فريق منتدى الدي في دي العربي
09-10-2022, 10:31 PM
التدبر وعبادة التفكر
أيها المسلمون عباد الله؛ يقول الله عز وجل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53]، ويقول سبحانه: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20].
عندما نُمعن النظر في الكون من حولنا، ونلاحظ ثبات الجبال وتعاقب الليل والنهار، وجريان البحار والأنهار، سوف نجد إبداعاً ربانيًّا في نظام دقيق تسير به مقدرات الكون، {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].
إن للتفكر في خلق الله حلاوة بالقلب تنعكس على العقل، والكون بما فيه خلق الله تعالى، حجره وشجره، بحاره وأنهاره، أرضه وسمائه، شمسه وقمره، وليله ونهاره: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62].
الكون قرآن ناطق، والقرآن كون صامت، وعن الكون قال ربنا سبحانه: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101]، وعن القرآن قال ربُّنا سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29].
عباد الله؛ الآيات الكونية خلق الله، والآيات التكوينية أفعال الله، والآيات القرآنية كلام الله، ففي الأولى تفكر، وفي الثانية نظر، وفي الثالثة تدبر: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24].
الآيات الكونية تدعونا إلى التفكر، ومن ثم التقرب إلى الخالق ومعرفته وطاعته وعدم معصيته وعبادته حق العبادة!!
دخل رجل على الشافعي فقال له: يا إمام! ما الدليل على وجود الله؟ قال: ورقة التوت، تأكلها الشاة فتخرجها لبنًا، وتأكلها النحلة فتخرج شهدًا، وتأكلها الدودة - دودة القز - فتخرج حريرًا، وتأكلها الغزالة فتخرج مسكًا، من الذي وحد الأصل وعدد المخارج؟ فانظر ما المدخل وما المخرج.
إن التأمل الدائم في خلق الله إنما يرفع درجة الإيمان والتسليم بوحدانية الله تعالى وقدرته التي هي بين حرفي الكاف والنون، القادر على أن يقول للشيء كُن، فيكون.
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: إنَّ تأمل ساعة في خلق الله عزَّ وجلَّ وسننه في الكون والشرع، خيرٌ من قيام ليلة كاملة.
التفكر هو العبادة الراقية، وقد قيل: تفكر ساعة خير من عبادة سنة.
إن الكون بما فيه يدعونا للتفكر فيما خلق الله من شيء، إن الأعرابي لم يدخل مدرسة، ولم يمر على جامعة، وإنما تفاعل مع الكون بعقله، ومرر الإعجاز الذي فيه على قلبه وجوارحه، وخشع لربه، وارجع كل شيء إليه، فهو تعالى الذي يخلق ويرزق، يحيي ويميت، يعطي ويمنع، يعز ويذل سبحانه: قل اللهم {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
يقول لبيد بن ربيعة:
فَيا عَجَبًا كَيفَ يُعصى الإِلَهُ *** أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَـــــــــةٌ *** تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِــــــــدُ
وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَــــــــ ــةٍ *** وَتَسكينَةٍ أَبَدًا شاهِــــــدُ
يذكر أن أعرابيًّا جلس تحت ظل شجرة، فنظر إلى جمله وقد بعر بعرًا ورجلاه على الرمال، ونظر إلى البحر من بعيد، فقال: البعرة تدل على البعير وأقدام السير تدل على المسير، فأرض ذات فجاج وسماء ذات أبراج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير، وهل يعقل المرء هذا كله.
ويقول: أين الله!
وفي كل شيء له شاهد *** تدل على أنه الواحد
قال أبو سليمان الداراني: إنِّي لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله عليَّ فيه نعمة ولي فيه عبرة.
