فريق منتدى الدي في دي العربي
08-13-2022, 08:42 AM
دورنا في عصر الفتن
حسين بن سعيد الحسنية
زمن نعيشه مخيف، وأيام تتناوب علينا، محملةً بأحداثٍ جسيمة، وفتن عظيمة، لا تكاد تمر مرحلةٌ من زمن إلا وتحل على الناس من المصائب أعظمها، ومن الخطوب أكبرُها، فإذا انصهروا تحت وطأتها، وأسرتهم داخل محيطها، وأصبحوا من جندها، جاءت أختُها تتخبط مسرعة، متزينةً خادعة، وكثير منهم في انتظارها متحفزون، وفي استقبالها متهيأون، فتفعل ما فعلت الأولى، وهكذا الفتن تأتي متسارعةً متتالية، يرقق بعضها بعضاً، قال ?: « «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدلَّ أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتَكم هذه جُعِل عافيتُها في أولِها، وسيُصيب آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها، وتجيء فتنةٌ فيرقق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه...» » [رواه مسلم].
تأتي الفتن وهي تحجب ما وراءها من شر وفساد وبلاء عن أعين الناس، كما وصفها النبي ? بالظلل، فقد سأله رجل: هل للإسلام منتهى؟ قال ?: «نعم، أيُّما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيراً أدخل عليهم الإسلام» قال: ثم مه ؟ قال: «ثم تقع الفتن كأنها الظلل» قال: كلا والله إن شاء الله، قال: «بلى والذي نفسي بيده، ثم تعودون فيها أساود صُباً» – أيّ: الحيات السوداء المنتصبة شديدة اللدغ والنهش- «يضرب بعضكم رقاب بعض، فخير الناس يومئذ مؤمنٌ معتزلٌ في شعب من الشعاب، يتقي الله ويذرُ الناسَ من شره» . (رواه أحمد).
تعرض الفتنُ على قلوب العباد، ويختلفون تجاهها، فمنهم من يستقبلها فيضِلُّ ويهلك، ومنهم من يردُّها فيهتدي وينجو، كما جاء في قول الحبيب ?: «تعرضُ الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أُشْرِبَها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرَها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنةٌ ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مرباداً، كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه » (متفق عليه).
الفتن تأتي مضطربةً مع شدة في قوتها واضطرابها، فيكون تأثيرُها أبلغَ في القلوب والعقول والأفهام والأقوال، فشبهها عمر كموج البحر، فقد ثبت عنه أنه قال: أيكم يحفظ قول رسول الله ? في الفتنة ؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ كما قال، قال: هاتِ إنك لجريء، قال: قال رسول الله ?: «فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر »، قال: ليست هذه، ولكن التي تموج كموج البحر. (متفق عليه).
ومن صفات الفتنة أنها تأتي شديدةَ الاشتباه، كونُها مظلمةً، لا يتضح فيها جواب كثير من الناس، روى حذيفة رضى الله عنه في حديثه المشهور الذي أصله في الصحيح، ورواه أحمد وأبو داود بلفظ أن النبي ? لما ذكر الفتن ومراحلها التي تمر بها قال في آخره: «فتنةٌ عمياء صماء، عليها دعاة على أبواب النار، فإن تَمُتْ يا حذيفة وأنت عاضّ على جذل -وهو أصل الشجرة- خيرٌ لك من أن تتّبع أحداً منهم» .
الفتن – عباد الله- ليس لها قرار، ولا ترتبط بموعد حضور أو انصراف، إذا أقبلت تشبّهت، وإذا أدبرت تبينّت.
