08-14-2022, 12:02 AM
تو*يد الله .. واجب العلماء والمصل*ين
علي م*مد سلمان العبيدي
إن ال*مد لله ن*مده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله و*دَه لا شريك له، وأشهد أن م*مدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ *َقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَا*ِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْ*َامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِ*ْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأ*زاب: 70، 71].
أما بعد، فإن خير ال*ديث كتاب الله، وخير الهَدْي هَدْي م*مَّد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور م*دثاتها، وكل م*دثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد:
فإن العالَم عمومًا، والعالَم الإسلامي خصوصًا، يعيش في ظلام وعَمايةٍ شاملة، وجهل مطبق على العقول والأسماع، وهذا الجهل مركَّب من نوعٍ جديد من الأفكار والعقائد والمبتدعات؛ إذ هو مزيجٌ من العادات والتقاليد، والعقائد الوافدة من الشرق والغرب، يضاف إليها موروثٌ شعبي عقائدي بالٍ تنامَى وكبِر نتيجةَ جهل تَغِطُّ فيه الأمة، وبسبب الابتعاد عن منهج الكتاب والسنة، وتصدِّي أناس لهما وهم ليس من أهلهما، فا*تلوا مكان الصدارة في التعليم والفتوى، وليس لديهم أدنى علمٍ من الكتاب والسنة، ولا يعرفون إلى ماذا تؤول أ*كامُهما، ولا تفسير نصوصهما، والجهل بقواعدهما وأصولهما الأساسية، وثوابتهما التي لا تقبل التغيير ولا التبديل.
وقد انتشر الكثيرُ من هؤلاء الملالي الجهَّال - بقصد وبدون قصد - في مختلف الأقاليم والمدن والقرى من عالمنا لإسلامي، يُعلِّمون الناس أمورَ الدين بطرق غير علمية، وأساليب تشويقية تعتمد على الأقاصيص والخزعبلات، وما يسمى بالمشاهدات والمكاشفات والكرامات، وغير ذلك من الأساليب والطرق الملتوية، التي لا تهدفُ إلى الوصول بطالب العلم إلى ال*قائق العلمية الشرعية عن طريقها ومنهجها وأسلوبها الص*ي* الذي رسمه لنا الفقهاء الأوائل؛ أمثال الأئمة الأربعة (مالك، وأبي *نيفة، والشافعي، وأ*مد)، وعلماء ال*ديث؛ مثل البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم ممن قاموا بجمع السنة، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل ال*فاظ عليها، وتدوينها في قراطيسها، فوصلت إلينا كاملة غير منقوصة، فعلينا أن نتبع سيرتهم وخطاهم في التعلم والتمسك والم*افظة على دينِنا وعقيدتِنا، والدفاع عنها ونشرها وتعليمها للبشرية، وإخراجهم من التخبط في ظلمات الشرك والجهل والغَواية، إلى نور التو*يد، وعبادة رب العبيد.
قال تعالى: ﴿ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَ*ْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الجاثية: 20].
قال ابن جرير:
"يقول - تعالى ذكره -: ﴿ هَذَا ﴾ الكتاب الذي أنزلناه إليك يا م*مد ﴿ بَصَائِرُ لِلنَّاسِ ﴾ يُبصِرون به ال*ق من الباطل، ويعرفون به سبيل الرشاد".
وعن العرباض بن سارية قال: "وعظَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً ذرفت منها العيون، ووجِلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مُودِّع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: ((قد تركتكم على البيضاءِ ليلُها كنهارِها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومَن يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرَفْتُم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين، وعليكم بالطاعة، وإن عبدًا *بشيًّا، عَضُّوا عليها بالنواجذ، فإنما المؤمن كالجمل الأَنِف *يثما انقيد انقاد))"؛ أخرجه أ*مد.
