فريق منتدى الدي في دي العربي
08-14-2022, 06:07 PM
{قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُون}
- أمر من الله -عز وجل- إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يخبر المنافقين، مهددا متوعدا صادقا، ومع ذلك بقي بعضهم على النفاق.
- هذا من أعجب الأمور، فئة من الناس يظنون أنهم مستترون والله -عز وجل- فاضحهم، وفي أنفسهم يعلمون أنهم هم المعنيون بهذه الآية وغيرها من الآيات البينات التي نزلت من السماء، وقرأها الرسول -[-، ويرددها المسلمون إلى يوم القيامة، كيف لم يتوبوا؟ ولماذا لم يؤوبوا؟ يعلمون أن الله قال فيهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (النساء: 145). {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (المنافقون:1). {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء:138). {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} (النساء:142-143).
{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ} (التوبة).
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُون َ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (المنافقون). {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} (التوبة).
في تفسير هذه الآيات ورد ما يلي:
قال السدي: قال بعض المنافقين والله وددت لو أني قدمت فجلدت مائة، ولا ينزل فينا شيء يفضحنا! فنزلت الآية. (يحذر) أي تحرز.
ومعنى (عليهم) أي على المؤمنين (سورة) في شأن المنافقين، تخبرهم بمخازيهم ومساويهم ومثالبهم؛ ولهذا سميت الفاضحة والمثيرة والمبعثرة، والأولى أن يكون الضمير (عليهم) للمنافقين، أي: في شأنهم، تنبئهم أي: المنافقين بما في قلوبهم مما يسرونه فضلا عما يظهرونه، وهم وإن كانوا عالمين بما في قلوبهم فالمراد من إنباء السورة لهم: إطلاعهم على أن المؤمنين قد علموا بما في قلوبهم، وقال الحسن: كان المسلمون يسمون هذه السورة الحفارة؛ لأنها حفرت ما في قلوب المنافقين فأظهرته.
قوله -تعالى-: (قل استهزئوا) هذا أمر ووعيد ووتهديد. (إن الله مخرج) أي مظهر (ما تحذرون) ظهوره، قال ابن عباس: أنزل الله أسماء المنافقين، وكانوا سبعين رجلا، ثم نسخ تلك الأسماء من القرآن رأفة منه ورحمة؛ لأن أولادهم كانوا مسلمين، والناس يعير بعضهم بعضا؛ فعلى هذا قد أنجز الله وعده بإظهار ذلك؛ إذ قال: {إن الله مخرج ما تحذرون}، وقيل: إخراج الله أنه عرف نبيه - صلى الله عليه وسلم - أحوالهم وأسماءهم لا أنها نزلت في القرآن، وقد قال الله -تعالى-: {ولتعرفنهم في لحن القول} {محمد: 30)، وكان من المنافقين من يتردد ولا يقطع بتكذيب محمد -[- ولا بصدقه، وكان فيهم من يعرف صدقه ويعاند. {قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُون} هو أمر تهديد، أي: افعلوا الاستهزاء إن الله مخرج ما تحذرون من ظهوره؛ حتى يطلع عليه المؤمنون، إما بإنزال سورة أو بإخبار رسوله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، أو نحو ذلك.
ثم قال: (لا تعتذروا) نهيا لهم عن الاشتغال بالاعتذارات الباطلة؛ فإن ذلك غير مقبول منهم. كان المنافقون إذا سئلوا عن حديث يجري بينهم يُسترابُ منهم أجابوا بأنه خوض ولعب، يريدون أنه استجمام للراحة بين أتعاب السفر لما يحتاجه الكاد عملا شاقا من الراحة بالمزح واللعب.
ولما كان اللعب يشمل الاستهزاء بالآخر جاء الجواب عن اعتذارهم بقوله: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }، فلما كان اعتذارهم مبهما رُد عليهم ذلك؛ إذ أمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم - أن يجيبهم جواب الموقن بحالهم بعد أن أعلمه بما سيعتذرون به؛ فقال لهم {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } فأعلمهم بأن لعبهم الذي اعترفوا به ما كان إلا استهزاء بالله وآياته ورسوله لا بغير أولئك، والاستهزاء بالله وبآياته إلزام لهم؛ لأنهم استهزؤوا برسوله وبدينه، فلزمهم الاستهزاء بالذي أرسله بآيات صدقه.
