فريق منتدى الدي في دي العربي
07-23-2022, 02:49 PM
ولماذا الهجرة؟
محمد عدنان كاتبي
كان يوماً عظيماً ذلك اليوم الذي اجتمع فيه ثلة من كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار في مجلس الخليفة عمر بن الخطاب ليتبادلوا الرأي حول أمر أهمهم وأقض مضجعهم، وقد اكتمل بناء الدولة الإسلامية، وبسطت سيطرتها على شرقي العالم القديم وغربه، فخضعت لها دولتا الروم والفرس.
وقد اختلفت الروايات في سبب اختيار الهجرة مبدأ للتاريخ الإسلامي
منها: ما رواه ميمون بن مهران أنه قال : رفع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه صك محله في شعبان ، فقال عمر: شعبان هذا الذي مضى؟ أو الذي هو آت؟ أو الذي نحن فيه؟ ثم جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ضعوا للناس شيئاً يعرفونه ، فقال قائل: اكتبوا على تاريخ الروم، فقيل: إنه يطول وإنهم يكتبون من عند ذي القرنين، فقال قائل: اكتبوا تاريخ الفرس، قالوا كلما قام ملك طرح ما قبله، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، فوجدوه أقام عشر سنوات، فكتب التاريخ على هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم(1).
وفي تاريخ الإسلام للذهبي عن عثمان بن عبد الله قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: جمع عمر بن الخطاب المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، فقال: متى نكتب التاريخ؟ فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: منذ خرج النبي صلى الله عليه وسلم من أرض الشرك، يعني من يوم هاجر، قال: فكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لست عشرة من محرم بمشورة علي بن أبي طالب(2)
ويرى ابن حجر أنّ الصحابة الذين أشاروا على سيدنا عمر بن الخطاب، وجدوا أن الأمور التي يمكن أن يؤرخ بها أربعة ، هي: مولده، ومبعثه، وهجرته، ووفاته، ووجدوا أنّ المولد والمبعث لا يخلو من نزاع في سنة حدوثه، وأعرضوا عن التأريخ بوفاته لما يثيره من الحزن والأسى في المسلمين، فلم يبق إلا الهجرة ....(3)
وهناك روايات متعدد غير هذه في سبب وضع سيدنا عمر بن الخطاب والصحابة الكرام تاريخاً خاصاً بالمسلمين وسبب اختيار الهجرة مبدأ هذا التاريخ.
ونتساءل هل كان الحديث عن التقويم والتأريخ والأزمنة والأيام والشهور وليد هذا الاجتماع، الذي دعا إليه سيدنا عمر بن الخطاب، وأن المسلمين لم يكن لهم معرفة أو ثقافة في الـتأريخ، وأن ما اجتمع عليه أمر الصحابة في عهد عمر بن الخطاب كان وليد تفكيرهم في يومهم هذا ؟ أو الهاماً ألهموه ذلك اليوم ؟ أو انه كان لديهم ثقافة مخزونة، وعلوم متراكمة، وإشارات واضحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بأن هذا التوقيت هو الذي ارتضاه الله عز وجلّ لهذه الأمة، وقد أشار الفرآن الكريم إلى هذا في قوله عزّ وجلّ: ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ) (4) وقوله: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)(5) وقوله: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا)(6) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّه السَّمواتِ والأَرْضَ، السَّنةُ اثْنَا عَشَر شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم: ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقعْدة، وَذو الْحجَّةِ، والْمُحرَّمُ، وَرجُب مُضَر الَّذِي بَيْنَ جُمادَى وَشَعْبَانَ)(7)
وزاد من قيمة التقويم الهجري في الثقافة الإسلامية أن جل العبادات مرتبطة به فالحج (أشهر معلومات)، والصلام (كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا)، وصيام شهر رمضان مرتبط برؤية الهلال، والزكاة مرتبطة بحلول الحول، ولهذا كان للتاريخ الهجري مكانة خاصة في وجدان الأمة وعقلها الجمعي، فهي مأمورة بأن تتقيد بهذا التأريخ لتباشر طاعة ربها من خلال أدائها للعبادات المرتبطة به.