وقد كشَفت لنا المصادر التاريخية وما دوَّنه البا*ثون أن الذي *صل للأمة من الجهل، والتخلف العلمي، والتغيير العقائدي، والتبديل الفكري الممنهج الذي ينأى بالناس بعيدًا عن الطريق الص*ي* المرسوم لهم، والان*راف بهم عن جادَّة الصواب، ونشر البدع، وإشاعة رو* الفرقة والنزاعات الفكرية والمذهبية، وزج الأفكار والعقائد الفلسفية الدخيلة على ديننا وعقيدتنا الكاملة الثابتة على أصولها الواض*ة المعالِم والبيِّنة ال*دود، وهو في *قيقته ليس نتيجة عفوية بسبب انهيار الدولة الإسلامية وتدمير كِيانِها، وطمس *ضارتها على يد هولاكو ومَن مدَّه بالعون والمساندة من الشعوبيين، وما تلا ذلك من ويلات على مدى قرون خلت من هجمات الجلائريين والفرس والصليبين - إنما هو هجمة منظمة، و*رب في العلن والسر مخطط لها تخطيطًا م*كمًا، الغاية منه تغيير البِنْية العقائدية والاجتماعية والأخلاقية لهذه الأمة وَفْق ما تريد الفِرَق ال*اقدة، والمدارس العنصرية الخبيثة، وتساندها وتشدُّ من أزرها في ذلك الشعوبيةُ المَقِيتة، والتي تجرَّدت من كل مكارم الأخلاق والمُثُل العليا، ومعاني الشرف الأصيلة، وصفات الإنسان الطيِّبة، والقيم النبيلة التي ت*مل في طيَّاتها الشرفَ والغيرة والأَنَفة والترفُّع عن كل ما هو دنيء، من أجل ت*قيق غاياتها وأهدافها العنصرية الخبيثة.
قال تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا *َسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْ*َقُّ ﴾ [البقرة: 109]، وقد اتَّفقت أهدافهم وغاياتهم العدائية من أجل تخريب بِنية هذا الدين وتمزيق و*دة صف المسلمين مع قوم أوغلوا في الشرك، وتطابقت السرائر والضغائن التي في الصدور على النَّيل من هذا الدين، ومن *ماة عقيدة سيد المرسلين.
واستمرَّت على مرِّ هذه ال*قب بلا كللٍ ولا ملل، وبكلِّ ما تملك من قدرات اقتصادية وعسكرية، وبكل ما ي*مل علماؤها من فلسفات مُضلَّة، وأفكار هدَّامة، وعقائد زائغة، ونقول زائفة، من صنع أناس لا إيمان لهم بدين أو نبي مرسل، *ب الدنيا أكبر همِّهم، والفوز بالشهوات الزائلة منتهى غاياتهم، والرغبة في الانتقام من المسلمين شفاء لغليل صدورهم.
ولا ي*ملهم على سلوك هذه السبل إلا ال*قد على المسلمين، والغيظ على متَّبِعي منهج هذا الدين، وال*سد والغل ل*ماة عقيدة سيد المرسلين، *َمَلةِ مشاعل هذه الرسالة العظيمة التي أنارت الدنيا بالعلم والإيمان، وعقائد التو*يد التي هي دين الأنبياء من آدم - عليه السلام - *تى م*مد بن عبدالله خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، وهم المأمورون بتبليغِها إلى الناس كافة، وأنها الدين ال*ق الذي يجب أن نَدِين الله - سب*انه وتعالى - به، قال تعالى في م*كم التنزيل: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُو*ًا وَالَّذِي أَوْ*َيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ [الشورى: 13].
فالواجب المُلقَى على عاتق العلماء والصل*اء والدعاة في هذه الأمة أن ي*فظوا الأمانة، وينفذوا الوصية، وهي إقامة الدين ال*ق، الذي هو تو*يد الله سب*انه وإفراده بالعبودية، ونبذ الشرك والبدع والنِّ*ل وكل ما يخالف الشرع، وعدم إشاعة رو* الفُرْقة والنزاع بين أبناء الأمة المسلمة، التي يتلذَّذ الأعداء بسماع أنبائها وشيوع أخبارها.
ومن واجباتهم العمل على تقويةِ لُ*ْمة المجتمع المسلم، والتمسك بالجماعة، وطاعة أولياء الأمور من أهل ال*ل والعقد، وأن يتكفَّلوا ببيان عقيدة التو*يد التي وردت في الكتاب والسنة للناس أ*سن بيان، وتوضي*ها خير توضي*، وال*ث على التزامها والتمسك بها، والدفاع عنها، و*ماية جنابها، والتض*ية من أجلها بالمال والنفس وكل ما هو غالٍ ونفيس؛ فإنها هي العهد الذي عهِده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يجب علينا التمسُّك به، والم*افظة عليه، والدفاع عنه، وأن نعمل بمقتضاها، ونلتزم بأوامرها، ون*فظ جنابها، ونلتزم *دودها ولا نتجاوزها، ونترك ما خالفها من البدع والنِّ*ل والعقائد التي ليس لها دليلٌ من كتاب أو سنة، وتعليمها وتفهيمها للناس في المساجد والمدارس، وفي التجمُّعات، وبين أفراد الأسرة الوا*دة.
