فريق منتدى الدي في دي العربي
09-10-2022, 07:53 AM
هل تظن أن لا علاقة لك بالأدب؟
د. مطيع عبدالسلام عز الدين السروري
تجدُ كثيرين ينظرون لك نظرةً أقرب للشفقة مِن الإعجاب عندما تقول لهم: إن تخصصك أدب!
ارتبط الأدبُ بالنسبة لكثيرٍ مِن الناس بالشِّعر والرِّواية والمسرحية والقصة القصيرة في أغلب الأحوال؛ لذلك لا يعرفون أنهم غارقون في الأدبِ حتى آذانهم وبشكل يومي.
نعم، هذه الأشكال الأدبية التي ذكرتُها للتو هي التصنيفات التي ارتبطتْ بالأدب بمفهومه المحدود، ولكن مفهوم الأدب العام لا يقتصر عليها، وإن كانتْ هي المشهورةَ بين الناس.
لن أسألَك إن كنت شاهدتَ أو تشاهد مسلسلات تلفزيونية أو أفلامًا، أو سمعت قصصًا من خلال الراديو فيما مضى مِن الزمن الجميل، ولن أحاول أن أعرِف إن كنتَ قرأت مجلات أو سمعتَ حكايات مُسلِّية عندما كنت صغيرًا من والديكَ أو أفراد عائلتك، ولن أسألك إن كنتَ كتبتَ رسائل لأهلك أثناء سفرك، أو لأصدقائك، بل أريد أن أرى ما تقرأُ أو تشاهد في الإنترنت أو الفيسبوك:
ألا تقرأ عبارات جميلة وحكيمة وطريفة ومسلِّية كل يوم؟
ألا تُشاهِد مقاطع فيديو تمرُّ عليك يوميًّا أثناء تصفُّحك لمواقع الإنترنت المختلفة؟
ألا تقرأ مقالات أو تسمع مقابلات أو حوارات أو تحليلات سياسية أو غيرها؟
دَعْكَ مِن كل هذا، ألا تخاطب أحدًا مقرَّبًا منك أثناء سعادتك أو حزنك بكلمات، بضع كلمات فيها إيجازٌ تظنُّه يلخِّص حالتك؛ من مثل: "لم يَعُدِ العالمُ يَسَعُني من الفرح"، أو "أنا انتهيتُ"، أو "لماذا كل حياتي عذاب؟".
هل تظنُّ هذه العبارات البسيطة الموجَزة ليستْ مِن الأدب في شيءٍ، كل ما تقرَؤه أو تسمَعُه أو تُشاهده أو تتفوَّه به في لحظات مؤثِّرة معينة، ما عدا كلام الله عز وجل وأحاديث رسولِه الكريم صلى الله عليه وسلم - فهو أدبٌ بمفهمومِه العامِّ الشامل، كل شيء مِن كلام البشر، ومِن خيال البشر، ومن فكر البشر؛ هو أدب بمفهومه العامِّ.
بهذا المفهوم العام لا يمكن للإنسان أن يعيشَ بدون الأدب؛ فالأدبُ هو وسيلةُ الإنسان ليعبِّر عن خلجات نفسه، سواء أكان بمفردِه في تأمُّلاته، أو كان يكتب أو يدوِّن لغيره صوتًا أو صورةً أو جميعها، لا بد للإنسان مِن أن يُشاهِد ويُعجَب أو يغضَب أو يتأمَّل، ولا بد له مِن أن يدوِّن خواطرَه أو تأمُّلاته أو حتى غضبه، ما دام الإنسان يستخدمُ اللغة فهو بالضرورة بحاجة لأن يُوسِّع معاني لغته؛ حتى يتمكَّن مِن التعبير عن مشاعره وعواطفه وأفكاره ومعارفه، وهنا لا أقول: إنه ينتقل للأدب، بل هو يستخدم اللغة بشكلٍ معين تصبح معه اللغة وعاءً أكثرَ دلالةً وإيحاءً وبيانًا، وهنا فقط يمكن تسميةُ هذه اللغة بالأدبية.
