08-10-2022, 03:41 PM
أثر الأخلاق والإيمان في تغيير الطباع
إنَّ *ياة نبينا م*مد - صلى الله عليه وسلم - مليئةٌ بما يثبت ويُدلل على أن هذا الدِّين ما أتى إلا ليُغَيِّر طباع البشَر إلى الأخلاق ال*ميدة ال*سَنة، التي كانتْ في مر*لة بعثة النبي - صلى الله علية وسلم - قد وَصَلَتْ إلى أسوء ما تكون عليه البشريةُ مِن طباعٍ وعادات وتقاليد، اللهُمَّ إلا القليل، ولَكَمْ كان مِنَ الصَّعْب أن يَتَخَيَّل أ*دٌ أن يكونَ العرَبُ الأجلاف الصعاب الأشداء بهذه الأخلاق التي سَمَوْا بها على الدنيا! وسادوا الدنيا بعد أن هذَّبَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أخلاقهم بوَ*ْيٍ من الله - عز وجل - *تى يكون سبب أو أ*د أسباب تملُّكهم للدُّنيا هي أخْلاقهم.
وأكبرُ دليلٍ على ذلك أننا في عصْرنا ال*اضر بعد أن تَخَلَّيْنا عن أخلاقنا ضاعتْ منَّا الدُّنيا، بعد أن كنَّا نملكها، وأصب* أرخص دمٍ يُراق على الأرض هو دمَ المسلم، هذا المسلمُ الذي قال فيه النبيُّ فيما يرويه عبدالله بن عمرو، قال: رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالكعبة، ويقول: «ما أطيبك! وما أطيب ري*ك! ما أعظمك! وما أعظم *رمتك! والذي نفس م*مدٍ بيده، ل*ُرمة المؤمن عند الله أعظم مِن *رمتك؛ ماله ودمه»؛ (اللفظ لابن ماجه) .
فبنظرةٍ إلى مجتمع العرَب وقت رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ضربًا منَ الخَيال أن يَتَخَيَّل أي أ*دٍ أن تَتَغَيَّر طباعُ هؤلاء البشَر إلى ما صاروا عليه بعد إسلامِهم، وأن يُصْبِ*ُوا بهذه الأخلاق النادرة التي هي رسالة السماء إلى الأرض، من خلال النبي الذي كان معروفًا بين قومه - مِنْ قبلِ أن يُبْعَثَ - بالصادق الأمين - صلى الله عليه وسلم - فقد *وَّلَتْ رسالةُ السماء على يدِ خير الرُّسُل - صلى الله عليه وسلم - رعاةَ الغنم إلى سادةٍ وقادةٍ لجميع الدول والأمم، كان الرجلُ مِنَ الص*ابة - مثلاً - يأتي من الجاهلية جاهلاً بكلِّ ما ت*مله الكلمةُ مِن معنى، غير مؤمن بشيء مِن أُمُور الدِّين، ولا بأخلاق، ولا بخصائص جميلة، فيقف أمام الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - فيُخْبِره الرسولُ - عليه الصلاة والسلام - بأُمُور الإسلام والإيمان، وما يجب عليه، وخلال جلسات قليلة - أو ساعات قليلة - نجد هذا الإنسان قد انقلبَ خلقًا آخر، وتغيَّرَ تغيُّرًا جذريًّا، تغيَّرَ في سُلُوكه، وفي أخْلاقه، وفي شخْصيته، وفي نظراتِه، وفي تصرُّفاته، *تى كأنه ليس الشخص السابق، ولذلك صارَ يظهر منهم البطولات التي يقفُ الإنسانُ أمامها مبْهُورًا، وهو يقرؤُها على صف*ات الكُتُب، فيستغرب كيف وصَل بشرٌ منَ البَشَر إلى هذا ال*دِّ، وأ*يانًا خلال فترة قصيرة جدًّا.
وقد تَجَلَّى هذا الواقعُ المُشْرِق يوم أن آخى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ابتداءً بين المو*دين في مكة، وهذه هي المر*لة الأولى من مرا*ل الإخاء؛ فقد آخى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بين أهْل التو*يد في مكة، وبين الذين اختلفتْ ألوانُهم وأوطانُهم وألسنتُهم وأشكالهم، آخى بين *مزة القرشي وسلْمان الفارسي وبلال ال*بشي وصُهَيْب الرومي وأبي ذر الغفاري، وكان هؤلاء على اختلاف ألوانِهم وأوطانهم - بعد أن آخى بينهم رسولُ الله - ذهَبُوا يُرَدِّدُون جميعًا قولَ الله سب*انه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، ثُمَّ آخى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بين أهل المدينة منَ الأَوْس والخزرج بعد *روب بينهم دامية طويلة، وبعد صراعٍ مرير دمَّر الأخضر واليابس.
