مارينا السعوديه
07-23-2022, 07:44 AM
تفسير سورة التوبة تفسير السعدي{1-31 } (من كتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)
{1 - 2} {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} .أي: هذه براءة من الله ومن رسوله إلى جميع المشركين المعاهدين، أن لهم أربعة أشهر يسيحون في الأرض على اختيارهم، آمنين من المؤمنين، وبعد الأربعة الأشهر فلا عهد لهم، ولا ميثاق.وهذا لمن كان له عهد مطلق غير مقدر، أو مقدر بأربعة أشهر فأقل، أما من كان له عهد مقدر بزيادة على أربعة أشهر، فإن الله يتعين أن يتمم له عهده إذا لم يخف منه خيانة، ولم يبدأ بنقض العهد.ثم أنذر المعاهدين في مدة عهدهم، أنهم وإن كانوا آمنين، فإنهم لن يعجزوا الله ولن يفوتوه، وأنه من استمر منهم على شركه فإنه لا بد أن يخزيه، فكان هذا مما يجلبهم إلى الدخول في الإسلام، إلا من عاند وأصر ولم يبال بوعيد الله له.
{3} {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} .هذا ما وعد الله به المؤمنين، من نصر دينه وإعلاء كلمته، وخذلان أعدائهم من المشركين الذين أخرجوا الرسول ومن معه من مكة، من بيت الله الحرام، وأجلوهم، مما لهم التسلط عليه من أرض الحجاز.نصر الله رسوله والمؤمنين حتى افتتح مكة، وأذل المشركين، وصار للمؤمنين الحكم والغلبة على تلك الديار.فأمر النبي (1) مؤذنه أن يؤذن يوم الحج الأكبر، وهو يوم النحر، وقت اجتماع الناس مسلمهم وكافرهم، من جميع جزيرة العرب، أن يؤذن بأن الله بريء ورسوله من المشركين، فليس لهم عنده عهد وميثاق، فأينما وجدوا قتلوا، وقيل لهم: لا تقربوا المسجد الحرام بعد عامكم هذا، وكان ذلك سنة تسع من الهجرة.وحج بالناس أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأذن ببراءة -يوم النحر- ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.ثم رغب تعالى المشركين بالتوبة، ورهبهم من الاستمرار على الشرك فقال: {فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} أي: فائتيه، بل أنتم في قبضته، قادر أن يسلط عليكم عباده المؤمنين. {وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي: مؤلم مفظع في الدنيا بالقتل والأسر، والجلاء، وفي الآخرة، بالنار، وبئس القرار.
{4} {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} .أي هذه البراءة التامة المطلقة من جميع المشركين. {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} واستمروا على عهدهم، ولم يجر منهم ما يوجب النقض، فلا نقصوكم شيئا، ولا عاونوا عليكم أحدا، فهؤلاء أتموا لهم (1) عهدهم إلى مدتهم، قَلَّتْ، أو كثرت، لأن الإسلام لا يأمر بالخيانة وإنما يأمر بالوفاء.{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} الذين أدوا ما أمروا به، واتقوا الشرك والخيانة، وغير ذلك من المعاصي.
{5} {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .يقول تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ} أي: التي حرم فيها قتال المشركين المعاهدين، وهي أشهر التسيير الأربعة، وتمام المدة لمن له مدة أكثر منها، فقد برئت منهم الذمة.{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} في أي مكان وزمان، {وَخُذُوهُمْ} أسرى {وَاحْصُرُوهُمْ} أي: ضيقوا عليهم، فلا تدعوهم يتوسعون في بلاد الله وأرضه، التي جعلها [الله] معبدا لعباده.فهؤلاء ليسوا أهلا لسكناها، ولا يستحقون منها شبرا، لأن الأرض أرض الله، وهم أعداؤه المنابذون له ولرسله، المحاربون الذين يريدون أن يخلو الأرض من دينه، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.{وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} أي: كل ثنية وموضع يمرون عليه، ورابطوا في جهادهم وابذلوا غاية مجهودكم في ذلك، ولا تزالوا على هذا الأمر حتى يتوبوا من شركهم.ولهذا قال: {فَإِنْ تَابُوا} من شركهم {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} أي: أدوها بحقوقها {وَآتُوا الزَّكَاةَ} لمستحقيها {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} أي: اتركوهم، وليكونوا مثلكم، لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم.{إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يغفر الشرك فما دونه، للتائبين، ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة، ثم قبولها منهم.وفي هذه الآية، دليل على أن من امتنع من أداء الصلاة أو الزكاة، فإنه يقاتل حتى يؤديهما، كما استدل بذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
{6} {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} .لما كان ما تقدم من قوله {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} أمرا عاما في جميع الأحوال، وفي كل الأشخاص منهم، ذكر تعالى، أن المصلحة إذا اقتضت تقريب بعضهم جاز، بل وجب ذلك فقال: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} أي: طلب منك أن تجيره، وتمنعه من الضرر، لأجل أن يسمع كلام (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
) الله، وينظر حالة الإسلام.{فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} ثم إن أسلم، فذاك، وإلا فأبلغه مأمنه، أي: المحل الذي يأمن فيه، والسبب في ذلك أن الكفار قوم لا يعلمون، فربما كان استمرارهم على كفرهم لجهل منهم، إذا زال اختاروا عليه الإسلام، فلذلك أمر الله رسوله، وأمته أسوته في الأحكام، أن يجيروا من طلب أن يسمع كلام الله.وفي هذا حجة صريحة لمذهب أهل السنة والجماعة، القائلين بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، لأنه تعالى هو المتكلم به، وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها، وبطلان مذهب المعتزلة ومن أخذ بقولهم: أن القرآن مخلوق.وكم من الأدلة الدالة على بطلان هذا القول، ليس هذا محل ذكرها
{7} {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} .هذا بيان للحكمة الموجبة لأن يتبرأ الله ورسوله من المشركين، فقال: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ} هل قاموا بواجب الإيمان، أم تركوا رسول الله والمؤمنين من أذيتهم؟ أما حاربوا الحق ونصروا الباطل؟أما سعوا في الأرض فسادا؟ فيحق عليهم أن يتبرأ الله منهم، وأن لا يكون لهم عهد عنده ولا عند رسوله.{إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ} من المشركين {عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فإن لهم في العهد وخصوصا في هذا المكان الفاضل حرمة، أوجب أن يراعوا فيها.{فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} ولهذا قال:
{8 - 11} {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ * فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ - فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} .أي: {كَيْفَ} يكون للمشركين عند الله عهد وميثاق {و} الحال أنهم {وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} بالقدرة والسلطة، لا يرحموكم، و {لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلا وَلا ذِمَّةً} أي: لا ذمة ولا قرابة، ولا يخافون الله فيكم، بل يسومونكم سوء العذاب، فهذه حالكم معهم لو ظهروا.ولا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم، فإنهم {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} الميل والمحبة لكم، بل هم الأعداء حقا، المبغضون لكم صدقا، {وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} لا ديانة لهم ولا مروءة.{اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا} أي: اختاروا الحظ العاجل الخسيس في الدنيا. على الإيمان بالله ورسوله، والانقياد لآيات الله.{فَصَدُّوا} بأنفسهم، وصدوا غيرهم {عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً} أي لأجل عداوتهم للإيمان {إِلا وَلا ذِمَّةً} أي لأجل عداوتهم للإيمان وأهلهفالوصف الذي جعلهم يعادونكم لأجله ويبغضونكم هو الإيمان فذبوا عن دينكم وانصروه واتخذوا من عاداه لكم عدوا ومن نصره لكم وليا واجعلوا الحكم يدور معه وجودا وعدما لا تجعلوا الولاية والعداوة طبيعية تميلون بهما حيثما مال الهوى وتتبعون فيهما النفس الأمارة بالسوء ولهذا {فَإِنْ تَابُوا} عن شركهم ورجعوا إلى الإيمان {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} وتناسوا تلك العداوة إذ كانوا مشركين لتكونوا عباد الله المخلصين وبهذا يكون العبد عبدا حقيقة لما بين من أحكامه العظيمة ما بين ووضح منها ما وضح أحكاما وحِكَمًا وحُكْمًا وحكمة قال {وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ} أي نوضحها ونميزها {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} فإليهم سياق الكلام وبهم تعرف الآيات والأحكام وبهم عرف دين الإسلام وشرائع الديناللهم اجعلنا من القوم الذين يعلمون ويعملون بما يعلمون برحمتك وجودك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين
{13-12} {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ * أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .يقول تعالى بعدما ذكر أن المعاهدين من المشركين إن استقاموا على عهدهم فاستقيموا لهم على الوفاء: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} أي: نقضوها وحلوها، فقاتلوكم أو أعانوا على قتالكم، أو نقصوكم، {وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ} أي: عابوه، وسخروا منه.ويدخل في هذا جميع أنواع الطعن الموجهة إلى الدين، أو إلى القرآن، {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} أي: القادة فيه، الرؤساء الطاعنين في دين الرحمن، الناصرين لدين الشيطان، وخصهم بالذكر لعظم جنايتهم، ولأن غيرهم تبع لهم، وليدل على أن من طعن في الدين وتصدى للرد عليه، فإنه من أئمة الكفر.{إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} أي: لا عهود ولا مواثيق يلازمون على الوفاء بها، بل لا يزالون خائنين، ناكثين للعهد، لا يوثق منهم.{لَعَلَّهُمْ} في قتالكم إياهم {يَنْتَهُونَ} عن الطعن في دينكم، وربما دخلوا فيه، ثم حث على قتالهم، وهيج المؤمنين بذكر الأوصاف، التي صدرت من هؤلاء الأعداء، والتي هم موصوفون بها، المقتضية لقتالهم فقال: {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ} الذي يجب احترامه وتوقيره وتعظيمه؟ وهم هموا أن يجلوه ويخرجوه من وطنه وسعوا في ذلك ما أمكنهم، {وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} حيث نقضوا العهد وأعانوا عليكم، وذلك حيث عاونت (1) قريش -وهم معاهدون- بني بكر حلفاءهم على خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاتلوا معهم كما هو مذكور مبسوط في السيرة.{أَتَخْشَوْنَهُمْ} في ترك قتالهم {فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فإنه (2) أمركم بقتالهم، وأكد ذلك عليكم غاية التأكيد.فإن كنتم مؤمنين فامتثلوا لأمر الله، ولا تخشوهم فتتركوا أمر الله، ثم أمر بقتالهم وذكر ما يترتب على قتالهم من -[331]- الفوائد، وكل هذا حث وإنهاض للمؤمنين على قتالهم، فقال:
15-14{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} بالقتل {وَيُخْزِهِمْ} إذا نصركم الله عليهم، وهم الأعداء الذين يطلب خزيهم ويحرص عليه، {وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} هذا وعد من الله وبشارة قد أنجزها.{وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ * غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} فإن في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله وزوالا للغيظ الذي في قلوبهم وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين واعتنائه بأحوالهم حتى إنه جعل -من جملة المقاصد الشرعية- شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهمثم قال {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} من هؤلاء المحاربين بأن يوفقهم للدخول في الإسلام ويزينه في قلوبهم ويُكَرِّهَ إليهم الكفر والفسوق والعصيان{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} يضع الأشياء مواضعها ويعلم من يصلح للإيمان فيهديه ومن لا يصلح فيبقيه في غيه وطغيانه
{16} {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} .يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد ما أمرهم بالجهاد: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا} من دون ابتلاء وامتحان، وأمر بما يبين به الصادق والكاذب.{وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} أي: علما يظهر مما في القوة إلى الخارج، ليترتب عليه الثواب والعقاب، فيعلم الذين يجاهدون في سبيله: لإعلاء كلمته {وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} أي: وليا من الكافرين، بل يتخذون الله ورسوله والمؤمنين أولياء.فشرع الله الجهاد ليحصل به هذا المقصود الأعظم، وهو أن يتميز الصادقون الذين لا يتحيزون إلا لدين الله، من الكاذبين الذين يزعمون الإيمان وهم يتخذون الولائج والأولياء من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين.{وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي: يعلم ما يصير منكم ويصدر، فيبتليكم بما يظهر به حقيقة ما أنتم عليه، ويجازيكم على أعمالكم خيرها وشرها
{17 - 18} {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} .يقول تعالى: {مَا كَانَ} أي: ما ينبغي ولا يليق {لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} بالعبادة، والصلاة، وغيرها من أنواع الطاعات، والحال أنهم شاهدون ومقرون على أنفسهم بالكفر بشهادة حالهم وفطرهم، وعلم كثير منهم أنهم على الكفر والباطل.فإذا كانوا {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} وعدم الإيمان، الذي هو شرط لقبول الأعمال، فكيف يزعمون أنهم عُمَّارُ مساجد الله، والأصل منهم مفقود، والأعمال منهم باطلة؟!!.ولهذا قال: {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أي: بطلت وضلت {وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} .ثم ذكر من هم عمار مساجد الله فقال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ} الواجبة والمستحبة، بالقيام بالظاهر منها والباطن.{وَآتَى الزَّكَاةَ} لأهلها {وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ} أي قصر خشيته على ربه، فكف عما حرم الله، ولم يقصر بحقوق الله الواجبة.فوصفهم بالإيمان النافع، وبالقيام بالأعمال الصالحة التي أُمُّها الصلاة والزكاة، وبخشية الله التي هي أصل كل خير، فهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة وأهلها الذين هم أهلها.{فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} و "عسى" من الله واجبة. وأما من لم يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا عنده خشية لله، فهذا ليس من عمار مساجد الله، ولا من أهلها الذين هم أهلها، وإن زعم ذلك وادعاه.
{19 -20} {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} .لما اختلف بعض المسلمين، أو بعض المسلمين وبعض المشركين، في تفضيل عمارة المسجد الحرام، بالبناء والصلاة والعبادة فيه وسقاية الحاج، على الإيمان بالله والجهاد في سبيله، أخبر الله تعالى بالتفاوت بينهما، فقال: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} أي: سقيهم الماء من زمزم كما هو المعروف إذا أطلق هذا الاسم، أنه المراد {وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ -[332]- الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ}فالجهاد والإيمان بالله أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بدرجات كثيرة، لأن الإيمان أصل الدين، وبه تقبل الأعمال، وتزكو الخصال.وأما الجهاد في سبيل الله فهو ذروة سنام الدين، الذي به يحفظ الدين الإسلامي ويتسع، وينصر الحق ويخذل الباطل.وأما عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج، فهي وإن كانت أعمالا صالحة، فهي متوقفة على الإيمان، وليس فيها من المصالح ما في الإيمان والجهاد، فلذلك قال: {لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} أي: الذين وصفهم الظلم، الذين لا يصلحون لقبول شيء من الخير، بل لا يليق بهم إلا الشر.ثم صرح بالفضل فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ} بالنفقة في الجهاد وتجهيز الغزاة {وَأَنْفُسِهِمْ} بالخروج بالنفس {أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} أي: لا يفوز بالمطلوب ولا ينجو من المرهوب، إلا من اتصف بصفاتهم، وتخلق بأخلاقهم.