عندما يُكثِّف الإنسان مِن الرموز والإيحاءات في كلام قليل ومساحة صغيرة في لغته، سواء كان لها وقعٌ موسيقيٌّ أو لم يكنْ، عندها نقول: إن ما يقوله هو الشعر، تكبر المساحة اللُّغوية قليلًا، مع اختزالٍ يتمدَّد قليلًا لتصبحَ لغة القصة القصيرة، وعندما يكبر مجال الإيحاءات أكثر مختلطًا بالضوء والموسيقا والكلمات، والعبارات الموحية والمعبرة؛ نقول عن المنتَج النهائي: مسرحية، فإذا كبرت المساحة أكثر فأكثر عن كل ما سبق، وكبر المجالُ ليتَّسِع للثرثرة والتفاصيل الدقيقة جدًّا، ورَسم صورٍ معبِّرة في إطار واسع مِن التعدد والتكامل، تصبح لدينا رواية.
وفي خلال كل ذلك تلاحظ كيف يمد الأديب اللحظة ليعطيها زخمًا، وليعرضها أمامنا بكلماته أو حتى بكاميرته بالحركة البطيئة حتى نستلذَّ المكوث فيها.
الأدب يبسُطُ أمامك أفكارَ ذهنك وأفكار غيرك، سواء بشكل قصة أو شِعر، أو حتى أفكار أو عبارات مبثوثة هنا وهناك، فالأفكار العظيمة لا بد لها مِن أن تدورَ في ذهن كل إنسان له حسٌّ ينبض، ولكن هناك مَن يُحسِن التعبير عنها بقوالبَ ممتعة، وأسلوبٍ حَكْيٍ رائع.
فن التصوير لا يقتصر فقط على أخْذِ الصور الفوتوغرافية، أو حتى الرسم على اللوحات بالألوان، وإنما هو أيضًا فن الرسم بالكلمات، كونك تستمتع بالوقوف مع لحظات الحياة، أو حتى تعايش بعضًا مِن تلك اللحظات فرحًا أو حزنًا أو خواطرَ متنوعة، فأنت تغوصُ إلى أخمص أذنيك في الأدب.
يكون الأدب رائعًا وعظيمًا عندما يحترمُ مشاعرك وأحاسيسك وقِيَمَك، عندما ترتقي به ومعه إلى حياةٍ سامية بعيدة عن الابتذال والسَّفَه واللاأخلاقية.
د. مطيع عبدالسلام عز الدين السروري
تجدُ كثيرين ينظرون لك نظرةً أقرب للشفقة مِن الإعجاب عندما تقول لهم: إن تخصصك أدب!
ارتبط الأدبُ بالنسبة لكثيرٍ مِن الناس بالشِّعر والرِّواية والمسرحية والقصة القصيرة في أغلب الأحوال؛ لذلك لا يعرفون أنهم غارقون في الأدبِ حتى آذانهم وبشكل يومي.
نعم، هذه الأشكال الأدبية التي ذكرتُها للتو هي التصنيفات التي ارتبطتْ بالأدب بمفهومه المحدود، ولكن مفهوم الأدب العام لا يقتصر عليها، وإن كانتْ هي المشهورةَ بين الناس.
لن أسألَك إن كنت شاهدتَ أو تشاهد مسلسلات تلفزيونية أو أفلامًا، أو سمعت قصصًا من خلال الراديو فيما مضى مِن الزمن الجميل، ولن أحاول أن أعرِف إن كنتَ قرأت مجلات أو سمعتَ حكايات مُسلِّية عندما كنت صغيرًا من والديكَ أو أفراد عائلتك، ولن أسألك إن كنتَ كتبتَ رسائل لأهلك أثناء سفرك، أو لأصدقائك، بل أريد أن أرى ما تقرأُ أو تشاهد في الإنترنت أو الفيسبوك:
ألا تقرأ عبارات جميلة وحكيمة وطريفة ومسلِّية كل يوم؟
ألا تُشاهِد مقاطع فيديو تمرُّ عليك يوميًّا أثناء تصفُّحك لمواقع الإنترنت المختلفة؟
ألا تقرأ مقالات أو تسمع مقابلات أو حوارات أو تحليلات سياسية أو غيرها؟
دَعْكَ مِن كل هذا، ألا تخاطب أحدًا مقرَّبًا منك أثناء سعادتك أو حزنك بكلمات، بضع كلمات فيها إيجازٌ تظنُّه يلخِّص حالتك؛ من مثل: "لم يَعُدِ العالمُ يَسَعُني من الفرح"، أو "أنا انتهيتُ"، أو "لماذا كل حياتي عذاب؟".
