فريق منتدى الدي في دي العربي
09-09-2022, 05:37 AM
موقف من أعجب المواقف القرآنية،هذا الرجل المؤمن الذي ذُكرت قصته في سورة يس،
رجل عادي من عوام الناس
بينما هو في طريقه من أقصى المدينة ساعيًا مُجِدًّا في سيره ليبلغ مكان اجتماع الناس ومنتداهم.
ولربما استرجع في تلك اللحظات ما لقيه المرسلون من عنت وصدود وتكذيب،
ولعله قد دارت بخلده مشاهد الإهانة والتوبيخ التي قوبل بها أولئك الأخيار، والتي تجعل غالب الظن بعد كل ذلك أن يلقى ما لقيه أئمة الحق أو أشد،
لكنه مع ذلك ما انفك عن السعي وما تباطأ به المسير أو قعد عن البذل!
إنه رجل يعرف هدفه جيدًا ويدرك أبعاد قضيته بشكل واضح،
ويعلم أن مناط تلك القضية ليس مطلق ترتب الثمرة ولا حصول الاستجابة،
فتلك أمور بيد مولاه،
لكن الصدع بالحق كان هو مبتغاه والبلاغ عن الله كان هو غاية مسعاه.
لذلك جاء..
ومن أقصى المدينة يسعى..
لم تكن دعوته لنفسه، ولم يكن مطلبه لذاته، ولم يجعل مسعاه لمصلحته، بل أعلن تجرده في أول جملة قائلًا:
«اتبعوا المرسلين»
كانت دعوة متجردة نقية،
كان صدعًا بحق خالص لا تشوبه من شوائب حظ النفس شائبة،
فهو من اتباع المرسلين الذين لا يسألونكم أجرًا والذين هم كذلك لا يطلبون شيئًا لأنفسهم؛
كان تجردهم قدوة له، وإخلاصهم أسوة لتفانيه،
وكل ذلك في منظومة صدق متكاملة هدفها إعلاء كلمة الله وتوحيده بالعبادة والقصد
وبذل الوسع لإبلاغ رسالة الانبياء.
كان هذا لسان حاله و مقاله في كلماته البديعة التي خلد ذكرها المولى في كتابه قائلًا:
{اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ . وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ . أَأَتَّخِذُ مِـن دُونِهِ آلِهَةً إن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ . إنِّي إذًا لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ . إنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ}
كلمات نورانية رقراقة تخاطب العقل والروح معًا في آنٍ واحد،
نطق بها الرجل في هذه الظروف العصيبة،
ورغم كل ذلك التكذيب وتلك العوائق والعقبات التي واجهت من هم أعلى منه منزلة وأجل قدرًا.
ولئن كان متعذر قبولهم للحق بدعوى مظنة التكذيب وتوقّع عدم الاستجابة،لأن الرجل كان يعيش في قوم كذبوا ثلاثة أنبياء ولم يقبلوا منهم حقًا ولم يصدقوا منهم حرفًا وما استجابوا لهم؛ هو أولى الناس بألا يقبل منه ..
هو أولى الناس بأن يقطع الطمع في هداية الخلق أو يفقد الأمل في هدايتهم إلى الحق!
لكنه لم يفعل..
ولم يتعذر، ولم يتلكأ..
لم يحقر نفسه، ولم يتعذر بعدم أهمية قوله، أو يحتج بقلة قيمة صدعه..
بل جاء من أقصى مدينته وسعى وتكلم وصدع ونصح ووعظ..
ولقد أعذر..
فأي همة تلك؟! وأى ايمان هذا الذى يكتمه هذا الرجل
وأي إصرار هذا الذي استقر في نفس رجل كان من الممكن أن يتعذر بحجة وجود الأنبياء وقيامهم بواجب الصدع والبلاغ.
حتى بعد موته ظلت رغبته في هداية الناس يقظة وحرصه على نصحهم وإرشادهم متأججًا،
فقال حين عاين النعيم وأبصر الجنة:
{قِيلَ ادْخُلِ الْـجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْـمُكْرَمِينَ } [يس:??-??].
وفي ذلك المقام الذي كان من الممكن أن ينشغل فيه عن كل ذلك بالطيبات التي أكرم بها وينسى واجب البلاغ..
لكنه أيضًا لم يفعل،
فلم ينقطع أمله في قومه، ولم يتكاسل عن نصحهم وبذل الوسع في الأخذ بأيديهم طالما كان فيه عرق ينبض، واستمر على شأنه هذا حتى بعد أن لم يعد ذاك العرق ينبض وانتقل إلى دار القرار!
إنه نموذج عجيب ونمط فريد..
مؤمن آل فرعون.
ذلك الرجل الذي كان يكتم إيمانه خوفاً من بطش الطاغية مدعي الألوهية.
