فريق منتدى الدي في دي العربي
09-10-2022, 07:53 AM
الشرق والغرب
منطلقات العلاقات ومحدداتها
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
(الاهتمام)
يزداد الاهتمام اليوم بالإسلام والمسلمين من قِبل أولئك الذين لا يدينون بالإسلام وليسوا من المسلمين،ليس هذا الاهتمام جديدًا على الإسلام والمسلمين؛ فقد اهتم به الآخرون منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فالإسلام يقدم نفسه على أنه بديلٌ لجميع الأنظمة والقوانين القائمة التي تريد أن تهيئ للإنسان حياةً طيبة، وتحقق له الرفاه الاجتماعي، ولكنها في نظر المسلمين تقصر دون ذلك؛ لأنها لا تملك القدرة على وضع النظام المتكامل، الذي يهيئ للإنسان حياة طيبة في الدنيا والآخرة.
وازدياد الاهتمام بالإسلام والمسلمين اليوم ناتج على ما يبدو عن سببين رئيسيين؛ أولهما: هذه العودة الصادقة، التي يسميها بعض المتابعين بالصحوة أو الإحيائية الثانية، إلى الإسلام في المجتمعات المسلمة، والجاليات المسلمة المغتربة في المجتمعات غير المسلمة.
والمسلمون اليوم - بفضل الله تعالى - موجودون في كل المجتمعات، وهم في ازدياد ملحوظ يأتي على حساب الثقافات الأخرى، التي ما فتئ المنتمون لها يحذرون من هذا "الطوفان" الذي يجتاح مجتمعاتهم في ضوء تناقصهم السكاني "الديموغرافي"، ومن ثم يغيِّر في التركيبة السكانية والتوجهات الثقافية.
وكان المسلمون موجودين من قبل في الغرب خصوصًا، ولكنهم لم يكونوا يجهرون بإسلامهم بالصورة الواضحة التي يعلنونها اليوم، بل إن منهم من نسي الإسلام في تلك المجتمعات غير المسلمة، وربما أنه هرب من المجتمع الإسلامي المتدين واندمج في الثقافة الغربية بقدر عالٍ من النبه، فوصل به الأمر إلى الانسلاخ التدرجي من الهوية الإسلامية.
وحيث وجد الفراغ الروحي لدى هذه الفئة بحثوا من جديد عن جوانب التعلق بالله تعالى، من خلال العقائد الموجودة في المجتمعات التي يعيشون فيها، ومن ذلك إعادة النظر فيما انسلخوا عنه من قبل، والتفكير بالعودة إليه في ضوء القلق الذي يجتاح الثقافات الأخرى، التي نظر إليها من قبل على أنها هي البديل الأولى.
هذا مع عدم إغفال ما ترتب على هذه العودة، أو الصحوة أو الإحيائية، من تطورات في فهم الإسلام، خرجت به في حالات عن الفهم الصحيح، مما ترتب عليه نشوء حالات من الغلو (التطرف) من جانبين؛ غلو في الالتصاق بالدين، وغلو في تكييف الدين للحياة الجديدة، لا تكييف الحياة الجديدة للدين، وبرزت آثار ذلك محليًّا وعالميًّا على المستوى الفردي أو على مستوى الجماعة، مما كان سببًا في امتطاء الإسلام في أعمال لا يقرها الإسلام الذي قام على السماحة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن داخل المجتمع المسلم وخارجه.
والسبب الثاني الرئيسي لزيادة الاهتمام بالإسلام أنه مع عودة المسلمين إلى الإسلام بدأ انحسار العقائد الأخرى لدى الآخر[1]، تلك التي كانت تشغل الساحة العالمية؛ كالشيوعية مثلًا، فعندما انقشعت الشيوعية عاد معتنقوها إلى خلفياتهم السابقة، التي أخفيت قبل تسعين سنة مضت منذ الثورة البلشفية في ذي الحجة من سنة 1335هـ أكتوبر من سنة 1917م، فالنصارى بدؤوا يتلمسون نصرانيتهم من جديد، والمسلمون وجدوا في العودة إلى الإسلام بديلًا للتوجه الشيوعي أو الاشتراكي أو القومي المناهض أو العلماني للدين، الذي فرض على معظمهم بقوة السلطان والثورات، حتى وصل بعضهم إلى الاقتناع به خيارًا وحيدًا للحياة[2].
ومع هذا التفرغ لوحظ أن الذي يمكن أن يملأ هذا الفراغ هو الإسلام؛ ولذا كان لا بد من زيادة الاهتمام بالإسلام والمسلمين، ليس بالضرورة رغبةً في التعرف عليه لتبنِّيه، ولكن الذي يبدو هو محاولات تجنبه، والحد من انتشاره وعدم حلوله بديلًا للأنظمة المنتعشة والقائمة آنذاك.