22-21{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} .{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ} جودا منه، وكرما وبرا بهم، واعتناء ومحبة لهم، {بِرَحْمَةٍ مِنْهُ} أزال بها عنهم الشرور، وأوصل إليهم [بها] كل خير. {وَرِضْوَانٍ} منه تعالى عليهم، الذي هو أكبر نعيم الجنة وأجله، فيحل عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم أبدا.{وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} من كل ما اشتهته الأنفس، وتلذ الأعين، مما لا يعلم وصفه ومقداره إلا الله تعالى، الذي منه أن الله أعد للمجاهدين في سبيله مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، ولو اجتمع الخلق في درجة واحدة منها لوسعتهم.{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} لا ينتقلون عنها، ولا يبغون عنها حِوَلا {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} لا تستغرب كثرته على فضل الله، ولا يتعجب من عظمه وحسنه على من يقول للشيء كن فيكون
{23 - 24} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} .يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} اعملوا بمقتضى الإيمان، بأن توالوا من قام به، وتعادوا من لم يقم به.و {لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ} الذين هم أقرب الناس إليكم، وغيرهم من باب أولى وأحرى، فلا تتخذوهم {أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا} أي: اختاروا على وجه الرضا والمحبة {الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ}{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} لأنهم تجرؤوا على معاصي الله، واتخذوا أعداء الله أولياء، وأصل الولاية: المحبة والنصرة، وذلك أن اتخاذهم أولياء، موجب لتقديم طاعتهم على طاعة الله، ومحبتهم على محبة الله ورسوله.ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك، وهو أن محبة الله ورسوله، يتعين تقديمهما على محبة كل شيء، وجعل جميع الأشياء تابعة لهما فقال: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ} ومثلهم الأمهات {وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ} في النسب والعشرة (1) {وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} أي: قراباتكم عموما {وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا} أي: اكتسبتموها وتعبتم في تحصيلها، خصها بالذكر، لأنها أرغب عند أهلها، وصاحبها أشد حرصا عليها ممن تأتيه الأموال من غير تعب ولا كَدّ.{وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} أي: رخصها ونقصها، وهذا شامل لجميع أنواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات، من الأثمان، والأواني، والأسلحة، والأمتعة، والحبوب، والحروث، والأنعام، وغير ذلك.{وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا} من حسنها وزخرفتها وموافقتها لأهوائكم، فإن كانت هذه الأشياء {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} فأنتم فسقة ظلمة.{فَتَرَبَّصُوا} أي: انتظروا ما يحل بكم من العقاب {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} الذي لا مرد له.{وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} أي: الخارجين عن طاعة الله، المقدمين على محبة الله شيئا من المذكورات.وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد، على من كان شيء من هذه المذكورات أحب إليه من الله ورسوله، وجهاد في سبيله.وعلامة ذلك، أنه إذا عرض عليه أمران، أحدهما يحبه الله ورسوله، وليس لنفسه فيه هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا لله ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه، على ما يحبه الله، دل ذلك على أنه ظالم، تارك لما يجب عليه
{25 - 26} {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} .يمتن تعالى على عباده المؤمنين، بنصره إياهم في مواطن كثيرة من مواطن اللقاء، ومواضع الحروب والهيجاء، حتى في يوم "حنين" الذي اشتدت عليهم فيه الأزمة، ورأوا من التخاذل والفرار، ما ضاقت عليهم به الأرض على رحبها وسعتها.وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة، سمع أن هوازن اجتمعوا لحربه، فسار إليهم صلى الله عليه وسلم في أصحابه الذين فتحوا مكة، وممن أسلم من الطلقاء أهل مكة، فكانوا اثني عشر ألفا، والمشركون أربعة آلاف، فأعجب بعض المسلمين بكثرتهم، وقال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة.فلما التقوا هم وهوازن، حملوا على المسلمين حملة واحدة، فانهزموا لا يلوي أحد على أحد، ولم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا نحو مائة رجل، ثبتوا معه، وجعلوا يقاتلون المشركين، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يركض بغلته نحو المشركين ويقول: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"ولما رأى من المسلمين ما رأى، أمر العباس بن عبد المطلب أن ينادي في الأنصار وبقية المسلمين، وكان رفيع الصوت، فناداهم: يا أصحاب السمرة، يا أهل سورة (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
) البقرة.فلما سمعوا صوته، عطفوا عطفة رجل واحد، فاجتلدوا مع المشركين، فهزم الله المشركين، هزيمة شنيعة، واستولوا على معسكرهم ونسائهم وأموالهم.وذلك قوله تعالى {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} وهو اسم للمكان الذي كانت فيه الوقعة بين مكة والطائف.{إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} أي: لم تفدكم شيئا، قليلا ولا كثيرا {وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ} بما أصابكم من الهم والغم حين انهزمتم {بِمَا رَحُبَتْ} أي: على رحبها وسعتها، {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} أي: منهزمين.{ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} والسكينة ما يجعله الله في القلوب وقت القلاقل والزلازل والمفظعات، مما يثبتها، ويسكنها ويجعلها مطمئنة، وهي من نعم الله العظيمة على العباد.{وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} وهم الملائكة، أنزلهم الله معونة للمسلمين يوم حنين، يثبتونهم، ويبشرونهم بالنصر.{وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالهزيمة والقتل، واستيلاء المسلمين على نسائهم وأولادهم وأموالهم.{وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} يعذبهم الله في الدنيا، ثم يردهم في الآخرة إلى عذاب غليظ
27{ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} فتاب الله على كثير ممن كانت الوقعة عليهم، وأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين تائبين، فرد عليهم نساءهم، وأولادهم.{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: ذو مغفرة واسعة، ورحمة عامة، يعفو عن الذنوب العظيمة للتائبين، ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة والطاعة، والصفح عن جرائمهم، وقبول توباتهم، فلا ييأسنَّ أحد من مغفرته ورحمته، ولو فعل من الذنوب والإجرام ما فعل.