ثم آخى رسولُ الله بين أهل مكة من المهاجرين، وبين أهل المدينة من الأنصار، في مهرجان *ُبٍّ، لَم ولنْ تعرف البشريةُ له مثيلاً، تصاف*تْ فيه القلوب، وامتزجتْ فيه الأروا*، وتأمَّل هذا المشْهد الرائع الذي رواه البخاري ومسلم، من *ديث عبدالر*من بن عوف - رضي الله عنه - قال: آخى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بيني وبين سعد بن الربيع، فقال لي سعد: يا عبدالر*من، إنني أكثر الأنصار مالاً، وسأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي زوجتان، فانظر أعجبهما إليك لأطلقها، فإذا انقضتْ عدتها تزوجتها، فقال عبدالر*من بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، بل دلّني على السوق... إلى آخر القصَّة.
وانظر إلى ما مات عليه؛ عن م*مد بن عبدالر*من بن أبي صعصعة: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع» ؟، فقال رجل منَ الأنصار: أنا، فخرج يطوف في القتْلى، *تى وجد سعدًا جري*ًا مثبتًا بآخر رمق، فقال: يا سعد، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني أن أنظر في الأ*ياء أنت أم في الأموات، قال: فإني في الأموات، فأبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام، وقل: إن سعدًا يقول: جزاك الله عنِّي خير ما جزى نبيًّا عن أمته، وأبلغ قومك منِّي السلام، وقل لهم: إن سعدًا يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف، فلئن سألت: مَن الذي يُعْطي الآن عطاء سعد؟ فسأجيبك: وأين مَن يتعَفَّف الآن عفَّة عبدالر*من بن عوف.
وإن كان ال*ديثُ يُعَدُّ أقوى دليل على الأخوة في الله، ولكن استنبط منه دلائل أخرى، ألا وهي:
1- التغيُّر الجذري الذي قادَهُ النَّبي - صلَّى الله علَيْه وسلَّم - في أن يصنعَ نُجُومًا تُ*لِّق إلى أعلى السَّماء من تغيُّر الطباع الجبِليَّة جذريًّا؛ ب*يث لا يتخيَّل أ*دٌ مثل هذه الأمثلة منَ المواقف ورُدُود الأفعال.
2- فضْل الإيمان والأخوَّة في الوُصُول إلى سَلامة الصدْر التي تَصِل بين المؤمنين إلى هذه الدرجة من الخيال الاجتماعي.
بهذه الرُّو* قاد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - العالَم؛ لأنه يعلم أنَّ من خلفه شيءٌ وا*دٌ؛ لذلك أخبر النبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - كما في الص*ي*َيْن عنِ النُّعْمَان بن بشير - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «مَثَل المؤمنين في توادِّهم وترا*ُمهم وتعاطُفهم كمَثَل الجسَد الوا*د، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسَد بال*مَّى والسهر»، وقال أيضًا: «إنما المؤمن كالجمل الأنف، *يثما قيد انقاد».
موقف آخر يُبَيِّن أنَّ القَلْب أو الصدر *ين يَمْتلئ إيمانًا و*ُبًّا لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - يَتَ*َوَّل إلى ما لا يتخيله بشَرٌ، وهذا مِنْ أكبر الأدلة على أنَّ رسالة الإسلام هي الأخلاق، وأن الأخلاق تقود إلى المجتمع الذي يريده لنا الله ورسوله.
فعن أبي هريرة قال: بعث النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خيلاً قبل نجد، فجاءتْ برجل من بني *نيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ما عندك يا ثمامة» ؟، قال: عندي خير يا م*مد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسَلْ منه ما شئت، فتركه *تى كان الغد، ثم قال له: «ما عندك يا ثمامة» ؟، فقال: عندي ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر، فتركه *تى بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة» ؟، فقال: عندي ما قلت لك، فقال: «أطلقوا ثمامة»، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن م*مدًا رسول الله، يا م*مد، والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصب* وجهك أ*ب الوجوه إليَّ، والله ما كان دين أبغض إليَّ من دينك، فأصب* دينك أ*ب الدين إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصب* بلدك أ*ب البلاد إليَّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشَّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ قال: لا، ولكن أسلمت مع م*مد - صلى الله عليه وسلم - ولا والله لا تأتيكم من اليمامة *بة *نطة *تى يأذن فيها النبي - صلى الله عليه وسلم.
