zoro1
11-26-2023, 12:12 PM
السكوت عما سكت عنه الكتاب والسنة
من أصول منهج السلف السُّكوت عما سكتَ الله تعالى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم .فكل مسألة من مسائل الشريعة – ولاسيما مسائل الاعتقاد – لا يُحكم فيها ، نفياً أو إثباتاً إلا بدليل ، فما ورد الدليل بإثباته أثبتناه ، وما ورد بنفيه نفيناه ، وما لم يرد بإثباته ولا بنفيه دليلٌ ؛ توقَّفنا ، ولم نحكم فيه بشيء ؛ لا إثباتاً ولا نفياً ، ولا يعني هذا أنّ المسألة خلية عن الدليل ، بل قد يكون عليها دليل، لكن لا نعلمه ، فالواجب علينا التوقف : إما مطلقاً ، أو لحين وجدان الدليل .وقد وردت نصوصٌ كثيرة من الكتاب والسنة ، وأقوال الصحابة والتابعين ، وأئمة السلف وأهل السنة ، بالأمر بالكفّ عما لم يرد في الشرع ، والسكوت عما سكت عنه الله ورسوله ، وأمسك عنه السلف ، وترك الخوض فيما لا علم للإنسان به من دليل أو أثر . ( انظر الموسوعة العقدية ) .
فمن الكتاب العزيز :1- قال الله تعالى : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) الإسراء : 36.قوله ( وَلاَ تَقْفُ ) القَفْوُ : مصدر قولك : قفا يَقْفُو ، وهو أنْ يتّبع شيئاً ، وقَفَوْتُه أَقْفُوه قَفْواً ، وتَقَفَّيْتُه ، أي : اتبعته .قوله ( كل أولئك ) أي : هذه الصفات من السمع والبصر والفؤاد .( كان عنه مسئولا ) أي : سيسأل العبد عنها يوم القيامة ، ويسأل عما عمل فيها .روى الطبري : عن قتادة قال : لا تقل رأيتُ ولم تر ، وسمعت ولم تسمع ، وعلمت ولم تعلم ، فإنّ الله سائلك عن ذلك كله .وقال الأخفش في قوله : ( ولا تَقْفُ ما ليس لك به علمٌ ) أي : لا تتَّبع ما لا تَعلم .ومعنى الآية : لا تكن تابعاً لما ليس لك به علم ، من الآراء أو الأفكار ، أو المذاهب ، أو الاشخاص ، أو الرُّؤى ، لا تكن تابعاً لشيء منها دون بصيرة وتعقل .فينهى الله تعالى عن اتباع ما لا علم للإنسان به ، وهى لإطلاقها تشمل الاتباع اعتقاداً وعملاً ، فلا تعتقد ما لا علم لك به ، ولا تقلْ ما لا علم لك به ، ولا تفعلْ ما لا علم لك به .قال الشيخ السعدي : ” ولا تتبع ما ليس لك به علم ، بل تثبَّت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك ، إنّ السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ، فحقيقٌ بالعبد الذي يَعرف أنه مسؤول عما قاله وفعله ، وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته ؛ أنْ يُعدَّ للسؤال جواباً ، وذلك لا يكون إلا باستعمالها بعبودية الله ، وإخلاص الدِّين له ، وكفّها عما يكرهه الله تعالى ” انتهى .2- وقال تعالى ( وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ )البقرة : 168- 169 .قال ابن كثير : ” وقوله: ( إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) أي : إنما يأمركم عدوكم الشيطان بالأفعال السيئة ، وأغلظ منها الفاحشة ، كالزنا ونحوه ، وأغلظُ من ذلك ؛ وهو القول على اللّه بلا علم ، فيدخل في هذا كل كافر ، وكل مبتدع أيضاً”.وقال الطبري : ” وأَمَّا قَوله : ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ ) فهو ما كَانوا يُحَرِّمُونَ مِنْ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب والْوَصَائِل والْحَوَامِي , ويَزعمُون أَنَّ اللَّه حَرَّمَ ذَلك , فَقَال تعالى ذِكْره لهم : ( مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ ) المائدة : 103.وأَخْبرهُمْ تعالى ذِكْره في هذه الْآيَة : أَنَّ قَيْلهمْ إنَّ اللَّه حَرَّمَ هذا !! مِنْ الْكذب الَّذي يَأْمُرهُمْ بِه الشَّيْطَان , وأَنَّهُ قَدْ أَحَلَّهُ لَهُمْ وطَيَّبَهُ , ولمْ يُحَرِّم أَكْله علَيهم , ولَكِنَّهم يقُولُون على اللَّه ما لا يَعْلَمُونَ حَقِيقَته طَاعَة مِنْهُمْ لِلشَّيْطَانِ , واتِّبَاعًا مِنْهُمْ خُطُوَاته , واقْتِفَاء مِنْهُمْ آثَار أَسْلَافهمْ الضُّلَّالِ وَآبَائِهِمْ الْجُهَّال , الَّذِينَ كَانُوا بِاَللَّهِ وبما أُنْزِلَ علَى رسوله جُهَّالًا , وَعَنْ الْحَقّ وَمِنْهَاجه ضُلَّالًا ; وَإِسْرَافًا مِنْهُمْ , كَمَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه عَلَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فقال تعالَى ذِكْره : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه قَالُوا بَلْ نَتَّبِع مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ) “. 3- وقال جل وعلا: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) الأعراف: 33 .فجعل القول على الله تعالى بغير علم ، فوق هذه المحرمات كلها .قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ” فرتب المحرمات أربع مراتب :وبدأ بأسهلها وهو الفواحش .ثم ثَنَّى بما هو أشد تحريما منه ، وهو الإثم والظلم .ثم ثَلَّث بما هو أعظم تحريما منها ، وهو الشرك به سبحانه .ثم ربَّع ما هو أشد تحريماً من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم ، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه .ومما يدل أيضا على أنه من كبائر الإثم قول الله تعالى : ( وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النحل: 116-117.فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه ، وقولهم لما لم يحرمه : هذا حرامٌ ، ولما لم يحله : هذا حلال ، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما عَلِم أنَّ الله سبحانه وتعالى أحلّه وحرّمه ” انتهى . ” إعلام الموقعين ” (1/38( .4- وقالت الملائكة – وهم الملائكة – عند ربها : ( قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) البقرة :32 .وهذا خبر من الله جل ذكره عن ملائكته ، بالأوبة إليه ، وتسليم علم ما لم يعلموه له ، وتبرِّيهم من أنْ يعلموا أو يعلم أحدٌ شيئًا إلا ما علّمه تعالى ذكره . ( الطبري ) .فقوله تعالى : ( قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ) سبحانك : أي : تنزيهاً لك عن أن يعلم الغيب أحدٌ سواك ، وهذا جوابهم عن قوله : ( أنبئوني بأسماء هؤلاء ) فأجابوا : أنهم لا يعلمون إلا ما أعلمهم به ، ولم يتعاطوا ما لا علم لهم به كما يفعله الجهال منا .و “ما” في ( إلا ما علمتنا ) بمعنى ” الذي ” أي : إلا الذي علمتنا ، ويجوز أنْ تكون مصدرية ، بمعنى : إلا تعليمك إيانا .وقوله ( إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) أي : العليم بكل شيء ، الحكيم في خلقك وأمرك ، وفي تعليمك من تشاء ، ومنعك من تشاء ، لك الحكمة في ذلك ، والعدل التام .وفيه : أنَّ الواجب على من سئل عن علم لا يعلمه ؛ أن يقول : الله أعلم ، أو لا أعلم أو أدري ؟ اقتداء بالملائكة الكرام ، وبالأنبياء ، والفضلاء من العلماء .5- قوله تعالى : ( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ) النحل : 116.أي : ولا تقولوا الكذب الذي تصفه ألسنتكم ، بقولكم هذا حلال وهذا حرام ، واللام في ( لتفتروا على الله الكذب ) هي لام العاقبة ، ، أي : فيتعقب ذلك افتراؤكم على الله الكذب بالتحليل والتحريم ، وإسناد ذلك إليه من غير أن يكون منه .وأما ما ورد من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه والتابعين بعدهم في معنى الآية :1- فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ذَروني ما تركتكم ؛ فإنما هَلَك مَن كان قبلكم ؛ بكثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ” . متفق عليه .قال النووي رحمه الله : هذا الحديث من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيما لا يحصى من الأحكام .أما سبب الحديث : فقد روى مسلم في صحيحه : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “أيها الناس ، قد فرض الله عليكم الحج فحجُّوا “، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله؟ فسكت ، حتى قالها ثلاثًا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لو قلت : نعم ، لوجبت ، ولما استطعتم “، ثم قال : ” ذَرُوني ما تركتكم ؛ فإنما هلَك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ،واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيءٍ فَأْتُوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ” .فقوله “ما نهيتكم ” أي : منعتكم ، والنهي : هو طلب الكف عن فعل الشيء .” وما أمرتكم ” أي : ما طلبت منكم أن تفعلوه ، والأمر: هو طلب فعل الشيء . ” فأتوا ” أي : افعلوا منه ما استطعتم ، وما قدرتم عليه دون مشقة وعسر . وفيه : سهولة هذا الدين ؛ حيث لم يوجب على الإنسان إلا ما يستطيعه .” إنما هلك ” وفي رواية ” أهلك ” أي : أوجب العقوبة لهم في الدنيا والآخرة .كثرة مسائلهم: أي أسئلتهم الكثيرة .وقوله ” واختلافهم على أنبيائهم ” أي : عصيانهم لهم ، ومخالفتهم أمرهم .فبين النبي أن من أسباب هلاك الأمم السابقة : كثرةُ أسالتهم التي بغير حاجة ولا ضرورة .واختلافُهم على أنبيائهم ؛ أي : اختلافًا يُؤدّي إلى كفر أو بدعة ؛ إذْ الاختلاف يؤدي إلى التفرّق ، ومقصود الشارع عكسه .2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أي البقاع خير ؟ قال: لا أدري ، فقال: أي البقاع شر ؟ قال : لا أدري ، فأتاه جبريل عليه السلام ، فقال له : يا جبريل أي البقاع خير ؟ قال : لا أدري ، قال: أي البقاع شر ؟ قال: لا أدري ، قال: سلْ ربك ، قال : فانتفض جبريل عليه السلام انتفاضة ؛ كاد يصعق منها محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال: ما أسأله عن شيء ، فقال الله جل وعلا لجبريل : سألك محمد ؛ أي البقاع خير ؟ فقلت : لا أدري ، وسألك : أي البقاع شر ؟ فقلت : لا أدري ، فأخبره أنّ خير البقاع المساجد ، وأن شر البقاع الأسواق ” . رواه الطبراني وابن حبان والبيهقي ، وصححه الألباني .ففي هذا الحديث : توقف النبي صلى الله عليه وسلم عن الجواب بغير علم ، وكذلك توقف معلِّمه جبريل عليه السلام عن الجواب بغير علم ، حتى سأل الله تعالى عن ذلك .وفي هذا تأديب للمؤمنين بذلك ، ألا يقولوا شيئاً بغير علم .3- وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إنّ الله تعالى فَرضَ فرائض فلا تضيّعوها ، وحدَّ حُدوداً فلا تعْتدوها ، وحرّم أشياءَ فلا تنتهكوها ، وسَكتَ عن أشياءَ – رَحمةً لكم غير نسيانٍ – فلا تَبْحثوا عنها ” .