وفي تفسير ابن عاشور: لما كان قولهم: {إنما كنا نخوض ونلعب} (التوبة:65) اعتذارا عن مناجاتهم، أي إظهارا للعذر الذي تناجوا من أجله، وأنه ما يحتاجه المتعب: من الارتياح إلى المزح والحديث في غير الجد، فلما كشف الله أمر استهزائهم، أردفه بإظهار قلة جدوى اعتذارهم؛ إذ قد تلبسوا بما هو أشنع وأكبر مما اعتذروا عنه، وهو التباسهم بالكفر بعد إظهار الإيمان؛ فإن الله لما أظهر نفاقهم، كان ما يصدر عنهم من الاستهزاء أهون؛ فجملة (لا تعتذروا) من جملة القول الذي أمر الرسول أن يقوله، وهي ارتقاء في توبيخهم، فهي متضمنة توكيدا لمضمون جملة {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }، مع زيادة ارتقاء في التوبيخ وارتقاء في مثالبهم بأنهم تلبسوا بما هو أشد وهو الكفر؛ فلذلك قطعت الجملة عن التي قبلها، على أن شأن الجمل الواقعة في مقام التوبيخ أن تقطع ولا تعطف؛ لأن التوبيخ يقتضي التعداد، فتقع الجمل الموبخ بها موقع الأعداد المحسوبة نحو واحد، اثنان، فالمعنى لا حاجة بكم للاعتذار عن التناجي فإنكم قد عرفتم بما هو أعظم وأشنع.
{إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}، جاءت هذه الجملة على عادة القرآن في تعقيب النذارة بالتبشير للراغب في التوبة تذكيرا له بإمكان تدارك حاله.
ولما كان حال المنافقين عجيبا كانت البشارة لهم مخلوطة ببقية النذارة، فأنبأهم أن طائفة منهم قد يعفى عنها إذا طلبت سبب العفو: بإخلاص الإيمان، وأن طائفة تبقى في حال العذاب، والمقام دال على أن ذلك لا يكون عبثا ولا ترجيحا دون مرجح، فما هو إلا طائفة مرجوة الإيمان، فيغفر عما قدمته من النفاق، وأخرى تصر على النفاق حتى الموت، فتصير إلى العذاب.
وقد آمن بعض المنافقين بعد نزول هذه الآية، وذكر المفسرون من هذه الطائفة مخشيا بن حمير الأشجعي لما سمع هذه الآية تاب من النفاق، وحسن إسلامه، فعد من الصحابة، وقد جاهد يوم اليمامة واستشهد فيه.
د. أمير الحداد
- أمر من الله -عز وجل- إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يخبر المنافقين، مهددا متوعدا صادقا، ومع ذلك بقي بعضهم على النفاق.
- هذا من أعجب الأمور، فئة من الناس يظنون أنهم مستترون والله -عز وجل- فاضحهم، وفي أنفسهم يعلمون أنهم هم المعنيون بهذه الآية وغيرها من الآيات البينات التي نزلت من السماء، وقرأها الرسول -[-، ويرددها المسلمون إلى يوم القيامة، كيف لم يتوبوا؟ ولماذا لم يؤوبوا؟ يعلمون أن الله قال فيهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (النساء: 145). {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (المنافقون:1). {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء:138). {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} (النساء:142-143).
{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ} (التوبة).
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُون َ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (المنافقون). {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} (التوبة).
في تفسير هذه الآيات ورد ما يلي:
قال السدي: قال بعض المنافقين والله وددت لو أني قدمت فجلدت مائة، ولا ينزل فينا شيء يفضحنا! فنزلت الآية. (يحذر) أي تحرز.
ومعنى (عليهم) أي على المؤمنين (سورة) في شأن المنافقين، تخبرهم بمخازيهم ومساويهم ومثالبهم؛ ولهذا سميت الفاضحة والمثيرة والمبعثرة، والأولى أن يكون الضمير (عليهم) للمنافقين، أي: في شأنهم، تنبئهم أي: المنافقين بما في قلوبهم مما يسرونه فضلا عما يظهرونه، وهم وإن كانوا عالمين بما في قلوبهم فالمراد من إنباء السورة لهم: إطلاعهم على أن المؤمنين قد علموا بما في قلوبهم، وقال الحسن: كان المسلمون يسمون هذه السورة الحفارة؛ لأنها حفرت ما في قلوب المنافقين فأظهرته.
