08-14-2022, 12:02 AM
إضاءة *ول موضوع القراءة السريعة
م*مد فقهاء
هذه المقالة - من عُنوانها - لا تهتم بال*ثِّ على القراءة بصفة عامة، ولا تَنُص على فوائدها، وماذا نجني منها ومن غيرها من الأمور التي لها علاقة بالقراءة من *يث أنواعُها وكيفيَّتها؟ لأنه من المُفترَض أن نكون قد تجاوزنا هذه الأمور؛ بل إنه من المُ*زِن - مع الأسف الشديد - أن نتكلَّم في مواضيع كهذه لأُمَّةٍ، أولُ كلمة نزلت في دينها ودستورها كلمة (اقرأ)، وإنما أُسلِّط الضوء على نوع من أنواعها، وهي القراءة السريعة.
وهي لا تفيد كثيرًا المتقدّمين في القراءة، ولا مَن مَلَك هذه المَلَكة - فقد جاوزوها - بقدر ما تفيد المبتدئين في القراءة، ولهذا أُسلِّط الضوءَ على بعض الأمور بشيء من النقد، وأذكر بعض العوامل والأمور التي تُساعدنا في مسألة تسريع القراءة، لا سيما في عصر تَدفُّق المعلومات وكثرتها في عصر الفيضانات الفكرية والمعلوماتية والثقافية، وفي عصر تداخلت فيه الثقافات وال*ضارات؛ لننتفِع بهذه المهارة.
ففي العقود الأخيرة تضاعفت المعارف، وكثُرت المعلومات، وزادت المطبوعات، وهذا يُ*تِّم على المثقَّفين والقُرَّاء المتابعة والاستمرار في بناء البناء المعرفي والثقافي لديهم، ومما يُساعدهم على ذلك تَعلُّمُ المهارات التي تُمكِّنهم من الاستفادة بأكبر قَدْر مُمكِن من هذه المعارف، والتي منها تَعلُّم مهارات القراءة؛ لأن القراءة من أكبر الروافد التي يُ*َصِّل الإنسان منها المعلومة.
القراءة السريعة هي مهارة كسائر المهارات التي تُكتَسَبُ اكتسابًا، وتُ*صَّل بالدُّرْبة والمتابعة، كما يُ*صِّل الإنسانُ مهارةً من المهارات الرياضية مثلاً، والدافع وراء هذه المهارة وتَعلُّمها واكتسابها هو الاستفادة بأكبر قَدْر ممكِن من الوقت ومن المعلومات المتدفقة أيضًا في أقل وقت ممكن.
والقراءة السريعة تبقى وسيلة من الوسائل التي يُستفاد منها، وليست غايةً بذاتها، وهي مَلَكة من الملكات التي يَمتلِكها الإنسان، وليست خرافة ولا ان*رافًا عن جادَّة الصواب في موضوع القراءة؛ واعتراضات المعترضين على هذا النوع من القراءة مردود، ولا *ُجَّة له؛ فهي - كما قلتُ - مهارة ووسيلة وليست غاية، فبعض المعترضين ظنَّ أنها غاية فقط لِعَدِّ كم كتابًا قرأْنَا؟ أو كم صف*ةً قرأْنَا في كذا من الوقت؟ لهذا *ذَّر وأنذر من هذا النوع، ويَستشهِد بأدلة ليست في م*لها؛ كالاستشهاد بإعادة الكلام أكثر من مرة على المستمعين من قِبَل الرسول صلى الله وعليه وسلم ليَستوعِبه الناس، والدليل عليه لا له، فأعاد ثلاثًا ليُفْهِم، إذًا مَن فَهِم فلا *اجة للتَّكرار، كما لا *اجة للبطء كذلك، وهي مَلَكة شخصية تتعلَّق بالت*مُّل وليس بالأداء.
وكذلك القراءة السريعة ليست شيئًا جديدًا كما يُرَوِّجُه بعض من يقيمون الدورات التدريبية، فلدينا نماذج من العلماء والْمُ*َدِّثين قديمًا تُبَيِّن لنا أنها ملكة قديمة، وليس اكتشافًا عصريًّا و*صريًّا عند البعض ممن يُرَوِّجون لهذه الفكرة، وسأذكر بعضًا منها في نهاية المقال، فيقيمون الدوْرات التدريبية يدفع فيها المتدربون أموالاً بِغَضِّ النظر قلَّتْ أو كثُرَت، ويقضون أوقاتًا يتدربون على بعض المهارات التي يُلَقِّنُونهم إياها، ويُطَبِّقون بعض الأمور التي هي أشبه ما تكون بالطقوس التي تُؤَدَّى، ثم نخرج وما معنا إلا العناوين غالبًا؛ ظنًّا منهم أنهم بأداء هذه الطقوس في دورة أو دورتين امتلكوا هذه المهارة، ولو أنهم أيقنوا أنها مهارة لما أتعبوا أنفسهم كثيرًا في الذهاب والإياب لتلقّي هذه المهارات، التي أكثر ما يكون جُلُّ ال*صول عليها ذاتِيًّا.
