فريق منتدى الدي في دي العربي
08-04-2022, 11:31 AM
صلاة الفجر مع الجماعة
هنيئًا لكم حِفظ الله ورعايته؛ ((من صلى الفجر، فهو في ذمة الله إلى أن يمسي))، هنيئًا لكم النور التام يوم القيامة بإذن ربكم؛ لأن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: «بَشِّرِ المشائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة»؛ (صحيح أبي داود).
كان المصلي مستريحًا على الفراش، إلا أنه تذكر أن الوقوف بين يدي الله أكثر راحة، وأكثر سعادة، وأكثر بهجة وطمأنينة، أهل الفجر يُرزقون السكينة؛ لأنهم أخذوا من آخر الليل لأول النهار، فآخر الليل سكون، وأول النهار ضوضاء؛ فتعينهم هذه السكينة على أعمالهم.
أخي المسلم، إنك إذا أطعت الله تعالى، فإن الله ييسر لك أمورك، ويكشف همومك وغمومك بإذنه سبحانه، فإذا تعرَّف العبد إلى الله بضعفه، يعطيه الله من القوة والعزيمة، وكان بعضهم يدعو فيقول: "اللهم أغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك".
إخوة الإيمان، مقولة مشهورة عن أحد وزراء اليهود يقول: "لا تزال إسرائيل بأمن ما دام مصلو الفجر أقلَّ من مصلي الجمعة"، نعم، حال بعض المسلمين النوم عن صلاة الفجر جماعة، وأداؤها في المنزل، والأدهى من ذلك من يؤديها خارج وقتها، المصلون واقفون بين يدي الله يرجون رحمته، ويخافون عذابه، وهو يتقلب على فراشه؛ لأنه ما تذكر يوم المعاد، وضعفت مراقبته لرب الأرباب، كم من حسرات في القبور! وكم من ندامة تحت التراب! يتمنى أحدهم أن يرجع إلى الدنيا ليخطو بقدميه إلى بيت الله مع المؤمنين.
لقد ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلةً حتى أصبح، قال: «ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه»؛ [ «البخاري ومسلم» ]، كيف يخرج المسلم المؤمن بالله واليوم الآخر للعمل، وهو لم يصلِّ الفجر في المسجد؟ يطلب الرزق من الله، وهو قد عصى الله قبل طلبه للرزق، وبدأ يومه بالمعصية.
أيها الإخوة؛ يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون»؛ (البخاري ومسلم)، فكيف يريد المتخلف عن جماعة المسلمين في الفجر أن يصِلَه هذا الثناء، وهو في عداد النائمين، وليس في عداد المصلين؛ لأن الملائكة شهدوا لهم، فقالوا: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون؟
إن من الخلل أن تكون مشكلتنا التخلف عن صلاة الفجر؛ لأنه ما كان يعرف في سلف الأمة التخلف عن صلاة الفجر جماعة، ولا يعرف ذلك في صفوف المؤمنين، بل ما كان يعرف ذلك إلا في صفوف المنافقين؛ صح عنه عليه الصلاة والسلام: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما، لأتوهما ولو حَبْوًا»؛ (البخاري ومسلم)؛ أي: لو كان لا يستطيع المشي لعلَّةٍ به، لأتى إلى الصلاة حبوًا، كما يحبو الطفل الصغير؛ لعظم الأجر المترتب على هذه الصلاة.
إن مشكلة بعض السلف كانت في قيام الليل، وليس في صلاة الفجر؛ لذلك سأل أحدهم الحسن البصري فقال: ما نستطيع قيام الليل؟ فقال: "قيدتكم خطاياكم".
إنه ما قدر الله حق قدره من عمد إلى ساعته أو هاتفه، فجعل التنبيه على وقت عمله دون صلاته لمولاه وخالقه، ليتذكر من تخلف عن الصلاة أنه ربما تكون هذه الصلاة التي تخلفت عنها هي آخر صلاة لك، فهل تحب أن يختم لك بذلك؟ لو ناداك والدك فلم تجُبْ، لخشيتَ غضبه عليك، فكيف إذا ناداك ربك ومولاك؟ أمَا تخشى غضبه عليك؟
في حديث سمرة رضي الله عنه الطويل، وفيه قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل به مثلما فعل المرة الأولى، قال: قلت: لهما سبحان الله ما هذان» ؟ - وفي آخر الحديث - «أما الرجل الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة»؛ (البخاري).