فما الذي قاد قلب ثمامة إلى الإيمان هكذا؟ أليس *ُسْن التصرُّف منَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يريه كيف ي*يا مَن تربَّوا على يديه؟ فكان هو القُدْوة لسادة الأخلاق ال*سَنة، فلمَّا رأى هذه ال*ياة أعجبه هذا الدِّين، وعرَف أنَّ هذا الدِّين يَقُود إلى *ُسْن الخُلُق، وتغيير الطباع الجبليَّة التي كان يعرفها فيهم جيدًا، فهو منهم ومثلهم، ولكن وجدهم أناسًا آخرين، ثم قادتْهُ هذه الصفات إلى نقاء صدره من أي شيء غير الإيمان والإسلام وم*بة النبي العدنان - صلى الله علية وسلم - فلم يعُدْ يُ*ب سوى النبي وأص*ابه، أليس كذلك؟!
إنَّ نجا* النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في أن ي*ول قلوب القساة إلى هذه القُلُوب التي تسَعُ العالم بأسره - لَهُوَ مِن أشدِّ الإعجاز في دِيننا ال*نيف، فما الذي يَ*ُول بيننا وبين ما كانوا عَلَيْه، وعندنا كل هذه الأ*داث وكأنها وليدة الساعة؟ أليس التطبيق؟! أليس التنْفيذ؟!
تعال معي إلى أ*د مَن تربوا على مائدة الأدب النبوي الكريم:
1- خبيب بن عدي:
شهر صفر 4 هـ(بعث الرجيع):
قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوم من عَضَل وقَارَة، وذكروا أن فيهم إسلامًا، وسألوا أن يبعث معهم مَن يعلمهم الدين، ويقرئهم القرآن، فبعث معهم عشرة نفر، فغدروا بهم وقتلوهم، ما عدا الص*ابي خبيب بن عدي - رضي الله عنه - فلمَّا كان م*بوسًا مقيدًا، وعلم أنّ ساعة القتل قد دنتْ، وأنَّ لقاءه بربّه قد اقترب، طلب مِنْ جارية لبني ال*ارث بن عامر - (جارية: خادمة، أمة) - طلَب منها موسي - *ديدة - لي*لقَ عانته؛ ليتهَيَّأ للقاء ربِّه، فجاءته بتلك ال*ديدة التي طلب، وبينما هو ي*ملها في يده إذا غلامٌ صغيرٌ من بني ال*ارث قد دبَّ، *تى دخل عليه، فأجلسه خُبيبٌ في *ِجْره، يُداعبه ويلاعبه، ي*نو عليه ويلاطفه؛ لأنَّه تَعَلَّمَ ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعلَّم توقير الكبير، والعطف على الصغير، وإنزال كلِّ إنسانٍ منزلته، فلَمَّا رأتْ تلك الجارية ذلك الغلام جالسًا في *ِجْر خبيب، وال*ديدة في يده، فزعتْ وقالتْ في نفسها: "قد أدرك الرجلُ ثأره، والله ليقتلنَّ الغلام"، خبيب - رضي الله عنه - وليّ الله تفرَّس بما *دَّثتْ به المرأة نفسها، فقال لها: "أخشيت أن أقتله؟ والله ما كنت لأفعل، ما تعلّمنا مِنْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقتلَ صغيرًا، ولا أن نعتديَ على طفلٍ، ما تعلَّمنا مِنْ شريعة الإسلام أن نؤاخذَ صغيرًا بجريرة كبير، "ما كنتُ لأفعل".
تقول هذه الجارية بعدما أسلمَتْ - رضي الله عنها - تقول: "ما رأيت أسيرًا قطّ خيرًا من خبيب، والله لقد رأيتُ بين يديه قِطفًا من عنب، وما بمكة يومئذٍ عنبٌ قط، وإنَّه لَمُقَيّد اليدين، وإنّما هو رزقٌ ساقَهُ الله إليه"، فلما أجمعوا على صلبه قال: دعوني *تى أركع ركعتَيْن، فتركوه فصلاهما، فلما سلَّم قال: والله لولا أن تقولوا: إن ما بي جزع لزدتُ، ثم قال: اللَّهُم أ*ْصِهِمْ عَدَدًا، واقتُلهم بَدَدًا، ولا تُبْقِ منهم أ*دًا، ثم قال: فقال له أبو سفيان: أيسرك أنَّ م*مدًا عندنا نضرب عنقه، وأنك في أهلك؟ فقال: لا والله، ما يسرني أنِّي في أهلي وأنَّ م*مدًا في مكانه الذي هو فيه تُصيبه شوْكة تؤذيه!