رواه الدارقطني (4/183) والطبراني ( 22/589) والحاكم ، والبيهقي (10/12-13) وهو حديث حسن ، حسّنه النووي كما في الأذكار (505) ، والحافظ أبو بكر بن السمعاني في ” أماليه ” ، وصححه ابن القيم في إعلام الموقعين (1/221) وابن كثير في تفسيره (1/405) ، وقال الألباني في تحقيق الإيمان لابن تيمية (43) : حسن بشاهده .4- ونحوه حديث أبي الدرداء رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ما أحلَّ الله في كتابه فهو حلالٌ ، وما حرّم فهو حرامٌ ، وما سكتَ عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإنّ الله لم يكنْ لينسى شيئاً ، ثم تلا هذه الآية : ( وما كان ربُّك نسيا ) مريم : 64 .وقد أخرجه البزار في ” مسنده ” (123) وقال : إسناده صالح . والحاكم (2/375) وقال : صحيح الإسناد ، والألباني في السلسلة الصحيحة (2256).5- ونحوه عن أبي عثمان عن سلمان رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء ، فقال : ” الحلال ما أحلَّ اللهُ في كتابه ، والحرامُ ما حرَّم الله في كتابه ، وما سكتَ عنه فهو مما عفا عنه “.خرّجه الترمذي وابن ماجة ، وحسَّنه الألباني في صحيح الترمذي (1726) وقال في المشكاة (4156) : صحيح موقوفا ، يمكن تحسينه بشاهده مرفوعا .فهذا الحديث الشريف من الأحاديث النبوية الجامعة ، ففيه استيعاب لأحكام الشريعة الإسلامية ، وتوضيحٍ لهذا الدين وحقيقته ؛ ولأجل ذلك ؛ أولى العلماء هذا الحديث اهتماما بالغا ، بدراسته واستخراج معانيه .قال أبو بكر السمعاني : ” هذا الحديث أصلٌ كبير من أصول الدين ، وحكي عن بعضهم أنه قال : ليس في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثٌ واحد أجمع بانفراده لأصول العلم وفروعه ، من حديث أبي ثعلبة . قال : وحكي عن أبي واثلة المزني أنه قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين في أربع كلمات ، ثم ذكر حديث أبي ثعلبة .ثم قال : فمن عمل بهذا الحديث ، فقد حاز الثواب ، وأمن العقاب ؛ لأنّ من أدّى الفرائض ، واجتنب المحارم ، ووقف عند الحدود ، وترك البحث عما غاب عنه ، فقد استوفى أقسام الفضل ، وأوفى حقوق الدّين ، لأنّ الشرائع لا تخرج عن هذه الأنواع المذكورة في هذا الحديث ” انتهى .وصدق رحمه الله ، فإننا إذا نظرنا إلى هذا الحديث ، وجدنا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد حدّد لنا معالم هذا الدين ، فعبّر عن شرع الله تعالى بألفاظ أربعة : الفرائض ، والمحارم ، والحدود ، والمسكوت عنه ، وهذه الألفاظ ترسم لنا التصوّر الصحيح للمنهج الذي ينبغي أنْ يسير عليه المسلم في حياته .فأول أمرٍ يتناوله الحديث : بيان موقف المكلّف من الفرائض ، بالمحافظة عليها وعدم التفريط في أدائها ، فقال : ” إنّ الله تعالى فرض فرائض فلا تضيّعوها ” والفرائض : هي الواجبات الشرعية التي أوجبها الله على عباده وألزمهم بها ، في الكتاب والسنة ، ومنها ما يكون واجبا على كل أفراد الأمة ، وهو ما يسمّى : بالفرائض العينيّة ، ومنها ما هو واجب على الكفاية ، أي : إذا قام به من يكفي ؛ سقط الإثم عن الباقين .فهذه الفرائض – بنوعيها – واجبة على كل مكلّف مادام مستطيعا ، فإذا ورد الأمر من الله تعالى أو من رسوله صلى الله عليه وسلّم ؛ فلا يجوز ردّه أو عدم الاستجابة له ؛ لأن هذا هو مقتضى إيمان العبد بالله ورسوله ، كما قال الله تعالى في كتابه : ( وأطيعوا الله ورسوله إنْ كنتم مؤمنين )الأنفال : 1 ، فهذه الطاعة هي هي عنوان العبودية والتسليم لحكم الله وشرعه .والثاني : قوله ” وحرّم أشياء فلا تنتهكوها ” وهذا فيما يتعلّق بالمحرّمات ، فقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى تركها فقال : ” فلا تنتهكوها ” ، فدعا إلى ترك المعاصي بجميع أنواعها ، وإنما عبّر هنا بلفظ الانتهاك ؛ ليبيّن حال من يقارف المعاصي من تعدٍّ وعدوان على أحكام الله عزوجل ، فأتى بهذه اللفظة للتنفير عن كل ما نهى الله عنه .ولما كان مدار التكليف كله على فعل المأمور وترك المحذور ، والتقيد بأحكام الشريعة ، والالتزام بما ورد فيها ، والوقوف عند حدودها ، وعدم تجاوزها ، أكد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: ” وحدّ حدوداً فلا تعتدوها ” ، وهي الأمر الثالث .والحدود لفظة وردت في مواضع كثيرة من الكتاب والُّسنة ، ولها مدلولات كثيرة بحسب ما تتعلق به ، ففي الأوامر : يكون الوقوف عند حدود الله ، بعدم الخروج عن دائرة المأذون به إلى دائرة غير المأذون ، وأما فيما يتعلّق بالنواهي ، فيحرم مجرّد الاقتراب منها ؛ لأن الله تعالى إذا حرّم شيئاً ، حرّم كلَّ ما يؤدي إليه ، وتلك هي خطوات الشيطان التي جاء التحذير منها في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ) النور : 21.أما الأمر الرابع : وهو موضع الشاهد من الحديث ، فهو قوله ” وسكت عن أشياء – رحمة لكم غير نسيان – فلا تبحثوا عنها ” فإذا كان هذا هو موقف المسلم تجاه ما ورد بيانه في الشريعة ، فما هو موقفه تجاه ما سكت عنه الشرع ولم يوضح حكمه ؟ وللجواب عن هذا نقول : إذا لم يرد نصّ في حكم مسألة ما ، فإننا نبقى على الأصل ، وهو الإباحة .