{28} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ} بالله الذين عبدوا معه غيره {نَجَسٌ} أي: خبثاء في عقائدهم وأعمالهم، وأي نجاسة أبلغ ممن كان يعبد مع الله آلهة لا تنفع ولا تضر، ولا تغني عنه شيئا؟ ".وأعمالهم ما بين محاربة لله، وصد عن سبيل الله ونصر للباطل، ورد للحق، وعمل بالفساد في الأرض لا في الصلاح، فعليكم أن تطهروا أشرف البيوت وأطهرها عنهم.{فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} وهو سنة تسع من الهجرة، حين حج بالناس أبو بكر الصديق، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه عليا، أن يؤذن يوم الحج الأكبر بـ {براءة} فنادى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.وليس المراد هنا، نجاسة البدن، فإن الكافر كغيره طاهر البدن، بدليل أن الله تعالى أباح وطء الكتابية ومباشرتها، ولم يأمر بغسل ما أصاب (1) منها.والمسلمون ما زالوا يباشرون أبدان الكفار، ولم ينقل عنهم أنهم تقذروا منها، تَقَذُّرَهْم من النجاسات، وإنما المراد كما تقدم نجاستهم المعنوية، بالشرك، فكما أن التوحيد والإيمان، طهارة، فالشرك نجاسة.وقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ} أيها المسلمون {عَيْلَةً} أي: فقرا وحاجة، من منع المشركين من قربان المسجد الحرام، بأن تنقطع الأسباب التي بينكم وبينهم من الأمور الدنيوية، {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فليس الرزق مقصورا على باب واحد، ومحل واحد، بل لا ينغلق باب إلا وفتح غيره أبواب كثيرة، فإن فضل الله واسع، وجوده عظيم، خصوصا لمن ترك شيئا لوجهه الكريم، فإن الله أكرم الأكرمين.وقد أنجز الله وعده، فإن الله قد أغنى المسلمين من فضله، وبسط لهم من الأرزاق ما كانوا به من أكبر الأغنياء والملوك.وقوله: {إِنْ شَاءَ} تعليق للإغناء بالمشيئة، لأن الغنى في الدنيا، ليس من لوازم الإيمان، ولا يدل على محبة الله، فلهذا علقه الله بالمشيئة.فإن الله يعطي الدنيا، من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان والدين، إلا من يحب.{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي: علمه -[334]- واسع، يعلم من يليق به الغنى، ومن لا يليق، ويضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها.وتدل الآية الكريمة، وهي قوله {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} أن المشركين بعد ما كانوا، هم الملوك والرؤساء بالبيت، ثم صار بعد الفتح الحكم لرسول الله والمؤمنين، مع إقامتهم في البيت، ومكة المكرمة، ثم نزلت هذه الآية.ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يجلوا من الحجاز، فلا يبقى فيها دينان، وكل هذا لأجل بُعْدِ كل كافر عن المسجد الحرام، فيدخل في قوله {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}
{29} {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} .هذه الآية أمر بقتال الكفار من اليهود والنصارى من {الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} إيمانا صحيحا يصدقونه بأفعالهم وأعمالهم. ولا يحرمون ما حرم الله، فلا يتبعون شرعه في تحريم المحرمات، {وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} أي: لا يدينون بالدين الصحيح، وإن زعموا أنهم على دين، فإنه دين غير الحق، لأنه إما بين دين مبدل، وهو الذي لم يشرعه الله أصلا وإما دين منسوخ قد شرعه الله، ثم غيره بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيبقى التمسك به بعد النسخ غير جائز.فأمره بقتال هؤلاء وحث على ذلك، لأنهم يدعون إلى ما هم عليه، ويحصل الضرر الكثير منهم للناس، بسبب أنهم أهل كتاب.وغيَّى ذلك القتال {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} أي: المال الذي يكون جزاء لترك المسلمين قتالهم، وإقامتهم آمنين على أنفسهم وأموالهم، بين أظهر المسلمين، يؤخذ منهم كل عام، كلٌّ على حسب حاله، من غني وفقير ومتوسط، كما فعل ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وغيره، من أمراء المؤمنين.وقوله: {عَنْ يَدٍ} أي: حتى يبذلوها (1) في حال ذلهم، وعدم اقتدارهم، ويعطونها بأيديهم، فلا يرسلون بها خادما ولا غيره، بل لا تقبل إلا من أيديهم، {وَهُمْ صَاغِرُونَ}فإذا كانوا بهذه الحال، وسألوا المسلمين أن يقروهم بالجزية، وهم تحت أحكام المسلمين وقهرهم، وحال الأمن من شرهم وفتنتهم، واستسلموا للشروط التي أجراها عليهم المسلمون مما ينفي عزهم وتكبرهم، ويوجب ذلهم وصغارهم، وجب على الإمام أو نائبه أن يعقدها لهم.وإلا بأن لم يفوا، ولم يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، لم يجز إقرارهم بالجزية، بل يقاتلون حتى يسلموا.واستدل بهذه الآية الجمهور الذين يقولون: لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب، لأن الله لم يذكر أخذ الجزية إلا منهم.وأما غيرهم فلم يذكر إلا قتالهم حتى يسلموا، وألحق بأهل الكتاب في أخذ الجزية وإقرارهم في ديار المسلمين، المجوس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، أخذ الجزية من مجوس هجر، ثم أخذها أمير المؤمنين عمر من الفرس المجوس.وقيل: إن الجزية تؤخذ من سائر الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، لأن هذه الآية نزلت بعد الفراغ من قتال العرب المشركين، والشروع في قتال أهل الكتاب ونحوهم، فيكون هذا القيد إخبارا بالواقع، لا مفهوما له.ويدل على هذا أن المجوس أخذت منهم الجزية وليسوا أهل كتاب، ولأنه قد تواتر عن المسلمين من الصحابة ومن بعدهم أنهم يدعون من يقاتلونهم إلى إحدى ثلاث: إما الإسلام، أو أداء الجزية، أو السيف، من غير فرق بين كِتَابِيٍّ وغيره.
{30 - 31} {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .لما أمر تعالى بقتال أهل الكتاب، ذكر من أقوالهم الخبيثة، ما يهيج المؤمنين الذين يغارون لربهم ولدينه على قتالهم، والاجتهاد وبذل الوسع فيه فقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} وهذه المقالة وإن لم تكن مقالة لعامتهم فقد قالها فرقة منهم، فيدل ذلك على أن في اليهود من الخبث والشر ما أوصلهم إلى أن قالوا هذه المقالة التي تجرأوا فيها على الله، وتنقصوا عظمته وجلاله.وقد قيل: إن سبب ادعائهم في {عزير} أنه ابن الله، أنه لما سلط الله الملوك (1) على بني إسرائيل، ومزقوهم كل ممزق، وقتلوا حَمَلَةَ التوراة، وجدوا عزيرا بعد ذلك حافظا لها أو -[335]- لأكثرها، فأملاها عليهم من حفظه، واستنسخوها، فادعوا فيه هذه الدعوى الشنيعة.{وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ} عيسى ابن مريم {ابْنُ اللَّهِ} قال الله تعالى {ذَلِكَ} القول الذي قالوه {قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} لم يقيموا عليه حجة ولا برهانا.ومن كان لا يبالي بما يقول، لا يستغرب عليه أي قول يقوله، فإنه لا دين ولا عقل، يحجزه، عما يريد من الكلام.ولهذا قال: {يُضَاهِئُونَ} أي: يشابهون في قولهم هذا {قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} أي: قول المشركين الذين يقولون: "الملائكة بنات الله" تشابهت قلوبهم، فتشابهت أقوالهم في البطلان.{قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي: كيف يصرفون على الحق، الصرف الواضح المبين، إلى القول الباطل المبين.وهذا -وإن كان يستغرب على أمة كبيرة كثيرة، أن تتفق على قول- يدل على بطلانه أدنى تفكر وتسليط للعقل عليه، فإن لذلك سببا وهو أنهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ} وهم علماؤهم {وَرُهْبَانَهُمْ} أي: العُبَّاد المتجردين للعبادة.{أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} يُحِلُّون لهم ما حرم الله فيحلونه، ويحرمون لهم ما أحل الله فيحرمونه، ويشرعون لهم من الشرائع والأقوال المنافية لدين الرسل فيتبعونهم عليها.وكانوا أيضا يغلون في مشايخهم وعبادهم ويعظمونهم، ويتخذون قبورهم أوثانا تعبد من دون الله، وتقصد بالذبائح، والدعاء والاستغاثة.{وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} اتخذوه إلها من دون الله، والحال أنهم خالفوا في ذلك أمر الله لهم على ألسنة رسله فما {أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ} فيخلصون له العبادة والطاعة، ويخصونه بالمحبة والدعاء، فنبذوا أمر الله وأشركوا به ما لم ينزل به سلطانا.{سُبْحَانَهُ} وتعالى {عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي: تنزه وتقدس، وتعالت عظمته عن شركهم وافترائهم، فإنهم ينتقصونه في ذلك، ويصفونه بما لا يليق بجلاله، والله تعالى العالي في أوصافه وأفعاله عن كل ما نسب إليه، مما ينافي كماله المقدس.