أيها المسلمون؛ من أعظم الذين تفكروا في خلق الله، ومن أفضل الذين تدبروا آيات الله، ومن أجمل الذين نظروا في كون الله - هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف لا وقد جاء في صحيح ابن حبان والحديث صحيح على شرط مسلم، روى ابن مردويه وعبد بن حميد عن عطاء قال: انطلقت أنا وابن عمر وعبيد بن عمير إلى عائشة رضي الله عنها، فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب، فقالت: يا عبيد، ما يمنعك من زيارتنا؟ قال: قول الشاعر: زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حبًّا، فقال ابن عمر:
ذرينا: أخبرينا بأعجب ما رأيتِه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فبكت، وقالت: كل أمره كان عجبًا، أتاني في ليلتي حتى مسَّ جلده جلدي، ثم قال: «ذريني أتعبد لربي عز وجل»، قالت: فقلت، والله، إني لأحب قربك، وإني أحب أن تعبد ربك، فقام إلى القربة، فتوضأ، ولم يكثر صبَّ الماء، ثم قام يصلي، فبكى حتى بلَّ لحيته، ثم سجد، فبكى حتى بل الأرض، ثم اضطجع على جنبه، فبكى، حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح، قالت: فقال: يا رسول الله، ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: ويحك يا بلال، وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله عليَّ في هذه الليلة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها، قيل للأوزاعي: ما غاية التفكر فيهن؟ قال: يقرأها وهو يعقلها.
قال الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز: فكرت في الدنيا ولذَّاتها وشهواتها، فاعتبرتُ منها بها ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدَّرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إنَّ فيها مواعظَ لمن ادَّكر.
بل إن العلم يتناغم مع ذرات الكون، ويتفاعل مع ما خلق الله من شيء، فمن خلق الأكوان سبحانه هو الذي أنزل القرآن سبحانه.
هذه الآية: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190].
أصل في التفكر، أنت بالتفكر تزداد معرفة بالله، والإنسان إذا ازدادت معرفته بالله كان أشد انضباطًا وأشد التزامًا وأشد استقامة، إذا عرفت الله ثم عرفت أمره، تفانيت في طاعته، أما إذا عرفت أمره ولم تعرفه، تفننت في معصيته والتفلت من أمره، هذا واقع مؤلم جدًّا، الأمر بين أيدينا، الحلال بين والحرام بيِّن، لكن ضعف معرفتنا بالله يجعلنا نبحث عن حِيَل شرعية لتلافي التكليف، فإذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر، تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر، تفنَّنت في التفلت من الأمر، وهذا مرض من أمراض المسلمين.
التفكر في خلق الله سبحانه وتعالى وآياته عبادة من أعظم العبادات التي تزيد إيمان المؤمن وتعزِّز ثقته برب العالمين، فهو بهذه العبادة يشاهد إبداع المبدع سبحانه.
أيها المسلمون عباد الله؛ ذكر العلماء أنه حينما صعد رائد الفضاء إلى القمر، وتجاوز طبقة الهواء التي تبلغ خمسة وستين ألف كيلو متر، صاح بأعلى صوته: لقد أصبحنا عميًا لا نرى شيئًا، لماذا؟ لأن ظاهرة انتثار الضوء انتهت بعد طبقة الهواء، عندما تسلط أشعة الشمس على ذرات الهواء هذه الذرات تعكسها إلى ذرات أخرى، هذه الظاهرة اسمها في الفيزياء التناثر، لذلك لما تجاوز طبقة الهواء صاح بأعلى صوته: لقد أصبحنا عميًا لا نرى شيئًا، هذا الشيء ظهر مع إرسال أول مركبة فضاء إلى القمر أبولو، نفتح القرآن الكريم الذي نزل قبل ألف وأربعمائة عام تجد فيه قول ربنا: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر: 14، 15].
لقد خلق الله تعالى بني آدم من تراب ثمَّ حباه العقل الذي فضَّله فيه على الناس أجمعين، فكان لزامًا على ابن آدم أن يُعمل عقله، وأن يتفكر في ملكوت السماوات والأرض، وأن يتوصل إلى الخالق العظيم الذي أبدع هذا الجمال.
مثل هذه الآيات هناك ألف وثلاثمئة آية - أدلة قاطعة - تؤكد أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن الكريم، ومن ازداد إيمانه ازدادت استقامته، وتفاعلت فطرته.
عباد الله؛ إن التفكر في خلق السماوات والأرض، أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، والتفكر في خلق السماوات والأرض في موضوعات اختارها الله لنا، ألف وثلاثمئة آية في القرآن تشير إلى خلقه في السماوات والأرض، وخلق الإنسان، فلذلك جزء من عبادتك هو التفكر، في بعض الأحاديث: لا عبادة كالتفكر، تفكر ساعة خير صيام شهرين.