وهذا هو السكوت المقصود في قوله : ” وسكت عن أشياء – رحمة لكم غير نسيان – فلا تبحثوا عنها ” فهو سكوت عن إظهار حُكْمه ، ومقتضاه أن يكون باقيا على أصل إباحته ، وليس معنى هذا جواز الابتداع في الدين والزيادة فيه ، بحجة أنه مسكوت عنه ؛ فإنَّ الابتداع ليس مسكوتا عنه ، بل هو محرّم كما دلّت الأدلّة على ذلك .6- وخرج أبو داود من حديث ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ، ويتركون أشياء تقذرا ، فبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأنزل كتابه ، وأحل حلاله وحرم حرامه ، فما أحل ، فهو حلال ، وما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو ، وتلا : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما ) الأنعام : 145 ، الآية ، وهذا موقوف .ومما سبق : يتبين لنا معاني تلك الألفاظ الأربعة ، والتي ترشدنا إلى القيام بحقوق الله ولزوم شريعته ، مع العفو عما سُكت عنه ، فدخل الدين كله في تلك الكلمات القليلة الجامعة المانعة .7- وفي الحديث : ” إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ..” . رواه البخاري (6064(قولُه : ” إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ” قَال الْخطَّابِيُّ وغيرُه ليسَ المُرادُ تَرْكَ الْعمَلِ بالظَّنِّ الَّذِي تُنَاطُ بِهِ الْأَحْكامُ غالِبًا ، بلِ الْمُرَادُ تَرْكَ تَحْقيقِ الظنِّ الَّذي يَضُرُّ بِالْمَظْنُونِ به ، وكذَا ما يَقَعُ في الْقلْبِ بغيرِ دلِيلٍ ، وذلك أَنَّ أَوائلَ الظُّنُونِ إِنَّما هي خَوَاطرُ لا يُمكنُ دَفعها ، وما لَا يُقْدَرُ علَيهِ لا يُكَلَّفُ به .وقَال عِيَاضٌ : اسْتَدَلَّ بِالْحديثِ قومٌ علَى مَنْعِ الْعَمَلِ في الْأَحْكَامِ بالِاجْتِهاد والرَّأْيِ ، وحَمَلَهُ الْمُحقِّقُون علَى ظَنٍّ مُجرَّدٍ عنِ الدَّلِيلِ ليس مَبْنِيًّا على أَصْلٍ ولا تَحْقِيقِ نَظَرٍ .8- وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ” مَنْ عَلِم فليقل ، ومَنْ لم يَعلم فليقل : الله أعلم ، فإنَّ من العلم أنْ يقول لما لا يعلم : لا أعلم ؛ فإنَّ الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) ص : 86 .9- وترجم الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الاعتصام من “صحيحه” : باب : ما يكره من كثرة السؤال ، ومن تكلف ما لا يعنيه ، وقوله تعالى : ( لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) المائدة :101، وباب: ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )الإسراء: 36 .10- عن أبي إسحاق قال : سألت الأوزاعي فقال : اصبر نفسك على السنة ، وقف حيث وقف القوم ، وقلْ بما قالوا ، وكفّ عما كفوا عنه ، واسلك سبيل سلفك الصالح ؛ فإنه يسعك ما وسعهم . رواه اللالكائي .11- وسأل رجل أبا حنيفة رحمه الله : ما تقول فيما أحدثه الناس في الكلام في الأعراض والأجسام ؟ فقال : مقالات الفلاسفة ، عليك بالأثر وطريق السلف ، وإياك وكل محدثةٍ فإنها بدعة . ذم الكلام للهروي .12- وقال الشعبي : عليك بآثار من سلف وإنْ رفضك الناس ، وإياك وآراء الرجال ؛ وإنْ زخرفوها لك بالقول .وقال أيضا : ما حدّثوك به عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فخذه ، وما حدثوك به عن رأيهم فانبذه في الحش .13- وقال إبراهيم النخعي : لو بلغني أنهم – يعنى الصحابة – لم يُجاوزوا بالوضوء ظُفراً ؛ لما جاوزته به . أخرجه الدارمي .14- وقال شيخ الإسلام رحمه الله : ” ما لم يرد به الخبر ؛ إنْ علم انتفاؤه نفيناه ، وإلا سكتنا عنه ، فلا نثبت إلا بعلم ، ولا ننفي إلا بعلم …فالأقسام ثلاثة : ما عُلم ثبوته أُثبت ، وما علم انتفاؤه نفي ، وما لم يعلم نفيه ولا إثباته سُكت عنه ، هذا هو الواجب ، والسكوت عن الشيء غير الجزم بنفيه أو ثبوته “. انتهى .15- وقال ابن عبد الهادي رحمه الله : ” ولا يجوز إحداث تأويل في آيةٍ أو سنة ، لم يكنْ على عهد السلف ، ولا عرفوه ولا بيّنوه للأمة ، فإنَّ هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا ، وضلوا عنه ، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر “. الصارم المنكي (ص427)
إسلام أون لاين
من أصول منهج السلف السُّكوت عما سكتَ الله تعالى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم .فكل مسألة من مسائل الشريعة – ولاسيما مسائل الاعتقاد – لا يُحكم فيها ، نفياً أو إثباتاً إلا بدليل ، فما ورد الدليل بإثباته أثبتناه ، وما ورد بنفيه نفيناه ، وما لم يرد بإثباته ولا بنفيه دليلٌ ؛ توقَّفنا ، ولم نحكم فيه بشيء ؛ لا إثباتاً ولا نفياً ، ولا يعني هذا أنّ المسألة خلية عن الدليل ، بل قد يكون عليها دليل، لكن لا نعلمه ، فالواجب علينا التوقف : إما مطلقاً ، أو لحين وجدان الدليل .وقد وردت نصوصٌ كثيرة من الكتاب والسنة ، وأقوال الصحابة والتابعين ، وأئمة السلف وأهل السنة ، بالأمر بالكفّ عما لم يرد في الشرع ، والسكوت عما سكت عنه الله ورسوله ، وأمسك عنه السلف ، وترك الخوض فيما لا علم للإنسان به من دليل أو أثر . ( انظر الموسوعة العقدية ) .