2- *رام بن مل*ان:
شهر صفر 4 هـ (بئر معونة):
عن أنس: أنَّ ناسًا جاؤُوا إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ابعثْ معنا رجالاً يُعَلِّموننا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار، يُقال لهم: القرَّاء، وفيهم خالي *رام، يقرؤون القرآن، ويتدارسون بالليل ويتعلمون، وكانوا بالنهار يَجِيئون بالماء فيضعونه بالمسجد، وي*تطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة، فبَعَثَهُم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم *تى نزلوا بئر معونة - وهي أرض بين بني عامر و*َرَّة بني سُلَيم - فنزلوا هناك، ثم بعثوا *رام بن مِلْ*َان - أخا أم سليم - بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عدو الله عامر بن الطُّفَيل، فلم ينظر فيه، وأَمَرَ رجلاً فطعنه بال*ربة من خلفه، فلما أنفذها فيه ورأى الدم، قال *رام: الله أكبر، فُزْتُ ورب الكعبة، ثم استصرخ عامر بن الطفيل على بقيَّة البعثة أص*ابه من بني عامر، فلم يرضوا أن يخفروا جوار ملاعب الأسنة، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سُليم، وهم: رِعْلٌ، وذَكوان، وعُصية، فأجابوا وذهبوا معه، *تى إذا التقوا بالقرَّاء أ*اطوا بهم، وقاتلوهم *تى قتلوهم عنْ آخرهم، بعد دفاعٍ شديدٍ لَم يُجْدِهم نفعًا؛ لقلَّة عددهم، وكثرة عدوّهم، ولم ينجُ إلا كعب بن زيد، وكان من عادة العرب - *تى في كُفرهم وجاهليتهم - أنهم لا يقتلون الرسُل، وهذا عُرْف سائدٌ عندهم، لكن لَمَّا صارت المعركة بين الإسلام والكفر، نسي العربُ كلَّ عاداتهم وتقاليدهم في سبيل *رب الإسلام، قالوا - أي: القراء -: اللهم بلغ عنَّا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأص*ابه: «إنَّ إخوانكم قد قتلوا، وقالوا: اللهم بلِّغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنَّا»؛ (رواه مسلم) ، وانظر إلى قول قاتل الص*ابي *رام بن مل*ان (جبار بن سلمى): فقلتُ في نفسي: ما فاز، ألست قتلت الرجل؟! فما زال يسأل *تى أُخبر أنه فاز بالشَّهادة، وبما لا عين رأتْ، ولا أُذُن سمعتْ، ولا خطر على قلب بشَر، فقال جبار: فاز لعَمر الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن م*مدًا رسول الله، إن بعض النفوس، تظل في شك مِن مصداقية هذا الدِّين، *تى ترى قسمات الفرَ* بادية على وُجُوه أفراده بشرًا وسرورًا، وسكينة واطمئنانًا، وهم يُواجهون الموت في سبيله.
3- عكرمة بن أبي جهل:
يوم اليرمُوك بالشام في رجب سنة خمس عشرة:
عكرمة بن أبي جهل، أبوه أبو جهل بن هشام، فرعون هذه الأمة، خرج منه عكرمة الذي لبس أكفانه يوم اليرموك، واستقبل القبلة، وقال: اللهم خذ من دمي هذا اليوم *تى ترضى، وقتل في المعركة، وأتي به إلى خالد بن الوليد قائد المعركة، فقال خالد: ماذا تريد؟ فأشار إلى الماء يريد أن يشربَ؛ لأنه لا يستطيع الكلام، فأتى خالد له بكوب ماء بارد وهو ي*تضَر، فلما أعطاه الماء البارد ليشرب، نظَر إلى عمه ال*ارث بن هشام، فأشار: أعطه، فقدموا الماء لل*ارث، فرأى ال*ارثُ رجلاً آخر - سهيل بن عمرو - فأشار إليه، فأبى أن يشربَ قبل عكرمة، فردوا الماء لعكرمة فإذا هو قد مات، ثم إلى ال*ارث فإذا هو قد مات، ثم إلى الثالث فإذا هو قد مات، فرمى خالد بالكوب من يده، وقال: اللهم اسقهم من جنتك.
وفاة ابن سلول:
مرض عبدالله بن أبي في 9 ليال بقين من شوال، ومات في ذي القعدة، وكان مرضه عشرين ليلة، فكان رسولُ الله يعوده فيها، فلمَّا كان اليوم الذي مات فيه، دخَل عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يجود بنفسه فقال: «قد نهيتك عن *ُبِّ يهود»، فقال: قد أبغضهم أسعد بن زرارة، فما نفعه؟ ثم قال: يا رسول الله، ليس هذا ال*ين عتاب، هو الموت، فأ*ضر غسلي، وأعطني قميصك الذي يلي جلدك فكفِّنِّي فيه، وصلِّ عليَّ واستغفر لي، ففعل ذلك به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام عمر بن الخطاب فأخذ بثوبه، فقال: يا رسول الله، تُصَلِّي عليه وقد نهاك الله عنه؟! فقال رسول الله: «إنَّ ربِّي خيَّرَني، فقال:» {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ} [التوبة : 80]، «وسأزيد على السبعين»، فقال: إنه منافق، أتصلِّي عليه؟ فأنزل الله - عز وجل -: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَ*َدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 84].