وإن المتأمل في زماننا هذا يدرك تماماً كيف عمّت تلك الفتن وطمّت، ذنوبٌ ومعاصي وآثام ليل نهار، عقوق وفرقة وتحاسد بين القلوب والأبصار، عبثٌ ولهوٌ وضياعٌ بين الطبلة والمزمار، فقرٌ وجوعٌ من هنا وهناك، غلاءٌ في الأسعار، قتلٌ وتشريدٌ وهتكٌ للأستار، زلازلُ ومحن، قلاقل وإحن، الإسلامُ يحارَب في عقر داره، والمسلمون ضحايا فوق تراب أراضيهم، وليس لهم نصيرٌ إلا الله، اهتمام بسفاسف الأمور، وانجرافٌ خلف الدنيا والدون، والكافر يصول ويجول، والرافضي يزبد بأعلى صوته ويقول، وتغريبيٌ ليس له هدف سوى كيف يذوب المجتمع في الرذيلة ويؤول، أمراض فتاكة لم تعرف من قبل، وموت فجأة للشباب أكثر من الشيب، إلى آخر تلك السلسلة المهيبة من الفتن العظيمة التي تصبّحنا وتمسيّنا، وإن من واجب المسلم أن يقف وقفة حق ومحاسبة أمام هذه الفتن، وأن يكون له وقفة جادة حيال ردِّها وإنكارها بكل ما أوتي من قوة، ولا يحصل له ذلك إلا حينما يتعرف عليها أولاً، ثم يتعرف على واجبه تجاه ردها وإنكارها.
ومن أول تلك الواجبات ومما يعين على مواجهة الفتن بإذن الله تعالى:
• الاعتصام بالكتاب والسنة:
فهما المنهج الواضح، والسبيل النقي، والمورد الصافي، فيهما النجاة والنجاح، وبهما تسعد الأرواح، وعليهما – بعد الله – المتّكى للفوز برضى الرب جل وعلا. {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُم ْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} النساء 175، وقال ? في الحديث الذي رواه العرباض بن سارية رضى الله عنه: «فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» (رواه أحمد وغيره وصححه الألباني).
• مداومة الأعمال الصالحة:
ففي زمن الفتن تطيش الأقدام من زوغان العقول والأفهام، أما من قد تحصن بأعمال صالحة، فهو في منجى من الفتن بإذن الله، جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي كافراً ويصبح مؤمناً، يبيع دينه بعرض من الدنيا» فالرسول ? حث على المبادرة بالأعمال الصالحة عند حلول الفتن، من صلاة وصيام وصدقة وبر وأداء للحقوق الواجبة عليه، وصلة الرحم وقراءة القرآن وغيرها من الأعمال الصالحة.
• الدعوة إلى الله تعالى:
كلٌّ بحسبه، وبقدر استطاعته، ومن خلالها نعرّف لمن نحب بتلك الفتن وآثارها وعظم خطرها، فالدعوة إلى الله تعالى صمّام الأمان لمسيرة هذا الدين، وهي سفينة النجاة التي نحن على متنها جميعاً، فالأب مع أبنائه، والعالِم مع طلابه، والراعي مع رعيته، الجميع مسؤولون بتبليغ دين الله، وبالدعوة إليه، وبتوضيح تلك الفتن العظيمة، والتي نزلت بالأمة، وكيفية التعامل معها، والسبيل المنجِّي منها.
• لزوم جماعة المسلمين وإمامهم:
فالالتحام والترابط في زمن الفتن أولى منه في غيره، والجماعة خيرها كثير، وعمرها طويل، ونتاجها غزير، والفرقة مرض عضال، وأنين دائم، وخسارة متوقعة، والمسلمون في زمن الفتن بحاجة إلى أن تكون كلمتهم واحدة، وأمرهم واحداً، ورايتهم واحدة، فمن أعان المنافقين والكافرين على إخوانه المؤمنين بخروجه عنهم وعصيانه لأمر وليهم فقد خالف منهج محمد ?، وكذلك فعلى من ولي أمراً من أمور المسلمين أن يتقي الله فيهم، وأن يأخذ بأيديهم إلى طاعة ربهم، وأن يعلم أنه مسؤول عنهم يوم القيامة، عن أبي هريرة t عن النبي ? أنه قال: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات مِيتةً جاهلية، ومن قاتل تحت راية عِمِّيّة يغضب لعصبته أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبته فقُتل فقِتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه» (رواه مسلم).