فمن الكتاب العزيز :1- قال الله تعالى : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) الإسراء : 36.قوله ( وَلاَ تَقْفُ ) القَفْوُ : مصدر قولك : قفا يَقْفُو ، وهو أنْ يتّبع شيئاً ، وقَفَوْتُه أَقْفُوه قَفْواً ، وتَقَفَّيْتُه ، أي : اتبعته .قوله ( كل أولئك ) أي : هذه الصفات من السمع والبصر والفؤاد .( كان عنه مسئولا ) أي : سيسأل العبد عنها يوم القيامة ، ويسأل عما عمل فيها .روى الطبري : عن قتادة قال : لا تقل رأيتُ ولم تر ، وسمعت ولم تسمع ، وعلمت ولم تعلم ، فإنّ الله سائلك عن ذلك كله .وقال الأخفش في قوله : ( ولا تَقْفُ ما ليس لك به علمٌ ) أي : لا تتَّبع ما لا تَعلم .ومعنى الآية : لا تكن تابعاً لما ليس لك به علم ، من الآراء أو الأفكار ، أو المذاهب ، أو الاشخاص ، أو الرُّؤى ، لا تكن تابعاً لشيء منها دون بصيرة وتعقل .فينهى الله تعالى عن اتباع ما لا علم للإنسان به ، وهى لإطلاقها تشمل الاتباع اعتقاداً وعملاً ، فلا تعتقد ما لا علم لك به ، ولا تقلْ ما لا علم لك به ، ولا تفعلْ ما لا علم لك به .قال الشيخ السعدي : ” ولا تتبع ما ليس لك به علم ، بل تثبَّت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك ، إنّ السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ، فحقيقٌ بالعبد الذي يَعرف أنه مسؤول عما قاله وفعله ، وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته ؛ أنْ يُعدَّ للسؤال جواباً ، وذلك لا يكون إلا باستعمالها بعبودية الله ، وإخلاص الدِّين له ، وكفّها عما يكرهه الله تعالى ” انتهى .2- وقال تعالى ( وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ )البقرة : 168- 169 .قال ابن كثير : ” وقوله: ( إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) أي : إنما يأمركم عدوكم الشيطان بالأفعال السيئة ، وأغلظ منها الفاحشة ، كالزنا ونحوه ، وأغلظُ من ذلك ؛ وهو القول على اللّه بلا علم ، فيدخل في هذا كل كافر ، وكل مبتدع أيضاً”.وقال الطبري : ” وأَمَّا قَوله : ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ ) فهو ما كَانوا يُحَرِّمُونَ مِنْ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب والْوَصَائِل والْحَوَامِي , ويَزعمُون أَنَّ اللَّه حَرَّمَ ذَلك , فَقَال تعالى ذِكْره لهم : ( مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ ) المائدة : 103.وأَخْبرهُمْ تعالى ذِكْره في هذه الْآيَة : أَنَّ قَيْلهمْ إنَّ اللَّه حَرَّمَ هذا !! مِنْ الْكذب الَّذي يَأْمُرهُمْ بِه الشَّيْطَان , وأَنَّهُ قَدْ أَحَلَّهُ لَهُمْ وطَيَّبَهُ , ولمْ يُحَرِّم أَكْله علَيهم , ولَكِنَّهم يقُولُون على اللَّه ما لا يَعْلَمُونَ حَقِيقَته طَاعَة مِنْهُمْ لِلشَّيْطَانِ , واتِّبَاعًا مِنْهُمْ خُطُوَاته , واقْتِفَاء مِنْهُمْ آثَار أَسْلَافهمْ الضُّلَّالِ وَآبَائِهِمْ الْجُهَّال , الَّذِينَ كَانُوا بِاَللَّهِ وبما أُنْزِلَ علَى رسوله جُهَّالًا , وَعَنْ الْحَقّ وَمِنْهَاجه ضُلَّالًا ; وَإِسْرَافًا مِنْهُمْ , كَمَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه عَلَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فقال تعالَى ذِكْره : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه قَالُوا بَلْ نَتَّبِع مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ) “. 3- وقال جل وعلا: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) الأعراف: 33 .فجعل القول على الله تعالى بغير علم ، فوق هذه المحرمات كلها .قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ” فرتب المحرمات أربع مراتب :وبدأ بأسهلها وهو الفواحش .ثم ثَنَّى بما هو أشد تحريما منه ، وهو الإثم والظلم .ثم ثَلَّث بما هو أعظم تحريما منها ، وهو الشرك به سبحانه .ثم ربَّع ما هو أشد تحريماً من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم ، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه .ومما يدل أيضا على أنه من كبائر الإثم قول الله تعالى : ( وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النحل: 116-117.فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه ، وقولهم لما لم يحرمه : هذا حرامٌ ، ولما لم يحله : هذا حلال ، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما عَلِم أنَّ الله سبحانه وتعالى أحلّه وحرّمه ” انتهى . ” إعلام الموقعين ” (1/38( .4- وقالت الملائكة – وهم الملائكة – عند ربها : ( قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) البقرة :32 .