______________________________ _______________________
الكاتب: ماجد شاهين
إنَّ *ياة نبينا م*مد - صلى الله عليه وسلم - مليئةٌ بما يثبت ويُدلل على أن هذا الدِّين ما أتى إلا ليُغَيِّر طباع البشَر إلى الأخلاق ال*ميدة ال*سَنة، التي كانتْ في مر*لة بعثة النبي - صلى الله علية وسلم - قد وَصَلَتْ إلى أسوء ما تكون عليه البشريةُ مِن طباعٍ وعادات وتقاليد، اللهُمَّ إلا القليل، ولَكَمْ كان مِنَ الصَّعْب أن يَتَخَيَّل أ*دٌ أن يكونَ العرَبُ الأجلاف الصعاب الأشداء بهذه الأخلاق التي سَمَوْا بها على الدنيا! وسادوا الدنيا بعد أن هذَّبَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أخلاقهم بوَ*ْيٍ من الله - عز وجل - *تى يكون سبب أو أ*د أسباب تملُّكهم للدُّنيا هي أخْلاقهم.
وأكبرُ دليلٍ على ذلك أننا في عصْرنا ال*اضر بعد أن تَخَلَّيْنا عن أخلاقنا ضاعتْ منَّا الدُّنيا، بعد أن كنَّا نملكها، وأصب* أرخص دمٍ يُراق على الأرض هو دمَ المسلم، هذا المسلمُ الذي قال فيه النبيُّ فيما يرويه عبدالله بن عمرو، قال: رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالكعبة، ويقول: «ما أطيبك! وما أطيب ري*ك! ما أعظمك! وما أعظم *رمتك! والذي نفس م*مدٍ بيده، ل*ُرمة المؤمن عند الله أعظم مِن *رمتك؛ ماله ودمه»؛ (اللفظ لابن ماجه) .
فبنظرةٍ إلى مجتمع العرَب وقت رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ضربًا منَ الخَيال أن يَتَخَيَّل أي أ*دٍ أن تَتَغَيَّر طباعُ هؤلاء البشَر إلى ما صاروا عليه بعد إسلامِهم، وأن يُصْبِ*ُوا بهذه الأخلاق النادرة التي هي رسالة السماء إلى الأرض، من خلال النبي الذي كان معروفًا بين قومه - مِنْ قبلِ أن يُبْعَثَ - بالصادق الأمين - صلى الله عليه وسلم - فقد *وَّلَتْ رسالةُ السماء على يدِ خير الرُّسُل - صلى الله عليه وسلم - رعاةَ الغنم إلى سادةٍ وقادةٍ لجميع الدول والأمم، كان الرجلُ مِنَ الص*ابة - مثلاً - يأتي من الجاهلية جاهلاً بكلِّ ما ت*مله الكلمةُ مِن معنى، غير مؤمن بشيء مِن أُمُور الدِّين، ولا بأخلاق، ولا بخصائص جميلة، فيقف أمام الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - فيُخْبِره الرسولُ - عليه الصلاة والسلام - بأُمُور الإسلام والإيمان، وما يجب عليه، وخلال جلسات قليلة - أو ساعات قليلة - نجد هذا الإنسان قد انقلبَ خلقًا آخر، وتغيَّرَ تغيُّرًا جذريًّا، تغيَّرَ في سُلُوكه، وفي أخْلاقه، وفي شخْصيته، وفي نظراتِه، وفي تصرُّفاته، *تى كأنه ليس الشخص السابق، ولذلك صارَ يظهر منهم البطولات التي يقفُ الإنسانُ أمامها مبْهُورًا، وهو يقرؤُها على صف*ات الكُتُب، فيستغرب كيف وصَل بشرٌ منَ البَشَر إلى هذا ال*دِّ، وأ*يانًا خلال فترة قصيرة جدًّا.
وقد تَجَلَّى هذا الواقعُ المُشْرِق يوم أن آخى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ابتداءً بين المو*دين في مكة، وهذه هي المر*لة الأولى من مرا*ل الإخاء؛ فقد آخى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بين أهْل التو*يد في مكة، وبين الذين اختلفتْ ألوانُهم وأوطانُهم وألسنتُهم وأشكالهم، آخى بين *مزة القرشي وسلْمان الفارسي وبلال ال*بشي وصُهَيْب الرومي وأبي ذر الغفاري، وكان هؤلاء على اختلاف ألوانِهم وأوطانهم - بعد أن آخى بينهم رسولُ الله - ذهَبُوا يُرَدِّدُون جميعًا قولَ الله سب*انه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، ثُمَّ آخى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بين أهل المدينة منَ الأَوْس والخزرج بعد *روب بينهم دامية طويلة، وبعد صراعٍ مرير دمَّر الأخضر واليابس.