فعوَّد نفسك أن تتفكر، هذا الماء الذي تشربه، هذا الطفل الذي أمامك، كان نقطة ماء قبل تسعة أشهر، رأس، وشعر، وعينان، وأنف، وأذنان، وفم، وجهاز هضم، وجهاز تنفس، وعضلات، وأحشاء، من خلقه؟
{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 58، 59].
الله هو الخالق سبحانه وتعالى قادر على الخلق وعلى البعث أيضًا، ومن يتفكَّر في جسم الإنسان وطرق عمله، وكيفية حياته وخلقه، ونشأته ومماته - لا يسعه إلَّا أن يؤمن في هذه الآية العظيمة من آيات الله تعالى، قال تعالى في كتابه العزيز: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان: 54].
إذا آمنت بالله عن تفكُّر وعن يقين، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه، معرفة الله أحد أسباب الطاعة، بل باب آخر لقبول الدعاء: ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لو عرفتم الله حق معرفته، لزالت بدعائكم الجبالُ، لذلك أنت حينما تتفكر تعلم علم اليقين ماذا ينتظر العبد إذا عصى ربه، وماذا ينتظره من خير إذا أطاعه، من هنا الإمام علي رضي الله عنه يقول: في القرآن آيات لما تفسر بعد، كلما تقدم العلم فسرها وهذا من إعجاز القرآن الكريم.
إن الله تعالى الخالق الأعظم، يضرب للإنسان مثلًا في القرآن ما هو؟! من أهون المخلوقات على الإنسان؛ أي: إذا إنسان قتل بعوضة هل يحس أنه مجرم قاتل؟ بعوضة، هذه البعوضة ذكرها الله عز وجل في القرآن الكريم.
أيها المسلمون عباد الله؛ حينما صنع المجهر الإلكتروني، المجهر القديم التقليدي يكبر ثماني مرات، أما هذا المجهر، فيكبر خمسمائة ألف مرة، وضعت البعوضة تحت هذا المجهر وزنها واحد على ألف من الغرام، في فمها ثمانية وأربعون سنًّا، في صدرها ثلاثة قلوب، قلب مركزي وقلب لكل جناح، لكل قلب أذينان، وبطينان، ودسامان، وللبعوضة جهاز لا تملكه الطائرات، تملك جهاز استقبال حراري، هي ترى الأشياء لا بألوانها، ولا بأشكالها، ولا بأحجامها، ولكنها ترى الأشياء بالحرارة، هذه البعوضة معها جهاز تحليل للدم، وتغرس خرطومها في يد الطفل، وتأخذ عينة من دمه وتفحصها لأن ما كل دم يناسبها، وقد ينام أخوان على سرير واحد يستيقظ الأول وقد مُلئ بلسع البعوض والثاني لم يصب بشيء، معها جهاز تحليل دم تحلِّل، فإذا كان هذا الدم يناسبها الآن تمتص من دمه، لئلا تقتل وقت مصِّ الدم معها جهاز تخدير، تخدر ثم تمص الدم، فإذا انتهى مفعول التخدير يشعر الإنسان بوخز، فيضرب البعوضة، لكنها في جو الغرفة تضحك عليه، معها جهاز تحليل، ومعها جهاز تمييع؛ لأن دم الإنسان سمج لا يسري بخرطومها، معها جهاز رادار، تخدير، وتمييع، وتحليل، وفي أرجلها مخالب إذا وقفت على سطح خشن ومحاجم إن وقفت على بلور أو سطح أملس، فإذا قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26].
الطريق إلى معرفة الله يكون سالكًا من خلال آياته الكونية والتكوينية والقرآنية: هذه دعوة إلى معرفة الله تعالى: يقول علي رضي الله عنه: أصل الدين معرفة الله، كيف نعرفه؟ من آيات ثلاث من آيات كونية خلقه، ومن آيات تكوينية أفعاله، ومن آيات قرآنية كلامه، هذه الطرق السالكة إلى الله، آياته الكونية التفكر، آيات تكوينية نظر، آيات قرآنية تدبر، أنت بين آيات كونية عليك أن تتفكر بها، وبين آيات تكوينية عليك أن تنظر بها: كيف؟!