ومن المؤسف أن الإسلام في المجتمعات غير المسلمة يقدم علميًّا وثقافيًّا من خلال مجموعة من مراكز الدراسات الإسلامية أو العربية أو الشرق أوسطية الأكاديمية، ويجمعها جميعًا اسم المراكز الاستشراقية، وبعض هذه المراكز ينطلق من خلفية معادية للإسلام، فهي تصور الإسلام بالصورة التي صوره فيها طلائع أرباب هذه المراكز قبل أكثر من ثمانمائة سنة خَلَت[3]، لا سيما مع انتهاء حروب الفرنجة أو الحروب الصليبية، وعودة الصليبيين إلى ديارهم من دون تحقيق الأهداف التي جاؤوا إلى الشرق من أجلها[4].
ولا يعتقد، في الجانب الآخر، أن المراكز الإسلامية "الدعوية"[5] التي يديرها مسلمون قد وفقت إلى الآن في تقديم الإسلام بصورته الواضحة لغير المسلمين على المستوى الذي تقدمه لهم مراكز الدراسات الإسلامية الاستشراقية، لأسباب متعددة، من أهمها: قلة العلماء في المراكز الإسلامية، وقلة الإمكانات من الأموال والكتب، وبالتالي ضحالة المعلومات التي تقدم الإسلام للآخر بصورته الواضحة.
ومع أن المراكز الإسلامية "الدعوية" التي أقامتها الجاليات المسلمة المغتربة ذات طابع دعوي، إلا أنها تقتصر في أغلب الأحيان على دعوة المسلمين أنفسهم، وإن كانت أحيانًا تمد خدماتها لغير المسلمين.
ويحاول الدعاة والعلماء الآن في المجتمعات المسلمة والتجمعات الإسلامية، نقل الصورة الصحيحة عن الإسلام إلى المجتمعات غير المسلمة، كما أنهم يحاولون كذلك توضيحَ الإسلام الصحيح للمسلمين العائدين إلى الإسلام، مثل حرصهم على تقديمه لغير المسلمين.
وليست هذه المناقشات بصدد طرح أوليات العمل الإسلامي في الخارج، بقدر ما يراد منها التوكيد أن هذا الاهتمام المتزايد بالإسلام والمسلمين اليوم يفرض على المسلمين نمطًا مختلفًا من التعامل مع الآخر في الجوانب العلمية والدعوية، يستوجب الحرص المتواصل، من قِبل المعنيين بشأن العلاقات بين الشرق والغرب، أو العالم الإسلامي والآخر، على العمل لتقديم الإسلام بصورته الصحيحة، بدلًا من أن يتركَ المجال لتلك الفئات التي أخطأت في فهم الإسلام، ونقلت هذا الخطأ في الفهم إلى الآخرين، فتراكمت الأخطاء، وخسر الجميع.
[1] يعبر بالآخر بدلًا عن الغير كلما وردت؛ لما يحدثه لفظ الغير من لبس في اختيار اليهود له يعبرون به عن غير اليهود، وربما يسمونهم الأغيار، مع الأخذ بالاعتبار قرارات المثقفين العرب، الذين عقدوا لقاءً في تونس، سنة 1405هـ/ 1985م، سعوا فيه إلى وضع إستراتيجية ثقافية عربية، ومن ضمنها اختيار "الغير" بدلًا من "الآخر"،وكنت قد استخدمت لفظة "الغير" في الطبعتين السابقتين، فعدلت عنها في هذه الطبعة.
[2] انظر: هيثم الجنابي،الإسلام في أوراسيا - دمشق: دار المدى، 2003م - ص 287.
[3] انظر على سبيل المثال: هنري ماسيه،الإسلام/ ترجمة بهيج شعبان، تقديم مصطفى الرافعي، تعليق محمد جواد مغنية - ط 3 - بيروت: منشورات عويدات، 1988م - ص 282.
[4] سيأتي نقاش دوافع الحروب الصليبية في المحدد الخامس: الحروب،وانظر: أيوب أبو دية،حروب الفرنج حروب لا صليبية - بيروت: دار الفارابي، 2008م - ص 182.
[5] سميت بالدعوية هنا؛ لأنها تمارس الدعوة إلى الله بالمفهوم الشامل لمصطلح الدعوة إلى الله، الذي تتعدد وسائله، وتقيم شعائر الإسلام، بخلاف المراكز "العلمية" التي تنحو منحى معاكسًا لهذه المراكز، فتعتمد في الغالب الإسهام في تشويه الإسلام.