ثم آخى رسولُ الله بين أهل مكة من المهاجرين، وبين أهل المدينة من الأنصار، في مهرجان *ُبٍّ، لَم ولنْ تعرف البشريةُ له مثيلاً، تصاف*تْ فيه القلوب، وامتزجتْ فيه الأروا*، وتأمَّل هذا المشْهد الرائع الذي رواه البخاري ومسلم، من *ديث عبدالر*من بن عوف - رضي الله عنه - قال: آخى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بيني وبين سعد بن الربيع، فقال لي سعد: يا عبدالر*من، إنني أكثر الأنصار مالاً، وسأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي زوجتان، فانظر أعجبهما إليك لأطلقها، فإذا انقضتْ عدتها تزوجتها، فقال عبدالر*من بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، بل دلّني على السوق... إلى آخر القصَّة.
وانظر إلى ما مات عليه؛ عن م*مد بن عبدالر*من بن أبي صعصعة: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع» ؟، فقال رجل منَ الأنصار: أنا، فخرج يطوف في القتْلى، *تى وجد سعدًا جري*ًا مثبتًا بآخر رمق، فقال: يا سعد، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني أن أنظر في الأ*ياء أنت أم في الأموات، قال: فإني في الأموات، فأبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام، وقل: إن سعدًا يقول: جزاك الله عنِّي خير ما جزى نبيًّا عن أمته، وأبلغ قومك منِّي السلام، وقل لهم: إن سعدًا يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف، فلئن سألت: مَن الذي يُعْطي الآن عطاء سعد؟ فسأجيبك: وأين مَن يتعَفَّف الآن عفَّة عبدالر*من بن عوف.
وإن كان ال*ديثُ يُعَدُّ أقوى دليل على الأخوة في الله، ولكن استنبط منه دلائل أخرى، ألا وهي:
1- التغيُّر الجذري الذي قادَهُ النَّبي - صلَّى الله علَيْه وسلَّم - في أن يصنعَ نُجُومًا تُ*لِّق إلى أعلى السَّماء من تغيُّر الطباع الجبِليَّة جذريًّا؛ ب*يث لا يتخيَّل أ*دٌ مثل هذه الأمثلة منَ المواقف ورُدُود الأفعال.
2- فضْل الإيمان والأخوَّة في الوُصُول إلى سَلامة الصدْر التي تَصِل بين المؤمنين إلى هذه الدرجة من الخيال الاجتماعي.
بهذه الرُّو* قاد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - العالَم؛ لأنه يعلم أنَّ من خلفه شيءٌ وا*دٌ؛ لذلك أخبر النبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - كما في الص*ي*َيْن عنِ النُّعْمَان بن بشير - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «مَثَل المؤمنين في توادِّهم وترا*ُمهم وتعاطُفهم كمَثَل الجسَد الوا*د، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسَد بال*مَّى والسهر»، وقال أيضًا: «إنما المؤمن كالجمل الأنف، *يثما قيد انقاد».
موقف آخر يُبَيِّن أنَّ القَلْب أو الصدر *ين يَمْتلئ إيمانًا و*ُبًّا لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - يَتَ*َوَّل إلى ما لا يتخيله بشَرٌ، وهذا مِنْ أكبر الأدلة على أنَّ رسالة الإسلام هي الأخلاق، وأن الأخلاق تقود إلى المجتمع الذي يريده لنا الله ورسوله.
فعن أبي هريرة قال: بعث النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خيلاً قبل نجد، فجاءتْ برجل من بني *نيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ما عندك يا ثمامة» ؟، قال: عندي خير يا م*مد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسَلْ منه ما شئت، فتركه *تى كان الغد، ثم قال له: «ما عندك يا ثمامة» ؟، فقال: عندي ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر، فتركه *تى بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة» ؟، فقال: عندي ما قلت لك، فقال: «أطلقوا ثمامة»، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن م*مدًا رسول الله، يا م*مد، والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصب* وجهك أ*ب الوجوه إليَّ، والله ما كان دين أبغض إليَّ من دينك، فأصب* دينك أ*ب الدين إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصب* بلدك أ*ب البلاد إليَّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشَّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ قال: لا، ولكن أسلمت مع م*مد - صلى الله عليه وسلم - ولا والله لا تأتيكم من اليمامة *بة *نطة *تى يأذن فيها النبي - صلى الله عليه وسلم.