إن أكثر الصلوات التي تصلى خارج وقتها هي الفجر؛ لضيق وقتها وتقدم النوم عليها؛ يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف))؛ (مسلم)، فكيف بأناس أصحاء ليس بهم مرض ولا علة، ويتقلبون في أمن ورغد عيشٍ، ومع ذلك يتخلفون عن الصلاة؟ أمَا تذكر المتخلفون عن صلاة الفجر قول الله تعالى:{أَفَأَمِن َ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 97 - 99]، هذه النعم لا تدوم بكفران المنعِم جل وعلا، والإعراض عن طاعته، بل دوامها بشكرها وطاعة مُولِيها، والمتفضل بها، والمحافظة على أعظم أركان هذا الدين.
في الحديث: «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها»؛ (مسلم)، يا من تنام عن صلاة الفجر، ماذا أعددت لما بعد الموت؟ هل نسيت الأحداث والأهوال بعد الموت؟ هل تعلم ماذا ستكون أمنياتك حين تغادر هذه الدنيا؟
إن الله جل وعلا يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]؛ وهي صلاتا الفجر والعصر؛ وقال عليه الصلاة والسلام: «من صلى البردين، دخل الجنة»؛ (البخاري ومسلم)، وقال أيضًا: «من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما قام الليل كله»؛ [مسلم]، وفي الحديث: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها»؛ (مسلم)، هذه النافلة، فما بالك بالفريضة؟ وما تقرب عبد أحب إلى الله مما افترض الله عليه.
إخواني في الله، هذه هِبات الرحمن توزع على الطائعين، وتعطى للمصلين، وتوهب للخاشعين والذين هم على صلاتهم دائمون، فيا لطول حسرة وندامة المفرطين!
أبشروا يا من داومتم على صلاة الفجر في المسجد بالبراءة من النفاق؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لما ذكر أن أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء والفجر، فمفهومه أن من حافظ عليها مخلصًا محبًّا لها دون تثاقل، أنه بريء من النفاق وأهله بإذن الله؛ لأن التثاقل والتساهل في هاتين الصلاتين هي أبرز صفة وسمة للمنافقين والعياذ بالله.
تذكر أعظم فرحة وُجدت وأعظم فرحة قُدرت، ما عُلم ولا عُرف فرحة أعظم ولا أجل ولا أكبر ولا أفضل من رؤية المولى جل وعلا في جنات عدن؛ يقول جرير البجلي رضي الله عنه في الصحيح: ((كنا جلوسًا ليلةً مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تُغلَبوا على صلاة قبل طلـوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا» ؛ ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]))؛ (البخاري ومسلم).
وقد يكون القيام لصلاة الفجر وغيرها من أوامر الله فيه نوع مشقة، فنقول: نعم، وهل الابتلاء بالتكاليف الشرعية إلا نوع من الابتلاء والامتحان؟ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3]، وكيف تريد أن يكون طريق الجنة مريحًا ومحفوفًا بالورود، وقد حُفَّت الجنة بالمكاره؟ والنعيم لا يُدرك بالنعيم، ومن آثر الراحة فاتته الراحة، فلا بد من كدٍّ وسعيٍ حتى تصل إلى الدار الأخرى؛ دار النعيم، ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
يا من تخلفت عن الفجر، هل تحب ربك ومولاك؟ هل تحب خالقك الذي أنشأك من عدم؟ هل تحب هذا الرب العظيم الذي أجرى الروح في جسدك، والدم في عروقك، وأولاك من النعم ما لا يحصى؟ أين دليل المحبة؟ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا محال في القياس بديعُ
لو كان حبك صادقًا لأطعتـه *** إن المحب لمن يحب مطيـعُ
تذكر أنه لن ينفعك مالك ولا منصبك، ولا جاهك ولا دنياك، إنه لن ينفعك إلا عملك، وما قدمت لله، فاغتنم المهلة قبل أن ينقضي الأجل؛ فإنه معدود، وعما قريب سيفنى ويزول.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 11].