وهذا خبر من الله جل ذكره عن ملائكته ، بالأوبة إليه ، وتسليم علم ما لم يعلموه له ، وتبرِّيهم من أنْ يعلموا أو يعلم أحدٌ شيئًا إلا ما علّمه تعالى ذكره . ( الطبري ) .فقوله تعالى : ( قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ) سبحانك : أي : تنزيهاً لك عن أن يعلم الغيب أحدٌ سواك ، وهذا جوابهم عن قوله : ( أنبئوني بأسماء هؤلاء ) فأجابوا : أنهم لا يعلمون إلا ما أعلمهم به ، ولم يتعاطوا ما لا علم لهم به كما يفعله الجهال منا .و “ما” في ( إلا ما علمتنا ) بمعنى ” الذي ” أي : إلا الذي علمتنا ، ويجوز أنْ تكون مصدرية ، بمعنى : إلا تعليمك إيانا .وقوله ( إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) أي : العليم بكل شيء ، الحكيم في خلقك وأمرك ، وفي تعليمك من تشاء ، ومنعك من تشاء ، لك الحكمة في ذلك ، والعدل التام .وفيه : أنَّ الواجب على من سئل عن علم لا يعلمه ؛ أن يقول : الله أعلم ، أو لا أعلم أو أدري ؟ اقتداء بالملائكة الكرام ، وبالأنبياء ، والفضلاء من العلماء .5- قوله تعالى : ( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ) النحل : 116.أي : ولا تقولوا الكذب الذي تصفه ألسنتكم ، بقولكم هذا حلال وهذا حرام ، واللام في ( لتفتروا على الله الكذب ) هي لام العاقبة ، ، أي : فيتعقب ذلك افتراؤكم على الله الكذب بالتحليل والتحريم ، وإسناد ذلك إليه من غير أن يكون منه .وأما ما ورد من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه والتابعين بعدهم في معنى الآية :1- فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ذَروني ما تركتكم ؛ فإنما هَلَك مَن كان قبلكم ؛ بكثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ” . متفق عليه .قال النووي رحمه الله : هذا الحديث من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيما لا يحصى من الأحكام .أما سبب الحديث : فقد روى مسلم في صحيحه : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “أيها الناس ، قد فرض الله عليكم الحج فحجُّوا “، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله؟ فسكت ، حتى قالها ثلاثًا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لو قلت : نعم ، لوجبت ، ولما استطعتم “، ثم قال : ” ذَرُوني ما تركتكم ؛ فإنما هلَك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ،واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيءٍ فَأْتُوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ” .فقوله “ما نهيتكم ” أي : منعتكم ، والنهي : هو طلب الكف عن فعل الشيء .” وما أمرتكم ” أي : ما طلبت منكم أن تفعلوه ، والأمر: هو طلب فعل الشيء . ” فأتوا ” أي : افعلوا منه ما استطعتم ، وما قدرتم عليه دون مشقة وعسر . وفيه : سهولة هذا الدين ؛ حيث لم يوجب على الإنسان إلا ما يستطيعه .” إنما هلك ” وفي رواية ” أهلك ” أي : أوجب العقوبة لهم في الدنيا والآخرة .كثرة مسائلهم: أي أسئلتهم الكثيرة .وقوله ” واختلافهم على أنبيائهم ” أي : عصيانهم لهم ، ومخالفتهم أمرهم .فبين النبي أن من أسباب هلاك الأمم السابقة : كثرةُ أسالتهم التي بغير حاجة ولا ضرورة .واختلافُهم على أنبيائهم ؛ أي : اختلافًا يُؤدّي إلى كفر أو بدعة ؛ إذْ الاختلاف يؤدي إلى التفرّق ، ومقصود الشارع عكسه .2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أي البقاع خير ؟ قال: لا أدري ، فقال: أي البقاع شر ؟ قال : لا أدري ، فأتاه جبريل عليه السلام ، فقال له : يا جبريل أي البقاع خير ؟ قال : لا أدري ، قال: أي البقاع شر ؟ قال: لا أدري ، قال: سلْ ربك ، قال : فانتفض جبريل عليه السلام انتفاضة ؛ كاد يصعق منها محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال: ما أسأله عن شيء ، فقال الله جل وعلا لجبريل : سألك محمد ؛ أي البقاع خير ؟ فقلت : لا أدري ، وسألك : أي البقاع شر ؟ فقلت : لا أدري ، فأخبره أنّ خير البقاع المساجد ، وأن شر البقاع الأسواق ” . رواه الطبراني وابن حبان والبيهقي ، وصححه الألباني .ففي هذا الحديث : توقف النبي صلى الله عليه وسلم عن الجواب بغير علم ، وكذلك توقف معلِّمه جبريل عليه السلام عن الجواب بغير علم ، حتى سأل الله تعالى عن ذلك .وفي هذا تأديب للمؤمنين بذلك ، ألا يقولوا شيئاً بغير علم .3- وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إنّ الله تعالى فَرضَ فرائض فلا تضيّعوها ، وحدَّ حُدوداً فلا تعْتدوها ، وحرّم أشياءَ فلا تنتهكوها ، وسَكتَ عن أشياءَ – رَحمةً لكم غير نسيانٍ – فلا تَبْحثوا عنها ” .