فما الذي قاد قلب ثمامة إلى الإيمان هكذا؟ أليس *ُسْن التصرُّف منَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يريه كيف ي*يا مَن تربَّوا على يديه؟ فكان هو القُدْوة لسادة الأخلاق ال*سَنة، فلمَّا رأى هذه ال*ياة أعجبه هذا الدِّين، وعرَف أنَّ هذا الدِّين يَقُود إلى *ُسْن الخُلُق، وتغيير الطباع الجبليَّة التي كان يعرفها فيهم جيدًا، فهو منهم ومثلهم، ولكن وجدهم أناسًا آخرين، ثم قادتْهُ هذه الصفات إلى نقاء صدره من أي شيء غير الإيمان والإسلام وم*بة النبي العدنان - صلى الله علية وسلم - فلم يعُدْ يُ*ب سوى النبي وأص*ابه، أليس كذلك؟!
إنَّ نجا* النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في أن ي*ول قلوب القساة إلى هذه القُلُوب التي تسَعُ العالم بأسره - لَهُوَ مِن أشدِّ الإعجاز في دِيننا ال*نيف، فما الذي يَ*ُول بيننا وبين ما كانوا عَلَيْه، وعندنا كل هذه الأ*داث وكأنها وليدة الساعة؟ أليس التطبيق؟! أليس التنْفيذ؟!
تعال معي إلى أ*د مَن تربوا على مائدة الأدب النبوي الكريم:
1- خبيب بن عدي:
شهر صفر 4 هـ(بعث الرجيع):
قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوم من عَضَل وقَارَة، وذكروا أن فيهم إسلامًا، وسألوا أن يبعث معهم مَن يعلمهم الدين، ويقرئهم القرآن، فبعث معهم عشرة نفر، فغدروا بهم وقتلوهم، ما عدا الص*ابي خبيب بن عدي - رضي الله عنه - فلمَّا كان م*بوسًا مقيدًا، وعلم أنّ ساعة القتل قد دنتْ، وأنَّ لقاءه بربّه قد اقترب، طلب مِنْ جارية لبني ال*ارث بن عامر - (جارية: خادمة، أمة) - طلَب منها موسي - *ديدة - لي*لقَ عانته؛ ليتهَيَّأ للقاء ربِّه، فجاءته بتلك ال*ديدة التي طلب، وبينما هو ي*ملها في يده إذا غلامٌ صغيرٌ من بني ال*ارث قد دبَّ، *تى دخل عليه، فأجلسه خُبيبٌ في *ِجْره، يُداعبه ويلاعبه، ي*نو عليه ويلاطفه؛ لأنَّه تَعَلَّمَ ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعلَّم توقير الكبير، والعطف على الصغير، وإنزال كلِّ إنسانٍ منزلته، فلَمَّا رأتْ تلك الجارية ذلك الغلام جالسًا في *ِجْر خبيب، وال*ديدة في يده، فزعتْ وقالتْ في نفسها: "قد أدرك الرجلُ ثأره، والله ليقتلنَّ الغلام"، خبيب - رضي الله عنه - وليّ الله تفرَّس بما *دَّثتْ به المرأة نفسها، فقال لها: "أخشيت أن أقتله؟ والله ما كنت لأفعل، ما تعلّمنا مِنْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقتلَ صغيرًا، ولا أن نعتديَ على طفلٍ، ما تعلَّمنا مِنْ شريعة الإسلام أن نؤاخذَ صغيرًا بجريرة كبير، "ما كنتُ لأفعل".
تقول هذه الجارية بعدما أسلمَتْ - رضي الله عنها - تقول: "ما رأيت أسيرًا قطّ خيرًا من خبيب، والله لقد رأيتُ بين يديه قِطفًا من عنب، وما بمكة يومئذٍ عنبٌ قط، وإنَّه لَمُقَيّد اليدين، وإنّما هو رزقٌ ساقَهُ الله إليه"، فلما أجمعوا على صلبه قال: دعوني *تى أركع ركعتَيْن، فتركوه فصلاهما، فلما سلَّم قال: والله لولا أن تقولوا: إن ما بي جزع لزدتُ، ثم قال: اللَّهُم أ*ْصِهِمْ عَدَدًا، واقتُلهم بَدَدًا، ولا تُبْقِ منهم أ*دًا، ثم قال: فقال له أبو سفيان: أيسرك أنَّ م*مدًا عندنا نضرب عنقه، وأنك في أهلك؟ فقال: لا والله، ما يسرني أنِّي في أهلي وأنَّ م*مدًا في مكانه الذي هو فيه تُصيبه شوْكة تؤذيه!
