فريق منتدى الدي في دي العربي
09-06-2022, 02:25 PM
من سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فسنن الله جل وعلا في عباده: نوعان, سنن كونية, وسنن شرعية.
والسنن الكونية لا تتبدل, ولا تتغير في السلف والخلف. فهي جارية مع الأسباب المقتضية لها, قال الله جل وعلا: {ولن تجد لسنة الله تبديلا}قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: أي تغييراً, بل سنته تعالى وعادته جارية مع الأسباب المقتضية لمسبباتها. وقال العلامة العثيمين رحمه الله: اقرأ التاريخ يتبيَّن لك ما قدره الله على العباد، وأن سنة الله سبحانه وتعالى في السابقين ستكون في اللاحقين.
سنن الله جل وعلا كثيرة, ذكر أهل العلم أمثلة لها, ومن ذلك:
أهل الحق في جنب أهل الباطل قليل:
قال الإمام الشاطبي رحمه الله: سنة الله في الخلق أن أهل الحق في جنب أهل الباطل قليل, لقوله تعالى: { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف:103] وقوله تعالى: {وقليلُ من عبادي الشكور} [سبأ:13]"
فلا ينبغي أن يستوحش المؤمن ما دام أنه على الحق, قال أحد السلف: عليك بطريق الحق, ولا تستوحش لقلة السالكين, وإياك وطريق الباطل, ولا تغتر بكثرة الهالكين.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وكلما استوحشت في تفردك فانظر إلى الرفيق السابق, واحرص على اللحاق بهم, وغُضَّ الطرف عمن سواهم فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً, وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلفت إليهم, فإنك متى التفت إليهم أخذوك أو عاقوك.
الابتلاء لمن قام بدين الله ليتميز الصادق من الكاذب:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: سنته الجارية التي لا تتغير ولا تتبدل أن من قام بدينه وشرعه لا بد أن يبتليه, فإن صبر على أمر الله, ولم يبال بالمكاره الواقعة في سبيله, فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها, ومن السيادة آلتها.
وقال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: سنة الله في خلقه أنه يبتلي عباده ليتميز المؤمن الصادق من المنافق { أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون} [التوبة:16] { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب } [آل عمران:179]
رفع العبد الذي صبر على أذى الناس لمرضاة الله:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الإنسان,.....مدني بالطبع، لا يمكنه أن يعيش وحده, بل لا يعيش إلا معهم, وله ولهم لذاذات, ومطالب متضادة ومتعارضة, لا يمكن الجمع بينها...فإن صبر على ألم مخالفتهم ومجانبتهم, أعقبه ذلك لذة عاجلة, وآجلة, تزيد على لذة الموافقة بأضعاف مضاعفة، وسنة الله في خلقه أن يرفعه عليهم ويذلهم له، بحسب صبره وتقواه وتوكله وإخلاصه، وإذا كان لا بد من الألم والعذاب، فذلك في الله وفي مرضاته, ومتابعة رسله, أولى وأنفع منه في الناس, ورضائهم, وتحصيل مراداتهم, فإذا تصور العبد أجل ذلك البلاء وانقطاعه, وأجل لقاء المبتلي سبحانه هان عليه ما هو فيه.
أن للباطل جولة, ثم يزول ويضمحل:
قال العلامة السعدي رحمه الله: من حكمته ورحمته وسنته الجارية أنه يمحو الباطل ويزيله وإن كان له صولة في بعض الأوقات فإن عاقبته الاضمحلال وقال الحافظ ابن الحوزي رحمه الله: للباطل جولة وللحق صولة
وقال الله عز وجل: {كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال} [الرعد:17] قال الإمام القرطبي رحمه الله: قيل: إن المثلين ضربهما الله للحق في ثباته, والباطل في اضمحلاله, فالباطل وإن علا في بعض الأحوال فإنه يضمحل كاضمحلال الزبد والخبث.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله: وهذان مثلان ضربهما الله سبحانه للحق والباطل, يقول: إن الباطل وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه, فإن الله سبحانه سيمحقه ويبطله, ويجعل العاقبة للحق وأهله.