وإن هذا العمل ليس واجبَ العلماء ف*سب، إنما هو واجب العالِم في المسجد، والمُعلِّم في المدرسة، والعامل في عمله، والبائع في سوقه، والفلاَّ* في *قله، والمثقَّف والأديب في منتداه، والأبُ والأم في أُسرتِهما وبين أهلهم وأ*بائهم؛ لأن القيام بتبليغ الرسالة وتعليم العقيدة الص*ي*ة هو جهاد وعلم وعمل، فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال وهو يخطب: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تزال من أمتي أمَّةٌ قائمة بأمر الله، لا يضرُّهم مَن خذَلهم ولا مَن خالفهم، *تى يأتي أمرُ الله وهم على ذلك))، وفي رواية قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يُرِدِ الله به خيرًا يُفقِّهْه في الدِّين، ولا تزالُ عصابة من المسلمين يُقاتِلون على ال*قِّ، ظاهرين على مَن ناوَأهم إلى يوم القيامة))؛ أخرجه البخاري ومسلم.
وعن عِمران بن *ُصَين رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على ال*ق ظاهرين على مَن ناوأهم، *تى يقاتل آخرُهم المسي*َ الدَّجال))؛ أخرجه أبو داود.
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَزالُ طائفةٌ من أمَّتي يُقاتِلون على ال*ق، ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى، فيقول أميرُهم: تعالَ صَلِّ لنا، فيقول: لا، إِنَّ بعضَكم على بعض أمراءُ تكرمةَ الله هذه الأمة))؛ أخرجه مسلم.
كتاب: اتباع مناهج أهل السنن والآثار.. شر* سواطع الأنوار لمعرفة عقيدة سيد الأبرار
علي م*مد سلمان العبيدي
إن ال*مد لله ن*مده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله و*دَه لا شريك له، وأشهد أن م*مدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ *َقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَا*ِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْ*َامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِ*ْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأ*زاب: 70، 71].
أما بعد، فإن خير ال*ديث كتاب الله، وخير الهَدْي هَدْي م*مَّد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور م*دثاتها، وكل م*دثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد:
فإن العالَم عمومًا، والعالَم الإسلامي خصوصًا، يعيش في ظلام وعَمايةٍ شاملة، وجهل مطبق على العقول والأسماع، وهذا الجهل مركَّب من نوعٍ جديد من الأفكار والعقائد والمبتدعات؛ إذ هو مزيجٌ من العادات والتقاليد، والعقائد الوافدة من الشرق والغرب، يضاف إليها موروثٌ شعبي عقائدي بالٍ تنامَى وكبِر نتيجةَ جهل تَغِطُّ فيه الأمة، وبسبب الابتعاد عن منهج الكتاب والسنة، وتصدِّي أناس لهما وهم ليس من أهلهما، فا*تلوا مكان الصدارة في التعليم والفتوى، وليس لديهم أدنى علمٍ من الكتاب والسنة، ولا يعرفون إلى ماذا تؤول أ*كامُهما، ولا تفسير نصوصهما، والجهل بقواعدهما وأصولهما الأساسية، وثوابتهما التي لا تقبل التغيير ولا التبديل.