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } [الأنعام: 11].
أيها المسلمون؛ إن الذي لا يعرف ربه، قلبه غير مطمئن وباله ليس مرتاح، وأمره عسير، تجد زواجه غير ناجح، عمله غير ناجح، عنده ضيق، كيف؟! {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].
إذا عرفت ربك، أعطاك طمأنينة وحباك سكينة تهديك راحة، وتعطيك نورًا، هذه السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء: سأل سائل: ما بال الأقوياء والأغنياء؟ قال الحسن البصري: ضيق القلب، لا يوجد سعادة.
معرفة الله تعالى بالتفكر في كونه، بالتفاعل مع آياته، ومن ثم أن تأتمر بأمره وتنتهي عن نهيه، تشكره ولا تكفره، تطيعه ولا تعصيه، تذكره فلا تنساه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
إذا عرف الإنسان ربه، فهناك طمأنينة، وهناك راحة، وهناك سكينة، أنت قد تدخل إلى بيت بسيط جدًّا، هذا البيت يشع سعادة، قد تجد بيتًا فخمًا جدًّا لا يوجد فيه سرور، هذه السكينة أحد أكبر مزايا المؤمن، أحد أكبر عطاءات الله للمؤمن، هذه السكينة سعد بها أهل الكهف وهم مطاردون، سعد بها إبراهيم عليه السلام وهو في النار، سعد بها النبي عليه الصلاة والسلام وهو في الغار، سعد بها يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت، سعد بها موسى عليه السلام وهو مطارد في عرض البحر!
السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء..
إن التفكر يدعو المؤمن إلى الثقة في الله واليقين بقدرته، إنها أوقات للمؤمنين وآيات للموقنين، وصدق الله إذ يقول: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20].
اللهم أسعدنا في الدنيا والآخرة..
اللهم اجعلنا لك ذاكرين شاكرين منيبين مخبتين يا رب العالمين.
______________________________ ______________
الكاتب: خميس النقيب
أيها المسلمون عباد الله؛ يقول الله عز وجل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53]، ويقول سبحانه: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20].
عندما نُمعن النظر في الكون من حولنا، ونلاحظ ثبات الجبال وتعاقب الليل والنهار، وجريان البحار والأنهار، سوف نجد إبداعاً ربانيًّا في نظام دقيق تسير به مقدرات الكون، {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].
إن للتفكر في خلق الله حلاوة بالقلب تنعكس على العقل، والكون بما فيه خلق الله تعالى، حجره وشجره، بحاره وأنهاره، أرضه وسمائه، شمسه وقمره، وليله ونهاره: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62].
الكون قرآن ناطق، والقرآن كون صامت، وعن الكون قال ربنا سبحانه: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101]، وعن القرآن قال ربُّنا سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29].
عباد الله؛ الآيات الكونية خلق الله، والآيات التكوينية أفعال الله، والآيات القرآنية كلام الله، ففي الأولى تفكر، وفي الثانية نظر، وفي الثالثة تدبر: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24].
الآيات الكونية تدعونا إلى التفكر، ومن ثم التقرب إلى الخالق ومعرفته وطاعته وعدم معصيته وعبادته حق العبادة!!
دخل رجل على الشافعي فقال له: يا إمام! ما الدليل على وجود الله؟ قال: ورقة التوت، تأكلها الشاة فتخرجها لبنًا، وتأكلها النحلة فتخرج شهدًا، وتأكلها الدودة - دودة القز - فتخرج حريرًا، وتأكلها الغزالة فتخرج مسكًا، من الذي وحد الأصل وعدد المخارج؟ فانظر ما المدخل وما المخرج.
إن التأمل الدائم في خلق الله إنما يرفع درجة الإيمان والتسليم بوحدانية الله تعالى وقدرته التي هي بين حرفي الكاف والنون، القادر على أن يقول للشيء كُن، فيكون.
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: إنَّ تأمل ساعة في خلق الله عزَّ وجلَّ وسننه في الكون والشرع، خيرٌ من قيام ليلة كاملة.