المصدر
المكتبة الشاملة الحديثة
تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)
الرابط
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
(<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
(<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)
jtsdv s,vm hgj,fm hgsu]dV1-31 C (lk ;jhf jdsdv hg;vdl hgvplk td ;ghl
)
{1 - 2} {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} .أي: هذه براءة من الله ومن رسوله إلى جميع المشركين المعاهدين، أن لهم أربعة أشهر يسيحون في الأرض على اختيارهم، آمنين من المؤمنين، وبعد الأربعة الأشهر فلا عهد لهم، ولا ميثاق.وهذا لمن كان له عهد مطلق غير مقدر، أو مقدر بأربعة أشهر فأقل، أما من كان له عهد مقدر بزيادة على أربعة أشهر، فإن الله يتعين أن يتمم له عهده إذا لم يخف منه خيانة، ولم يبدأ بنقض العهد.ثم أنذر المعاهدين في مدة عهدهم، أنهم وإن كانوا آمنين، فإنهم لن يعجزوا الله ولن يفوتوه، وأنه من استمر منهم على شركه فإنه لا بد أن يخزيه، فكان هذا مما يجلبهم إلى الدخول في الإسلام، إلا من عاند وأصر ولم يبال بوعيد الله له.
{3} {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} .هذا ما وعد الله به المؤمنين، من نصر دينه وإعلاء كلمته، وخذلان أعدائهم من المشركين الذين أخرجوا الرسول ومن معه من مكة، من بيت الله الحرام، وأجلوهم، مما لهم التسلط عليه من أرض الحجاز.نصر الله رسوله والمؤمنين حتى افتتح مكة، وأذل المشركين، وصار للمؤمنين الحكم والغلبة على تلك الديار.فأمر النبي (1) مؤذنه أن يؤذن يوم الحج الأكبر، وهو يوم النحر، وقت اجتماع الناس مسلمهم وكافرهم، من جميع جزيرة العرب، أن يؤذن بأن الله بريء ورسوله من المشركين، فليس لهم عنده عهد وميثاق، فأينما وجدوا قتلوا، وقيل لهم: لا تقربوا المسجد الحرام بعد عامكم هذا، وكان ذلك سنة تسع من الهجرة.وحج بالناس أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأذن ببراءة -يوم النحر- ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.ثم رغب تعالى المشركين بالتوبة، ورهبهم من الاستمرار على الشرك فقال: {فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} أي: فائتيه، بل أنتم في قبضته، قادر أن يسلط عليكم عباده المؤمنين. {وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي: مؤلم مفظع في الدنيا بالقتل والأسر، والجلاء، وفي الآخرة، بالنار، وبئس القرار.
{4} {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} .أي هذه البراءة التامة المطلقة من جميع المشركين. {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} واستمروا على عهدهم، ولم يجر منهم ما يوجب النقض، فلا نقصوكم شيئا، ولا عاونوا عليكم أحدا، فهؤلاء أتموا لهم (1) عهدهم إلى مدتهم، قَلَّتْ، أو كثرت، لأن الإسلام لا يأمر بالخيانة وإنما يأمر بالوفاء.{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} الذين أدوا ما أمروا به، واتقوا الشرك والخيانة، وغير ذلك من المعاصي.
{5} {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .يقول تعالى {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ} أي: التي حرم فيها قتال المشركين المعاهدين، وهي أشهر التسيير الأربعة، وتمام المدة لمن له مدة أكثر منها، فقد برئت منهم الذمة.{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} في أي مكان وزمان، {وَخُذُوهُمْ} أسرى {وَاحْصُرُوهُمْ} أي: ضيقوا عليهم، فلا تدعوهم يتوسعون في بلاد الله وأرضه، التي جعلها [الله] معبدا لعباده.فهؤلاء ليسوا أهلا لسكناها، ولا يستحقون منها شبرا، لأن الأرض أرض الله، وهم أعداؤه المنابذون له ولرسله، المحاربون الذين يريدون أن يخلو الأرض من دينه، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.{وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} أي: كل ثنية وموضع يمرون عليه، ورابطوا في جهادهم وابذلوا غاية مجهودكم في ذلك، ولا تزالوا على هذا الأمر حتى يتوبوا من شركهم.ولهذا قال: {فَإِنْ تَابُوا} من شركهم {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} أي: أدوها بحقوقها {وَآتُوا الزَّكَاةَ} لمستحقيها {فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} أي: اتركوهم، وليكونوا مثلكم، لهم ما لكم، وعليهم ما عليكم.{إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يغفر الشرك فما دونه، للتائبين، ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة، ثم قبولها منهم.وفي هذه الآية، دليل على أن من امتنع من أداء الصلاة أو الزكاة، فإنه يقاتل حتى يؤديهما، كما استدل بذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
{6} {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} .لما كان ما تقدم من قوله {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} أمرا عاما في جميع الأحوال، وفي كل الأشخاص منهم، ذكر تعالى، أن المصلحة إذا اقتضت تقريب بعضهم جاز، بل وجب ذلك فقال: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} أي: طلب منك أن تجيره، وتمنعه من الضرر، لأجل أن يسمع كلام (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
) الله، وينظر حالة الإسلام.{فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} ثم إن أسلم، فذاك، وإلا فأبلغه مأمنه، أي: المحل الذي يأمن فيه، والسبب في ذلك أن الكفار قوم لا يعلمون، فربما كان استمرارهم على كفرهم لجهل منهم، إذا زال اختاروا عليه الإسلام، فلذلك أمر الله رسوله، وأمته أسوته في الأحكام، أن يجيروا من طلب أن يسمع كلام الله.وفي هذا حجة صريحة لمذهب أهل السنة والجماعة، القائلين بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، لأنه تعالى هو المتكلم به، وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها، وبطلان مذهب المعتزلة ومن أخذ بقولهم: أن القرآن مخلوق.وكم من الأدلة الدالة على بطلان هذا القول، ليس هذا محل ذكرها
{7} {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} .هذا بيان للحكمة الموجبة لأن يتبرأ الله ورسوله من المشركين، فقال: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ} هل قاموا بواجب الإيمان، أم تركوا رسول الله والمؤمنين من أذيتهم؟ أما حاربوا الحق ونصروا الباطل؟أما سعوا في الأرض فسادا؟ فيحق عليهم أن يتبرأ الله منهم، وأن لا يكون لهم عهد عنده ولا عند رسوله.{إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ} من المشركين {عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فإن لهم في العهد وخصوصا في هذا المكان الفاضل حرمة، أوجب أن يراعوا فيها.{فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} ولهذا قال:
{8 - 11} {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ * فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ - فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} .أي: {كَيْفَ} يكون للمشركين عند الله عهد وميثاق {و} الحال أنهم {وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} بالقدرة والسلطة، لا يرحموكم، و {لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلا وَلا ذِمَّةً} أي: لا ذمة ولا قرابة، ولا يخافون الله فيكم، بل يسومونكم سوء العذاب، فهذه حالكم معهم لو ظهروا.ولا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم، فإنهم {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} الميل والمحبة لكم، بل هم الأعداء حقا، المبغضون لكم صدقا، {وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} لا ديانة لهم ولا مروءة.{اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا} أي: اختاروا الحظ العاجل الخسيس في الدنيا. على الإيمان بالله ورسوله، والانقياد لآيات الله.{فَصَدُّوا} بأنفسهم، وصدوا غيرهم {عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً} أي لأجل عداوتهم للإيمان {إِلا وَلا ذِمَّةً} أي لأجل عداوتهم للإيمان وأهلهفالوصف الذي جعلهم يعادونكم لأجله ويبغضونكم هو الإيمان فذبوا عن دينكم وانصروه واتخذوا من عاداه لكم عدوا ومن نصره لكم وليا واجعلوا الحكم يدور معه وجودا وعدما لا تجعلوا الولاية والعداوة طبيعية تميلون بهما حيثما مال الهوى وتتبعون فيهما النفس الأمارة بالسوء ولهذا {فَإِنْ تَابُوا} عن شركهم ورجعوا إلى الإيمان {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} وتناسوا تلك العداوة إذ كانوا مشركين لتكونوا عباد الله المخلصين وبهذا يكون العبد عبدا حقيقة لما بين من أحكامه العظيمة ما بين ووضح منها ما وضح أحكاما وحِكَمًا وحُكْمًا وحكمة قال {وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ} أي نوضحها ونميزها {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} فإليهم سياق الكلام وبهم تعرف الآيات والأحكام وبهم عرف دين الإسلام وشرائع الديناللهم اجعلنا من القوم الذين يعلمون ويعملون بما يعلمون برحمتك وجودك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين
{13-12} {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ * أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} .يقول تعالى بعدما ذكر أن المعاهدين من المشركين إن استقاموا على عهدهم فاستقيموا لهم على الوفاء: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} أي: نقضوها وحلوها، فقاتلوكم أو أعانوا على قتالكم، أو نقصوكم، {وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ} أي: عابوه، وسخروا منه.ويدخل في هذا جميع أنواع الطعن الموجهة إلى الدين، أو إلى القرآن، {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} أي: القادة فيه، الرؤساء الطاعنين في دين الرحمن، الناصرين لدين الشيطان، وخصهم بالذكر لعظم جنايتهم، ولأن غيرهم تبع لهم، وليدل على أن من طعن في الدين وتصدى للرد عليه، فإنه من أئمة الكفر.{إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} أي: لا عهود ولا مواثيق يلازمون على الوفاء بها، بل لا يزالون خائنين، ناكثين للعهد، لا يوثق منهم.{لَعَلَّهُمْ} في قتالكم إياهم {يَنْتَهُونَ} عن الطعن في دينكم، وربما دخلوا فيه، ثم حث على قتالهم، وهيج المؤمنين بذكر الأوصاف، التي صدرت من هؤلاء الأعداء، والتي هم موصوفون بها، المقتضية لقتالهم فقال: {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ} الذي يجب احترامه وتوقيره وتعظيمه؟ وهم هموا أن يجلوه ويخرجوه من وطنه وسعوا في ذلك ما أمكنهم، {وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} حيث نقضوا العهد وأعانوا عليكم، وذلك حيث عاونت (1) قريش -وهم معاهدون- بني بكر حلفاءهم على خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاتلوا معهم كما هو مذكور مبسوط في السيرة.{أَتَخْشَوْنَهُمْ} في ترك قتالهم {فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فإنه (2) أمركم بقتالهم، وأكد ذلك عليكم غاية التأكيد.فإن كنتم مؤمنين فامتثلوا لأمر الله، ولا تخشوهم فتتركوا أمر الله، ثم أمر بقتالهم وذكر ما يترتب على قتالهم من -[331]- الفوائد، وكل هذا حث وإنهاض للمؤمنين على قتالهم، فقال:
15-14{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} بالقتل {وَيُخْزِهِمْ} إذا نصركم الله عليهم، وهم الأعداء الذين يطلب خزيهم ويحرص عليه، {وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} هذا وعد من الله وبشارة قد أنجزها.{وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ * غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} فإن في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله وزوالا للغيظ الذي في قلوبهم وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين واعتنائه بأحوالهم حتى إنه جعل -من جملة المقاصد الشرعية- شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهمثم قال {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} من هؤلاء المحاربين بأن يوفقهم للدخول في الإسلام ويزينه في قلوبهم ويُكَرِّهَ إليهم الكفر والفسوق والعصيان{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} يضع الأشياء مواضعها ويعلم من يصلح للإيمان فيهديه ومن لا يصلح فيبقيه في غيه وطغيانه
{16} {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} .يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد ما أمرهم بالجهاد: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا} من دون ابتلاء وامتحان، وأمر بما يبين به الصادق والكاذب.{وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} أي: علما يظهر مما في القوة إلى الخارج، ليترتب عليه الثواب والعقاب، فيعلم الذين يجاهدون في سبيله: لإعلاء كلمته {وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} أي: وليا من الكافرين، بل يتخذون الله ورسوله والمؤمنين أولياء.فشرع الله الجهاد ليحصل به هذا المقصود الأعظم، وهو أن يتميز الصادقون الذين لا يتحيزون إلا لدين الله، من الكاذبين الذين يزعمون الإيمان وهم يتخذون الولائج والأولياء من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين.{وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي: يعلم ما يصير منكم ويصدر، فيبتليكم بما يظهر به حقيقة ما أنتم عليه، ويجازيكم على أعمالكم خيرها وشرها
{17 - 18} {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} .يقول تعالى: {مَا كَانَ} أي: ما ينبغي ولا يليق {لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} بالعبادة، والصلاة، وغيرها من أنواع الطاعات، والحال أنهم شاهدون ومقرون على أنفسهم بالكفر بشهادة حالهم وفطرهم، وعلم كثير منهم أنهم على الكفر والباطل.فإذا كانوا {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} وعدم الإيمان، الذي هو شرط لقبول الأعمال، فكيف يزعمون أنهم عُمَّارُ مساجد الله، والأصل منهم مفقود، والأعمال منهم باطلة؟!!.ولهذا قال: {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أي: بطلت وضلت {وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} .ثم ذكر من هم عمار مساجد الله فقال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ} الواجبة والمستحبة، بالقيام بالظاهر منها والباطن.{وَآتَى الزَّكَاةَ} لأهلها {وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ} أي قصر خشيته على ربه، فكف عما حرم الله، ولم يقصر بحقوق الله الواجبة.فوصفهم بالإيمان النافع، وبالقيام بالأعمال الصالحة التي أُمُّها الصلاة والزكاة، وبخشية الله التي هي أصل كل خير، فهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة وأهلها الذين هم أهلها.{فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} و "عسى" من الله واجبة. وأما من لم يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا عنده خشية لله، فهذا ليس من عمار مساجد الله، ولا من أهلها الذين هم أهلها، وإن زعم ذلك وادعاه.
{19 -20} {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} .لما اختلف بعض المسلمين، أو بعض المسلمين وبعض المشركين، في تفضيل عمارة المسجد الحرام، بالبناء والصلاة والعبادة فيه وسقاية الحاج، على الإيمان بالله والجهاد في سبيله، أخبر الله تعالى بالتفاوت بينهما، فقال: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} أي: سقيهم الماء من زمزم كما هو المعروف إذا أطلق هذا الاسم، أنه المراد {وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ -[332]- الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ}فالجهاد والإيمان بالله أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام بدرجات كثيرة، لأن الإيمان أصل الدين، وبه تقبل الأعمال، وتزكو الخصال.وأما الجهاد في سبيل الله فهو ذروة سنام الدين، الذي به يحفظ الدين الإسلامي ويتسع، وينصر الحق ويخذل الباطل.وأما عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج، فهي وإن كانت أعمالا صالحة، فهي متوقفة على الإيمان، وليس فيها من المصالح ما في الإيمان والجهاد، فلذلك قال: {لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} أي: الذين وصفهم الظلم، الذين لا يصلحون لقبول شيء من الخير، بل لا يليق بهم إلا الشر.ثم صرح بالفضل فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ} بالنفقة في الجهاد وتجهيز الغزاة {وَأَنْفُسِهِمْ} بالخروج بالنفس {أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} أي: لا يفوز بالمطلوب ولا ينجو من المرهوب، إلا من اتصف بصفاتهم، وتخلق بأخلاقهم.