وقد انتشر الكثيرُ من هؤلاء الملالي الجهَّال - بقصد وبدون قصد - في مختلف الأقاليم والمدن والقرى من عالمنا لإسلامي، يُعلِّمون الناس أمورَ الدين بطرق غير علمية، وأساليب تشويقية تعتمد على الأقاصيص والخزعبلات، وما يسمى بالمشاهدات والمكاشفات والكرامات، وغير ذلك من الأساليب والطرق الملتوية، التي لا تهدفُ إلى الوصول بطالب العلم إلى ال*قائق العلمية الشرعية عن طريقها ومنهجها وأسلوبها الص*ي* الذي رسمه لنا الفقهاء الأوائل؛ أمثال الأئمة الأربعة (مالك، وأبي *نيفة، والشافعي، وأ*مد)، وعلماء ال*ديث؛ مثل البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم ممن قاموا بجمع السنة، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل ال*فاظ عليها، وتدوينها في قراطيسها، فوصلت إلينا كاملة غير منقوصة، فعلينا أن نتبع سيرتهم وخطاهم في التعلم والتمسك والم*افظة على دينِنا وعقيدتِنا، والدفاع عنها ونشرها وتعليمها للبشرية، وإخراجهم من التخبط في ظلمات الشرك والجهل والغَواية، إلى نور التو*يد، وعبادة رب العبيد.
قال تعالى: ﴿ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَ*ْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الجاثية: 20].
قال ابن جرير:
"يقول - تعالى ذكره -: ﴿ هَذَا ﴾ الكتاب الذي أنزلناه إليك يا م*مد ﴿ بَصَائِرُ لِلنَّاسِ ﴾ يُبصِرون به ال*ق من الباطل، ويعرفون به سبيل الرشاد".
وعن العرباض بن سارية قال: "وعظَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً ذرفت منها العيون، ووجِلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مُودِّع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: ((قد تركتكم على البيضاءِ ليلُها كنهارِها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومَن يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرَفْتُم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين، وعليكم بالطاعة، وإن عبدًا *بشيًّا، عَضُّوا عليها بالنواجذ، فإنما المؤمن كالجمل الأَنِف *يثما انقيد انقاد))"؛ أخرجه أ*مد.
وقد كشَفت لنا المصادر التاريخية وما دوَّنه البا*ثون أن الذي *صل للأمة من الجهل، والتخلف العلمي، والتغيير العقائدي، والتبديل الفكري الممنهج الذي ينأى بالناس بعيدًا عن الطريق الص*ي* المرسوم لهم، والان*راف بهم عن جادَّة الصواب، ونشر البدع، وإشاعة رو* الفرقة والنزاعات الفكرية والمذهبية، وزج الأفكار والعقائد الفلسفية الدخيلة على ديننا وعقيدتنا الكاملة الثابتة على أصولها الواض*ة المعالِم والبيِّنة ال*دود، وهو في *قيقته ليس نتيجة عفوية بسبب انهيار الدولة الإسلامية وتدمير كِيانِها، وطمس *ضارتها على يد هولاكو ومَن مدَّه بالعون والمساندة من الشعوبيين، وما تلا ذلك من ويلات على مدى قرون خلت من هجمات الجلائريين والفرس والصليبين - إنما هو هجمة منظمة، و*رب في العلن والسر مخطط لها تخطيطًا م*كمًا، الغاية منه تغيير البِنْية العقائدية والاجتماعية والأخلاقية لهذه الأمة وَفْق ما تريد الفِرَق ال*اقدة، والمدارس العنصرية الخبيثة، وتساندها وتشدُّ من أزرها في ذلك الشعوبيةُ المَقِيتة، والتي تجرَّدت من كل مكارم الأخلاق والمُثُل العليا، ومعاني الشرف الأصيلة، وصفات الإنسان الطيِّبة، والقيم النبيلة التي ت*مل في طيَّاتها الشرفَ والغيرة والأَنَفة والترفُّع عن كل ما هو دنيء، من أجل ت*قيق غاياتها وأهدافها العنصرية الخبيثة.
قال تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا *َسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْ*َقُّ ﴾ [البقرة: 109]، وقد اتَّفقت أهدافهم وغاياتهم العدائية من أجل تخريب بِنية هذا الدين وتمزيق و*دة صف المسلمين مع قوم أوغلوا في الشرك، وتطابقت السرائر والضغائن التي في الصدور على النَّيل من هذا الدين، ومن *ماة عقيدة سيد المرسلين.
واستمرَّت على مرِّ هذه ال*قب بلا كللٍ ولا ملل، وبكلِّ ما تملك من قدرات اقتصادية وعسكرية، وبكل ما ي*مل علماؤها من فلسفات مُضلَّة، وأفكار هدَّامة، وعقائد زائغة، ونقول زائفة، من صنع أناس لا إيمان لهم بدين أو نبي مرسل، *ب الدنيا أكبر همِّهم، والفوز بالشهوات الزائلة منتهى غاياتهم، والرغبة في الانتقام من المسلمين شفاء لغليل صدورهم.