• تحقيق معنى التقوى في القلوب:
وهي من أهم المنجيات من الفتن، كبيرها وصغيرها، حقيرها وعظيمها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ? وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال 29]، أي: قدرة وبصيرة على التفريق والتمييز بين الحق والباطل، وهي في معناها المعلوم لدينا جميعاً أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، بفعل ما أمرك به، واجتناب ما نهاك عنه، ويكون تحقيقها بأمور عدة: منها: التوبة والاستغفار، والصلاة في وقتها، والصبر على قضاء الله وقدره، وحفظ الجوارح، والرفقة الصالحة، وكل تلك مما يحفظ المسلم من الفتن التي تحاصره من كل مكان.
ختاماً:
ما دام الحديث عن الفتن، فإن ما يذهب بالعقول، ويرمي بالمروءات، ويزيد من الشر والبلاء، ويعظم من الفجور والفسوق في المجتمعات، فتنة النساء، فنفوس الرجال تتشوف إليهن، وهن حبائل الشيطان وفتنة الرجال، قال ?: «ما تركت بعدي فتنةً أشدَّ على الرجال من النساء» (متفق عليه)، ومن هذا المنطلق، ودرءًا لشر هذه الفتنة، فاحرص يا رعاك الله على حفظ نظرك وفرجك من الوقوع في أعراض المسلمين، وتحرّ الارتباط بالزوجة الصالحة، ذات المروءة والدين، وقم داعياً لله تعالى في أهل بيتك وأرحامك وأقاربك، بأن يلزمن الحشمة والحجاب والستر والعفاف، وأن يترفعن عن التبرج والسفور، وأن يلزمن قعر بيوتهن، فهو لهن عنوان سلامة، ومصدر أمان، ونجاة من استشراف الشيطان، وأخبروهن بمكانتهن العظيمة في هذا الدين، فهن نصف الأمة، وهن من يلدن النصف الآخر، فهن أمة كاملة، ومن تحت أنظارهن واهتمامهن بالأجيال يخرج القادة والعظماء، وبينوا ما عليهن من حقوق لأمتهم بالرأي والفكرة والمشورة، والاهتمام والدعوة إلى الله تعالى.
والله أعلم وصل اللهم على سيدنا محمد.
حسين بن سعيد الحسنية
زمن نعيشه مخيف، وأيام تتناوب علينا، محملةً بأحداثٍ جسيمة، وفتن عظيمة، لا تكاد تمر مرحلةٌ من زمن إلا وتحل على الناس من المصائب أعظمها، ومن الخطوب أكبرُها، فإذا انصهروا تحت وطأتها، وأسرتهم داخل محيطها، وأصبحوا من جندها، جاءت أختُها تتخبط مسرعة، متزينةً خادعة، وكثير منهم في انتظارها متحفزون، وفي استقبالها متهيأون، فتفعل ما فعلت الأولى، وهكذا الفتن تأتي متسارعةً متتالية، يرقق بعضها بعضاً، قال ?: « «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدلَّ أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتَكم هذه جُعِل عافيتُها في أولِها، وسيُصيب آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها، وتجيء فتنةٌ فيرقق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه...» » [رواه مسلم].
تأتي الفتن وهي تحجب ما وراءها من شر وفساد وبلاء عن أعين الناس، كما وصفها النبي ? بالظلل، فقد سأله رجل: هل للإسلام منتهى؟ قال ?: «نعم، أيُّما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيراً أدخل عليهم الإسلام» قال: ثم مه ؟ قال: «ثم تقع الفتن كأنها الظلل» قال: كلا والله إن شاء الله، قال: «بلى والذي نفسي بيده، ثم تعودون فيها أساود صُباً» – أيّ: الحيات السوداء المنتصبة شديدة اللدغ والنهش- «يضرب بعضكم رقاب بعض، فخير الناس يومئذ مؤمنٌ معتزلٌ في شعب من الشعاب، يتقي الله ويذرُ الناسَ من شره» . (رواه أحمد).
تعرض الفتنُ على قلوب العباد، ويختلفون تجاهها، فمنهم من يستقبلها فيضِلُّ ويهلك، ومنهم من يردُّها فيهتدي وينجو، كما جاء في قول الحبيب ?: «تعرضُ الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أُشْرِبَها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرَها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنةٌ ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مرباداً، كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه » (متفق عليه).