ولا شك أن الإسلام بتقويمه الهجري، قد وضع حداً للفوضى التي كانت تعتري التأريخ، حيث كان يخضع لأمزجة الأباطرة والقساوسة والرهبان، بل ولأمزجة رؤساء القبائل والعشائر عند العرب، فيقدمون شهراً وينسئون آخر، تبعا لأهوائهم و مصالحهم، فجاء الإسلام ليضبط عملية التأريخ، ويحرم التلاعب فيه ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )(8)
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ اليوم الأول للسنة الهجرية، أي الأول من محرم لم يكن هو تاريخ هجرته صلى الله عليه وسلم، بل كانت هجرته صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول، والصحابة رضي الله عنهم اتخذوا السنة التي وقعت فيها الهجرة بداية للتاريخ، لا شهرها ولا يومها، وكأنهم أرادوا الحفاظ على تسلسل الشهور العربية، لتبدأ السنة الهجرية بشهر حرام، وتنتهي بشهر حرام، كما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد كان اختيار الهجرة النبوية تاريخاً وحيداً للأمة يحمل دلالات الاعتزاز بالهوية، ويرسخ الانتماء لهذه الأمة دينا وثقافة وتاريخاً، وكان بإمكانهم إبقاء ما كان من التأريخ بأحداث وأيام أثرت في عقلهم ووجدانهم القبلي، كيوم البسوس، ويوم داحس والغبراء، ويوم ذي قار، ويوم بعاث، وعام الفيل، وغيرها.
وكان من السهولة بمكان العمل بالتواريخ التي كان يعمل بها الفرس والروم أو الحبشة، لكنهم كانوا يعلمون أن الأمة ستفقد جزءا من هويتها واستقلاليتها إذا جنحت للتقليد ولو في المسائل التي تبدو وكأنها بعيدة عن صلب العقيدة أو المنظومة القيمية للمجتمع.
ولو إن الصحابة رضوان الله عليهم اعتمدوا التاريخ الميلادي الذي كان معمولا به عند الروم مثلاً بديلا عن التاريخ الهجري، الذي اختاروه لهذه الأمة، فسيكون هذا اليوم العظيم الذي كان بداية ظهور هذه الدعوة والتمكين لها في الأرض، ونشر دين الله، وإقامة الدولة، وانطلاق الدعوة الى مشارق الأرض ومغاربها، مجرد يوم من أيام القرن السابع الميلادي، يضيع مع الأيام فلا تميّز ولا قدر ولا قيمة له من بين أيام السنة، مما يؤدي إلى اضمحلال المعاني السامية التي يحملها، ومحوه من ذاكرة الأمة شيئاً فشيئاً.
وهنا نعود الى السؤال، لم كان اختيار الصحابة رضوان الله عليهم للهجرة وليس للمولد النبوي أو البعثة المشرفة أو لانتقاله صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى (الوفاة) أو للحوادث والمعارك الكبرى التي خاضها المسلمون كمعركة بدر والخندق وفتح مكة مثلاً، وقد رأينا حجة الصحابة رضوان الله عليهم لهذا الاختيار حيث أنهم وجدوا أنّ المولد والمبعث لا يخلو من نزاع في سنة حدوثه، وأعرضوا عن التأريخ بوفاته لما يثيره من الحزن والأسى في المسلمين فلم يبق إلا الهجرة ....
من الواضح هنا أن الصحابة رضي الله عنهم قد استبعدوا الأحداث التي لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم رائدها وبطلها، و لم يكن للمسلمين دور في صناعتها كالمولد والبعثة، بل هي من إرادة الله وتقديره ، وكأنهم يريدون أن يقولوا: إن تاريخ الأمة هو التاريخ الذي تصنعه بعملها وحركتها وجهادها ، كما أنهم استبعدوا ما كان عليه العرب في الجاهلية من الفخر بأيامهم وحروبهم وانتصاراتهم لأن هدف الدعوة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن الانتصار في الحروب والمعارك بل كان الهدف نشر الدعوة القائمة على الرحمة والمحبة والعدل، وأنّ هذه المعارك مهما كانت أهميتها في حياة الدعوة لم تكن هي أساسها، أما أصل الدعوة وأساسها وهدفها فهو تحقيق الهداية والرحمة الشاملة لكل العالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
• إنّ يوم الهجرة يعني تحول العالم كله من ظلمات الكفر والجهل والتخلف إلى نور الإيمان والعلم والتقدم.