هل تظنُّ هذه العبارات البسيطة الموجَزة ليستْ مِن الأدب في شيءٍ، كل ما تقرَؤه أو تسمَعُه أو تُشاهده أو تتفوَّه به في لحظات مؤثِّرة معينة، ما عدا كلام الله عز وجل وأحاديث رسولِه الكريم صلى الله عليه وسلم - فهو أدبٌ بمفهمومِه العامِّ الشامل، كل شيء مِن كلام البشر، ومِن خيال البشر، ومن فكر البشر؛ هو أدب بمفهومه العامِّ.
بهذا المفهوم العام لا يمكن للإنسان أن يعيشَ بدون الأدب؛ فالأدبُ هو وسيلةُ الإنسان ليعبِّر عن خلجات نفسه، سواء أكان بمفردِه في تأمُّلاته، أو كان يكتب أو يدوِّن لغيره صوتًا أو صورةً أو جميعها، لا بد للإنسان مِن أن يُشاهِد ويُعجَب أو يغضَب أو يتأمَّل، ولا بد له مِن أن يدوِّن خواطرَه أو تأمُّلاته أو حتى غضبه، ما دام الإنسان يستخدمُ اللغة فهو بالضرورة بحاجة لأن يُوسِّع معاني لغته؛ حتى يتمكَّن مِن التعبير عن مشاعره وعواطفه وأفكاره ومعارفه، وهنا لا أقول: إنه ينتقل للأدب، بل هو يستخدم اللغة بشكلٍ معين تصبح معه اللغة وعاءً أكثرَ دلالةً وإيحاءً وبيانًا، وهنا فقط يمكن تسميةُ هذه اللغة بالأدبية.
عندما يُكثِّف الإنسان مِن الرموز والإيحاءات في كلام قليل ومساحة صغيرة في لغته، سواء كان لها وقعٌ موسيقيٌّ أو لم يكنْ، عندها نقول: إن ما يقوله هو الشعر، تكبر المساحة اللُّغوية قليلًا، مع اختزالٍ يتمدَّد قليلًا لتصبحَ لغة القصة القصيرة، وعندما يكبر مجال الإيحاءات أكثر مختلطًا بالضوء والموسيقا والكلمات، والعبارات الموحية والمعبرة؛ نقول عن المنتَج النهائي: مسرحية، فإذا كبرت المساحة أكثر فأكثر عن كل ما سبق، وكبر المجالُ ليتَّسِع للثرثرة والتفاصيل الدقيقة جدًّا، ورَسم صورٍ معبِّرة في إطار واسع مِن التعدد والتكامل، تصبح لدينا رواية.
وفي خلال كل ذلك تلاحظ كيف يمد الأديب اللحظة ليعطيها زخمًا، وليعرضها أمامنا بكلماته أو حتى بكاميرته بالحركة البطيئة حتى نستلذَّ المكوث فيها.
الأدب يبسُطُ أمامك أفكارَ ذهنك وأفكار غيرك، سواء بشكل قصة أو شِعر، أو حتى أفكار أو عبارات مبثوثة هنا وهناك، فالأفكار العظيمة لا بد لها مِن أن تدورَ في ذهن كل إنسان له حسٌّ ينبض، ولكن هناك مَن يُحسِن التعبير عنها بقوالبَ ممتعة، وأسلوبٍ حَكْيٍ رائع.
فن التصوير لا يقتصر فقط على أخْذِ الصور الفوتوغرافية، أو حتى الرسم على اللوحات بالألوان، وإنما هو أيضًا فن الرسم بالكلمات، كونك تستمتع بالوقوف مع لحظات الحياة، أو حتى تعايش بعضًا مِن تلك اللحظات فرحًا أو حزنًا أو خواطرَ متنوعة، فأنت تغوصُ إلى أخمص أذنيك في الأدب.
يكون الأدب رائعًا وعظيمًا عندما يحترمُ مشاعرك وأحاسيسك وقِيَمَك، عندما ترتقي به ومعه إلى حياةٍ سامية بعيدة عن الابتذال والسَّفَه واللاأخلاقية.