فمما يعين على أداء الفجر مع الجماعة ترك الذنوب والمعاصي؛ فإن الذنوب تظلم القلب وتقسِّيه، حتى تجعل بين العبد وبين طاعة ربه حاجزًا، وتجعل للعبادة ثقلًا عند أدائها، فأقلع عما أنت فيه من التقصير، ولا تصرَّ على معصية، ولا تستهن بذنب أبدًا، وعظِّم مولاك، وعظم أوامره، واتجه إليه؛ ففي طاعته الأنس والروح والسعادة التي لا شقاوة معها.
قد هيؤوك لأمرٍ لو فطنت لــــه *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمــــلِ
وأنت في غفلة عما خُلقت لــه *** وأنت في ثقة من وثبة الأجــــــــلِ
فزكِّ نفسك مما قد يدنسهــــــا *** واختر لها ما ترى من خالص العملِ
أأنت في سكرة أم أنت منتبهًـا *** أم غرك الأمن أم أُلهِيت بالأمــــــلِ
لماذا القيام للعمل ليس فيه إشكال ولا صعوبة، بخلاف صلاة الفجر، إلا بسبب ما يعلو القلب من الران، وما يثقله من ارتكاب سيئ العمل، ومما يزيد القيام للفجر صعوبةً: السهر، وعدم التبكير للنوم، فإن كان السهر يؤدي إلى ترك صلاة الفجر، فإنه يُنهى عنه، ولو كان في طاعة كطلب العلم، فما بالك إذا كان في غير طاعة؟!
روى الإمام مالك ((أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فَقَدَ سليمان بن أبي حفنة - أحد التابعين - فقده في صلاة الصبح يومًا - وليس كل يوم - فذهب عمر إلى أمه فقال لها: لم أرَ سليمان في الصبح؟ فقالت: إنه بات يصلي – أي: يقوم الليل – فغلبته عيناه، فلم يعذره عمر رضي الله عنه، وقال: لئن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إليَّ من أقوم ليلة بأكملها))، أما مجرد السهر، وهو الذي يجعل صلاة الفجر ثقيلةً على المصلي؛ فكما روي عن ابن عباس رضي الله عنه: "إنما كره السمر حين نزلت هذه الآية: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67]"، ومن الأسباب المعينة على القيام بهذه الفريضة: قراءة آية الكرسي بتدبر؛ وذلك لقصة أبي هريرة رضي الله عنه لما وُكل إليه حفظ المال، وكان يأتيه الشيطان في الليالي الثلاث، فقال في الثالثة: ((دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها؛ إذا أويتَ إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «أما إنه صدقك، وهو كذوب»؛ [البخاري]، وفي الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله، انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان»؛ (البخاري ومسلم).
ومن الأسباب المعينة على صلاة الفجر الاستعانة بالله تعالى: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»؛ (صحيح الترمذي)، فالله هو المعين، وعليه التكلان، وهو على كل شيء قدير، وكذلك العزيمة للشخص: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة: 46]، فلا بد من همة وعزيمة وإرادة في النفس جازمة لأداء صلاة الفجر، فمن كانت له همة، هانت عليه العقبات.
إخواني وأحبائي أولياء الأمور، يا من رزقكم الله هذه الذرية وتمناها غيركم؛ تذكروا قوله عليه الصلاة والسلام: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته»؛ (البخاري ومسلم)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يموت يوم يموت، وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة»؛ (البخاري ومسلم)، {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، وهل هناك شيء أعظم من الصلاة؟ وهل هناك أمر أهم من الصلاة؟ وماذا يبقى للمسلم من دينه إذا تهاون بأمر الصلاة؟
رزقني الله وإياكم حسن النية وحسن العمل وحسن الختام، ونسأل الله صلاح الراعي والرعية.
صلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة والسلام عليه.
