08-14-2022, 12:02 AM
*قيقة البركة وبما تنال
إن المطالب العزيزة الغالية التي يرجوها كلُّ مسلمٍ لنفسه، ويتمنَّاها في أهله وماله وولده، ويرجوها لإخوانه المسلمين - البركة.
البركة في النفس، والبركة في المال، والبركة في الأهل والولد، إنها مطلب عظيم رفيع، كلٌّ يرجو أن ت*لَّ عليه بركة يسعد بها في دنياه وأُخْراه، ويهنأ بها في معاشه ومعاده، ويوم يلقى ربَّه وسيده ومولاه، البركة مطلب عظيم ومنال رفيع، كل يرجو أن تت*قق له وتتيسر، وهنا - عباد الله - ينبغي أن نعلمَ أنَّ البركة مِنَّة الله على من شاء، فهي بيده - سب*انه وتعالى - إذ أَزِمَّة الأمور كلِّها بيده - جل وعلا -: {مَا يَفْتَ*ِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَ*ْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْ*َكِيمُ} [فاطر : 2].
البركة عطيَّة الله ومنَّته وهبته، ولهذا قال - جل وعلا - فيما ذكره عن عيسى - عليه السلام - قال: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم : 31].
البركة مِنَّة الله، ولا تُنال إلا بطاعة الله - عز وجل - واتِّباع رضاه.
البركة - عباد الله - إنما تتنزل على الإنسان ب*سب إقباله على الطاعة، وم*افظته على العبادة، وبُعده عن العِصيان؛ {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَ*ْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف : 96]. {آمَنُوا وَاتَّقَوْا} بهذين عباد الله تُنال البركة بهما ي*صِّلها العبد بإيمانه بالله، وبكل ما أمر - تعالى - عباده بالإيمان به، ويأتي في مقدمة ذلك الإيمان بأصول الإيمان العِظام: بالله وملائكته وكتبه، ورسوله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فكلَّما عَمُر القلب بالإيمان ت*قيقًا وتكميلاً وتتميمًا، تنزلت عليه البركة مَنًّا من الله وتفضُّلاً ب*سب ذلك.
الإيمان والتقوى تقوى الله - جل وعلا - بفعل الأوامر، وترْك النواهي؛ إذ تقوى الله - جل وعلا - ليست قولاً يقوله الإنسان بلسانه أو دعوى يدعيها، وإنما *قيقتها: عمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله، وترك معصية الله على نور من الله خيفة عذاب الله.
عباد الله:
عندما نتأمل في هذين الأمرين ما دلَّ عليه قوله: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 31]، وقوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَ*ْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96] نعرف *قيقة البركة، وكيف تُنال، فهي لا تنال إلا من الله، ولا ي*صلها العبد إلا مَنًّا وتفضُّلاً من الله، ولا ينالها العبد إلا بطاعة الله - جل وعلا.
عباد الله:
من أراد البركة لنفسه وأهله وبيته وماله وولده، فليُقبِل على الله - عز وجل - عابدًا مُطيعًا بذكر الله - جل وعلا - و*مده وتسبي*ه وتلاوة كلامه تُنال البركة، والصلاة - عباد الله - من أعظم ما يَنال به العبد بركة الله، وكذلك عموم الطاعات؛ صلة الأر*ام بركة للإنسان في *ياته، وبرُّه بوالديه، وإ*سانه إلى الناس كلّ ذلك من أسباب البركة ونيلها، أكل ال*لال واجتناب ال*رام من أعظم أسباب نيل البركة، تجنب الآثام، والبُعد عمَّا يسخط الله - جل وعلا - كلُّ ذلك تُنال به بركة الله، كما أن العِصيان مم*قة للبركة، فالطاعة سبب لنيلها وت*صيلها؛ قال - عليه الصلاة والسلام - عن ال*َلف في البيع: «منفقة للسلعة مم*قة للبركة»، تُمْ*َق البركة بالكذب والغش، وخداع الناس والمكر، والتدليس والتلبيس، وتُنال بالصدق والوفاء، والإ*سان و*سن المعاملة، وطيب الكلام وغير ذلك من أبواب الإ*سان. مما تنال به البركة - عباد الله - الم*افظة على التبكير؛ فالبكور بركة، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: «بورك لأُمَّتي في بكورها»، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: «لو توكلتم على الله *قَّ توكُّله، لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خِماصًا وترو* بطانًا»، فالتبكير والغُدُوُّ ومجاهدة النفس على *ُسن العمل، مع تمام التوكُّل على الله و*ُسن الاعتماد عليه، كل ذلك - عباد الله - من أسباب نَيْل البركة من الله - جلّ وعلا - ومن أعظم ذلك - عباد الله - التوجُّه إلى الله بالدُّعاء، التوجُّه إلى من بيده البركة بأن يُبارك في الأهل والمال والولد توجُّه صادق إلى من بيده مفاتي* الأمور وخزائن السماوات والأرض، التوجه إلى مَن لا يرد عبدًا دعاه، ولا يخيب مؤمنًا ناجاه، وفي الدعاء المأثور: "اللهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا، وقواتنا وأزواجنا، وأموالنا وذرياتنا، واجعلنا مباركين أينما كُنَّا".
