: أصناف الناس في قربهم من كتاب الله


08-10-2022, 03:41 PM
أصناف الناس في قربهم من كتاب الله


عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ؛ رِي*ُهَا طَيِّب وَطَعْمُهَا طَيِّب، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِي*َ لَهَا وَطَعْمُهَا *ُلْو، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْ*َانَةِ؛ رِي*ُهَا طَيِّب وَطَعْمُهَا مُرّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْ*َنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِي* وَطَعْمُهَا مُرّ».

المفردات:
المَثَل في أصل اللغة: النظير، وكذلك المِثْل والمَثِيل كشَبَه وشِبْه وشَبِيه، وزنًا ومعنًى، ثم قِيل للقول السائر المُمَثِّل لعبرة مستخلَصة، ثم استُعِير لكل *ال أو صفة عجيبة غريبة، والمراد هنا هذه الصفة العجيبة، والأُتْرُجَّة وا*دة الأَتْرُج، وهو نوع من الفاكهة متوسط ال*جم، لذيذ الطعم، طيب الرائ*ة، فيه فؤائد جَمَّة[1].

والري*ان:كل نبت طيب الرائ*ة، وا*دته ري*انة، وال*نظل[2]:نبات يمتد على الأرض كالبِطِّيخ، وثمره يشبه ثمر البطيخ، لكنه أصغر منه بكثير، وهو شديد المرارة، ولذلك يضرب المثل بمرارته.

الشر*:
الإيمان طريق السعادة في الدنيا والآخرة، والكفر والنفاق والفجور سُبُل الشقاوة في الدنيا والآخرة، والقرآن الكريم هو الهدى والنور والشفاء لِما في الصدور: {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِ*َاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9]، فالمؤمن ال*ق هو الذي يقرأ كتاب ربه، ويعمل به، ويدعو إليه سرًّا وجهرًا، *تى يملأ الإيمان قلبه، ويفيض على جوار*ه، فيكون قدوة صال*ة وأسوة *سنة، وهذا بأعلى المنازل، مَثَّله النبي صلى الله عليه وسلم في صفته العجيبة ال*بيبة بالأُترجَّة؛ فعمله بالقرآن عمل صال* طيب يشبه الأُترجَّة في طعمها الطيب، وتلاوته المرتلة الجميلة للقرآن تشبه الأُترجَّة في ري*ها الجميلة المُ*ببة، وعلى قدر عمله بالقرآن وتلاوته تكون صفته ومنزلته.

ويلي هذا المؤمن الكامل في الصفة والمنزلة مؤمن صال* يعمل بالقرآن، ولكنه لا يقرأ منه إلا القدر الذي يص** عبادته واستقامته، فلا يُقال له قارئ، وإنما يُوصَف بأنه عامل بكتاب ربه، ولا شك أن العمل بالقرآن هو المقصود الأول منه؛ ولذلك مَثَّله الرسول صلى الله عليه وسلم بالتمرة، والطعم أهم من الرائ*ة.

أما المنافق أو الفاجر الذي يقرأ القرآن مع خلو قلبه من الهدى والإيمان، فمَثَّله صلى عليه وسلم بالري*انة، تشمها فتجد منها ري*ًا طيبًا، فإذا عركتها وزقها وجدت طعمًا مرَّ المذاق موزيًا؛ فكذلك المنافق القارئ تستمع بقراءته، ولكن لا ترى فيها أثرًا هاديًا، ولا ترى منه عملًا راشدًا، ظاهره ال*سن والجمال، وباطنه القب* والوبال.

وأما المنافق أو الفاجر الذي لا يقرأ القرآن، فهذا أبعد الناس عن هداية القرآن، وأقربهم إلى الكفر والفسوق والعصيان *ُرم الخير ظاهرًا وباطنًا، فلذلك كان مشَبَّهًا بال*نظلة طعمها خبيث مر، ولا ري* لها، فكذلك هذا المنافق الخبيث يضر ولا ينفع، فهو شر لا خير فيه، وضر لا نفع منه[3].

هذه الصفات الأربع لأصناف الناس الأربعة في قربهم من كتاب الله، أو بعدهم عنه، بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم أَوْفى بيان وأَتمَّه؛ فَلْيَختر العبد لنفسه وليضعها من كتاب الهدى والنور *يث أ*بَّ.

ومما يُؤخذ من ال*ديث:أن القرآن الكريم يرفع العبد مع العمل به درجات، وأن المقصود الأول من تلاوته هو العمل به، كما يُؤخذ منه فضيلة *افظ القرآن، واست*باب ضرب الأمثال للإيضا* والبيان.

بعض مصادر شر* ال*ديث:
1- في هداية الباري، ص: 160، * 2، في فضائل القرآن، باب من رايا بقراءة بالقرآن.

2- قسطلاني، ص: 487، * 7، وقال: سبق في فضل القرآن على سائر الكلام، وهو في ص: 468، * 7.

3- وقال: وأخرجه أيضًا في التو*يد باب قراءة الفاجر والمنافق.

4- وانظر: شر*ه في الفت* والعمدة.

5- وهو ال*ديث الثاني عشر في المعلم للشيخ السما*ي ص 134-141.

6- وال*ديث رقم 79 في الأدب النبوي.

7- وفي: زاد المسلم رقم 733، ص: 386، * 2، وفيه أن المنافق هو الفاجر كما في رواية.

8- زاد المعاد، ص: 138، * 6، هامش شر* المواهب، قال: وما أجمل ما قال بعد ذكر فوائد الأترج: و*قيق بشيء هذه منافعه أن يُشَبَّه به خلاصةُ الوجود؛ وهو المؤمن.

9- وينظر في: الجزء السابع في الطب النبوي.

[1] منها: أنه يري* المعدة ويقويها، ويساعد على الهضم، و*لو اللون، ويُستخرج من *َبِّه دهن له منافع، ومنظره *سن فات* يَسُّر الناظرين، وملمسه لين، وقشره في الثياب يمنع السوس، ويقال: إن الجن لا تقرب بيتًا فيه الأترج، فناسَب أنه يُمَثَّل به قارئ القرآن الذي لا يقربه شيطان، وغلاف قلبه أبيض فيناسب قلب المؤمن، وقد اشتركت ال*واس الأربعة: البصر والذوق والشم واللمس في الا*تظاء بها... الأَتْرُجَّة في هدي الساري، مقدمة فت* الباري لابن *جر، ص 56، * 1، وقال: شدد الجيم أو بنون ساكنة قبل الجيم.
[2] وال*نظلة: شجرة مشهورة وفي بعض البلاد تسمى بطيخ أبي جهل.
[3] وفيه كما قال ابن بطال في خاتمة الشر*: أن قراءة الفاجر لا تُرفع إلى الله، ولا تزكو عنه، إنما تزكو عند ما أُريد به وجهه، ويُراجع؛ لأنه مهم يُنتفع به.

______________________________ ___________________
الكاتب: الشيخ طه م*مد الساكت

Adsense Management by Losha