التفكر هو العبادة الراقية، وقد قيل: تفكر ساعة خير من عبادة سنة.
إن الكون بما فيه يدعونا للتفكر فيما خلق الله من شيء، إن الأعرابي لم يدخل مدرسة، ولم يمر على جامعة، وإنما تفاعل مع الكون بعقله، ومرر الإعجاز الذي فيه على قلبه وجوارحه، وخشع لربه، وارجع كل شيء إليه، فهو تعالى الذي يخلق ويرزق، يحيي ويميت، يعطي ويمنع، يعز ويذل سبحانه: قل اللهم {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
يقول لبيد بن ربيعة:
فَيا عَجَبًا كَيفَ يُعصى الإِلَهُ *** أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَـــــــــةٌ *** تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِــــــــدُ
وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَــــــــ ــةٍ *** وَتَسكينَةٍ أَبَدًا شاهِــــــدُ
يذكر أن أعرابيًّا جلس تحت ظل شجرة، فنظر إلى جمله وقد بعر بعرًا ورجلاه على الرمال، ونظر إلى البحر من بعيد، فقال: البعرة تدل على البعير وأقدام السير تدل على المسير، فأرض ذات فجاج وسماء ذات أبراج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير، وهل يعقل المرء هذا كله.
ويقول: أين الله!
وفي كل شيء له شاهد *** تدل على أنه الواحد
قال أبو سليمان الداراني: إنِّي لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله عليَّ فيه نعمة ولي فيه عبرة.
أيها المسلمون؛ من أعظم الذين تفكروا في خلق الله، ومن أفضل الذين تدبروا آيات الله، ومن أجمل الذين نظروا في كون الله - هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف لا وقد جاء في صحيح ابن حبان والحديث صحيح على شرط مسلم، روى ابن مردويه وعبد بن حميد عن عطاء قال: انطلقت أنا وابن عمر وعبيد بن عمير إلى عائشة رضي الله عنها، فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب، فقالت: يا عبيد، ما يمنعك من زيارتنا؟ قال: قول الشاعر: زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حبًّا، فقال ابن عمر:
ذرينا: أخبرينا بأعجب ما رأيتِه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فبكت، وقالت: كل أمره كان عجبًا، أتاني في ليلتي حتى مسَّ جلده جلدي، ثم قال: «ذريني أتعبد لربي عز وجل»، قالت: فقلت، والله، إني لأحب قربك، وإني أحب أن تعبد ربك، فقام إلى القربة، فتوضأ، ولم يكثر صبَّ الماء، ثم قام يصلي، فبكى حتى بلَّ لحيته، ثم سجد، فبكى حتى بل الأرض، ثم اضطجع على جنبه، فبكى، حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح، قالت: فقال: يا رسول الله، ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: ويحك يا بلال، وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله عليَّ في هذه الليلة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها، قيل للأوزاعي: ما غاية التفكر فيهن؟ قال: يقرأها وهو يعقلها.
قال الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز: فكرت في الدنيا ولذَّاتها وشهواتها، فاعتبرتُ منها بها ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدَّرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إنَّ فيها مواعظَ لمن ادَّكر.
بل إن العلم يتناغم مع ذرات الكون، ويتفاعل مع ما خلق الله من شيء، فمن خلق الأكوان سبحانه هو الذي أنزل القرآن سبحانه.
هذه الآية: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190].
أصل في التفكر، أنت بالتفكر تزداد معرفة بالله، والإنسان إذا ازدادت معرفته بالله كان أشد انضباطًا وأشد التزامًا وأشد استقامة، إذا عرفت الله ثم عرفت أمره، تفانيت في طاعته، أما إذا عرفت أمره ولم تعرفه، تفننت في معصيته والتفلت من أمره، هذا واقع مؤلم جدًّا، الأمر بين أيدينا، الحلال بين والحرام بيِّن، لكن ضعف معرفتنا بالله يجعلنا نبحث عن حِيَل شرعية لتلافي التكليف، فإذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر، تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر، تفنَّنت في التفلت من الأمر، وهذا مرض من أمراض المسلمين.