عباد الله:
والله - جل وعلا - جعل في الأزمنة والأمكنة أزمنة مباركة وأمكنة مباركة، خصَّها - جل وعلا - بذلك وميَّزها به، ففي الأزمنة - عباد الله - رمضان شهر مبارك، وليلة القدر أبرك الليالي، وفي الأمكنة - عباد الله - المسجد ال*رام مكان مبارك، والله - جل وعلا - قال عن المسجد الأقصى: {الَّذِي بَارَكْنَا *َوْلَهُ} [الإسراء : 1].
وعموم المساجد - عباد الله - أماكن مباركة هي أ*بّ البقاع إلى الله - جل وعلا - والبركة في الأزمنة الفاضلة والأمكنة الفاضلة لا تُنال إلا بطاعة الله فيها *سبما أمر - جل وعلا - وشرع، فالأمكنة الفاضلة والأزمنة الفاضلة بركة الله - جلّ وعلا - لا تُنال فيها إلا بطاعة الله، وفِعل ما أمر - سب*انه - على ضوء شرعه وهدي رسوله المصطفى - صلى الله عليه وسلم.
عباد الله:
وعندما يغيب العلم، ويتوافر الجهل في الناس، يغيب عنهم *قيقة طلب البركة، ووسيلة نيلها، فتت*ول عند *لول الجهل وقلة العلم وعدم البصيرة بدين الله، تت*ول طلب البركة إلى نوع من الممارسات الخاطئة والأعمال الجاهلية، والممارسات الفاسدة التي يفعلها بعض الناس؛ ظنًّا منهم أنها وسيلة لاستجلاب البركة ونيلها، ولنقف هنا مع *ديث في السُّنَّة يبيِّن لنا هذه ال*قيقة ويجلِّيها، روى الترمذي في سُننه وص*َّ*ه عن أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى *ُنين ون*ن *ُديثو عهدٍ بالكفر، فمررنا على سِدرة للمشركين - أي شجرة - يعكفون عندها وينوطون بها أسل*تهم - أي يعلقون أسل*تهم - فقلنا: يا رسول الله، اجْعل لنا ذاتَ أنواط كما لهم ذاتُ أنواط، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «الله أكبر»، وفي رواية قال: «سب*ان الله، قلتم والذي نفسي بيده كما قال بنو إسرائيل لموسى» : {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف : 138]، «لتركبُنَّ سَننَ من كان قبلكم»، تأمل أيها المؤمن هذا ال*ديث العظيم، وتأمَّل العمل المنكر الذي كان عليه أهل الجاهلية في البقاع التي يتوهمون فيها بركة أو يظنون أنها مصدر ومنبع لها، فهذه سِدرة لهم ينوطون بها أسل*تهم، ويعكفون عندها، والعُكوف هو: المكثُ الطويل؛ رجاء نَيْل البركة، وكذلك تعليق الأسل*ة هو للغرض نفسه لنيل البركة من جهتها، فوقع هؤلاء في ثلاثة أخطاء جِسام في باب البركة والتبرُّك؛ الخطأ الأول: تعظيمهم لهذه السدرة تعظيمًا لا يليق إلا بالله، والخطأ الثاني: عكوفهم عندها رجاء البركة من جهتها، والخطأ الثالث: تعليق أسل*تهم بها لتنالهم بركتها، فهذه الأخطاء والممارسات تنشأ - عباد الله - عندما يكون الإنسان على جاهلية جهلاء وضلالة عمياء، ولهذا اعتذر أبو واقد الليثي - رضي الله عنه - قال: "كُنَّا *ديثي عهد بالكفر؛ أي: نجهل تفاصيل الإسلام، وأ*كامَ الشريعة، ولذا طلبنا من النبي - عليه الصلاة والسلام - ما طلبنا، أما مَن تمكَّن من التو*يد وعرف جوانبه على التمام والوفاء، وعرف أسباب الشرك ووسائله، فإنه لا يقول مثل هذا.