ومن الأمثلة لذلك ما جرى لكتب ومؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وكتب ومؤلفات خصومه, قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: هذا المثل العظيم ينطبق على شيخ الإسلام ابن تيمية مع خصومه, فإنهم حاولوا الظهور عليه واستعدوا عليه السلطة في وقته, وضايقوه, وكتبوا ما كتبوا من التلبيس والتدليس ضده, ولكن سرعان ما نسف الحق الذي معه ما روجوه من الباطل وبقي علمه النافع في كتبه التي صار المسلمون _ ولله الحمد _ يتسابقون إلى نشرها وإحيائها, وعفا الزمن على كتب خصومه, ونسيها الناس, فأصبحت في زوايا الإهمال والامتهان, وهذه سنة الله في خلقه, ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
إمهال العصاة وعدم معاجلتهم بالعقوبة ليتوبوا من ذنوبهم:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: سنته في الأولين والآخرين أن لا يعاجلهم بالعقاب, بل يستدعيهم إلى التوبة والإنابة, فإن تابوا وأنابوا غفر لهم ورحمهم, وأزال عنهم العقاب, فإن استمروا على ظلمهم وعنادهم, وجاء الوقت الذي جعله موعداً لهم أنزل بهم بأسه.
فمن سنة الله جل وعلا في عباده الإمهال, لكي يتعظوا بالأحداث, ويقلعوا عما هم عليه من معاص وموبقات, فينبغي المبادرة إلى التوبة والإنابة إلى الله من جميع الذنوب: من كفر ونفاق وعصيان, فعندما ينزل العذاب, فسنته سبحانه وتعالى أنه لا ينفع إيمان من آمن عند ذلك, قال الله جل وعلا: {فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون} [غافر:85]
وهذا فرعون لما أدركه الغرق آمن, فلم ينفعه ذلك. قال الله عز وجل: { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين * آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين * فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون} [يونس:90_92] فينبغي عدم الغفلة عن سنن الله, والعبد ما دام في زمن الإمكان فيمكنه تدارك نفسه بالتوبة قبل نزول العقوبة والعذاب.
التنكيد على العبد الذي قدم محبة ما يهواه على محبة الله عز وجل:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ما أكثر ما يُقدم العبد ما يحبه هو ويهواه أو يحبه كبيره أو شيخه أو أهله على ما يحبه الله تعالى, فهذا لم تتقدم محبة الله تعالى في قلبه جميع المحاب. وسنة الله تعالى فيمن هذا شأنه أن يُنكد عليه محابه ويُنغصها عليه, فلا ينال شيئاً منها إلا بنكد وتنغيص, جزاءً له على إيثاره هواه وهوى من يعظمه من الخلق أو يحبه على محبة الله تعالى...قد قضى الله عز وجل قضاءً لا يُردّ ولا يُدفع, أن من أحب شيئاً سواه عذبه به ولا بد, وأن من خاف غيره سلطه عليه, وأن من اشتغل بشيء غيره كان شؤماً عليه, ومن آثر غيره لم يُبارك له فيه, ومن أرضى غيره بسخطه أسخطه عليه ولا بد.
نزول العقوبة والعذاب بالمخالفين إذا لم يتوبوا:
قال الله سبحانه وتعالى: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا * سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا} [الأحزاب:60_62] قال العلامة العثيمين رحمه الله: سُنة الله تعالى الكونية لن تجد لها تبديلاً,...في إنزال العقوبة بمن يستحقُّها, وإن كانت هذه العُقوبةُ قد تختلف, لكن لا بُدّ للمُخالفين من عُقوبة, والله تعالى أعلم.
وقال العلامة السعدي رحمه الله: سنة الله في الأولين التي لا تتبدل ولا تتغير: أن كلّ من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد أن تحلّ به نقمته وتسلب عنه نعمته. {سنة الله في الذين خلوا من قبل } فمن تمادى في العصيان, وتجرأ على الأذى, ولم ينته منه, فإنه يعاقب عقوبة بليغة.
من آثر الألم العاجل على الوصال المحرم أعقبه الله المسرة التامة:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قد جرت سنة الله تعالى في خلقه: ن من آثر الألم العاجل على الوصال الحرام, أعقبه الله ذلك في الدنيا المسرة التامة, وإن هلك فالفوز العظيم, والله تعالى لا يضيع ما يتحمل عبدها من لأجله.