22-21{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} .{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ} جودا منه، وكرما وبرا بهم، واعتناء ومحبة لهم، {بِرَحْمَةٍ مِنْهُ} أزال بها عنهم الشرور، وأوصل إليهم [بها] كل خير. {وَرِضْوَانٍ} منه تعالى عليهم، الذي هو أكبر نعيم الجنة وأجله، فيحل عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم أبدا.{وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} من كل ما اشتهته الأنفس، وتلذ الأعين، مما لا يعلم وصفه ومقداره إلا الله تعالى، الذي منه أن الله أعد للمجاهدين في سبيله مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، ولو اجتمع الخلق في درجة واحدة منها لوسعتهم.{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} لا ينتقلون عنها، ولا يبغون عنها حِوَلا {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} لا تستغرب كثرته على فضل الله، ولا يتعجب من عظمه وحسنه على من يقول للشيء كن فيكون
{23 - 24} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} .يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} اعملوا بمقتضى الإيمان، بأن توالوا من قام به، وتعادوا من لم يقم به.و {لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ} الذين هم أقرب الناس إليكم، وغيرهم من باب أولى وأحرى، فلا تتخذوهم {أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا} أي: اختاروا على وجه الرضا والمحبة {الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ}{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} لأنهم تجرؤوا على معاصي الله، واتخذوا أعداء الله أولياء، وأصل الولاية: المحبة والنصرة، وذلك أن اتخاذهم أولياء، موجب لتقديم طاعتهم على طاعة الله، ومحبتهم على محبة الله ورسوله.ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك، وهو أن محبة الله ورسوله، يتعين تقديمهما على محبة كل شيء، وجعل جميع الأشياء تابعة لهما فقال: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ} ومثلهم الأمهات {وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ} في النسب والعشرة (1) {وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} أي: قراباتكم عموما {وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا} أي: اكتسبتموها وتعبتم في تحصيلها، خصها بالذكر، لأنها أرغب عند أهلها، وصاحبها أشد حرصا عليها ممن تأتيه الأموال من غير تعب ولا كَدّ.{وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} أي: رخصها ونقصها، وهذا شامل لجميع أنواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات، من الأثمان، والأواني، والأسلحة، والأمتعة، والحبوب، والحروث، والأنعام، وغير ذلك.{وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا} من حسنها وزخرفتها وموافقتها لأهوائكم، فإن كانت هذه الأشياء {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} فأنتم فسقة ظلمة.{فَتَرَبَّصُوا} أي: انتظروا ما يحل بكم من العقاب {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} الذي لا مرد له.{وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} أي: الخارجين عن طاعة الله، المقدمين على محبة الله شيئا من المذكورات.وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد، على من كان شيء من هذه المذكورات أحب إليه من الله ورسوله، وجهاد في سبيله.وعلامة ذلك، أنه إذا عرض عليه أمران، أحدهما يحبه الله ورسوله، وليس لنفسه فيه هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا لله ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه، على ما يحبه الله، دل ذلك على أنه ظالم، تارك لما يجب عليه
{25 - 26} {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} .يمتن تعالى على عباده المؤمنين، بنصره إياهم في مواطن كثيرة من مواطن اللقاء، ومواضع الحروب والهيجاء، حتى في يوم "حنين" الذي اشتدت عليهم فيه الأزمة، ورأوا من التخاذل والفرار، ما ضاقت عليهم به الأرض على رحبها وسعتها.وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة، سمع أن هوازن اجتمعوا لحربه، فسار إليهم صلى الله عليه وسلم في أصحابه الذين فتحوا مكة، وممن أسلم من الطلقاء أهل مكة، فكانوا اثني عشر ألفا، والمشركون أربعة آلاف، فأعجب بعض المسلمين بكثرتهم، وقال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة.فلما التقوا هم وهوازن، حملوا على المسلمين حملة واحدة، فانهزموا لا يلوي أحد على أحد، ولم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا نحو مائة رجل، ثبتوا معه، وجعلوا يقاتلون المشركين، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يركض بغلته نحو المشركين ويقول: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"ولما رأى من المسلمين ما رأى، أمر العباس بن عبد المطلب أن ينادي في الأنصار وبقية المسلمين، وكان رفيع الصوت، فناداهم: يا أصحاب السمرة، يا أهل سورة (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
) البقرة.فلما سمعوا صوته، عطفوا عطفة رجل واحد، فاجتلدوا مع المشركين، فهزم الله المشركين، هزيمة شنيعة، واستولوا على معسكرهم ونسائهم وأموالهم.وذلك قوله تعالى {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} وهو اسم للمكان الذي كانت فيه الوقعة بين مكة والطائف.{إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} أي: لم تفدكم شيئا، قليلا ولا كثيرا {وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ} بما أصابكم من الهم والغم حين انهزمتم {بِمَا رَحُبَتْ} أي: على رحبها وسعتها، {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} أي: منهزمين.{ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} والسكينة ما يجعله الله في القلوب وقت القلاقل والزلازل والمفظعات، مما يثبتها، ويسكنها ويجعلها مطمئنة، وهي من نعم الله العظيمة على العباد.{وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} وهم الملائكة، أنزلهم الله معونة للمسلمين يوم حنين، يثبتونهم، ويبشرونهم بالنصر.{وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالهزيمة والقتل، واستيلاء المسلمين على نسائهم وأولادهم وأموالهم.{وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} يعذبهم الله في الدنيا، ثم يردهم في الآخرة إلى عذاب غليظ
27{ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} فتاب الله على كثير ممن كانت الوقعة عليهم، وأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين تائبين، فرد عليهم نساءهم، وأولادهم.{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: ذو مغفرة واسعة، ورحمة عامة، يعفو عن الذنوب العظيمة للتائبين، ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة والطاعة، والصفح عن جرائمهم، وقبول توباتهم، فلا ييأسنَّ أحد من مغفرته ورحمته، ولو فعل من الذنوب والإجرام ما فعل.