• ان يوم الهجرة يعني تحول الأمة من الضعف إلى القوة
• إنّ يوم الهجرة يعني تحول دعوة ضعيفة مضطهدة إلى قيام الدولة ونشوء أمة
• إنّ يوم الهجرة يعني نشر العدل والمساواة بين الناس جميعاً
• إنّ يوم الهجرة يعني التحول من الإلغاء والإقصاء للإنسان الضعيف واستعباده إلى إكرامه واحترامه وإعطائه كل حقوق الواجبة للإنسان، (إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ )(9)
• إنّ يوم الهجرة يعني التحول من نظام يقوم على الظلم والطبقية إلى نظام يقوم على الرحمة والمحبة والعدل.
• إنّ يوم الهجرة يعني التحول من نظام يمتهن المرأة إلى نظام يعلى من قدر المرأة ويجعلها شقيقة الرجل (النساء شقائق الرجال)
• إنّ يوم الهجرة يعني .....
• إنّ يوم الهجرة يعني ....
فهل وفق سيدنا عمر بن الخطاب وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرام في اختيار هذا اليوم ليكون علامة فاصلة في تاريخ الأمة وبداية لتاريخها؟؟؟؟
=====
1 محض الصواب في فضائل عمر بن الخطاب (1/316) ابن الجوزي ص. 69
2 تاريخ الذهبي ص.163
3 ابن حجر
4 التوبة .36
5 ياسين .39
6 الإسراء .12
7 قطعة من حديث متفق عليه
8 التوبة . 37
9 قطعة من حديث رواه البخاري
محمد عدنان كاتبي
كان يوماً عظيماً ذلك اليوم الذي اجتمع فيه ثلة من كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار في مجلس الخليفة عمر بن الخطاب ليتبادلوا الرأي حول أمر أهمهم وأقض مضجعهم، وقد اكتمل بناء الدولة الإسلامية، وبسطت سيطرتها على شرقي العالم القديم وغربه، فخضعت لها دولتا الروم والفرس.
وقد اختلفت الروايات في سبب اختيار الهجرة مبدأ للتاريخ الإسلامي
منها: ما رواه ميمون بن مهران أنه قال : رفع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه صك محله في شعبان ، فقال عمر: شعبان هذا الذي مضى؟ أو الذي هو آت؟ أو الذي نحن فيه؟ ثم جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ضعوا للناس شيئاً يعرفونه ، فقال قائل: اكتبوا على تاريخ الروم، فقيل: إنه يطول وإنهم يكتبون من عند ذي القرنين، فقال قائل: اكتبوا تاريخ الفرس، قالوا كلما قام ملك طرح ما قبله، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، فوجدوه أقام عشر سنوات، فكتب التاريخ على هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم(1).
وفي تاريخ الإسلام للذهبي عن عثمان بن عبد الله قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: جمع عمر بن الخطاب المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، فقال: متى نكتب التاريخ؟ فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: منذ خرج النبي صلى الله عليه وسلم من أرض الشرك، يعني من يوم هاجر، قال: فكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لست عشرة من محرم بمشورة علي بن أبي طالب(2)
ويرى ابن حجر أنّ الصحابة الذين أشاروا على سيدنا عمر بن الخطاب، وجدوا أن الأمور التي يمكن أن يؤرخ بها أربعة ، هي: مولده، ومبعثه، وهجرته، ووفاته، ووجدوا أنّ المولد والمبعث لا يخلو من نزاع في سنة حدوثه، وأعرضوا عن التأريخ بوفاته لما يثيره من الحزن والأسى في المسلمين، فلم يبق إلا الهجرة ....(3)
وهناك روايات متعدد غير هذه في سبب وضع سيدنا عمر بن الخطاب والصحابة الكرام تاريخاً خاصاً بالمسلمين وسبب اختيار الهجرة مبدأ هذا التاريخ.