2- *رام بن مل*ان:
شهر صفر 4 هـ (بئر معونة):
عن أنس: أنَّ ناسًا جاؤُوا إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ابعثْ معنا رجالاً يُعَلِّموننا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار، يُقال لهم: القرَّاء، وفيهم خالي *رام، يقرؤون القرآن، ويتدارسون بالليل ويتعلمون، وكانوا بالنهار يَجِيئون بالماء فيضعونه بالمسجد، وي*تطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة، فبَعَثَهُم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم *تى نزلوا بئر معونة - وهي أرض بين بني عامر و*َرَّة بني سُلَيم - فنزلوا هناك، ثم بعثوا *رام بن مِلْ*َان - أخا أم سليم - بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عدو الله عامر بن الطُّفَيل، فلم ينظر فيه، وأَمَرَ رجلاً فطعنه بال*ربة من خلفه، فلما أنفذها فيه ورأى الدم، قال *رام: الله أكبر، فُزْتُ ورب الكعبة، ثم استصرخ عامر بن الطفيل على بقيَّة البعثة أص*ابه من بني عامر، فلم يرضوا أن يخفروا جوار ملاعب الأسنة، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سُليم، وهم: رِعْلٌ، وذَكوان، وعُصية، فأجابوا وذهبوا معه، *تى إذا التقوا بالقرَّاء أ*اطوا بهم، وقاتلوهم *تى قتلوهم عنْ آخرهم، بعد دفاعٍ شديدٍ لَم يُجْدِهم نفعًا؛ لقلَّة عددهم، وكثرة عدوّهم، ولم ينجُ إلا كعب بن زيد، وكان من عادة العرب - *تى في كُفرهم وجاهليتهم - أنهم لا يقتلون الرسُل، وهذا عُرْف سائدٌ عندهم، لكن لَمَّا صارت المعركة بين الإسلام والكفر، نسي العربُ كلَّ عاداتهم وتقاليدهم في سبيل *رب الإسلام، قالوا - أي: القراء -: اللهم بلغ عنَّا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأص*ابه: «إنَّ إخوانكم قد قتلوا، وقالوا: اللهم بلِّغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنَّا»؛ (رواه مسلم) ، وانظر إلى قول قاتل الص*ابي *رام بن مل*ان (جبار بن سلمى): فقلتُ في نفسي: ما فاز، ألست قتلت الرجل؟! فما زال يسأل *تى أُخبر أنه فاز بالشَّهادة، وبما لا عين رأتْ، ولا أُذُن سمعتْ، ولا خطر على قلب بشَر، فقال جبار: فاز لعَمر الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن م*مدًا رسول الله، إن بعض النفوس، تظل في شك مِن مصداقية هذا الدِّين، *تى ترى قسمات الفرَ* بادية على وُجُوه أفراده بشرًا وسرورًا، وسكينة واطمئنانًا، وهم يُواجهون الموت في سبيله.
3- عكرمة بن أبي جهل:
يوم اليرمُوك بالشام في رجب سنة خمس عشرة:
عكرمة بن أبي جهل، أبوه أبو جهل بن هشام، فرعون هذه الأمة، خرج منه عكرمة الذي لبس أكفانه يوم اليرموك، واستقبل القبلة، وقال: اللهم خذ من دمي هذا اليوم *تى ترضى، وقتل في المعركة، وأتي به إلى خالد بن الوليد قائد المعركة، فقال خالد: ماذا تريد؟ فأشار إلى الماء يريد أن يشربَ؛ لأنه لا يستطيع الكلام، فأتى خالد له بكوب ماء بارد وهو ي*تضَر، فلما أعطاه الماء البارد ليشرب، نظَر إلى عمه ال*ارث بن هشام، فأشار: أعطه، فقدموا الماء لل*ارث، فرأى ال*ارثُ رجلاً آخر - سهيل بن عمرو - فأشار إليه، فأبى أن يشربَ قبل عكرمة، فردوا الماء لعكرمة فإذا هو قد مات، ثم إلى ال*ارث فإذا هو قد مات، ثم إلى الثالث فإذا هو قد مات، فرمى خالد بالكوب من يده، وقال: اللهم اسقهم من جنتك.
وفاة ابن سلول:
مرض عبدالله بن أبي في 9 ليال بقين من شوال، ومات في ذي القعدة، وكان مرضه عشرين ليلة، فكان رسولُ الله يعوده فيها، فلمَّا كان اليوم الذي مات فيه، دخَل عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يجود بنفسه فقال: «قد نهيتك عن *ُبِّ يهود»، فقال: قد أبغضهم أسعد بن زرارة، فما نفعه؟ ثم قال: يا رسول الله، ليس هذا ال*ين عتاب، هو الموت، فأ*ضر غسلي، وأعطني قميصك الذي يلي جلدك فكفِّنِّي فيه، وصلِّ عليَّ واستغفر لي، ففعل ذلك به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام عمر بن الخطاب فأخذ بثوبه، فقال: يا رسول الله، تُصَلِّي عليه وقد نهاك الله عنه؟! فقال رسول الله: «إنَّ ربِّي خيَّرَني، فقال:» {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ} [التوبة : 80]، «وسأزيد على السبعين»، فقال: إنه منافق، أتصلِّي عليه؟ فأنزل الله - عز وجل -: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَ*َدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 84].
______________________________ _______________________
الكاتب: ماجد شاهين