أعد لكل زوج ما يشاكله، ولكنها جاءت في سياق قصة الإفك، فهي تأكيد لتبرئة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فهي طيبة وزوجة النبي الطيب صلى الله عليه وسلم(5)، وقد صان الله جنابها بآياته البينة التي أنزلها في سورة النور، وفي هذا الصدد قال الزمخشري: ".. ولقد برأ الله تعالى أربعة بأربعة: برأ يوسف بلسان الشاهد (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) (سورة يوسف: 26). وبرأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه. وبرأ مريم بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها: إني عبد الله. وبرأ عائشة بهذه الآيات العظام في كتابه المعجز المتلو على وجه الدهر، مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات. فانظر، كم بينها وبين تبرئة أولئك؟! وما ذاك إلا لإظهار علو منزلة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والتنبيه على إنافة محل سيد ولد آدم، وخيرة الأولين والآخرين، وحجة الله على العالمين". (6)

ثامناً: لا وراثة للنبوة، وبقاء النسب الشريف من السيدة الزهراء عليها وعلى أبيها السلام

1- قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (سورة الأنبياء: 7).

فالأنبياء جميعاً من الرجال، ومحمد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ خاتمهم، قال تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (سورة الأحزاب: 40). يلاحظ أنه نفى أبوته عن أيٍ من المؤمنين، ثم أعقب ذلك بذكر أنه خاتم النبيين، فلو كان أباً لأحد من الرجال لاحتمل أن لا يكون خاتم النبيين!، يؤيد هذا قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (لو عاش إبراهيم لكان صديقاً نبياً). (7)

وعليه فلا وراثة للنبوة، لأن إبراهيم قد مات صغيراً، وجميع الذكور من أولاد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد ماتوا صغاراً في حياته، والأنبياء من الرجال، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:43). والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يخلف رجلاً.

بقيت الوراثة من جهة الملك، وهي منفية عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وذلك لأنه عبد رسول وليس بملك رسول.

وقد بقي نسبه الشريف من جهة السيدة فاطمة رضي الله عنها، ونحن نعتقد بطهارة هذا النسب، وللمسلمين أن يختاروا من يحكمهم، فإذا اختاروا رجلاً يجمع حسن العمل وطهارة النسب؛ فذلك شيء حسن!، وقد قيل في فضل الانتساب لآل البيت الأطهار:

من مثلكم لرسولِ الله ينتســـــــــــبُ

ليت الملوك لهـــــــا من جدكم نسبُ

ما للسلاطين أحســــــــــابٌ بجانبكم

هذا هو الشرف المعروف والحسبُ

وإذا اختاروه لعمله فقط فلهم ذلك، وآل بيت النبوة لا يزينهم الملك بل هم يزينون الملك، فإذا جاءهم الملك طوعاً فحباً وكرامة، وإذا لم يأتهم كانوا أزهد الناس فيه، ولذلك تنازل سيدنا الحسن عن الخلافة لمعاوية حرصاً على وحدة الأمة، رضي الله عن الصحابة والآل جميعاً، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

ويؤيد ما ذهبنا إليه من أن آل البيت أكبر شأناً من أن يبحثوا عن مُلْكٍ وسلطان قول ابن عمر للحسين رضي الله عنهما: "إني محدثك حديثاً، إن جبريل أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعةٌ من رسول الله؛ والله ما يليها أحد منكم أبداً؛ وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم". (8)

وفي الإطار نفسه قال ابن عباس للحسين ـ رضي الله عنهما ـ مشفقاً ومحذراً وناصحاً: "يا ابن عم! إني أتصبر ولا أصبر، إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك، إن أهل االعراق قوم غدر، فلا تغترن بهم...". (9)

وهذا كان شعور معظم الصحابة، فقد كانوا يخافون على الحسين، ويخافون من وقوع الفتن، وفي هذا السياق أيضاً قال عبد الله بن عمرو: "عجل حسين قدره، والله لو أدركته ما تركته يخرج إلا أن يغلبني، ببني هاشم فتح هذا الأمر، وببني هاشم يختم، فإذا رأيت الهاشمي قد ملك فقد ذهب الزمان".(10)
يتبع

Adsense Management by Losha