قوله -تعالى-: (قل استهزئوا) هذا أمر ووعيد ووتهديد. (إن الله مخرج) أي مظهر (ما تحذرون) ظهوره، قال ابن عباس: أنزل الله أسماء المنافقين، وكانوا سبعين رجلا، ثم نسخ تلك الأسماء من القرآن رأفة منه ورحمة؛ لأن أولادهم كانوا مسلمين، والناس يعير بعضهم بعضا؛ فعلى هذا قد أنجز الله وعده بإظهار ذلك؛ إذ قال: {إن الله مخرج ما تحذرون}، وقيل: إخراج الله أنه عرف نبيه - صلى الله عليه وسلم - أحوالهم وأسماءهم لا أنها نزلت في القرآن، وقد قال الله -تعالى-: {ولتعرفنهم في لحن القول} {محمد: 30)، وكان من المنافقين من يتردد ولا يقطع بتكذيب محمد -[- ولا بصدقه، وكان فيهم من يعرف صدقه ويعاند. {قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُون} هو أمر تهديد، أي: افعلوا الاستهزاء إن الله مخرج ما تحذرون من ظهوره؛ حتى يطلع عليه المؤمنون، إما بإنزال سورة أو بإخبار رسوله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، أو نحو ذلك.
ثم قال: (لا تعتذروا) نهيا لهم عن الاشتغال بالاعتذارات الباطلة؛ فإن ذلك غير مقبول منهم. كان المنافقون إذا سئلوا عن حديث يجري بينهم يُسترابُ منهم أجابوا بأنه خوض ولعب، يريدون أنه استجمام للراحة بين أتعاب السفر لما يحتاجه الكاد عملا شاقا من الراحة بالمزح واللعب.
ولما كان اللعب يشمل الاستهزاء بالآخر جاء الجواب عن اعتذارهم بقوله: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }، فلما كان اعتذارهم مبهما رُد عليهم ذلك؛ إذ أمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم - أن يجيبهم جواب الموقن بحالهم بعد أن أعلمه بما سيعتذرون به؛ فقال لهم {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } فأعلمهم بأن لعبهم الذي اعترفوا به ما كان إلا استهزاء بالله وآياته ورسوله لا بغير أولئك، والاستهزاء بالله وبآياته إلزام لهم؛ لأنهم استهزؤوا برسوله وبدينه، فلزمهم الاستهزاء بالذي أرسله بآيات صدقه.
وفي تفسير ابن عاشور: لما كان قولهم: {إنما كنا نخوض ونلعب} (التوبة:65) اعتذارا عن مناجاتهم، أي إظهارا للعذر الذي تناجوا من أجله، وأنه ما يحتاجه المتعب: من الارتياح إلى المزح والحديث في غير الجد، فلما كشف الله أمر استهزائهم، أردفه بإظهار قلة جدوى اعتذارهم؛ إذ قد تلبسوا بما هو أشنع وأكبر مما اعتذروا عنه، وهو التباسهم بالكفر بعد إظهار الإيمان؛ فإن الله لما أظهر نفاقهم، كان ما يصدر عنهم من الاستهزاء أهون؛ فجملة (لا تعتذروا) من جملة القول الذي أمر الرسول أن يقوله، وهي ارتقاء في توبيخهم، فهي متضمنة توكيدا لمضمون جملة {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }، مع زيادة ارتقاء في التوبيخ وارتقاء في مثالبهم بأنهم تلبسوا بما هو أشد وهو الكفر؛ فلذلك قطعت الجملة عن التي قبلها، على أن شأن الجمل الواقعة في مقام التوبيخ أن تقطع ولا تعطف؛ لأن التوبيخ يقتضي التعداد، فتقع الجمل الموبخ بها موقع الأعداد المحسوبة نحو واحد، اثنان، فالمعنى لا حاجة بكم للاعتذار عن التناجي فإنكم قد عرفتم بما هو أعظم وأشنع.
{إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}، جاءت هذه الجملة على عادة القرآن في تعقيب النذارة بالتبشير للراغب في التوبة تذكيرا له بإمكان تدارك حاله.
ولما كان حال المنافقين عجيبا كانت البشارة لهم مخلوطة ببقية النذارة، فأنبأهم أن طائفة منهم قد يعفى عنها إذا طلبت سبب العفو: بإخلاص الإيمان، وأن طائفة تبقى في حال العذاب، والمقام دال على أن ذلك لا يكون عبثا ولا ترجيحا دون مرجح، فما هو إلا طائفة مرجوة الإيمان، فيغفر عما قدمته من النفاق، وأخرى تصر على النفاق حتى الموت، فتصير إلى العذاب.
وقد آمن بعض المنافقين بعد نزول هذه الآية، وذكر المفسرون من هذه الطائفة مخشيا بن حمير الأشجعي لما سمع هذه الآية تاب من النفاق، وحسن إسلامه، فعد من الصحابة، وقد جاهد يوم اليمامة واستشهد فيه.
د. أمير الحداد