لكن تلك اللحظة التي برزت فيها قيمة الصدع والحرص على الأخذ بيد الخلق إلى الحق،
كانت قد آنت وحان موعدها،
ومن ثم تكلم الرجل وفاض ما في قلبه إلى لسانه وجوارحه التي ظهر عليها مدى خوفه على قومه ورغبته في هدايتهم،
خصوصًا في نداءاته التي كان يتلوها خوفه عليهم، وتتبدى من خلال حروفها تلك القيمة التي نتحدث عنها:
{يَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ} [غافر:??].
{وَيَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر:??].
{يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:??].
{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إلَى النَّارِ} [غافر:??].
إنها دعوة الفطرة، والحق، والخير العظيم، والنصيحة، والحرص الأمين على استنقاذ الخلق من العذاب المهين.
دعوة نصوح نافعة بهيجة، يجللها الحرص على الإفادة، وتفوح منها الرغبة في الخير للمدعو. ألا هكذا فلتكن الدعوة، وعلى ذلك فليكن الداعية.
ويا لها من قلوب قاسية تلك التي لا تستجيب لمثل هذا الحرص، ولا تتجاوب مع كل هذا اللين والحكمة والموعظة الحسنة.
لقد كانت كلماته نصيحة نموذجية شاملة جامعة جمعت بين الترغيب والترهيب والتذكير وضرب الأمثال، وحوت المنطق العقلي والمعالجة الإيمانية والبعد التاريخي، وزينها تواضع الداعية وأدبه واحترامه للمخاطب.
ثم ختم الرجل المؤمن بلاغه، وأتم دعوته،
وقال بتسليم مطلق وتفويض تام لملك الأنام:
{فستذكرون مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:??]،
فلم يشترط إجابة، ولم يربط دعوته بامتثال أو قبول من مدعويه،
بل فوض أمره إلى من إليه يرجع الأمر كله.
*****
وإن من الناس من يظن أن صدعه بما يراه حقًا وجهره بما يعتقده صوابًا وصدقًا، إنما هو مرتهن بمظنة استجابة الناس له وطلبهم سماعه وقبولهم قوله، فإن غلب على ذلك الظن أنهم سيستجيبون نطق، وإن آنس منهم رغبة في سماعه صدع، وإن كانت الأخرى سكت وكتم وأعرض.
تناسوا أن المرء إنما يصدع لينجو، وإنما ينصح ليُرضي ربًا لم يتعبده بالنتائج ولم يكلفه بالثمار،
وأنه أحوج إلى النطق بالحق والجهر به ممن يسمعونه، سواء استجابوا له أم لم يستجيبوا،
متمثلًا نهجًا قويمًا لطالما سلكه الدعاة وأقره كتاب الله، فحواه: {مَعْذِرَةً إلَى رَبِّكُمْ} [الأعراف:???].
وما يدريه ألا يكونوا من أهل قوله تعالى: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}
رجل عادي من عوام الناس
بينما هو في طريقه من أقصى المدينة ساعيًا مُجِدًّا في سيره ليبلغ مكان اجتماع الناس ومنتداهم.
ولربما استرجع في تلك اللحظات ما لقيه المرسلون من عنت وصدود وتكذيب،
ولعله قد دارت بخلده مشاهد الإهانة والتوبيخ التي قوبل بها أولئك الأخيار، والتي تجعل غالب الظن بعد كل ذلك أن يلقى ما لقيه أئمة الحق أو أشد،
لكنه مع ذلك ما انفك عن السعي وما تباطأ به المسير أو قعد عن البذل!
إنه رجل يعرف هدفه جيدًا ويدرك أبعاد قضيته بشكل واضح،
ويعلم أن مناط تلك القضية ليس مطلق ترتب الثمرة ولا حصول الاستجابة،
فتلك أمور بيد مولاه،
لكن الصدع بالحق كان هو مبتغاه والبلاغ عن الله كان هو غاية مسعاه.
لذلك جاء..
ومن أقصى المدينة يسعى..
لم تكن دعوته لنفسه، ولم يكن مطلبه لذاته، ولم يجعل مسعاه لمصلحته، بل أعلن تجرده في أول جملة قائلًا:
«اتبعوا المرسلين»
كانت دعوة متجردة نقية،
كان صدعًا بحق خالص لا تشوبه من شوائب حظ النفس شائبة،
فهو من اتباع المرسلين الذين لا يسألونكم أجرًا والذين هم كذلك لا يطلبون شيئًا لأنفسهم؛
كان تجردهم قدوة له، وإخلاصهم أسوة لتفانيه،
وكل ذلك في منظومة صدق متكاملة هدفها إعلاء كلمة الله وتوحيده بالعبادة والقصد
وبذل الوسع لإبلاغ رسالة الانبياء.
كان هذا لسان حاله و مقاله في كلماته البديعة التي خلد ذكرها المولى في كتابه قائلًا:
{اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ . وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ . أَأَتَّخِذُ مِـن دُونِهِ آلِهَةً إن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ . إنِّي إذًا لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ . إنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ}
كلمات نورانية رقراقة تخاطب العقل والروح معًا في آنٍ واحد،
نطق بها الرجل في هذه الظروف العصيبة،
ورغم كل ذلك التكذيب وتلك العوائق والعقبات التي واجهت من هم أعلى منه منزلة وأجل قدرًا.