{28} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ} بالله الذين عبدوا معه غيره {نَجَسٌ} أي: خبثاء في عقائدهم وأعمالهم، وأي نجاسة أبلغ ممن كان يعبد مع الله آلهة لا تنفع ولا تضر، ولا تغني عنه شيئا؟ ".وأعمالهم ما بين محاربة لله، وصد عن سبيل الله ونصر للباطل، ورد للحق، وعمل بالفساد في الأرض لا في الصلاح، فعليكم أن تطهروا أشرف البيوت وأطهرها عنهم.{فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} وهو سنة تسع من الهجرة، حين حج بالناس أبو بكر الصديق، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه عليا، أن يؤذن يوم الحج الأكبر بـ {براءة} فنادى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.وليس المراد هنا، نجاسة البدن، فإن الكافر كغيره طاهر البدن، بدليل أن الله تعالى أباح وطء الكتابية ومباشرتها، ولم يأمر بغسل ما أصاب (1) منها.والمسلمون ما زالوا يباشرون أبدان الكفار، ولم ينقل عنهم أنهم تقذروا منها، تَقَذُّرَهْم من النجاسات، وإنما المراد كما تقدم نجاستهم المعنوية، بالشرك، فكما أن التوحيد والإيمان، طهارة، فالشرك نجاسة.وقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ} أيها المسلمون {عَيْلَةً} أي: فقرا وحاجة، من منع المشركين من قربان المسجد الحرام، بأن تنقطع الأسباب التي بينكم وبينهم من الأمور الدنيوية، {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فليس الرزق مقصورا على باب واحد، ومحل واحد، بل لا ينغلق باب إلا وفتح غيره أبواب كثيرة، فإن فضل الله واسع، وجوده عظيم، خصوصا لمن ترك شيئا لوجهه الكريم، فإن الله أكرم الأكرمين.وقد أنجز الله وعده، فإن الله قد أغنى المسلمين من فضله، وبسط لهم من الأرزاق ما كانوا به من أكبر الأغنياء والملوك.وقوله: {إِنْ شَاءَ} تعليق للإغناء بالمشيئة، لأن الغنى في الدنيا، ليس من لوازم الإيمان، ولا يدل على محبة الله، فلهذا علقه الله بالمشيئة.فإن الله يعطي الدنيا، من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان والدين، إلا من يحب.{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي: علمه -[334]- واسع، يعلم من يليق به الغنى، ومن لا يليق، ويضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها.وتدل الآية الكريمة، وهي قوله {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} أن المشركين بعد ما كانوا، هم الملوك والرؤساء بالبيت، ثم صار بعد الفتح الحكم لرسول الله والمؤمنين، مع إقامتهم في البيت، ومكة المكرمة، ثم نزلت هذه الآية.ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يجلوا من الحجاز، فلا يبقى فيها دينان، وكل هذا لأجل بُعْدِ كل كافر عن المسجد الحرام، فيدخل في قوله {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}
{29} {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} .هذه الآية أمر بقتال الكفار من اليهود والنصارى من {الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} إيمانا صحيحا يصدقونه بأفعالهم وأعمالهم. ولا يحرمون ما حرم الله، فلا يتبعون شرعه في تحريم المحرمات، {وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} أي: لا يدينون بالدين الصحيح، وإن زعموا أنهم على دين، فإنه دين غير الحق، لأنه إما بين دين مبدل، وهو الذي لم يشرعه الله أصلا وإما دين منسوخ قد شرعه الله، ثم غيره بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيبقى التمسك به بعد النسخ غير جائز.فأمره بقتال هؤلاء وحث على ذلك، لأنهم يدعون إلى ما هم عليه، ويحصل الضرر الكثير منهم للناس، بسبب أنهم أهل كتاب.وغيَّى ذلك القتال {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} أي: المال الذي يكون جزاء لترك المسلمين قتالهم، وإقامتهم آمنين على أنفسهم وأموالهم، بين أظهر المسلمين، يؤخذ منهم كل عام، كلٌّ على حسب حاله، من غني وفقير ومتوسط، كما فعل ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وغيره، من أمراء المؤمنين.وقوله: {عَنْ يَدٍ} أي: حتى يبذلوها (1) في حال ذلهم، وعدم اقتدارهم، ويعطونها بأيديهم، فلا يرسلون بها خادما ولا غيره، بل لا تقبل إلا من أيديهم، {وَهُمْ صَاغِرُونَ}فإذا كانوا بهذه الحال، وسألوا المسلمين أن يقروهم بالجزية، وهم تحت أحكام المسلمين وقهرهم، وحال الأمن من شرهم وفتنتهم، واستسلموا للشروط التي أجراها عليهم المسلمون مما ينفي عزهم وتكبرهم، ويوجب ذلهم وصغارهم، وجب على الإمام أو نائبه أن يعقدها لهم.وإلا بأن لم يفوا، ولم يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، لم يجز إقرارهم بالجزية، بل يقاتلون حتى يسلموا.واستدل بهذه الآية الجمهور الذين يقولون: لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب، لأن الله لم يذكر أخذ الجزية إلا منهم.وأما غيرهم فلم يذكر إلا قتالهم حتى يسلموا، وألحق بأهل الكتاب في أخذ الجزية وإقرارهم في ديار المسلمين، المجوس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، أخذ الجزية من مجوس هجر، ثم أخذها أمير المؤمنين عمر من الفرس المجوس.وقيل: إن الجزية تؤخذ من سائر الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، لأن هذه الآية نزلت بعد الفراغ من قتال العرب المشركين، والشروع في قتال أهل الكتاب ونحوهم، فيكون هذا القيد إخبارا بالواقع، لا مفهوما له.ويدل على هذا أن المجوس أخذت منهم الجزية وليسوا أهل كتاب، ولأنه قد تواتر عن المسلمين من الصحابة ومن بعدهم أنهم يدعون من يقاتلونهم إلى إحدى ثلاث: إما الإسلام، أو أداء الجزية، أو السيف، من غير فرق بين كِتَابِيٍّ وغيره.
{30 - 31} {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .لما أمر تعالى بقتال أهل الكتاب، ذكر من أقوالهم الخبيثة، ما يهيج المؤمنين الذين يغارون لربهم ولدينه على قتالهم، والاجتهاد وبذل الوسع فيه فقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} وهذه المقالة وإن لم تكن مقالة لعامتهم فقد قالها فرقة منهم، فيدل ذلك على أن في اليهود من الخبث والشر ما أوصلهم إلى أن قالوا هذه المقالة التي تجرأوا فيها على الله، وتنقصوا عظمته وجلاله.وقد قيل: إن سبب ادعائهم في {عزير} أنه ابن الله، أنه لما سلط الله الملوك (1) على بني إسرائيل، ومزقوهم كل ممزق، وقتلوا حَمَلَةَ التوراة، وجدوا عزيرا بعد ذلك حافظا لها أو -[335]- لأكثرها، فأملاها عليهم من حفظه، واستنسخوها، فادعوا فيه هذه الدعوى الشنيعة.{وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ} عيسى ابن مريم {ابْنُ اللَّهِ} قال الله تعالى {ذَلِكَ} القول الذي قالوه {قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} لم يقيموا عليه حجة ولا برهانا.ومن كان لا يبالي بما يقول، لا يستغرب عليه أي قول يقوله، فإنه لا دين ولا عقل، يحجزه، عما يريد من الكلام.ولهذا قال: {يُضَاهِئُونَ} أي: يشابهون في قولهم هذا {قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} أي: قول المشركين الذين يقولون: "الملائكة بنات الله" تشابهت قلوبهم، فتشابهت أقوالهم في البطلان.{قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي: كيف يصرفون على الحق، الصرف الواضح المبين، إلى القول الباطل المبين.وهذا -وإن كان يستغرب على أمة كبيرة كثيرة، أن تتفق على قول- يدل على بطلانه أدنى تفكر وتسليط للعقل عليه، فإن لذلك سببا وهو أنهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ} وهم علماؤهم {وَرُهْبَانَهُمْ} أي: العُبَّاد المتجردين للعبادة.{أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} يُحِلُّون لهم ما حرم الله فيحلونه، ويحرمون لهم ما أحل الله فيحرمونه، ويشرعون لهم من الشرائع والأقوال المنافية لدين الرسل فيتبعونهم عليها.وكانوا أيضا يغلون في مشايخهم وعبادهم ويعظمونهم، ويتخذون قبورهم أوثانا تعبد من دون الله، وتقصد بالذبائح، والدعاء والاستغاثة.{وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} اتخذوه إلها من دون الله، والحال أنهم خالفوا في ذلك أمر الله لهم على ألسنة رسله فما {أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ} فيخلصون له العبادة والطاعة، ويخصونه بالمحبة والدعاء، فنبذوا أمر الله وأشركوا به ما لم ينزل به سلطانا.{سُبْحَانَهُ} وتعالى {عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي: تنزه وتقدس، وتعالت عظمته عن شركهم وافترائهم، فإنهم ينتقصونه في ذلك، ويصفونه بما لا يليق بجلاله، والله تعالى العالي في أوصافه وأفعاله عن كل ما نسب إليه، مما ينافي كماله المقدس.
المصدر
المكتبة الشاملة الحديثة
تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)
الرابط
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
(<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)
<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
(<h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
)
jtsdv s,vm hgj,fm hgsu]dV1-31 C (lk ;jhf jdsdv hg;vdl hgvplk td ;ghl