______________________________ ________________________
الكاتب: وليد مرعي الشهري
هنيئًا لكم حِفظ الله ورعايته؛ ((من صلى الفجر، فهو في ذمة الله إلى أن يمسي))، هنيئًا لكم النور التام يوم القيامة بإذن ربكم؛ لأن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: «بَشِّرِ المشائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة»؛ (صحيح أبي داود).
كان المصلي مستريحًا على الفراش، إلا أنه تذكر أن الوقوف بين يدي الله أكثر راحة، وأكثر سعادة، وأكثر بهجة وطمأنينة، أهل الفجر يُرزقون السكينة؛ لأنهم أخذوا من آخر الليل لأول النهار، فآخر الليل سكون، وأول النهار ضوضاء؛ فتعينهم هذه السكينة على أعمالهم.
أخي المسلم، إنك إذا أطعت الله تعالى، فإن الله ييسر لك أمورك، ويكشف همومك وغمومك بإذنه سبحانه، فإذا تعرَّف العبد إلى الله بضعفه، يعطيه الله من القوة والعزيمة، وكان بعضهم يدعو فيقول: "اللهم أغنني بالافتقار إليك، ولا تفقرني بالاستغناء عنك".
إخوة الإيمان، مقولة مشهورة عن أحد وزراء اليهود يقول: "لا تزال إسرائيل بأمن ما دام مصلو الفجر أقلَّ من مصلي الجمعة"، نعم، حال بعض المسلمين النوم عن صلاة الفجر جماعة، وأداؤها في المنزل، والأدهى من ذلك من يؤديها خارج وقتها، المصلون واقفون بين يدي الله يرجون رحمته، ويخافون عذابه، وهو يتقلب على فراشه؛ لأنه ما تذكر يوم المعاد، وضعفت مراقبته لرب الأرباب، كم من حسرات في القبور! وكم من ندامة تحت التراب! يتمنى أحدهم أن يرجع إلى الدنيا ليخطو بقدميه إلى بيت الله مع المؤمنين.
لقد ذُكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلةً حتى أصبح، قال: «ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه»؛ [ «البخاري ومسلم» ]، كيف يخرج المسلم المؤمن بالله واليوم الآخر للعمل، وهو لم يصلِّ الفجر في المسجد؟ يطلب الرزق من الله، وهو قد عصى الله قبل طلبه للرزق، وبدأ يومه بالمعصية.
أيها الإخوة؛ يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون»؛ (البخاري ومسلم)، فكيف يريد المتخلف عن جماعة المسلمين في الفجر أن يصِلَه هذا الثناء، وهو في عداد النائمين، وليس في عداد المصلين؛ لأن الملائكة شهدوا لهم، فقالوا: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون؟
إن من الخلل أن تكون مشكلتنا التخلف عن صلاة الفجر؛ لأنه ما كان يعرف في سلف الأمة التخلف عن صلاة الفجر جماعة، ولا يعرف ذلك في صفوف المؤمنين، بل ما كان يعرف ذلك إلا في صفوف المنافقين؛ صح عنه عليه الصلاة والسلام: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما، لأتوهما ولو حَبْوًا»؛ (البخاري ومسلم)؛ أي: لو كان لا يستطيع المشي لعلَّةٍ به، لأتى إلى الصلاة حبوًا، كما يحبو الطفل الصغير؛ لعظم الأجر المترتب على هذه الصلاة.
إن مشكلة بعض السلف كانت في قيام الليل، وليس في صلاة الفجر؛ لذلك سأل أحدهم الحسن البصري فقال: ما نستطيع قيام الليل؟ فقال: "قيدتكم خطاياكم".
إنه ما قدر الله حق قدره من عمد إلى ساعته أو هاتفه، فجعل التنبيه على وقت عمله دون صلاته لمولاه وخالقه، ليتذكر من تخلف عن الصلاة أنه ربما تكون هذه الصلاة التي تخلفت عنها هي آخر صلاة لك، فهل تحب أن يختم لك بذلك؟ لو ناداك والدك فلم تجُبْ، لخشيتَ غضبه عليك، فكيف إذا ناداك ربك ومولاك؟ أمَا تخشى غضبه عليك؟
في حديث سمرة رضي الله عنه الطويل، وفيه قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل به مثلما فعل المرة الأولى، قال: قلت: لهما سبحان الله ما هذان» ؟ - وفي آخر الحديث - «أما الرجل الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة»؛ (البخاري).