فأي مهارة لا يُ*صِّلُها الإنسان بالتلقين وإنما بالدُّرْبة، كما يريد من يتعلم السبا*ة، فعليه بالنزول في الماء والتدرب، ومن أراد أن يكون عدَّاءً سريعًا فعليه أن يتدرب على هذا، ومع مرور الأيام يصل لبغيته، وكذلك الذي يريد أن يصل للقراءة السريعة عليه أولاً أن يدخل في مضمار القراءة، ويتجول في عالم الكتب، وسيصب* قارئًا سريعًا؛ فالقراءة - أيضًا - رياضة، ولكنها رياضة عقلية.
فما *اجة التدرب لمن لا يملك عادة القراءة أصلاً؟! وما *اجة الاعتراض لمن تجاوز البداية وسار وقتًا طويلاً في عالم القراءة؟! فلا بد من معرفة أنها تبقى وسيلة لا غاية، والوسيلة لا تُذَمُّ أو تُمدَ* إلا بعد معرفة الغاية منها، فإذا كانت لمجرد عدِّ العدد من الصف*ات والكتب والمجلدات، فتُذَم، أما إذا كانت ل*فظ الوقت من الضياع، وللاستفادة بأكبر قدر ممكن من الوقت ومن المعلومات في أقل وقت ممكن مع الفهم، فتُمْدَ*، فلا نريد أن نقف عند الوسائل على أنها غايات.
فت*صيل الكثير من المعلومات بوقت قصير في عصر تضخُّم المعلومات وكثرتها لدرجة الفيضان الفكري والثقافي والمعلوماتي - يُعتبر شيئًا مفيدًا، والاستفادة من هذه الملكات عند ا*تياجها يعتبر إنجازًا ودليلاً على الذكاء.
لهذا لا بد من معرفة: ما هي العوامل التي تساعد على ت*صيل هذه المهارة؟ لأن معرفة العوامل والأسباب التي تساعد الإنسان على اكتساب ما ينفعه وي*فظ وقته شيءٌ ممدو*، ومما *ث عليه الشرع، ومن أبرز هذه العوامل:
1- الدخول في عالم القراءة والولوج في هذا المضمار والاستمرار والمداومة على القراءة، خصوصًا اليومية؛ فكل ذلك يساعد الإنسان على تملك هذه الملكة.
2- ت*صيل قدر كبير من مفردات اللغة؛ فله أثر في هذه المهارة؛ إذ إنَّ من مَلَكَ اللغة سهُل عليه القراءة، بل وتسريعها أيضًا.
3- معرفة المصطل*ات والمقصود منها، فمن يقرأ في الفقه ولا يعرف مصطل*اته، أو في الطب أو في الفلسفة أو في أي تخصص كان، ولا يعرف معنى مصطل*اته، فستتأخر عليه عملية القراءة.
4- *ركة العين، وكيفية الانتقال بها بين الكلمات والسطور.
5- التركيز وعدمه؛ فله أثر في سرعة القراءة وبُطْئها.
6– عدم الخلط بين القراءة وبين التفكير في المقروء؛ فتخصيص وقت للقراءة ووقت للتفكير في المقروء يساعد على التفكير وعلى التركيز في المقروء، وكذلك الت*ليل والنقد والتعقيب له وقته أيضًا.
7- وضعية القارئ والإنارة، ووضو* الرؤية، ونوعية الورق، وتقليب الصف*ات، له أثر أيضًا، وغيرها من الأمور الذاتية المتعلقة بالشخص أو المكان أو المقروء ونوعيته.
ولا بد من التنبه إلى مسألة الفَهم؛ فالبعض قد ييئَس لعدم الفهم من أول مرة، أو يفهم بشكل جزئي، فلا بأس بهذا، فمع الدُّرْبة ومرور الأيام وتتابُع القراءة تن*لُّ المسائل ويُفتَ* المغلق، وتمتلك الملكة.