الفتن تأتي مضطربةً مع شدة في قوتها واضطرابها، فيكون تأثيرُها أبلغَ في القلوب والعقول والأفهام والأقوال، فشبهها عمر كموج البحر، فقد ثبت عنه أنه قال: أيكم يحفظ قول رسول الله ? في الفتنة ؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ كما قال، قال: هاتِ إنك لجريء، قال: قال رسول الله ?: «فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر »، قال: ليست هذه، ولكن التي تموج كموج البحر. (متفق عليه).
ومن صفات الفتنة أنها تأتي شديدةَ الاشتباه، كونُها مظلمةً، لا يتضح فيها جواب كثير من الناس، روى حذيفة رضى الله عنه في حديثه المشهور الذي أصله في الصحيح، ورواه أحمد وأبو داود بلفظ أن النبي ? لما ذكر الفتن ومراحلها التي تمر بها قال في آخره: «فتنةٌ عمياء صماء، عليها دعاة على أبواب النار، فإن تَمُتْ يا حذيفة وأنت عاضّ على جذل -وهو أصل الشجرة- خيرٌ لك من أن تتّبع أحداً منهم» .
الفتن – عباد الله- ليس لها قرار، ولا ترتبط بموعد حضور أو انصراف، إذا أقبلت تشبّهت، وإذا أدبرت تبينّت.
وإن المتأمل في زماننا هذا يدرك تماماً كيف عمّت تلك الفتن وطمّت، ذنوبٌ ومعاصي وآثام ليل نهار، عقوق وفرقة وتحاسد بين القلوب والأبصار، عبثٌ ولهوٌ وضياعٌ بين الطبلة والمزمار، فقرٌ وجوعٌ من هنا وهناك، غلاءٌ في الأسعار، قتلٌ وتشريدٌ وهتكٌ للأستار، زلازلُ ومحن، قلاقل وإحن، الإسلامُ يحارَب في عقر داره، والمسلمون ضحايا فوق تراب أراضيهم، وليس لهم نصيرٌ إلا الله، اهتمام بسفاسف الأمور، وانجرافٌ خلف الدنيا والدون، والكافر يصول ويجول، والرافضي يزبد بأعلى صوته ويقول، وتغريبيٌ ليس له هدف سوى كيف يذوب المجتمع في الرذيلة ويؤول، أمراض فتاكة لم تعرف من قبل، وموت فجأة للشباب أكثر من الشيب، إلى آخر تلك السلسلة المهيبة من الفتن العظيمة التي تصبّحنا وتمسيّنا، وإن من واجب المسلم أن يقف وقفة حق ومحاسبة أمام هذه الفتن، وأن يكون له وقفة جادة حيال ردِّها وإنكارها بكل ما أوتي من قوة، ولا يحصل له ذلك إلا حينما يتعرف عليها أولاً، ثم يتعرف على واجبه تجاه ردها وإنكارها.
ومن أول تلك الواجبات ومما يعين على مواجهة الفتن بإذن الله تعالى:
• الاعتصام بالكتاب والسنة:
فهما المنهج الواضح، والسبيل النقي، والمورد الصافي، فيهما النجاة والنجاح، وبهما تسعد الأرواح، وعليهما – بعد الله – المتّكى للفوز برضى الرب جل وعلا. {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُم ْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} النساء 175، وقال ? في الحديث الذي رواه العرباض بن سارية رضى الله عنه: «فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» (رواه أحمد وغيره وصححه الألباني).
• مداومة الأعمال الصالحة:
ففي زمن الفتن تطيش الأقدام من زوغان العقول والأفهام، أما من قد تحصن بأعمال صالحة، فهو في منجى من الفتن بإذن الله، جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي كافراً ويصبح مؤمناً، يبيع دينه بعرض من الدنيا» فالرسول ? حث على المبادرة بالأعمال الصالحة عند حلول الفتن، من صلاة وصيام وصدقة وبر وأداء للحقوق الواجبة عليه، وصلة الرحم وقراءة القرآن وغيرها من الأعمال الصالحة.