رواه الدارقطني (4/183) والطبراني ( 22/589) والحاكم ، والبيهقي (10/12-13) وهو حديث حسن ، حسّنه النووي كما في الأذكار (505) ، والحافظ أبو بكر بن السمعاني في ” أماليه ” ، وصححه ابن القيم في إعلام الموقعين (1/221) وابن كثير في تفسيره (1/405) ، وقال الألباني في تحقيق الإيمان لابن تيمية (43) : حسن بشاهده .4- ونحوه حديث أبي الدرداء رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ما أحلَّ الله في كتابه فهو حلالٌ ، وما حرّم فهو حرامٌ ، وما سكتَ عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإنّ الله لم يكنْ لينسى شيئاً ، ثم تلا هذه الآية : ( وما كان ربُّك نسيا ) مريم : 64 .وقد أخرجه البزار في ” مسنده ” (123) وقال : إسناده صالح . والحاكم (2/375) وقال : صحيح الإسناد ، والألباني في السلسلة الصحيحة (2256).5- ونحوه عن أبي عثمان عن سلمان رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء ، فقال : ” الحلال ما أحلَّ اللهُ في كتابه ، والحرامُ ما حرَّم الله في كتابه ، وما سكتَ عنه فهو مما عفا عنه “.خرّجه الترمذي وابن ماجة ، وحسَّنه الألباني في صحيح الترمذي (1726) وقال في المشكاة (4156) : صحيح موقوفا ، يمكن تحسينه بشاهده مرفوعا .فهذا الحديث الشريف من الأحاديث النبوية الجامعة ، ففيه استيعاب لأحكام الشريعة الإسلامية ، وتوضيحٍ لهذا الدين وحقيقته ؛ ولأجل ذلك ؛ أولى العلماء هذا الحديث اهتماما بالغا ، بدراسته واستخراج معانيه .قال أبو بكر السمعاني : ” هذا الحديث أصلٌ كبير من أصول الدين ، وحكي عن بعضهم أنه قال : ليس في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثٌ واحد أجمع بانفراده لأصول العلم وفروعه ، من حديث أبي ثعلبة . قال : وحكي عن أبي واثلة المزني أنه قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين في أربع كلمات ، ثم ذكر حديث أبي ثعلبة .ثم قال : فمن عمل بهذا الحديث ، فقد حاز الثواب ، وأمن العقاب ؛ لأنّ من أدّى الفرائض ، واجتنب المحارم ، ووقف عند الحدود ، وترك البحث عما غاب عنه ، فقد استوفى أقسام الفضل ، وأوفى حقوق الدّين ، لأنّ الشرائع لا تخرج عن هذه الأنواع المذكورة في هذا الحديث ” انتهى .وصدق رحمه الله ، فإننا إذا نظرنا إلى هذا الحديث ، وجدنا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد حدّد لنا معالم هذا الدين ، فعبّر عن شرع الله تعالى بألفاظ أربعة : الفرائض ، والمحارم ، والحدود ، والمسكوت عنه ، وهذه الألفاظ ترسم لنا التصوّر الصحيح للمنهج الذي ينبغي أنْ يسير عليه المسلم في حياته .فأول أمرٍ يتناوله الحديث : بيان موقف المكلّف من الفرائض ، بالمحافظة عليها وعدم التفريط في أدائها ، فقال : ” إنّ الله تعالى فرض فرائض فلا تضيّعوها ” والفرائض : هي الواجبات الشرعية التي أوجبها الله على عباده وألزمهم بها ، في الكتاب والسنة ، ومنها ما يكون واجبا على كل أفراد الأمة ، وهو ما يسمّى : بالفرائض العينيّة ، ومنها ما هو واجب على الكفاية ، أي : إذا قام به من يكفي ؛ سقط الإثم عن الباقين .فهذه الفرائض – بنوعيها – واجبة على كل مكلّف مادام مستطيعا ، فإذا ورد الأمر من الله تعالى أو من رسوله صلى الله عليه وسلّم ؛ فلا يجوز ردّه أو عدم الاستجابة له ؛ لأن هذا هو مقتضى إيمان العبد بالله ورسوله ، كما قال الله تعالى في كتابه : ( وأطيعوا الله ورسوله إنْ كنتم مؤمنين )الأنفال : 1 ، فهذه الطاعة هي هي عنوان العبودية والتسليم لحكم الله وشرعه .والثاني : قوله ” وحرّم أشياء فلا تنتهكوها ” وهذا فيما يتعلّق بالمحرّمات ، فقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى تركها فقال : ” فلا تنتهكوها ” ، فدعا إلى ترك المعاصي بجميع أنواعها ، وإنما عبّر هنا بلفظ الانتهاك ؛ ليبيّن حال من يقارف المعاصي من تعدٍّ وعدوان على أحكام الله عزوجل ، فأتى بهذه اللفظة للتنفير عن كل ما نهى الله عنه .ولما كان مدار التكليف كله على فعل المأمور وترك المحذور ، والتقيد بأحكام الشريعة ، والالتزام بما ورد فيها ، والوقوف عند حدودها ، وعدم تجاوزها ، أكد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: ” وحدّ حدوداً فلا تعتدوها ” ، وهي الأمر الثالث .والحدود لفظة وردت في مواضع كثيرة من الكتاب والُّسنة ، ولها مدلولات كثيرة بحسب ما تتعلق به ، ففي الأوامر : يكون الوقوف عند حدود الله ، بعدم الخروج عن دائرة المأذون به إلى دائرة غير المأذون ، وأما فيما يتعلّق بالنواهي ، فيحرم مجرّد الاقتراب منها ؛ لأن الله تعالى إذا حرّم شيئاً ، حرّم كلَّ ما يؤدي إليه ، وتلك هي خطوات الشيطان التي جاء التحذير منها في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ) النور : 21.