فريق منتدى الدي في دي العربي
08-11-2022, 10:11 AM
خطبة المسجد النبوي - مراحل حياة الإنسان عبرة وعظة
مجلة الفرقان
جاءت خطبة المسجد النبوي بتاريخ 4 ذو القعدة 1443، الموافق 3 مايو 2022، بعنوان: (مراحل حياة الإنسان عبرة وعظة)، للشيخ: عبدالباري بن عواض الثبيتي، واشتملت الخطبة على عدد من العناصر، منها: التأمل في مراحل حياة الإنسان للعظة والاعتبار، ومرحلة الشباب أنضر المراحل وأهمها، وضرورة اغتنام مرحلة الشباب، ووجوب توقير ذي الشيبة المسلم، والتأمل في مراحل الحياة يقود للإيمان بالبعث والنشور، ووصايا للتمتع بالقوة في مراحل الحياة كلها.
في بداية الخطبة بين الشيخ الثبيتي أن هناك آية في كتاب الله -تعالى-، رسمَت معالمَ مسيرة الإنسان في الحياة، ومراحل تنقُّله فيها، ضَعْف ثم قوة، ثم ضَعْف، طفولة، ثم شباب، ثم شَيبة، نرى هذه المراحل فيمن حولَنا، ونُبصرها في أنفسنا، وفي كل المراحل، يلازم الإنسان ضعف دائم لا ينفك عنه، ولا يغادره مسيرته، فهو لا يدرك مآلات الأمور، ولا يضمن استقرار حياته ساعة من نهار، أولى هذه المراحل: حين يكون فيها وليدا في المهد، لا يقوى على القيام بشؤون نفسه، وفهم محيطه، ضعيف في بدنه وسمعه وبصره وعقله، ثم يمده الله بالقوة شيئًا فشيئا، يهيئ أسبابها، ويرسي بنيانها، وهو -سبحانه- القادر على دوامها، ومَنْ تأمَّل حالَ الضَّعْف في مرحلة الطفولة أيقَن أنَّه يسير في الحياة برعاية الله، وحِفظِه ومِنَنِه، وكمال حكمته، ورحمته وإحسانه، وبِرِّه ولُطفِه -سبحانه-، وفي فترةِ نشوةِ القوةِ، قد يَنسى المرءُ هذه الحقيقةَ، فيشمَخ بأنفه، ويعتدّ بقُوَّته، ويتباهى بسَطوَتِه.
{ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً}
{ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} (الرُّومِ: 54)، وهذه مرحلة الشباب، أعزُّ مراحل العمر، والتي تتَّسِم بالحيوية والعزيمة، هي مصنع النجاحات، والمؤمَّل أن صاحبها ينفض عن كاهله الكسل والخمول، شاقًّا العباب، متوشِّحًا همةً توَّاقةً للمعالي، متخلِّقًا بالترفع عن السفاسف والدنايا، مكرِّسًا شبابه في طلب العلم والعمل، يبني عقله، ويُنمِّي فكره، ويقوي إيمانه، ويطيع ربه، مستثمرًا مَواطِن قُوَّتِه، ومَواسِم قُدرته؛ ليلقى ربه وهو راضٍ عنه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «*اغْتَنِمْ *خَمْسًا *قَبْلَ *خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»، ومن استقام على أمر وشبَّ عليه توفاه الله على ما عاش عليه من الخير، قال - صلى الله عليه وسلم -: «*سَبْعَةٌ *يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ -ومنهم-: وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ».
ومهما بلغ الإنسان من القوة في شبابه، فإن ذلك إلى زوال، ودوام محال، قال الله -تعالى-: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} (الرُّومِ: 54)، فهذه سُنَّة الله في الكون، وليس بعد اكتمال البدر إلَّا الهلال، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «*كَانَتْ *ناقةٌ *لرسولِ *اللَّهِ *تُسمَّى *العَضْباءَ، وكانتْ لا تُسبَقُ، فجاءَ أعرابيٌّ على قَعُودٍ لهُ -أي: جمل- فسبقَها، فاشتدَّ ذلكَ على المسلمينَ وقالوا: سبقت العضباء. فقال رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ حقًّا على اللَّهِ أنْ لا يرفَعَ شَيئًا مِن الدنيا إلَّا وَضَعَهُ» أي: خفضه.