العامل بما جاء في القرآن الكريم يحصل له عزُّ الدنيا وسعادة الآخرة:
قال الله جل جلاله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [الأنعام: 92]، قال الإمام الرازي رحمه الله في تفسير هذه الآية: ثم قد جرتْ سنةُ الله تعالى بأن الباحث عنه والمتمسِّك به، يحصُل له عزُّ الدنيا وسعادة الآخرة.
من ترك الكتاب والسنة فإنه يُبتلى بالاختلاف والضلال وعدم الاستقرار:
قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: وهذه سنة الله عز وجل أن من ترك الكتاب والسنة فإنه يُبتلى بالاختلاف, ويُبتلى بالضلال, ويُبتلى بالقلق وعدم الاستقرار, تجدهم مضطربين في عقائدهم وفي أقوالهم, تجدهم يحشون الكتاب من كتبهم من أوله إلى آخره بالجدليات لا تجد فيه آية من كتاب الله, ولا حديثاً من سنة رسول الله, وإنما هو قالوا وقلنا, فإن قالوا كذا قلنا كذا, وهكذا جدل كله من أوله إلى أخره, تجد الاختلاف بينهم مستشرياً.
أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاة الله أن يسخط عليه من آثر رضاه:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قد جرت سنة الله – التي لا تبديل لها – أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاته: أن يسخط عليه من آثر رضاه, ويخذله من جهته, ويجعل محنته على يديه, فيعود حامده ذاماً, ..فلا على مقصوده منهم حصل, ولا إلى ثواب مرضاة ربه وصل, وهذا أعجز الخلق وأحمقهم.
نيل المطالب العالية والدرجات الرفيعة لا يكون إلا بمشقة:
قال العلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله: سُنة الله عز وجل في المطالب العالية والدرجات الرفيعة: أن يكون في نيلها مشقّةً ليتم الابتلاء ويستحق البالغ إلى تلك الدرجة شرفها وثوابها قال الله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّ كُمْ حَتَّى? نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31]
نزول العقوبة عند ظهور الزنا:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وفي ذكر هذه الكبيرة بخصوصها عقيب صلاة الكسوف سرّ بديع لمن تأمله, وظهور الزنا من أمارات خراب العالم, وهو من أشراط الساعة, وقد جرت سنة الله في خلقه أنه عند ظهور الزنا يغضب الله سبحانه, ويشتد غضبه, فلا بد أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبة.
ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين} [الأعراف:175] أن رجلاً يُقال له بلعام, كان مجاب الدعوة, وإن موسى أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام, فرعب الناس رعباً شديداً, فأتوا بلعام, فقالوا: ادع الله على هذا الرجل وجيشه, قال: حتى أؤامر ربي, فآمر في الدعاء عليهم, فقيل له: لا تدع عليهم فإنهم عبادي وفيهم نبيهم, فقال لقومه: إني قد آمرت ربي في الدعاء عليهم, وإني قد نهيت
ثم ذكر الحافظ ابن كثير أنه قال لقومه: سأدلكم على أمر عسى أن يكون فيه هلاكهم, إن الله يبغض الزنا, وإنهم إن وقعوا في الزنا هلكوا, ورجوت الله أن يهلكهم فأخرجوا النساء تستقبلهم...فعسى أن يزنوا فيهلكوا, ففعلوا فأخرجوا النساء تستقبلهم ووقعوا في الزنا...فسلط الله عليهم الطاعون, فمات منهم سبعون ألفاً.
نجاة من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر عند نزول العقوبة والعذاب:
قال الله عز وجل: {وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون * فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} [الأعراف:164_165] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: فنصّ على نجاة الناهين. وقال العلامة السعدي رحمه الله: سنة الله....أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.
وقال الله جل وعلا: ? {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } ? [الأنفال:25] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: عن ابن عباس في تفسير هذه الآية أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب." وهذا تفسير حسن جداً.
وختاماً فقد ذكر ذلك الفريق العلمي الذي أعدّ: "المختصر في التفسير" عند سياقهم للفوائد من بعض آيات القرآن الكريم أن من سنن الله تعالى:
& أن يدفع شر بعض الخلق وفسادهم في الأرض ببعضهم.
& أن يولي كل ظالم ظالماً مثله يدفعه إلى الشر ويحثه عليه ويزهده في الخير وينفره عنه
& لا يهلك قرية من القرى إذا كان أهلها مصلحين في الأرض.