أما الأمر الرابع : وهو موضع الشاهد من الحديث ، فهو قوله ” وسكت عن أشياء – رحمة لكم غير نسيان – فلا تبحثوا عنها ” فإذا كان هذا هو موقف المسلم تجاه ما ورد بيانه في الشريعة ، فما هو موقفه تجاه ما سكت عنه الشرع ولم يوضح حكمه ؟ وللجواب عن هذا نقول : إذا لم يرد نصّ في حكم مسألة ما ، فإننا نبقى على الأصل ، وهو الإباحة .وهذا هو السكوت المقصود في قوله : ” وسكت عن أشياء – رحمة لكم غير نسيان – فلا تبحثوا عنها ” فهو سكوت عن إظهار حُكْمه ، ومقتضاه أن يكون باقيا على أصل إباحته ، وليس معنى هذا جواز الابتداع في الدين والزيادة فيه ، بحجة أنه مسكوت عنه ؛ فإنَّ الابتداع ليس مسكوتا عنه ، بل هو محرّم كما دلّت الأدلّة على ذلك .6- وخرج أبو داود من حديث ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ، ويتركون أشياء تقذرا ، فبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأنزل كتابه ، وأحل حلاله وحرم حرامه ، فما أحل ، فهو حلال ، وما حرم فهو حرام ، وما سكت عنه فهو عفو ، وتلا : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما ) الأنعام : 145 ، الآية ، وهذا موقوف .ومما سبق : يتبين لنا معاني تلك الألفاظ الأربعة ، والتي ترشدنا إلى القيام بحقوق الله ولزوم شريعته ، مع العفو عما سُكت عنه ، فدخل الدين كله في تلك الكلمات القليلة الجامعة المانعة .7- وفي الحديث : ” إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ..” . رواه البخاري (6064(قولُه : ” إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ” قَال الْخطَّابِيُّ وغيرُه ليسَ المُرادُ تَرْكَ الْعمَلِ بالظَّنِّ الَّذِي تُنَاطُ بِهِ الْأَحْكامُ غالِبًا ، بلِ الْمُرَادُ تَرْكَ تَحْقيقِ الظنِّ الَّذي يَضُرُّ بِالْمَظْنُونِ به ، وكذَا ما يَقَعُ في الْقلْبِ بغيرِ دلِيلٍ ، وذلك أَنَّ أَوائلَ الظُّنُونِ إِنَّما هي خَوَاطرُ لا يُمكنُ دَفعها ، وما لَا يُقْدَرُ علَيهِ لا يُكَلَّفُ به .وقَال عِيَاضٌ : اسْتَدَلَّ بِالْحديثِ قومٌ علَى مَنْعِ الْعَمَلِ في الْأَحْكَامِ بالِاجْتِهاد والرَّأْيِ ، وحَمَلَهُ الْمُحقِّقُون علَى ظَنٍّ مُجرَّدٍ عنِ الدَّلِيلِ ليس مَبْنِيًّا على أَصْلٍ ولا تَحْقِيقِ نَظَرٍ .8- وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ” مَنْ عَلِم فليقل ، ومَنْ لم يَعلم فليقل : الله أعلم ، فإنَّ من العلم أنْ يقول لما لا يعلم : لا أعلم ؛ فإنَّ الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) ص : 86 .9- وترجم الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الاعتصام من “صحيحه” : باب : ما يكره من كثرة السؤال ، ومن تكلف ما لا يعنيه ، وقوله تعالى : ( لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) المائدة :101، وباب: ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )الإسراء: 36 .10- عن أبي إسحاق قال : سألت الأوزاعي فقال : اصبر نفسك على السنة ، وقف حيث وقف القوم ، وقلْ بما قالوا ، وكفّ عما كفوا عنه ، واسلك سبيل سلفك الصالح ؛ فإنه يسعك ما وسعهم . رواه اللالكائي .11- وسأل رجل أبا حنيفة رحمه الله : ما تقول فيما أحدثه الناس في الكلام في الأعراض والأجسام ؟ فقال : مقالات الفلاسفة ، عليك بالأثر وطريق السلف ، وإياك وكل محدثةٍ فإنها بدعة . ذم الكلام للهروي .12- وقال الشعبي : عليك بآثار من سلف وإنْ رفضك الناس ، وإياك وآراء الرجال ؛ وإنْ زخرفوها لك بالقول .وقال أيضا : ما حدّثوك به عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فخذه ، وما حدثوك به عن رأيهم فانبذه في الحش .13- وقال إبراهيم النخعي : لو بلغني أنهم – يعنى الصحابة – لم يُجاوزوا بالوضوء ظُفراً ؛ لما جاوزته به . أخرجه الدارمي .14- وقال شيخ الإسلام رحمه الله : ” ما لم يرد به الخبر ؛ إنْ علم انتفاؤه نفيناه ، وإلا سكتنا عنه ، فلا نثبت إلا بعلم ، ولا ننفي إلا بعلم …فالأقسام ثلاثة : ما عُلم ثبوته أُثبت ، وما علم انتفاؤه نفي ، وما لم يعلم نفيه ولا إثباته سُكت عنه ، هذا هو الواجب ، والسكوت عن الشيء غير الجزم بنفيه أو ثبوته “. انتهى .15- وقال ابن عبد الهادي رحمه الله : ” ولا يجوز إحداث تأويل في آيةٍ أو سنة ، لم يكنْ على عهد السلف ، ولا عرفوه ولا بيّنوه للأمة ، فإنَّ هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا ، وضلوا عنه ، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر “. الصارم المنكي (ص427)
إسلام أون لاين