التفكر في خلق الله سبحانه وتعالى وآياته عبادة من أعظم العبادات التي تزيد إيمان المؤمن وتعزِّز ثقته برب العالمين، فهو بهذه العبادة يشاهد إبداع المبدع سبحانه.
أيها المسلمون عباد الله؛ ذكر العلماء أنه حينما صعد رائد الفضاء إلى القمر، وتجاوز طبقة الهواء التي تبلغ خمسة وستين ألف كيلو متر، صاح بأعلى صوته: لقد أصبحنا عميًا لا نرى شيئًا، لماذا؟ لأن ظاهرة انتثار الضوء انتهت بعد طبقة الهواء، عندما تسلط أشعة الشمس على ذرات الهواء هذه الذرات تعكسها إلى ذرات أخرى، هذه الظاهرة اسمها في الفيزياء التناثر، لذلك لما تجاوز طبقة الهواء صاح بأعلى صوته: لقد أصبحنا عميًا لا نرى شيئًا، هذا الشيء ظهر مع إرسال أول مركبة فضاء إلى القمر أبولو، نفتح القرآن الكريم الذي نزل قبل ألف وأربعمائة عام تجد فيه قول ربنا: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر: 14، 15].
لقد خلق الله تعالى بني آدم من تراب ثمَّ حباه العقل الذي فضَّله فيه على الناس أجمعين، فكان لزامًا على ابن آدم أن يُعمل عقله، وأن يتفكر في ملكوت السماوات والأرض، وأن يتوصل إلى الخالق العظيم الذي أبدع هذا الجمال.
مثل هذه الآيات هناك ألف وثلاثمئة آية - أدلة قاطعة - تؤكد أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن الكريم، ومن ازداد إيمانه ازدادت استقامته، وتفاعلت فطرته.
عباد الله؛ إن التفكر في خلق السماوات والأرض، أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، والتفكر في خلق السماوات والأرض في موضوعات اختارها الله لنا، ألف وثلاثمئة آية في القرآن تشير إلى خلقه في السماوات والأرض، وخلق الإنسان، فلذلك جزء من عبادتك هو التفكر، في بعض الأحاديث: لا عبادة كالتفكر، تفكر ساعة خير صيام شهرين.
فعوَّد نفسك أن تتفكر، هذا الماء الذي تشربه، هذا الطفل الذي أمامك، كان نقطة ماء قبل تسعة أشهر، رأس، وشعر، وعينان، وأنف، وأذنان، وفم، وجهاز هضم، وجهاز تنفس، وعضلات، وأحشاء، من خلقه؟
{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 58، 59].
الله هو الخالق سبحانه وتعالى قادر على الخلق وعلى البعث أيضًا، ومن يتفكَّر في جسم الإنسان وطرق عمله، وكيفية حياته وخلقه، ونشأته ومماته - لا يسعه إلَّا أن يؤمن في هذه الآية العظيمة من آيات الله تعالى، قال تعالى في كتابه العزيز: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان: 54].
إذا آمنت بالله عن تفكُّر وعن يقين، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه، معرفة الله أحد أسباب الطاعة، بل باب آخر لقبول الدعاء: ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لو عرفتم الله حق معرفته، لزالت بدعائكم الجبالُ، لذلك أنت حينما تتفكر تعلم علم اليقين ماذا ينتظر العبد إذا عصى ربه، وماذا ينتظره من خير إذا أطاعه، من هنا الإمام علي رضي الله عنه يقول: في القرآن آيات لما تفسر بعد، كلما تقدم العلم فسرها وهذا من إعجاز القرآن الكريم.
إن الله تعالى الخالق الأعظم، يضرب للإنسان مثلًا في القرآن ما هو؟! من أهون المخلوقات على الإنسان؛ أي: إذا إنسان قتل بعوضة هل يحس أنه مجرم قاتل؟ بعوضة، هذه البعوضة ذكرها الله عز وجل في القرآن الكريم.