منطلقات العلاقات ومحدداتها
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
(الاهتمام)
يزداد الاهتمام اليوم بالإسلام والمسلمين من قِبل أولئك الذين لا يدينون بالإسلام وليسوا من المسلمين،ليس هذا الاهتمام جديدًا على الإسلام والمسلمين؛ فقد اهتم به الآخرون منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فالإسلام يقدم نفسه على أنه بديلٌ لجميع الأنظمة والقوانين القائمة التي تريد أن تهيئ للإنسان حياةً طيبة، وتحقق له الرفاه الاجتماعي، ولكنها في نظر المسلمين تقصر دون ذلك؛ لأنها لا تملك القدرة على وضع النظام المتكامل، الذي يهيئ للإنسان حياة طيبة في الدنيا والآخرة.
وازدياد الاهتمام بالإسلام والمسلمين اليوم ناتج على ما يبدو عن سببين رئيسيين؛ أولهما: هذه العودة الصادقة، التي يسميها بعض المتابعين بالصحوة أو الإحيائية الثانية، إلى الإسلام في المجتمعات المسلمة، والجاليات المسلمة المغتربة في المجتمعات غير المسلمة.
والمسلمون اليوم - بفضل الله تعالى - موجودون في كل المجتمعات، وهم في ازدياد ملحوظ يأتي على حساب الثقافات الأخرى، التي ما فتئ المنتمون لها يحذرون من هذا "الطوفان" الذي يجتاح مجتمعاتهم في ضوء تناقصهم السكاني "الديموغرافي"، ومن ثم يغيِّر في التركيبة السكانية والتوجهات الثقافية.
وكان المسلمون موجودين من قبل في الغرب خصوصًا، ولكنهم لم يكونوا يجهرون بإسلامهم بالصورة الواضحة التي يعلنونها اليوم، بل إن منهم من نسي الإسلام في تلك المجتمعات غير المسلمة، وربما أنه هرب من المجتمع الإسلامي المتدين واندمج في الثقافة الغربية بقدر عالٍ من النبه، فوصل به الأمر إلى الانسلاخ التدرجي من الهوية الإسلامية.
وحيث وجد الفراغ الروحي لدى هذه الفئة بحثوا من جديد عن جوانب التعلق بالله تعالى، من خلال العقائد الموجودة في المجتمعات التي يعيشون فيها، ومن ذلك إعادة النظر فيما انسلخوا عنه من قبل، والتفكير بالعودة إليه في ضوء القلق الذي يجتاح الثقافات الأخرى، التي نظر إليها من قبل على أنها هي البديل الأولى.
هذا مع عدم إغفال ما ترتب على هذه العودة، أو الصحوة أو الإحيائية، من تطورات في فهم الإسلام، خرجت به في حالات عن الفهم الصحيح، مما ترتب عليه نشوء حالات من الغلو (التطرف) من جانبين؛ غلو في الالتصاق بالدين، وغلو في تكييف الدين للحياة الجديدة، لا تكييف الحياة الجديدة للدين، وبرزت آثار ذلك محليًّا وعالميًّا على المستوى الفردي أو على مستوى الجماعة، مما كان سببًا في امتطاء الإسلام في أعمال لا يقرها الإسلام الذي قام على السماحة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن داخل المجتمع المسلم وخارجه.
والسبب الثاني الرئيسي لزيادة الاهتمام بالإسلام أنه مع عودة المسلمين إلى الإسلام بدأ انحسار العقائد الأخرى لدى الآخر[1]، تلك التي كانت تشغل الساحة العالمية؛ كالشيوعية مثلًا، فعندما انقشعت الشيوعية عاد معتنقوها إلى خلفياتهم السابقة، التي أخفيت قبل تسعين سنة مضت منذ الثورة البلشفية في ذي الحجة من سنة 1335هـ أكتوبر من سنة 1917م، فالنصارى بدؤوا يتلمسون نصرانيتهم من جديد، والمسلمون وجدوا في العودة إلى الإسلام بديلًا للتوجه الشيوعي أو الاشتراكي أو القومي المناهض أو العلماني للدين، الذي فرض على معظمهم بقوة السلطان والثورات، حتى وصل بعضهم إلى الاقتناع به خيارًا وحيدًا للحياة[2].
ومع هذا التفرغ لوحظ أن الذي يمكن أن يملأ هذا الفراغ هو الإسلام؛ ولذا كان لا بد من زيادة الاهتمام بالإسلام والمسلمين، ليس بالضرورة رغبةً في التعرف عليه لتبنِّيه، ولكن الذي يبدو هو محاولات تجنبه، والحد من انتشاره وعدم حلوله بديلًا للأنظمة المنتعشة والقائمة آنذاك.