• الدعوة إلى الله تعالى:
كلٌّ بحسبه، وبقدر استطاعته، ومن خلالها نعرّف لمن نحب بتلك الفتن وآثارها وعظم خطرها، فالدعوة إلى الله تعالى صمّام الأمان لمسيرة هذا الدين، وهي سفينة النجاة التي نحن على متنها جميعاً، فالأب مع أبنائه، والعالِم مع طلابه، والراعي مع رعيته، الجميع مسؤولون بتبليغ دين الله، وبالدعوة إليه، وبتوضيح تلك الفتن العظيمة، والتي نزلت بالأمة، وكيفية التعامل معها، والسبيل المنجِّي منها.
• لزوم جماعة المسلمين وإمامهم:
فالالتحام والترابط في زمن الفتن أولى منه في غيره، والجماعة خيرها كثير، وعمرها طويل، ونتاجها غزير، والفرقة مرض عضال، وأنين دائم، وخسارة متوقعة، والمسلمون في زمن الفتن بحاجة إلى أن تكون كلمتهم واحدة، وأمرهم واحداً، ورايتهم واحدة، فمن أعان المنافقين والكافرين على إخوانه المؤمنين بخروجه عنهم وعصيانه لأمر وليهم فقد خالف منهج محمد ?، وكذلك فعلى من ولي أمراً من أمور المسلمين أن يتقي الله فيهم، وأن يأخذ بأيديهم إلى طاعة ربهم، وأن يعلم أنه مسؤول عنهم يوم القيامة، عن أبي هريرة t عن النبي ? أنه قال: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات مِيتةً جاهلية، ومن قاتل تحت راية عِمِّيّة يغضب لعصبته أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبته فقُتل فقِتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه» (رواه مسلم).
• تحقيق معنى التقوى في القلوب:
وهي من أهم المنجيات من الفتن، كبيرها وصغيرها، حقيرها وعظيمها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ? وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال 29]، أي: قدرة وبصيرة على التفريق والتمييز بين الحق والباطل، وهي في معناها المعلوم لدينا جميعاً أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، بفعل ما أمرك به، واجتناب ما نهاك عنه، ويكون تحقيقها بأمور عدة: منها: التوبة والاستغفار، والصلاة في وقتها، والصبر على قضاء الله وقدره، وحفظ الجوارح، والرفقة الصالحة، وكل تلك مما يحفظ المسلم من الفتن التي تحاصره من كل مكان.
ختاماً:
ما دام الحديث عن الفتن، فإن ما يذهب بالعقول، ويرمي بالمروءات، ويزيد من الشر والبلاء، ويعظم من الفجور والفسوق في المجتمعات، فتنة النساء، فنفوس الرجال تتشوف إليهن، وهن حبائل الشيطان وفتنة الرجال، قال ?: «ما تركت بعدي فتنةً أشدَّ على الرجال من النساء» (متفق عليه)، ومن هذا المنطلق، ودرءًا لشر هذه الفتنة، فاحرص يا رعاك الله على حفظ نظرك وفرجك من الوقوع في أعراض المسلمين، وتحرّ الارتباط بالزوجة الصالحة، ذات المروءة والدين، وقم داعياً لله تعالى في أهل بيتك وأرحامك وأقاربك، بأن يلزمن الحشمة والحجاب والستر والعفاف، وأن يترفعن عن التبرج والسفور، وأن يلزمن قعر بيوتهن، فهو لهن عنوان سلامة، ومصدر أمان، ونجاة من استشراف الشيطان، وأخبروهن بمكانتهن العظيمة في هذا الدين، فهن نصف الأمة، وهن من يلدن النصف الآخر، فهن أمة كاملة، ومن تحت أنظارهن واهتمامهن بالأجيال يخرج القادة والعظماء، وبينوا ما عليهن من حقوق لأمتهم بالرأي والفكرة والمشورة، والاهتمام والدعوة إلى الله تعالى.
والله أعلم وصل اللهم على سيدنا محمد.