وبهذا عباد الله نعلم أنَّ البركة لا تُنال إلا بطاعة الله على ضوء شرع الله، وألا يذهب الإنسان مذهبًا بعيدًا، بل مذهبًا من*رفًا فاسدًا في طلبه للبركة بالتوجه إلى بقاع معينة؛ إما أن يعكف عندها، أو أن يتمسَّ* بها، أو أن يأخذ من تربتها، أو ن*و ذلك من الممارسات الجاهلية التي ليست هي سببًا لنيل البركة، بل هي سبب لِمَ*ْقها؛ لأنه شرك بالله، وأعظم ما تم*ق به البركة الشركُ بالله - جل وعلا - ولأنه أعظم الذنوب وأخطرها وأشنعها وأفظعها.
نسأل الله - جل وعلا - بأسمائه ال*ُسنى وصفاته العُلى أن يبارك لنا أجمعين في أسماعنا وأبصارنا، وقواتنا وأزواجنا وذريتنا وأموالنا، وأن يجعلنا مباركين أينما كنَّا، وأن يعيذنا - سب*انه - من أسباب م*ق البركة؛ إنه - تبارك وتعالى - سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو *سبنا ونعم الوكيل.
أما بعد:
عباد الله، اتقوا الله، فإن مَن اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، ثم اعلموا - عباد الله - أننا في هذه ال*ياة في دار ممرٍّ وعبور إلى الدَّار الآخرة إلى *يث لقاء الله - جل وعلا - فالكَيِّس - عباد الله - من دانَ نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني، وصلوا وسلموا - رعاكم الله - على م*مد بن عبدالله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأ*زاب: 56]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَن صلى عليَّ وا*دة، صلى الله عليه بها عشرًا»، اللهم صل على م*مد وعلى آل م*مد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك *ميد مجيد، وبارك على م*مد وعلى آل م*مد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك *ميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وأبي ال*سنين علي، وارضَ اللهم عن الص*ابة أجمعين وعن التابعين، ومن تبعهم بإ*سان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإ*سانك يا أكرم الأكرمين.
منقول
إن المطالب العزيزة الغالية التي يرجوها كلُّ مسلمٍ لنفسه، ويتمنَّاها في أهله وماله وولده، ويرجوها لإخوانه المسلمين - البركة.
البركة في النفس، والبركة في المال، والبركة في الأهل والولد، إنها مطلب عظيم رفيع، كلٌّ يرجو أن ت*لَّ عليه بركة يسعد بها في دنياه وأُخْراه، ويهنأ بها في معاشه ومعاده، ويوم يلقى ربَّه وسيده ومولاه، البركة مطلب عظيم ومنال رفيع، كل يرجو أن تت*قق له وتتيسر، وهنا - عباد الله - ينبغي أن نعلمَ أنَّ البركة مِنَّة الله على من شاء، فهي بيده - سب*انه وتعالى - إذ أَزِمَّة الأمور كلِّها بيده - جل وعلا -: {مَا يَفْتَ*ِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَ*ْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْ*َكِيمُ} [فاطر : 2].
البركة عطيَّة الله ومنَّته وهبته، ولهذا قال - جل وعلا - فيما ذكره عن عيسى - عليه السلام - قال: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم : 31].
البركة مِنَّة الله، ولا تُنال إلا بطاعة الله - عز وجل - واتِّباع رضاه.
البركة - عباد الله - إنما تتنزل على الإنسان ب*سب إقباله على الطاعة، وم*افظته على العبادة، وبُعده عن العِصيان؛ {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَ*ْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف : 96]. {آمَنُوا وَاتَّقَوْا} بهذين عباد الله تُنال البركة بهما ي*صِّلها العبد بإيمانه بالله، وبكل ما أمر - تعالى - عباده بالإيمان به، ويأتي في مقدمة ذلك الإيمان بأصول الإيمان العِظام: بالله وملائكته وكتبه، ورسوله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فكلَّما عَمُر القلب بالإيمان ت*قيقًا وتكميلاً وتتميمًا، تنزلت عليه البركة مَنًّا من الله وتفضُّلاً ب*سب ذلك.