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فسنن الله جل وعلا في عباده: نوعان, سنن كونية, وسنن شرعية.
والسنن الكونية لا تتبدل, ولا تتغير في السلف والخلف. فهي جارية مع الأسباب المقتضية لها, قال الله جل وعلا: {ولن تجد لسنة الله تبديلا}قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: أي تغييراً, بل سنته تعالى وعادته جارية مع الأسباب المقتضية لمسبباتها. وقال العلامة العثيمين رحمه الله: اقرأ التاريخ يتبيَّن لك ما قدره الله على العباد، وأن سنة الله سبحانه وتعالى في السابقين ستكون في اللاحقين.
سنن الله جل وعلا كثيرة, ذكر أهل العلم أمثلة لها, ومن ذلك:
أهل الحق في جنب أهل الباطل قليل:
قال الإمام الشاطبي رحمه الله: سنة الله في الخلق أن أهل الحق في جنب أهل الباطل قليل, لقوله تعالى: { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف:103] وقوله تعالى: {وقليلُ من عبادي الشكور} [سبأ:13]"
فلا ينبغي أن يستوحش المؤمن ما دام أنه على الحق, قال أحد السلف: عليك بطريق الحق, ولا تستوحش لقلة السالكين, وإياك وطريق الباطل, ولا تغتر بكثرة الهالكين.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وكلما استوحشت في تفردك فانظر إلى الرفيق السابق, واحرص على اللحاق بهم, وغُضَّ الطرف عمن سواهم فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً, وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلفت إليهم, فإنك متى التفت إليهم أخذوك أو عاقوك.
الابتلاء لمن قام بدين الله ليتميز الصادق من الكاذب:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: سنته الجارية التي لا تتغير ولا تتبدل أن من قام بدينه وشرعه لا بد أن يبتليه, فإن صبر على أمر الله, ولم يبال بالمكاره الواقعة في سبيله, فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها, ومن السيادة آلتها.
وقال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: سنة الله في خلقه أنه يبتلي عباده ليتميز المؤمن الصادق من المنافق { أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون} [التوبة:16] { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب } [آل عمران:179]
رفع العبد الذي صبر على أذى الناس لمرضاة الله:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الإنسان,.....مدني بالطبع، لا يمكنه أن يعيش وحده, بل لا يعيش إلا معهم, وله ولهم لذاذات, ومطالب متضادة ومتعارضة, لا يمكن الجمع بينها...فإن صبر على ألم مخالفتهم ومجانبتهم, أعقبه ذلك لذة عاجلة, وآجلة, تزيد على لذة الموافقة بأضعاف مضاعفة، وسنة الله في خلقه أن يرفعه عليهم ويذلهم له، بحسب صبره وتقواه وتوكله وإخلاصه، وإذا كان لا بد من الألم والعذاب، فذلك في الله وفي مرضاته, ومتابعة رسله, أولى وأنفع منه في الناس, ورضائهم, وتحصيل مراداتهم, فإذا تصور العبد أجل ذلك البلاء وانقطاعه, وأجل لقاء المبتلي سبحانه هان عليه ما هو فيه.
أن للباطل جولة, ثم يزول ويضمحل:
قال العلامة السعدي رحمه الله: من حكمته ورحمته وسنته الجارية أنه يمحو الباطل ويزيله وإن كان له صولة في بعض الأوقات فإن عاقبته الاضمحلال وقال الحافظ ابن الحوزي رحمه الله: للباطل جولة وللحق صولة
وقال الله عز وجل: {كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال} [الرعد:17] قال الإمام القرطبي رحمه الله: قيل: إن المثلين ضربهما الله للحق في ثباته, والباطل في اضمحلاله, فالباطل وإن علا في بعض الأحوال فإنه يضمحل كاضمحلال الزبد والخبث.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله: وهذان مثلان ضربهما الله سبحانه للحق والباطل, يقول: إن الباطل وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه, فإن الله سبحانه سيمحقه ويبطله, ويجعل العاقبة للحق وأهله.