حقيقة مرحلة المشيب معناها
ومَنْ أدرك مرحلة المشيب أبصَر حقيقة معناها، ومنتهى مصير المسلم بعدها، قال الله -عز وجل-: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}(فَاط ِرٍ: 37)، ومن الهَدْي والهُدَى والوفاء إنزال مَنْ كَبرَ سِنُّهُ، وشابَتْ لحيتُه منزلته، ومعرفة قَدرِه، وغَمرِه بالرعاية والحُبّ، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن من إجلال الله -تعالى- إكرام ذي الشيبة المسلم».
الإيمان بحقيقة البعث والنشور
ومَنْ تأمَّل في هذه الآية ومراحل الحياة قادَه ذلك إلى الإيمان بحقيقة البعث والنشور، هذا التقلب السريع، يجعل المسلم يدرك قصر الدنيا، فالشباب ينتهي، والعافية تذبل، والقوة تزول، وكل متع الدنيا تفنى ثم يأتي الأجل، قال الله -تعالى-: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}(الْأَنْ عَامِ: 94)، هذه القوة تتجمل وتزدان بالاقتداء بأخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرجولة والعفَّة وقوة الإرادة وكظم الغيظ وجهاد النفس، ومن الضَّعْف ضعف الهمة، والاتصاف بسيئ الأخلاق، والجبن والكسل والتفريط والحسد والتجسس، وحال القوة من أعظم النعم التي يجب على المسلم الحفاظ عليها، واستعمالها في مرضاة الله -تبارك وتعالى-، مستحضِرًا أن الشكر يزيد القوة قوة، ويُحَصِّنها من الزوال، وأن كفران هذه النعمة سبب لسلبها وتبدُّل الأحوال.
مجلة الفرقان
جاءت خطبة المسجد النبوي بتاريخ 4 ذو القعدة 1443، الموافق 3 مايو 2022، بعنوان: (مراحل حياة الإنسان عبرة وعظة)، للشيخ: عبدالباري بن عواض الثبيتي، واشتملت الخطبة على عدد من العناصر، منها: التأمل في مراحل حياة الإنسان للعظة والاعتبار، ومرحلة الشباب أنضر المراحل وأهمها، وضرورة اغتنام مرحلة الشباب، ووجوب توقير ذي الشيبة المسلم، والتأمل في مراحل الحياة يقود للإيمان بالبعث والنشور، ووصايا للتمتع بالقوة في مراحل الحياة كلها.
في بداية الخطبة بين الشيخ الثبيتي أن هناك آية في كتاب الله -تعالى-، رسمَت معالمَ مسيرة الإنسان في الحياة، ومراحل تنقُّله فيها، ضَعْف ثم قوة، ثم ضَعْف، طفولة، ثم شباب، ثم شَيبة، نرى هذه المراحل فيمن حولَنا، ونُبصرها في أنفسنا، وفي كل المراحل، يلازم الإنسان ضعف دائم لا ينفك عنه، ولا يغادره مسيرته، فهو لا يدرك مآلات الأمور، ولا يضمن استقرار حياته ساعة من نهار، أولى هذه المراحل: حين يكون فيها وليدا في المهد، لا يقوى على القيام بشؤون نفسه، وفهم محيطه، ضعيف في بدنه وسمعه وبصره وعقله، ثم يمده الله بالقوة شيئًا فشيئا، يهيئ أسبابها، ويرسي بنيانها، وهو -سبحانه- القادر على دوامها، ومَنْ تأمَّل حالَ الضَّعْف في مرحلة الطفولة أيقَن أنَّه يسير في الحياة برعاية الله، وحِفظِه ومِنَنِه، وكمال حكمته، ورحمته وإحسانه، وبِرِّه ولُطفِه -سبحانه-، وفي فترةِ نشوةِ القوةِ، قد يَنسى المرءُ هذه الحقيقةَ، فيشمَخ بأنفه، ويعتدّ بقُوَّته، ويتباهى بسَطوَتِه.
{ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً}
{ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} (الرُّومِ: 54)، وهذه مرحلة الشباب، أعزُّ مراحل العمر، والتي تتَّسِم بالحيوية والعزيمة، هي مصنع النجاحات، والمؤمَّل أن صاحبها ينفض عن كاهله الكسل والخمول، شاقًّا العباب، متوشِّحًا همةً توَّاقةً للمعالي، متخلِّقًا بالترفع عن السفاسف والدنايا، مكرِّسًا شبابه في طلب العلم والعمل، يبني عقله، ويُنمِّي فكره، ويقوي إيمانه، ويطيع ربه، مستثمرًا مَواطِن قُوَّتِه، ومَواسِم قُدرته؛ ليلقى ربه وهو راضٍ عنه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «*اغْتَنِمْ *خَمْسًا *قَبْلَ *خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»، ومن استقام على أمر وشبَّ عليه توفاه الله على ما عاش عليه من الخير، قال - صلى الله عليه وسلم -: «*سَبْعَةٌ *يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ -ومنهم-: وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ».
ومهما بلغ الإنسان من القوة في شبابه، فإن ذلك إلى زوال، ودوام محال، قال الله -تعالى-: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} (الرُّومِ: 54)، فهذه سُنَّة الله في الكون، وليس بعد اكتمال البدر إلَّا الهلال، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «*كَانَتْ *ناقةٌ *لرسولِ *اللَّهِ *تُسمَّى *العَضْباءَ، وكانتْ لا تُسبَقُ، فجاءَ أعرابيٌّ على قَعُودٍ لهُ -أي: جمل- فسبقَها، فاشتدَّ ذلكَ على المسلمينَ وقالوا: سبقت العضباء. فقال رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ حقًّا على اللَّهِ أنْ لا يرفَعَ شَيئًا مِن الدنيا إلَّا وَضَعَهُ» أي: خفضه.
حقيقة مرحلة المشيب معناها
ومَنْ أدرك مرحلة المشيب أبصَر حقيقة معناها، ومنتهى مصير المسلم بعدها، قال الله -عز وجل-: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}(فَاط ِرٍ: 37)، ومن الهَدْي والهُدَى والوفاء إنزال مَنْ كَبرَ سِنُّهُ، وشابَتْ لحيتُه منزلته، ومعرفة قَدرِه، وغَمرِه بالرعاية والحُبّ، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن من إجلال الله -تعالى- إكرام ذي الشيبة المسلم».
الإيمان بحقيقة البعث والنشور
ومَنْ تأمَّل في هذه الآية ومراحل الحياة قادَه ذلك إلى الإيمان بحقيقة البعث والنشور، هذا التقلب السريع، يجعل المسلم يدرك قصر الدنيا، فالشباب ينتهي، والعافية تذبل، والقوة تزول، وكل متع الدنيا تفنى ثم يأتي الأجل، قال الله -تعالى-: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}(الْأَنْ عَامِ: 94)، هذه القوة تتجمل وتزدان بالاقتداء بأخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرجولة والعفَّة وقوة الإرادة وكظم الغيظ وجهاد النفس، ومن الضَّعْف ضعف الهمة، والاتصاف بسيئ الأخلاق، والجبن والكسل والتفريط والحسد والتجسس، وحال القوة من أعظم النعم التي يجب على المسلم الحفاظ عليها، واستعمالها في مرضاة الله -تبارك وتعالى-، مستحضِرًا أن الشكر يزيد القوة قوة، ويُحَصِّنها من الزوال، وأن كفران هذه النعمة سبب لسلبها وتبدُّل الأحوال.