ولا ي*ملهم على سلوك هذه السبل إلا ال*قد على المسلمين، والغيظ على متَّبِعي منهج هذا الدين، وال*سد والغل ل*ماة عقيدة سيد المرسلين، *َمَلةِ مشاعل هذه الرسالة العظيمة التي أنارت الدنيا بالعلم والإيمان، وعقائد التو*يد التي هي دين الأنبياء من آدم - عليه السلام - *تى م*مد بن عبدالله خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، وهم المأمورون بتبليغِها إلى الناس كافة، وأنها الدين ال*ق الذي يجب أن نَدِين الله - سب*انه وتعالى - به، قال تعالى في م*كم التنزيل: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُو*ًا وَالَّذِي أَوْ*َيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ [الشورى: 13].
فالواجب المُلقَى على عاتق العلماء والصل*اء والدعاة في هذه الأمة أن ي*فظوا الأمانة، وينفذوا الوصية، وهي إقامة الدين ال*ق، الذي هو تو*يد الله سب*انه وإفراده بالعبودية، ونبذ الشرك والبدع والنِّ*ل وكل ما يخالف الشرع، وعدم إشاعة رو* الفُرْقة والنزاع بين أبناء الأمة المسلمة، التي يتلذَّذ الأعداء بسماع أنبائها وشيوع أخبارها.
ومن واجباتهم العمل على تقويةِ لُ*ْمة المجتمع المسلم، والتمسك بالجماعة، وطاعة أولياء الأمور من أهل ال*ل والعقد، وأن يتكفَّلوا ببيان عقيدة التو*يد التي وردت في الكتاب والسنة للناس أ*سن بيان، وتوضي*ها خير توضي*، وال*ث على التزامها والتمسك بها، والدفاع عنها، و*ماية جنابها، والتض*ية من أجلها بالمال والنفس وكل ما هو غالٍ ونفيس؛ فإنها هي العهد الذي عهِده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يجب علينا التمسُّك به، والم*افظة عليه، والدفاع عنه، وأن نعمل بمقتضاها، ونلتزم بأوامرها، ون*فظ جنابها، ونلتزم *دودها ولا نتجاوزها، ونترك ما خالفها من البدع والنِّ*ل والعقائد التي ليس لها دليلٌ من كتاب أو سنة، وتعليمها وتفهيمها للناس في المساجد والمدارس، وفي التجمُّعات، وبين أفراد الأسرة الوا*دة.
وإن هذا العمل ليس واجبَ العلماء ف*سب، إنما هو واجب العالِم في المسجد، والمُعلِّم في المدرسة، والعامل في عمله، والبائع في سوقه، والفلاَّ* في *قله، والمثقَّف والأديب في منتداه، والأبُ والأم في أُسرتِهما وبين أهلهم وأ*بائهم؛ لأن القيام بتبليغ الرسالة وتعليم العقيدة الص*ي*ة هو جهاد وعلم وعمل، فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال وهو يخطب: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تزال من أمتي أمَّةٌ قائمة بأمر الله، لا يضرُّهم مَن خذَلهم ولا مَن خالفهم، *تى يأتي أمرُ الله وهم على ذلك))، وفي رواية قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يُرِدِ الله به خيرًا يُفقِّهْه في الدِّين، ولا تزالُ عصابة من المسلمين يُقاتِلون على ال*قِّ، ظاهرين على مَن ناوَأهم إلى يوم القيامة))؛ أخرجه البخاري ومسلم.
وعن عِمران بن *ُصَين رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على ال*ق ظاهرين على مَن ناوأهم، *تى يقاتل آخرُهم المسي*َ الدَّجال))؛ أخرجه أبو داود.
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَزالُ طائفةٌ من أمَّتي يُقاتِلون على ال*ق، ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى، فيقول أميرُهم: تعالَ صَلِّ لنا، فيقول: لا، إِنَّ بعضَكم على بعض أمراءُ تكرمةَ الله هذه الأمة))؛ أخرجه مسلم.
كتاب: اتباع مناهج أهل السنن والآثار.. شر* سواطع الأنوار لمعرفة عقيدة سيد الأبرار