ونتساءل هل كان الحديث عن التقويم والتأريخ والأزمنة والأيام والشهور وليد هذا الاجتماع، الذي دعا إليه سيدنا عمر بن الخطاب، وأن المسلمين لم يكن لهم معرفة أو ثقافة في الـتأريخ، وأن ما اجتمع عليه أمر الصحابة في عهد عمر بن الخطاب كان وليد تفكيرهم في يومهم هذا ؟ أو الهاماً ألهموه ذلك اليوم ؟ أو انه كان لديهم ثقافة مخزونة، وعلوم متراكمة، وإشارات واضحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بأن هذا التوقيت هو الذي ارتضاه الله عز وجلّ لهذه الأمة، وقد أشار الفرآن الكريم إلى هذا في قوله عزّ وجلّ: ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ) (4) وقوله: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)(5) وقوله: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا)(6) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّه السَّمواتِ والأَرْضَ، السَّنةُ اثْنَا عَشَر شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم: ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقعْدة، وَذو الْحجَّةِ، والْمُحرَّمُ، وَرجُب مُضَر الَّذِي بَيْنَ جُمادَى وَشَعْبَانَ)(7)
وزاد من قيمة التقويم الهجري في الثقافة الإسلامية أن جل العبادات مرتبطة به فالحج (أشهر معلومات)، والصلام (كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا)، وصيام شهر رمضان مرتبط برؤية الهلال، والزكاة مرتبطة بحلول الحول، ولهذا كان للتاريخ الهجري مكانة خاصة في وجدان الأمة وعقلها الجمعي، فهي مأمورة بأن تتقيد بهذا التأريخ لتباشر طاعة ربها من خلال أدائها للعبادات المرتبطة به.
ولا شك أن الإسلام بتقويمه الهجري، قد وضع حداً للفوضى التي كانت تعتري التأريخ، حيث كان يخضع لأمزجة الأباطرة والقساوسة والرهبان، بل ولأمزجة رؤساء القبائل والعشائر عند العرب، فيقدمون شهراً وينسئون آخر، تبعا لأهوائهم و مصالحهم، فجاء الإسلام ليضبط عملية التأريخ، ويحرم التلاعب فيه ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )(8)
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ اليوم الأول للسنة الهجرية، أي الأول من محرم لم يكن هو تاريخ هجرته صلى الله عليه وسلم، بل كانت هجرته صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول، والصحابة رضي الله عنهم اتخذوا السنة التي وقعت فيها الهجرة بداية للتاريخ، لا شهرها ولا يومها، وكأنهم أرادوا الحفاظ على تسلسل الشهور العربية، لتبدأ السنة الهجرية بشهر حرام، وتنتهي بشهر حرام، كما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد كان اختيار الهجرة النبوية تاريخاً وحيداً للأمة يحمل دلالات الاعتزاز بالهوية، ويرسخ الانتماء لهذه الأمة دينا وثقافة وتاريخاً، وكان بإمكانهم إبقاء ما كان من التأريخ بأحداث وأيام أثرت في عقلهم ووجدانهم القبلي، كيوم البسوس، ويوم داحس والغبراء، ويوم ذي قار، ويوم بعاث، وعام الفيل، وغيرها.
وكان من السهولة بمكان العمل بالتواريخ التي كان يعمل بها الفرس والروم أو الحبشة، لكنهم كانوا يعلمون أن الأمة ستفقد جزءا من هويتها واستقلاليتها إذا جنحت للتقليد ولو في المسائل التي تبدو وكأنها بعيدة عن صلب العقيدة أو المنظومة القيمية للمجتمع.