الإيمان والتقوى تقوى الله - جل وعلا - بفعل الأوامر، وترْك النواهي؛ إذ تقوى الله - جل وعلا - ليست قولاً يقوله الإنسان بلسانه أو دعوى يدعيها، وإنما *قيقتها: عمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله، وترك معصية الله على نور من الله خيفة عذاب الله.
عباد الله:
عندما نتأمل في هذين الأمرين ما دلَّ عليه قوله: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 31]، وقوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَ*ْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96] نعرف *قيقة البركة، وكيف تُنال، فهي لا تنال إلا من الله، ولا ي*صلها العبد إلا مَنًّا وتفضُّلاً من الله، ولا ينالها العبد إلا بطاعة الله - جل وعلا.
عباد الله:
من أراد البركة لنفسه وأهله وبيته وماله وولده، فليُقبِل على الله - عز وجل - عابدًا مُطيعًا بذكر الله - جل وعلا - و*مده وتسبي*ه وتلاوة كلامه تُنال البركة، والصلاة - عباد الله - من أعظم ما يَنال به العبد بركة الله، وكذلك عموم الطاعات؛ صلة الأر*ام بركة للإنسان في *ياته، وبرُّه بوالديه، وإ*سانه إلى الناس كلّ ذلك من أسباب البركة ونيلها، أكل ال*لال واجتناب ال*رام من أعظم أسباب نيل البركة، تجنب الآثام، والبُعد عمَّا يسخط الله - جل وعلا - كلُّ ذلك تُنال به بركة الله، كما أن العِصيان مم*قة للبركة، فالطاعة سبب لنيلها وت*صيلها؛ قال - عليه الصلاة والسلام - عن ال*َلف في البيع: «منفقة للسلعة مم*قة للبركة»، تُمْ*َق البركة بالكذب والغش، وخداع الناس والمكر، والتدليس والتلبيس، وتُنال بالصدق والوفاء، والإ*سان و*سن المعاملة، وطيب الكلام وغير ذلك من أبواب الإ*سان. مما تنال به البركة - عباد الله - الم*افظة على التبكير؛ فالبكور بركة، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: «بورك لأُمَّتي في بكورها»، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: «لو توكلتم على الله *قَّ توكُّله، لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خِماصًا وترو* بطانًا»، فالتبكير والغُدُوُّ ومجاهدة النفس على *ُسن العمل، مع تمام التوكُّل على الله و*ُسن الاعتماد عليه، كل ذلك - عباد الله - من أسباب نَيْل البركة من الله - جلّ وعلا - ومن أعظم ذلك - عباد الله - التوجُّه إلى الله بالدُّعاء، التوجُّه إلى من بيده البركة بأن يُبارك في الأهل والمال والولد توجُّه صادق إلى من بيده مفاتي* الأمور وخزائن السماوات والأرض، التوجه إلى مَن لا يرد عبدًا دعاه، ولا يخيب مؤمنًا ناجاه، وفي الدعاء المأثور: "اللهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا، وقواتنا وأزواجنا، وأموالنا وذرياتنا، واجعلنا مباركين أينما كُنَّا".
عباد الله:
والله - جل وعلا - جعل في الأزمنة والأمكنة أزمنة مباركة وأمكنة مباركة، خصَّها - جل وعلا - بذلك وميَّزها به، ففي الأزمنة - عباد الله - رمضان شهر مبارك، وليلة القدر أبرك الليالي، وفي الأمكنة - عباد الله - المسجد ال*رام مكان مبارك، والله - جل وعلا - قال عن المسجد الأقصى: {الَّذِي بَارَكْنَا *َوْلَهُ} [الإسراء : 1].
وعموم المساجد - عباد الله - أماكن مباركة هي أ*بّ البقاع إلى الله - جل وعلا - والبركة في الأزمنة الفاضلة والأمكنة الفاضلة لا تُنال إلا بطاعة الله فيها *سبما أمر - جل وعلا - وشرع، فالأمكنة الفاضلة والأزمنة الفاضلة بركة الله - جلّ وعلا - لا تُنال فيها إلا بطاعة الله، وفِعل ما أمر - سب*انه - على ضوء شرعه وهدي رسوله المصطفى - صلى الله عليه وسلم.