ومن الأمثلة لذلك ما جرى لكتب ومؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وكتب ومؤلفات خصومه, قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: هذا المثل العظيم ينطبق على شيخ الإسلام ابن تيمية مع خصومه, فإنهم حاولوا الظهور عليه واستعدوا عليه السلطة في وقته, وضايقوه, وكتبوا ما كتبوا من التلبيس والتدليس ضده, ولكن سرعان ما نسف الحق الذي معه ما روجوه من الباطل وبقي علمه النافع في كتبه التي صار المسلمون _ ولله الحمد _ يتسابقون إلى نشرها وإحيائها, وعفا الزمن على كتب خصومه, ونسيها الناس, فأصبحت في زوايا الإهمال والامتهان, وهذه سنة الله في خلقه, ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
إمهال العصاة وعدم معاجلتهم بالعقوبة ليتوبوا من ذنوبهم:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: سنته في الأولين والآخرين أن لا يعاجلهم بالعقاب, بل يستدعيهم إلى التوبة والإنابة, فإن تابوا وأنابوا غفر لهم ورحمهم, وأزال عنهم العقاب, فإن استمروا على ظلمهم وعنادهم, وجاء الوقت الذي جعله موعداً لهم أنزل بهم بأسه.
فمن سنة الله جل وعلا في عباده الإمهال, لكي يتعظوا بالأحداث, ويقلعوا عما هم عليه من معاص وموبقات, فينبغي المبادرة إلى التوبة والإنابة إلى الله من جميع الذنوب: من كفر ونفاق وعصيان, فعندما ينزل العذاب, فسنته سبحانه وتعالى أنه لا ينفع إيمان من آمن عند ذلك, قال الله جل وعلا: {فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون} [غافر:85]
وهذا فرعون لما أدركه الغرق آمن, فلم ينفعه ذلك. قال الله عز وجل: { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين * آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين * فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون} [يونس:90_92] فينبغي عدم الغفلة عن سنن الله, والعبد ما دام في زمن الإمكان فيمكنه تدارك نفسه بالتوبة قبل نزول العقوبة والعذاب.
التنكيد على العبد الذي قدم محبة ما يهواه على محبة الله عز وجل:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ما أكثر ما يُقدم العبد ما يحبه هو ويهواه أو يحبه كبيره أو شيخه أو أهله على ما يحبه الله تعالى, فهذا لم تتقدم محبة الله تعالى في قلبه جميع المحاب. وسنة الله تعالى فيمن هذا شأنه أن يُنكد عليه محابه ويُنغصها عليه, فلا ينال شيئاً منها إلا بنكد وتنغيص, جزاءً له على إيثاره هواه وهوى من يعظمه من الخلق أو يحبه على محبة الله تعالى...قد قضى الله عز وجل قضاءً لا يُردّ ولا يُدفع, أن من أحب شيئاً سواه عذبه به ولا بد, وأن من خاف غيره سلطه عليه, وأن من اشتغل بشيء غيره كان شؤماً عليه, ومن آثر غيره لم يُبارك له فيه, ومن أرضى غيره بسخطه أسخطه عليه ولا بد.
نزول العقوبة والعذاب بالمخالفين إذا لم يتوبوا:
قال الله سبحانه وتعالى: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا * سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا} [الأحزاب:60_62] قال العلامة العثيمين رحمه الله: سُنة الله تعالى الكونية لن تجد لها تبديلاً,...في إنزال العقوبة بمن يستحقُّها, وإن كانت هذه العُقوبةُ قد تختلف, لكن لا بُدّ للمُخالفين من عُقوبة, والله تعالى أعلم.
وقال العلامة السعدي رحمه الله: سنة الله في الأولين التي لا تتبدل ولا تتغير: أن كلّ من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد أن تحلّ به نقمته وتسلب عنه نعمته. {سنة الله في الذين خلوا من قبل } فمن تمادى في العصيان, وتجرأ على الأذى, ولم ينته منه, فإنه يعاقب عقوبة بليغة.
من آثر الألم العاجل على الوصال المحرم أعقبه الله المسرة التامة:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قد جرت سنة الله تعالى في خلقه: ن من آثر الألم العاجل على الوصال الحرام, أعقبه الله ذلك في الدنيا المسرة التامة, وإن هلك فالفوز العظيم, والله تعالى لا يضيع ما يتحمل عبدها من لأجله.