نموذجان من سريعي القراءة قديمًا و*ديثًا:
هذان النموذجان يبيّنان لنا أن هذا النوع من القراءة ليس بالشيء الجديد، وأنه كان معمولاً به عند علمائنا قديمًا، وما زال موجودًا *تى عصرنا ال*الي، وأكتفي بذكر هذين النموذجين[1].
1- قراءة ص*ي* البخاري في ثلاثة مجالس.
قال الخطيب في "تاريخ بغداد"[2] في ترجمة إسماعيل بن أ*مد بن عبدالله الضرير ال*ِيْري - ت430 هـ - أنه خاطبه في قراءة كتاب الص*ي*، وكان سَمِعَه من الكُشْمِيهَني[3] عن الفربزي[4]، فأجابني إلى ذلك، فقرأتُ جميعَه عليه في ثلاثة مجالس، اثنان منها في ليلتين، كنتُ أبتدئ بالقراءة وقتَ صلاةِ المغرب، وأقطعها عند صلاة الفجر، وقبل أن أقرأ المجلس الثالث عَبَر الشيخُ إلى الجانب الشرقي مع القافلة، ونزلَ الجزيرةَ بسوقِ ي*يى، فمضيتُ إليه مع طائفةٍ من أص*ابنا كانوا *ضروا قراءتي عليه في الليلتين الماضيتين، وقرأتُ عليه في الجزيرة من ضَ*ْوَةِ النهار إلى المغرب، ثم من المغرب إلى وقتِ طلوع الفجر، ففرغتُ من الكتاب، ور*لَ[5] الشيخُ في صبي*ة تلك الليلة مع القافلة اهـ.
أقول - القول للمؤلف -: فلِلَّهِ تلك الهمم، ما أسمقها وأعلاها*! فهل سمعت بمثل هذه الهمم والعزائم؟*! فاليومُ الثالث جميعُه في القراءة من ض*وته إلى المغرب، ومن المغرب إلى الفجر، فبمثل هذه الهمة بلغ الخطيب ما بلغ، *تى دُعي بـ "*افظ المشرق"، وصار بمثل هذه الهمة عمدة الم*دثين ومعوَّلهم، بل صاروا عِيالاً على كتبه كما قال ابنُ نقطة[6].
ما قيل *ول هذه القصة.
قال ال*افظ الذهبي في السِّيَر[7] معلِّقًا: قلت: هذه - والله - القراءةُ التي لم يُسْمَع قطُّ بأسْرَعَ منها.
وقال أيضًا في تاريخ الإسلام[8]: وهذا شيءٌ لا أعلمُ أ*دًا في زماننا يَسْتَطيعُه.
وفي الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن *جر[9] للسخاوي، أنه سأل شيخه - أي ابن *جر - هل وقعَ لكم استيفاءُ يومٍ في القراءة؟ - يعني: مثل ما وقع للخطيب - فقال: لا، ولكن قراءتي الص*ي* في عشرة مجالس لو كانت متواليةً لنقصت عن هذه الأيام، ولكن أين الثُريَّا من الثرى؛ فإنَّ الخطيب ر*مه الله قراءته في غايةٍ من الصِّ*ة والجَوْدة والإفادة وإبلاغ السَّامعين اهـ.
2- وفي ترجمة الشيخ ابن باز المسمَّاة بـ "الإنجاز" أن أ*د الطلبة قرأ على الشيخ سنن النسائي في سبعة وعشرين مجلسًا.
• النماذج مأخوذة بالنص من كتاب المشوق للعمران.
[1] مأخوذ من كتاب المشوق إلى القراءة وطلب العلم "للعمران"، ومن أراد الاستزادة فعليه الرجوع إلى الكتاب ففيه الكثير؛ المثال الأول صف*ة 70، والمثال الثاني ذُكِر صف*ة 87.
[2] 6/ 314.
[3] كُشْمِيهَن إ*دى قرى مَرْو، ضبطها في الأنساب: 5/ 75 بكسر الميم، وفي معجم البلدان: 4/ 463 لياقوت: بفت* الميم.
[4] راوية البخاري، وفاؤه فيها الوجهان الفت* والكسر.
[5] وكان مرت*لاً من نَيْسابور إلى مكة، مصط*بًا معه كتبه وكانت وِقْر بعير.
[6] التقييد لرواة السنن والمسانيد: 1/ 170.
[7] 18/ 279 280.
[8] وَفَيَات 463، ص/ 99.