ولئن كان متعذر قبولهم للحق بدعوى مظنة التكذيب وتوقّع عدم الاستجابة،لأن الرجل كان يعيش في قوم كذبوا ثلاثة أنبياء ولم يقبلوا منهم حقًا ولم يصدقوا منهم حرفًا وما استجابوا لهم؛ هو أولى الناس بألا يقبل منه ..
هو أولى الناس بأن يقطع الطمع في هداية الخلق أو يفقد الأمل في هدايتهم إلى الحق!
لكنه لم يفعل..
ولم يتعذر، ولم يتلكأ..
لم يحقر نفسه، ولم يتعذر بعدم أهمية قوله، أو يحتج بقلة قيمة صدعه..
بل جاء من أقصى مدينته وسعى وتكلم وصدع ونصح ووعظ..
ولقد أعذر..
فأي همة تلك؟! وأى ايمان هذا الذى يكتمه هذا الرجل
وأي إصرار هذا الذي استقر في نفس رجل كان من الممكن أن يتعذر بحجة وجود الأنبياء وقيامهم بواجب الصدع والبلاغ.
حتى بعد موته ظلت رغبته في هداية الناس يقظة وحرصه على نصحهم وإرشادهم متأججًا،
فقال حين عاين النعيم وأبصر الجنة:
{قِيلَ ادْخُلِ الْـجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْـمُكْرَمِينَ } [يس:??-??].
وفي ذلك المقام الذي كان من الممكن أن ينشغل فيه عن كل ذلك بالطيبات التي أكرم بها وينسى واجب البلاغ..
لكنه أيضًا لم يفعل،
فلم ينقطع أمله في قومه، ولم يتكاسل عن نصحهم وبذل الوسع في الأخذ بأيديهم طالما كان فيه عرق ينبض، واستمر على شأنه هذا حتى بعد أن لم يعد ذاك العرق ينبض وانتقل إلى دار القرار!
إنه نموذج عجيب ونمط فريد..
مؤمن آل فرعون.
ذلك الرجل الذي كان يكتم إيمانه خوفاً من بطش الطاغية مدعي الألوهية.
لكن تلك اللحظة التي برزت فيها قيمة الصدع والحرص على الأخذ بيد الخلق إلى الحق،
كانت قد آنت وحان موعدها،
ومن ثم تكلم الرجل وفاض ما في قلبه إلى لسانه وجوارحه التي ظهر عليها مدى خوفه على قومه ورغبته في هدايتهم،
خصوصًا في نداءاته التي كان يتلوها خوفه عليهم، وتتبدى من خلال حروفها تلك القيمة التي نتحدث عنها:
{يَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ} [غافر:??].
{وَيَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر:??].
{يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:??].
{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إلَى النَّارِ} [غافر:??].
إنها دعوة الفطرة، والحق، والخير العظيم، والنصيحة، والحرص الأمين على استنقاذ الخلق من العذاب المهين.
دعوة نصوح نافعة بهيجة، يجللها الحرص على الإفادة، وتفوح منها الرغبة في الخير للمدعو. ألا هكذا فلتكن الدعوة، وعلى ذلك فليكن الداعية.
ويا لها من قلوب قاسية تلك التي لا تستجيب لمثل هذا الحرص، ولا تتجاوب مع كل هذا اللين والحكمة والموعظة الحسنة.
لقد كانت كلماته نصيحة نموذجية شاملة جامعة جمعت بين الترغيب والترهيب والتذكير وضرب الأمثال، وحوت المنطق العقلي والمعالجة الإيمانية والبعد التاريخي، وزينها تواضع الداعية وأدبه واحترامه للمخاطب.
ثم ختم الرجل المؤمن بلاغه، وأتم دعوته،
وقال بتسليم مطلق وتفويض تام لملك الأنام:
{فستذكرون مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:??]،
فلم يشترط إجابة، ولم يربط دعوته بامتثال أو قبول من مدعويه،
بل فوض أمره إلى من إليه يرجع الأمر كله.
*****
وإن من الناس من يظن أن صدعه بما يراه حقًا وجهره بما يعتقده صوابًا وصدقًا، إنما هو مرتهن بمظنة استجابة الناس له وطلبهم سماعه وقبولهم قوله، فإن غلب على ذلك الظن أنهم سيستجيبون نطق، وإن آنس منهم رغبة في سماعه صدع، وإن كانت الأخرى سكت وكتم وأعرض.
تناسوا أن المرء إنما يصدع لينجو، وإنما ينصح ليُرضي ربًا لم يتعبده بالنتائج ولم يكلفه بالثمار،
وأنه أحوج إلى النطق بالحق والجهر به ممن يسمعونه، سواء استجابوا له أم لم يستجيبوا،
متمثلًا نهجًا قويمًا لطالما سلكه الدعاة وأقره كتاب الله، فحواه: {مَعْذِرَةً إلَى رَبِّكُمْ} [الأعراف:???].
وما يدريه ألا يكونوا من أهل قوله تعالى: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}