ومن المؤسف أن الإسلام في المجتمعات غير المسلمة يقدم علميًّا وثقافيًّا من خلال مجموعة من مراكز الدراسات الإسلامية أو العربية أو الشرق أوسطية الأكاديمية، ويجمعها جميعًا اسم المراكز الاستشراقية، وبعض هذه المراكز ينطلق من خلفية معادية للإسلام، فهي تصور الإسلام بالصورة التي صوره فيها طلائع أرباب هذه المراكز قبل أكثر من ثمانمائة سنة خَلَت[3]، لا سيما مع انتهاء حروب الفرنجة أو الحروب الصليبية، وعودة الصليبيين إلى ديارهم من دون تحقيق الأهداف التي جاؤوا إلى الشرق من أجلها[4].
ولا يعتقد، في الجانب الآخر، أن المراكز الإسلامية "الدعوية"[5] التي يديرها مسلمون قد وفقت إلى الآن في تقديم الإسلام بصورته الواضحة لغير المسلمين على المستوى الذي تقدمه لهم مراكز الدراسات الإسلامية الاستشراقية، لأسباب متعددة، من أهمها: قلة العلماء في المراكز الإسلامية، وقلة الإمكانات من الأموال والكتب، وبالتالي ضحالة المعلومات التي تقدم الإسلام للآخر بصورته الواضحة.
ومع أن المراكز الإسلامية "الدعوية" التي أقامتها الجاليات المسلمة المغتربة ذات طابع دعوي، إلا أنها تقتصر في أغلب الأحيان على دعوة المسلمين أنفسهم، وإن كانت أحيانًا تمد خدماتها لغير المسلمين.
ويحاول الدعاة والعلماء الآن في المجتمعات المسلمة والتجمعات الإسلامية، نقل الصورة الصحيحة عن الإسلام إلى المجتمعات غير المسلمة، كما أنهم يحاولون كذلك توضيحَ الإسلام الصحيح للمسلمين العائدين إلى الإسلام، مثل حرصهم على تقديمه لغير المسلمين.
وليست هذه المناقشات بصدد طرح أوليات العمل الإسلامي في الخارج، بقدر ما يراد منها التوكيد أن هذا الاهتمام المتزايد بالإسلام والمسلمين اليوم يفرض على المسلمين نمطًا مختلفًا من التعامل مع الآخر في الجوانب العلمية والدعوية، يستوجب الحرص المتواصل، من قِبل المعنيين بشأن العلاقات بين الشرق والغرب، أو العالم الإسلامي والآخر، على العمل لتقديم الإسلام بصورته الصحيحة، بدلًا من أن يتركَ المجال لتلك الفئات التي أخطأت في فهم الإسلام، ونقلت هذا الخطأ في الفهم إلى الآخرين، فتراكمت الأخطاء، وخسر الجميع.
[1] يعبر بالآخر بدلًا عن الغير كلما وردت؛ لما يحدثه لفظ الغير من لبس في اختيار اليهود له يعبرون به عن غير اليهود، وربما يسمونهم الأغيار، مع الأخذ بالاعتبار قرارات المثقفين العرب، الذين عقدوا لقاءً في تونس، سنة 1405هـ/ 1985م، سعوا فيه إلى وضع إستراتيجية ثقافية عربية، ومن ضمنها اختيار "الغير" بدلًا من "الآخر"،وكنت قد استخدمت لفظة "الغير" في الطبعتين السابقتين، فعدلت عنها في هذه الطبعة.
[2] انظر: هيثم الجنابي،الإسلام في أوراسيا - دمشق: دار المدى، 2003م - ص 287.
[3] انظر على سبيل المثال: هنري ماسيه،الإسلام/ ترجمة بهيج شعبان، تقديم مصطفى الرافعي، تعليق محمد جواد مغنية - ط 3 - بيروت: منشورات عويدات، 1988م - ص 282.
[4] سيأتي نقاش دوافع الحروب الصليبية في المحدد الخامس: الحروب،وانظر: أيوب أبو دية،حروب الفرنج حروب لا صليبية - بيروت: دار الفارابي، 2008م - ص 182.
[5] سميت بالدعوية هنا؛ لأنها تمارس الدعوة إلى الله بالمفهوم الشامل لمصطلح الدعوة إلى الله، الذي تتعدد وسائله، وتقيم شعائر الإسلام، بخلاف المراكز "العلمية" التي تنحو منحى معاكسًا لهذه المراكز، فتعتمد في الغالب الإسهام في تشويه الإسلام.