[9] 1/ 104.
م*مد فقهاء
هذه المقالة - من عُنوانها - لا تهتم بال*ثِّ على القراءة بصفة عامة، ولا تَنُص على فوائدها، وماذا نجني منها ومن غيرها من الأمور التي لها علاقة بالقراءة من *يث أنواعُها وكيفيَّتها؟ لأنه من المُفترَض أن نكون قد تجاوزنا هذه الأمور؛ بل إنه من المُ*زِن - مع الأسف الشديد - أن نتكلَّم في مواضيع كهذه لأُمَّةٍ، أولُ كلمة نزلت في دينها ودستورها كلمة (اقرأ)، وإنما أُسلِّط الضوء على نوع من أنواعها، وهي القراءة السريعة.
وهي لا تفيد كثيرًا المتقدّمين في القراءة، ولا مَن مَلَك هذه المَلَكة - فقد جاوزوها - بقدر ما تفيد المبتدئين في القراءة، ولهذا أُسلِّط الضوءَ على بعض الأمور بشيء من النقد، وأذكر بعض العوامل والأمور التي تُساعدنا في مسألة تسريع القراءة، لا سيما في عصر تَدفُّق المعلومات وكثرتها في عصر الفيضانات الفكرية والمعلوماتية والثقافية، وفي عصر تداخلت فيه الثقافات وال*ضارات؛ لننتفِع بهذه المهارة.
ففي العقود الأخيرة تضاعفت المعارف، وكثُرت المعلومات، وزادت المطبوعات، وهذا يُ*تِّم على المثقَّفين والقُرَّاء المتابعة والاستمرار في بناء البناء المعرفي والثقافي لديهم، ومما يُساعدهم على ذلك تَعلُّمُ المهارات التي تُمكِّنهم من الاستفادة بأكبر قَدْر مُمكِن من هذه المعارف، والتي منها تَعلُّم مهارات القراءة؛ لأن القراءة من أكبر الروافد التي يُ*َصِّل الإنسان منها المعلومة.
القراءة السريعة هي مهارة كسائر المهارات التي تُكتَسَبُ اكتسابًا، وتُ*صَّل بالدُّرْبة والمتابعة، كما يُ*صِّل الإنسانُ مهارةً من المهارات الرياضية مثلاً، والدافع وراء هذه المهارة وتَعلُّمها واكتسابها هو الاستفادة بأكبر قَدْر ممكِن من الوقت ومن المعلومات المتدفقة أيضًا في أقل وقت ممكن.
والقراءة السريعة تبقى وسيلة من الوسائل التي يُستفاد منها، وليست غايةً بذاتها، وهي مَلَكة من الملكات التي يَمتلِكها الإنسان، وليست خرافة ولا ان*رافًا عن جادَّة الصواب في موضوع القراءة؛ واعتراضات المعترضين على هذا النوع من القراءة مردود، ولا *ُجَّة له؛ فهي - كما قلتُ - مهارة ووسيلة وليست غاية، فبعض المعترضين ظنَّ أنها غاية فقط لِعَدِّ كم كتابًا قرأْنَا؟ أو كم صف*ةً قرأْنَا في كذا من الوقت؟ لهذا *ذَّر وأنذر من هذا النوع، ويَستشهِد بأدلة ليست في م*لها؛ كالاستشهاد بإعادة الكلام أكثر من مرة على المستمعين من قِبَل الرسول صلى الله وعليه وسلم ليَستوعِبه الناس، والدليل عليه لا له، فأعاد ثلاثًا ليُفْهِم، إذًا مَن فَهِم فلا *اجة للتَّكرار، كما لا *اجة للبطء كذلك، وهي مَلَكة شخصية تتعلَّق بالت*مُّل وليس بالأداء.
وكذلك القراءة السريعة ليست شيئًا جديدًا كما يُرَوِّجُه بعض من يقيمون الدورات التدريبية، فلدينا نماذج من العلماء والْمُ*َدِّثين قديمًا تُبَيِّن لنا أنها ملكة قديمة، وليس اكتشافًا عصريًّا و*صريًّا عند البعض ممن يُرَوِّجون لهذه الفكرة، وسأذكر بعضًا منها في نهاية المقال، فيقيمون الدوْرات التدريبية يدفع فيها المتدربون أموالاً بِغَضِّ النظر قلَّتْ أو كثُرَت، ويقضون أوقاتًا يتدربون على بعض المهارات التي يُلَقِّنُونهم إياها، ويُطَبِّقون بعض الأمور التي هي أشبه ما تكون بالطقوس التي تُؤَدَّى، ثم نخرج وما معنا إلا العناوين غالبًا؛ ظنًّا منهم أنهم بأداء هذه الطقوس في دورة أو دورتين امتلكوا هذه المهارة، ولو أنهم أيقنوا أنها مهارة لما أتعبوا أنفسهم كثيرًا في الذهاب والإياب لتلقّي هذه المهارات، التي أكثر ما يكون جُلُّ ال*صول عليها ذاتِيًّا.