العامل بما جاء في القرآن الكريم يحصل له عزُّ الدنيا وسعادة الآخرة:
قال الله جل جلاله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [الأنعام: 92]، قال الإمام الرازي رحمه الله في تفسير هذه الآية: ثم قد جرتْ سنةُ الله تعالى بأن الباحث عنه والمتمسِّك به، يحصُل له عزُّ الدنيا وسعادة الآخرة.
من ترك الكتاب والسنة فإنه يُبتلى بالاختلاف والضلال وعدم الاستقرار:
قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: وهذه سنة الله عز وجل أن من ترك الكتاب والسنة فإنه يُبتلى بالاختلاف, ويُبتلى بالضلال, ويُبتلى بالقلق وعدم الاستقرار, تجدهم مضطربين في عقائدهم وفي أقوالهم, تجدهم يحشون الكتاب من كتبهم من أوله إلى آخره بالجدليات لا تجد فيه آية من كتاب الله, ولا حديثاً من سنة رسول الله, وإنما هو قالوا وقلنا, فإن قالوا كذا قلنا كذا, وهكذا جدل كله من أوله إلى أخره, تجد الاختلاف بينهم مستشرياً.
أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاة الله أن يسخط عليه من آثر رضاه:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قد جرت سنة الله – التي لا تبديل لها – أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاته: أن يسخط عليه من آثر رضاه, ويخذله من جهته, ويجعل محنته على يديه, فيعود حامده ذاماً, ..فلا على مقصوده منهم حصل, ولا إلى ثواب مرضاة ربه وصل, وهذا أعجز الخلق وأحمقهم.
نيل المطالب العالية والدرجات الرفيعة لا يكون إلا بمشقة:
قال العلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله: سُنة الله عز وجل في المطالب العالية والدرجات الرفيعة: أن يكون في نيلها مشقّةً ليتم الابتلاء ويستحق البالغ إلى تلك الدرجة شرفها وثوابها قال الله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّ كُمْ حَتَّى? نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31]
نزول العقوبة عند ظهور الزنا:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وفي ذكر هذه الكبيرة بخصوصها عقيب صلاة الكسوف سرّ بديع لمن تأمله, وظهور الزنا من أمارات خراب العالم, وهو من أشراط الساعة, وقد جرت سنة الله في خلقه أنه عند ظهور الزنا يغضب الله سبحانه, ويشتد غضبه, فلا بد أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبة.
ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين} [الأعراف:175] أن رجلاً يُقال له بلعام, كان مجاب الدعوة, وإن موسى أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام, فرعب الناس رعباً شديداً, فأتوا بلعام, فقالوا: ادع الله على هذا الرجل وجيشه, قال: حتى أؤامر ربي, فآمر في الدعاء عليهم, فقيل له: لا تدع عليهم فإنهم عبادي وفيهم نبيهم, فقال لقومه: إني قد آمرت ربي في الدعاء عليهم, وإني قد نهيت
ثم ذكر الحافظ ابن كثير أنه قال لقومه: سأدلكم على أمر عسى أن يكون فيه هلاكهم, إن الله يبغض الزنا, وإنهم إن وقعوا في الزنا هلكوا, ورجوت الله أن يهلكهم فأخرجوا النساء تستقبلهم...فعسى أن يزنوا فيهلكوا, ففعلوا فأخرجوا النساء تستقبلهم ووقعوا في الزنا...فسلط الله عليهم الطاعون, فمات منهم سبعون ألفاً.
نجاة من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر عند نزول العقوبة والعذاب:
قال الله عز وجل: {وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون * فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} [الأعراف:164_165] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: فنصّ على نجاة الناهين. وقال العلامة السعدي رحمه الله: سنة الله....أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.
وقال الله جل وعلا: ? {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } ? [الأنفال:25] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: عن ابن عباس في تفسير هذه الآية أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب." وهذا تفسير حسن جداً.
وختاماً فقد ذكر ذلك الفريق العلمي الذي أعدّ: "المختصر في التفسير" عند سياقهم للفوائد من بعض آيات القرآن الكريم أن من سنن الله تعالى:
& أن يدفع شر بعض الخلق وفسادهم في الأرض ببعضهم.
& أن يولي كل ظالم ظالماً مثله يدفعه إلى الشر ويحثه عليه ويزهده في الخير وينفره عنه
& لا يهلك قرية من القرى إذا كان أهلها مصلحين في الأرض.