ولو إن الصحابة رضوان الله عليهم اعتمدوا التاريخ الميلادي الذي كان معمولا به عند الروم مثلاً بديلا عن التاريخ الهجري، الذي اختاروه لهذه الأمة، فسيكون هذا اليوم العظيم الذي كان بداية ظهور هذه الدعوة والتمكين لها في الأرض، ونشر دين الله، وإقامة الدولة، وانطلاق الدعوة الى مشارق الأرض ومغاربها، مجرد يوم من أيام القرن السابع الميلادي، يضيع مع الأيام فلا تميّز ولا قدر ولا قيمة له من بين أيام السنة، مما يؤدي إلى اضمحلال المعاني السامية التي يحملها، ومحوه من ذاكرة الأمة شيئاً فشيئاً.
وهنا نعود الى السؤال، لم كان اختيار الصحابة رضوان الله عليهم للهجرة وليس للمولد النبوي أو البعثة المشرفة أو لانتقاله صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الأعلى (الوفاة) أو للحوادث والمعارك الكبرى التي خاضها المسلمون كمعركة بدر والخندق وفتح مكة مثلاً، وقد رأينا حجة الصحابة رضوان الله عليهم لهذا الاختيار حيث أنهم وجدوا أنّ المولد والمبعث لا يخلو من نزاع في سنة حدوثه، وأعرضوا عن التأريخ بوفاته لما يثيره من الحزن والأسى في المسلمين فلم يبق إلا الهجرة ....
من الواضح هنا أن الصحابة رضي الله عنهم قد استبعدوا الأحداث التي لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم رائدها وبطلها، و لم يكن للمسلمين دور في صناعتها كالمولد والبعثة، بل هي من إرادة الله وتقديره ، وكأنهم يريدون أن يقولوا: إن تاريخ الأمة هو التاريخ الذي تصنعه بعملها وحركتها وجهادها ، كما أنهم استبعدوا ما كان عليه العرب في الجاهلية من الفخر بأيامهم وحروبهم وانتصاراتهم لأن هدف الدعوة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن الانتصار في الحروب والمعارك بل كان الهدف نشر الدعوة القائمة على الرحمة والمحبة والعدل، وأنّ هذه المعارك مهما كانت أهميتها في حياة الدعوة لم تكن هي أساسها، أما أصل الدعوة وأساسها وهدفها فهو تحقيق الهداية والرحمة الشاملة لكل العالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
• إنّ يوم الهجرة يعني تحول العالم كله من ظلمات الكفر والجهل والتخلف إلى نور الإيمان والعلم والتقدم.
• ان يوم الهجرة يعني تحول الأمة من الضعف إلى القوة
• إنّ يوم الهجرة يعني تحول دعوة ضعيفة مضطهدة إلى قيام الدولة ونشوء أمة
• إنّ يوم الهجرة يعني نشر العدل والمساواة بين الناس جميعاً
• إنّ يوم الهجرة يعني التحول من الإلغاء والإقصاء للإنسان الضعيف واستعباده إلى إكرامه واحترامه وإعطائه كل حقوق الواجبة للإنسان، (إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ )(9)
• إنّ يوم الهجرة يعني التحول من نظام يقوم على الظلم والطبقية إلى نظام يقوم على الرحمة والمحبة والعدل.
• إنّ يوم الهجرة يعني التحول من نظام يمتهن المرأة إلى نظام يعلى من قدر المرأة ويجعلها شقيقة الرجل (النساء شقائق الرجال)
• إنّ يوم الهجرة يعني .....
• إنّ يوم الهجرة يعني ....
فهل وفق سيدنا عمر بن الخطاب وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرام في اختيار هذا اليوم ليكون علامة فاصلة في تاريخ الأمة وبداية لتاريخها؟؟؟؟
=====
1 محض الصواب في فضائل عمر بن الخطاب (1/316) ابن الجوزي ص. 69
2 تاريخ الذهبي ص.163
3 ابن حجر
4 التوبة .36
5 ياسين .39
6 الإسراء .12
7 قطعة من حديث متفق عليه
8 التوبة . 37
9 قطعة من حديث رواه البخاري