فأي مهارة لا يُ*صِّلُها الإنسان بالتلقين وإنما بالدُّرْبة، كما يريد من يتعلم السبا*ة، فعليه بالنزول في الماء والتدرب، ومن أراد أن يكون عدَّاءً سريعًا فعليه أن يتدرب على هذا، ومع مرور الأيام يصل لبغيته، وكذلك الذي يريد أن يصل للقراءة السريعة عليه أولاً أن يدخل في مضمار القراءة، ويتجول في عالم الكتب، وسيصب* قارئًا سريعًا؛ فالقراءة - أيضًا - رياضة، ولكنها رياضة عقلية.
فما *اجة التدرب لمن لا يملك عادة القراءة أصلاً؟! وما *اجة الاعتراض لمن تجاوز البداية وسار وقتًا طويلاً في عالم القراءة؟! فلا بد من معرفة أنها تبقى وسيلة لا غاية، والوسيلة لا تُذَمُّ أو تُمدَ* إلا بعد معرفة الغاية منها، فإذا كانت لمجرد عدِّ العدد من الصف*ات والكتب والمجلدات، فتُذَم، أما إذا كانت ل*فظ الوقت من الضياع، وللاستفادة بأكبر قدر ممكن من الوقت ومن المعلومات في أقل وقت ممكن مع الفهم، فتُمْدَ*، فلا نريد أن نقف عند الوسائل على أنها غايات.
فت*صيل الكثير من المعلومات بوقت قصير في عصر تضخُّم المعلومات وكثرتها لدرجة الفيضان الفكري والثقافي والمعلوماتي - يُعتبر شيئًا مفيدًا، والاستفادة من هذه الملكات عند ا*تياجها يعتبر إنجازًا ودليلاً على الذكاء.
لهذا لا بد من معرفة: ما هي العوامل التي تساعد على ت*صيل هذه المهارة؟ لأن معرفة العوامل والأسباب التي تساعد الإنسان على اكتساب ما ينفعه وي*فظ وقته شيءٌ ممدو*، ومما *ث عليه الشرع، ومن أبرز هذه العوامل:
1- الدخول في عالم القراءة والولوج في هذا المضمار والاستمرار والمداومة على القراءة، خصوصًا اليومية؛ فكل ذلك يساعد الإنسان على تملك هذه الملكة.
2- ت*صيل قدر كبير من مفردات اللغة؛ فله أثر في هذه المهارة؛ إذ إنَّ من مَلَكَ اللغة سهُل عليه القراءة، بل وتسريعها أيضًا.
3- معرفة المصطل*ات والمقصود منها، فمن يقرأ في الفقه ولا يعرف مصطل*اته، أو في الطب أو في الفلسفة أو في أي تخصص كان، ولا يعرف معنى مصطل*اته، فستتأخر عليه عملية القراءة.
4- *ركة العين، وكيفية الانتقال بها بين الكلمات والسطور.
5- التركيز وعدمه؛ فله أثر في سرعة القراءة وبُطْئها.
6– عدم الخلط بين القراءة وبين التفكير في المقروء؛ فتخصيص وقت للقراءة ووقت للتفكير في المقروء يساعد على التفكير وعلى التركيز في المقروء، وكذلك الت*ليل والنقد والتعقيب له وقته أيضًا.
7- وضعية القارئ والإنارة، ووضو* الرؤية، ونوعية الورق، وتقليب الصف*ات، له أثر أيضًا، وغيرها من الأمور الذاتية المتعلقة بالشخص أو المكان أو المقروء ونوعيته.
ولا بد من التنبه إلى مسألة الفَهم؛ فالبعض قد ييئَس لعدم الفهم من أول مرة، أو يفهم بشكل جزئي، فلا بأس بهذا، فمع الدُّرْبة ومرور الأيام وتتابُع القراءة تن*لُّ المسائل ويُفتَ* المغلق، وتمتلك الملكة.