عباد الله:
وعندما يغيب العلم، ويتوافر الجهل في الناس، يغيب عنهم *قيقة طلب البركة، ووسيلة نيلها، فتت*ول عند *لول الجهل وقلة العلم وعدم البصيرة بدين الله، تت*ول طلب البركة إلى نوع من الممارسات الخاطئة والأعمال الجاهلية، والممارسات الفاسدة التي يفعلها بعض الناس؛ ظنًّا منهم أنها وسيلة لاستجلاب البركة ونيلها، ولنقف هنا مع *ديث في السُّنَّة يبيِّن لنا هذه ال*قيقة ويجلِّيها، روى الترمذي في سُننه وص*َّ*ه عن أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى *ُنين ون*ن *ُديثو عهدٍ بالكفر، فمررنا على سِدرة للمشركين - أي شجرة - يعكفون عندها وينوطون بها أسل*تهم - أي يعلقون أسل*تهم - فقلنا: يا رسول الله، اجْعل لنا ذاتَ أنواط كما لهم ذاتُ أنواط، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «الله أكبر»، وفي رواية قال: «سب*ان الله، قلتم والذي نفسي بيده كما قال بنو إسرائيل لموسى» : {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف : 138]، «لتركبُنَّ سَننَ من كان قبلكم»، تأمل أيها المؤمن هذا ال*ديث العظيم، وتأمَّل العمل المنكر الذي كان عليه أهل الجاهلية في البقاع التي يتوهمون فيها بركة أو يظنون أنها مصدر ومنبع لها، فهذه سِدرة لهم ينوطون بها أسل*تهم، ويعكفون عندها، والعُكوف هو: المكثُ الطويل؛ رجاء نَيْل البركة، وكذلك تعليق الأسل*ة هو للغرض نفسه لنيل البركة من جهتها، فوقع هؤلاء في ثلاثة أخطاء جِسام في باب البركة والتبرُّك؛ الخطأ الأول: تعظيمهم لهذه السدرة تعظيمًا لا يليق إلا بالله، والخطأ الثاني: عكوفهم عندها رجاء البركة من جهتها، والخطأ الثالث: تعليق أسل*تهم بها لتنالهم بركتها، فهذه الأخطاء والممارسات تنشأ - عباد الله - عندما يكون الإنسان على جاهلية جهلاء وضلالة عمياء، ولهذا اعتذر أبو واقد الليثي - رضي الله عنه - قال: "كُنَّا *ديثي عهد بالكفر؛ أي: نجهل تفاصيل الإسلام، وأ*كامَ الشريعة، ولذا طلبنا من النبي - عليه الصلاة والسلام - ما طلبنا، أما مَن تمكَّن من التو*يد وعرف جوانبه على التمام والوفاء، وعرف أسباب الشرك ووسائله، فإنه لا يقول مثل هذا.
وبهذا عباد الله نعلم أنَّ البركة لا تُنال إلا بطاعة الله على ضوء شرع الله، وألا يذهب الإنسان مذهبًا بعيدًا، بل مذهبًا من*رفًا فاسدًا في طلبه للبركة بالتوجه إلى بقاع معينة؛ إما أن يعكف عندها، أو أن يتمسَّ* بها، أو أن يأخذ من تربتها، أو ن*و ذلك من الممارسات الجاهلية التي ليست هي سببًا لنيل البركة، بل هي سبب لِمَ*ْقها؛ لأنه شرك بالله، وأعظم ما تم*ق به البركة الشركُ بالله - جل وعلا - ولأنه أعظم الذنوب وأخطرها وأشنعها وأفظعها.
نسأل الله - جل وعلا - بأسمائه ال*ُسنى وصفاته العُلى أن يبارك لنا أجمعين في أسماعنا وأبصارنا، وقواتنا وأزواجنا وذريتنا وأموالنا، وأن يجعلنا مباركين أينما كنَّا، وأن يعيذنا - سب*انه - من أسباب م*ق البركة؛ إنه - تبارك وتعالى - سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو *سبنا ونعم الوكيل.
أما بعد:
عباد الله، اتقوا الله، فإن مَن اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، ثم اعلموا - عباد الله - أننا في هذه ال*ياة في دار ممرٍّ وعبور إلى الدَّار الآخرة إلى *يث لقاء الله - جل وعلا - فالكَيِّس - عباد الله - من دانَ نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني، وصلوا وسلموا - رعاكم الله - على م*مد بن عبدالله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأ*زاب: 56]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَن صلى عليَّ وا*دة، صلى الله عليه بها عشرًا»، اللهم صل على م*مد وعلى آل م*مد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك *ميد مجيد، وبارك على م*مد وعلى آل م*مد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك *ميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وأبي ال*سنين علي، وارضَ اللهم عن الص*ابة أجمعين وعن التابعين، ومن تبعهم بإ*سان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإ*سانك يا أكرم الأكرمين.
منقول