إن أكثر الصلوات التي تصلى خارج وقتها هي الفجر؛ لضيق وقتها وتقدم النوم عليها؛ يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف))؛ (مسلم)، فكيف بأناس أصحاء ليس بهم مرض ولا علة، ويتقلبون في أمن ورغد عيشٍ، ومع ذلك يتخلفون عن الصلاة؟ أمَا تذكر المتخلفون عن صلاة الفجر قول الله تعالى:{أَفَأَمِن َ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 97 - 99]، هذه النعم لا تدوم بكفران المنعِم جل وعلا، والإعراض عن طاعته، بل دوامها بشكرها وطاعة مُولِيها، والمتفضل بها، والمحافظة على أعظم أركان هذا الدين.
في الحديث: «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها»؛ (مسلم)، يا من تنام عن صلاة الفجر، ماذا أعددت لما بعد الموت؟ هل نسيت الأحداث والأهوال بعد الموت؟ هل تعلم ماذا ستكون أمنياتك حين تغادر هذه الدنيا؟
إن الله جل وعلا يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]؛ وهي صلاتا الفجر والعصر؛ وقال عليه الصلاة والسلام: «من صلى البردين، دخل الجنة»؛ (البخاري ومسلم)، وقال أيضًا: «من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما قام الليل كله»؛ [مسلم]، وفي الحديث: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها»؛ (مسلم)، هذه النافلة، فما بالك بالفريضة؟ وما تقرب عبد أحب إلى الله مما افترض الله عليه.
إخواني في الله، هذه هِبات الرحمن توزع على الطائعين، وتعطى للمصلين، وتوهب للخاشعين والذين هم على صلاتهم دائمون، فيا لطول حسرة وندامة المفرطين!
أبشروا يا من داومتم على صلاة الفجر في المسجد بالبراءة من النفاق؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لما ذكر أن أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء والفجر، فمفهومه أن من حافظ عليها مخلصًا محبًّا لها دون تثاقل، أنه بريء من النفاق وأهله بإذن الله؛ لأن التثاقل والتساهل في هاتين الصلاتين هي أبرز صفة وسمة للمنافقين والعياذ بالله.
تذكر أعظم فرحة وُجدت وأعظم فرحة قُدرت، ما عُلم ولا عُرف فرحة أعظم ولا أجل ولا أكبر ولا أفضل من رؤية المولى جل وعلا في جنات عدن؛ يقول جرير البجلي رضي الله عنه في الصحيح: ((كنا جلوسًا ليلةً مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تُغلَبوا على صلاة قبل طلـوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا» ؛ ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]))؛ (البخاري ومسلم).
وقد يكون القيام لصلاة الفجر وغيرها من أوامر الله فيه نوع مشقة، فنقول: نعم، وهل الابتلاء بالتكاليف الشرعية إلا نوع من الابتلاء والامتحان؟ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3]، وكيف تريد أن يكون طريق الجنة مريحًا ومحفوفًا بالورود، وقد حُفَّت الجنة بالمكاره؟ والنعيم لا يُدرك بالنعيم، ومن آثر الراحة فاتته الراحة، فلا بد من كدٍّ وسعيٍ حتى تصل إلى الدار الأخرى؛ دار النعيم، ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
يا من تخلفت عن الفجر، هل تحب ربك ومولاك؟ هل تحب خالقك الذي أنشأك من عدم؟ هل تحب هذا الرب العظيم الذي أجرى الروح في جسدك، والدم في عروقك، وأولاك من النعم ما لا يحصى؟ أين دليل المحبة؟ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا محال في القياس بديعُ
لو كان حبك صادقًا لأطعتـه *** إن المحب لمن يحب مطيـعُ
تذكر أنه لن ينفعك مالك ولا منصبك، ولا جاهك ولا دنياك، إنه لن ينفعك إلا عملك، وما قدمت لله، فاغتنم المهلة قبل أن ينقضي الأجل؛ فإنه معدود، وعما قريب سيفنى ويزول.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 11].