نموذجان من سريعي القراءة قديمًا و*ديثًا:
هذان النموذجان يبيّنان لنا أن هذا النوع من القراءة ليس بالشيء الجديد، وأنه كان معمولاً به عند علمائنا قديمًا، وما زال موجودًا *تى عصرنا ال*الي، وأكتفي بذكر هذين النموذجين[1].
1- قراءة ص*ي* البخاري في ثلاثة مجالس.
قال الخطيب في "تاريخ بغداد"[2] في ترجمة إسماعيل بن أ*مد بن عبدالله الضرير ال*ِيْري - ت430 هـ - أنه خاطبه في قراءة كتاب الص*ي*، وكان سَمِعَه من الكُشْمِيهَني[3] عن الفربزي[4]، فأجابني إلى ذلك، فقرأتُ جميعَه عليه في ثلاثة مجالس، اثنان منها في ليلتين، كنتُ أبتدئ بالقراءة وقتَ صلاةِ المغرب، وأقطعها عند صلاة الفجر، وقبل أن أقرأ المجلس الثالث عَبَر الشيخُ إلى الجانب الشرقي مع القافلة، ونزلَ الجزيرةَ بسوقِ ي*يى، فمضيتُ إليه مع طائفةٍ من أص*ابنا كانوا *ضروا قراءتي عليه في الليلتين الماضيتين، وقرأتُ عليه في الجزيرة من ضَ*ْوَةِ النهار إلى المغرب، ثم من المغرب إلى وقتِ طلوع الفجر، ففرغتُ من الكتاب، ور*لَ[5] الشيخُ في صبي*ة تلك الليلة مع القافلة اهـ.
أقول - القول للمؤلف -: فلِلَّهِ تلك الهمم، ما أسمقها وأعلاها*! فهل سمعت بمثل هذه الهمم والعزائم؟*! فاليومُ الثالث جميعُه في القراءة من ض*وته إلى المغرب، ومن المغرب إلى الفجر، فبمثل هذه الهمة بلغ الخطيب ما بلغ، *تى دُعي بـ "*افظ المشرق"، وصار بمثل هذه الهمة عمدة الم*دثين ومعوَّلهم، بل صاروا عِيالاً على كتبه كما قال ابنُ نقطة[6].
ما قيل *ول هذه القصة.
قال ال*افظ الذهبي في السِّيَر[7] معلِّقًا: قلت: هذه - والله - القراءةُ التي لم يُسْمَع قطُّ بأسْرَعَ منها.
وقال أيضًا في تاريخ الإسلام[8]: وهذا شيءٌ لا أعلمُ أ*دًا في زماننا يَسْتَطيعُه.
وفي الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن *جر[9] للسخاوي، أنه سأل شيخه - أي ابن *جر - هل وقعَ لكم استيفاءُ يومٍ في القراءة؟ - يعني: مثل ما وقع للخطيب - فقال: لا، ولكن قراءتي الص*ي* في عشرة مجالس لو كانت متواليةً لنقصت عن هذه الأيام، ولكن أين الثُريَّا من الثرى؛ فإنَّ الخطيب ر*مه الله قراءته في غايةٍ من الصِّ*ة والجَوْدة والإفادة وإبلاغ السَّامعين اهـ.
2- وفي ترجمة الشيخ ابن باز المسمَّاة بـ "الإنجاز" أن أ*د الطلبة قرأ على الشيخ سنن النسائي في سبعة وعشرين مجلسًا.
• النماذج مأخوذة بالنص من كتاب المشوق للعمران.
[1] مأخوذ من كتاب المشوق إلى القراءة وطلب العلم "للعمران"، ومن أراد الاستزادة فعليه الرجوع إلى الكتاب ففيه الكثير؛ المثال الأول صف*ة 70، والمثال الثاني ذُكِر صف*ة 87.
[2] 6/ 314.
[3] كُشْمِيهَن إ*دى قرى مَرْو، ضبطها في الأنساب: 5/ 75 بكسر الميم، وفي معجم البلدان: 4/ 463 لياقوت: بفت* الميم.
[4] راوية البخاري، وفاؤه فيها الوجهان الفت* والكسر.
[5] وكان مرت*لاً من نَيْسابور إلى مكة، مصط*بًا معه كتبه وكانت وِقْر بعير.
[6] التقييد لرواة السنن والمسانيد: 1/ 170.
[7] 18/ 279 280.
[8] وَفَيَات 463، ص/ 99.
[9] 1/ 104.