أيها المسلمون عباد الله؛ حينما صنع المجهر الإلكتروني، المجهر القديم التقليدي يكبر ثماني مرات، أما هذا المجهر، فيكبر خمسمائة ألف مرة، وضعت البعوضة تحت هذا المجهر وزنها واحد على ألف من الغرام، في فمها ثمانية وأربعون سنًّا، في صدرها ثلاثة قلوب، قلب مركزي وقلب لكل جناح، لكل قلب أذينان، وبطينان، ودسامان، وللبعوضة جهاز لا تملكه الطائرات، تملك جهاز استقبال حراري، هي ترى الأشياء لا بألوانها، ولا بأشكالها، ولا بأحجامها، ولكنها ترى الأشياء بالحرارة، هذه البعوضة معها جهاز تحليل للدم، وتغرس خرطومها في يد الطفل، وتأخذ عينة من دمه وتفحصها لأن ما كل دم يناسبها، وقد ينام أخوان على سرير واحد يستيقظ الأول وقد مُلئ بلسع البعوض والثاني لم يصب بشيء، معها جهاز تحليل دم تحلِّل، فإذا كان هذا الدم يناسبها الآن تمتص من دمه، لئلا تقتل وقت مصِّ الدم معها جهاز تخدير، تخدر ثم تمص الدم، فإذا انتهى مفعول التخدير يشعر الإنسان بوخز، فيضرب البعوضة، لكنها في جو الغرفة تضحك عليه، معها جهاز تحليل، ومعها جهاز تمييع؛ لأن دم الإنسان سمج لا يسري بخرطومها، معها جهاز رادار، تخدير، وتمييع، وتحليل، وفي أرجلها مخالب إذا وقفت على سطح خشن ومحاجم إن وقفت على بلور أو سطح أملس، فإذا قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26].
الطريق إلى معرفة الله يكون سالكًا من خلال آياته الكونية والتكوينية والقرآنية: هذه دعوة إلى معرفة الله تعالى: يقول علي رضي الله عنه: أصل الدين معرفة الله، كيف نعرفه؟ من آيات ثلاث من آيات كونية خلقه، ومن آيات تكوينية أفعاله، ومن آيات قرآنية كلامه، هذه الطرق السالكة إلى الله، آياته الكونية التفكر، آيات تكوينية نظر، آيات قرآنية تدبر، أنت بين آيات كونية عليك أن تتفكر بها، وبين آيات تكوينية عليك أن تنظر بها: كيف؟!
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } [الأنعام: 11].
أيها المسلمون؛ إن الذي لا يعرف ربه، قلبه غير مطمئن وباله ليس مرتاح، وأمره عسير، تجد زواجه غير ناجح، عمله غير ناجح، عنده ضيق، كيف؟! {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].
إذا عرفت ربك، أعطاك طمأنينة وحباك سكينة تهديك راحة، وتعطيك نورًا، هذه السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء: سأل سائل: ما بال الأقوياء والأغنياء؟ قال الحسن البصري: ضيق القلب، لا يوجد سعادة.
معرفة الله تعالى بالتفكر في كونه، بالتفاعل مع آياته، ومن ثم أن تأتمر بأمره وتنتهي عن نهيه، تشكره ولا تكفره، تطيعه ولا تعصيه، تذكره فلا تنساه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
إذا عرف الإنسان ربه، فهناك طمأنينة، وهناك راحة، وهناك سكينة، أنت قد تدخل إلى بيت بسيط جدًّا، هذا البيت يشع سعادة، قد تجد بيتًا فخمًا جدًّا لا يوجد فيه سرور، هذه السكينة أحد أكبر مزايا المؤمن، أحد أكبر عطاءات الله للمؤمن، هذه السكينة سعد بها أهل الكهف وهم مطاردون، سعد بها إبراهيم عليه السلام وهو في النار، سعد بها النبي عليه الصلاة والسلام وهو في الغار، سعد بها يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت، سعد بها موسى عليه السلام وهو مطارد في عرض البحر!
السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء..
إن التفكر يدعو المؤمن إلى الثقة في الله واليقين بقدرته، إنها أوقات للمؤمنين وآيات للموقنين، وصدق الله إذ يقول: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20].
اللهم أسعدنا في الدنيا والآخرة..
اللهم اجعلنا لك ذاكرين شاكرين منيبين مخبتين يا رب العالمين.
______________________________ ______________
الكاتب: خميس النقيب