فمما يعين على أداء الفجر مع الجماعة ترك الذنوب والمعاصي؛ فإن الذنوب تظلم القلب وتقسِّيه، حتى تجعل بين العبد وبين طاعة ربه حاجزًا، وتجعل للعبادة ثقلًا عند أدائها، فأقلع عما أنت فيه من التقصير، ولا تصرَّ على معصية، ولا تستهن بذنب أبدًا، وعظِّم مولاك، وعظم أوامره، واتجه إليه؛ ففي طاعته الأنس والروح والسعادة التي لا شقاوة معها.
قد هيؤوك لأمرٍ لو فطنت لــــه *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمــــلِ
وأنت في غفلة عما خُلقت لــه *** وأنت في ثقة من وثبة الأجــــــــلِ
فزكِّ نفسك مما قد يدنسهــــــا *** واختر لها ما ترى من خالص العملِ
أأنت في سكرة أم أنت منتبهًـا *** أم غرك الأمن أم أُلهِيت بالأمــــــلِ
لماذا القيام للعمل ليس فيه إشكال ولا صعوبة، بخلاف صلاة الفجر، إلا بسبب ما يعلو القلب من الران، وما يثقله من ارتكاب سيئ العمل، ومما يزيد القيام للفجر صعوبةً: السهر، وعدم التبكير للنوم، فإن كان السهر يؤدي إلى ترك صلاة الفجر، فإنه يُنهى عنه، ولو كان في طاعة كطلب العلم، فما بالك إذا كان في غير طاعة؟!
روى الإمام مالك ((أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فَقَدَ سليمان بن أبي حفنة - أحد التابعين - فقده في صلاة الصبح يومًا - وليس كل يوم - فذهب عمر إلى أمه فقال لها: لم أرَ سليمان في الصبح؟ فقالت: إنه بات يصلي – أي: يقوم الليل – فغلبته عيناه، فلم يعذره عمر رضي الله عنه، وقال: لئن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إليَّ من أقوم ليلة بأكملها))، أما مجرد السهر، وهو الذي يجعل صلاة الفجر ثقيلةً على المصلي؛ فكما روي عن ابن عباس رضي الله عنه: "إنما كره السمر حين نزلت هذه الآية: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67]"، ومن الأسباب المعينة على القيام بهذه الفريضة: قراءة آية الكرسي بتدبر؛ وذلك لقصة أبي هريرة رضي الله عنه لما وُكل إليه حفظ المال، وكان يأتيه الشيطان في الليالي الثلاث، فقال في الثالثة: ((دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها؛ إذا أويتَ إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «أما إنه صدقك، وهو كذوب»؛ [البخاري]، وفي الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله، انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان»؛ (البخاري ومسلم).
ومن الأسباب المعينة على صلاة الفجر الاستعانة بالله تعالى: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»؛ (صحيح الترمذي)، فالله هو المعين، وعليه التكلان، وهو على كل شيء قدير، وكذلك العزيمة للشخص: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة: 46]، فلا بد من همة وعزيمة وإرادة في النفس جازمة لأداء صلاة الفجر، فمن كانت له همة، هانت عليه العقبات.
إخواني وأحبائي أولياء الأمور، يا من رزقكم الله هذه الذرية وتمناها غيركم؛ تذكروا قوله عليه الصلاة والسلام: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته»؛ (البخاري ومسلم)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يموت يوم يموت، وهو غاشٌّ لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة»؛ (البخاري ومسلم)، {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، وهل هناك شيء أعظم من الصلاة؟ وهل هناك أمر أهم من الصلاة؟ وماذا يبقى للمسلم من دينه إذا تهاون بأمر الصلاة؟
رزقني الله وإياكم حسن النية وحسن العمل وحسن الختام، ونسأل الله صلاح الراعي والرعية.
صلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة والسلام عليه.
______________________________ ________________________
الكاتب: وليد مرعي الشهري