zoro1
01-11-2024, 08:51 AM
من مشاهد الحياة الآخرة التي أخبر عنها القرآن الكريم، أن الـمُعْرِض عما جاء به الله سبحانه من شرائع وأحكام تنظم حياة الإنسان في الدنيا يتساءل عن مصيره في تلك الدار، وما آل إليه من حال، متوجهاً إلى ربه بما أخبر عنه القرآن بقوله: {قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا} (طه:125) فيأتيه الجواب من رب الأرباب: {قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} (طه:126).
لقد جاء الجواب لذلك الـمُعْرِض عن شرع ربه وأدلته وبيانه الذي بينه في كتابه، فنبذه وراء ظهره، وأعرض عنه، ولم يؤمن به، ولم يعمل بما فيه، بقوله سبحانه: {وكذلك اليوم تنسى} أي: فكما نسيت آيات الله في الدنيا، فتركتها وأعرضت عنها، فكذلك اليوم تترك في النار.
روى الطبري عن مجاهد، في قوله تعالى: {كذلك أتتك آياتنا فنسيتها} قال: فتركتها {وكذلك اليوم تنسى} وكذلك اليوم تُترك في النار. وعن قتادة في قوله سبحانه: {قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} قال: نُسي من الخير، ولم يُنس من الشر. وهذا القول الذي قاله قتادة قريب المعنى مما قاله مجاهد؛ لأن تركه إياهم في النار أعظم الشر لهم.
والمراد ب (النسيان) في الموضعين {أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} كناية، أو استعارة في الحرمان من حظوظ الرحمة، أي: لما أعرضت عن آيات الله، وعاملتها معاملة من لم يذكرها، بعد بلاغها إليك تناسيتها، وأعرضت عنها وأغفلتها، كذلك نعاملك اليوم معاملة من ينساك. فإن الجزاء من جنس العمل.
قال ابن كثير: "فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه، فليس داخلاً في هذا الوعيد الخاص، وإن كان متوعداً عليه من جهة أخرى، فإنه قد وردت السنة بالنهي الأكيد، والوعيد الشديد في ذلك، روى الإمام أحمد عن سعد بن عبادة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل قرأ القرآن فنسيه، إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم) أي: مقطوع اليد.
ونظير هذه الآية قوله تعالى في حق آل فرعون: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} (غافر:46) فهذا في البرزخ {ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} (غافر:46) فهذا في القيامة الكبرى. ونظيرها أيضاً قوله تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} (الأنعام:93) فقول الملائكة: {اليوم تجزون عذاب الهون} المراد به عذاب البرزخ الذي أوله يوم القبض والموت. ونظيرها كذلك قوله تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق} (الأنفال:50) فهذه الإذاقة في البرزخ، وأولها حين الوفاة، فإنه معطوف على قوله {يضربون وجوههم وأدبارهم} وهو من القول المحذوف؛ لدلالة الكلام عليه كنظائره. وكلاهما واقع وقت الوفاة.
وذكر الرازي عند تفسيره لهذه الآية أنَّ "الأرواح البشرية إذا فارقت أبدانها جاهلة ضالة عن الاتصال بالروحانيات، بقيت على تلك الحالة بعد المفارقة، وعظمت الآلام الروحانية؛ فلهذا علَّل الله تعالى حصول العمى في الآخرة بالإعراض عن الدلائل في الدنيا، ومن فسر (المعيشة الضنك) بالضيق في الدنيا، قال: إنه تعالى بيَّن أن من أعرض عن ذكره في الدنيا، فله المعيشة الضنك في الدنيا، والعمى في الآخرة".
والمقصود مقابلة الجزاء للعمل؛ فإن تناسي آيات الله وحججه وأوامره في الدنيا، يقابله يوم القيامة تناسي صاحبه في عذاب جهنم. وقد أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقول الله له: ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً وولداً، وسخَّرت لك الأنعام والحرث، وتركتك تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ، فكنتَ تظنُّ أنك ملاقي يومك هذا؟ فيقول: لا. فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني).
وأصله في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: (هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة، ليست في سحابة؟) قالوا: لا، قال: (فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس في سحابة؟) قالوا: لا، قال: (فو الذي نفسي بيده، لا تضارون في رؤية ربكم، إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، فيلقى العبدَ، فيقول: أي فُل -معناه يا فلان! ألم أكرمْك، وأسودْك، وأزوجْك وأسخر لك الخيل، والإبل، وأذَرْك تَرْأَسُ، وَتَرْبَعُ؟ فيقول: بلى أي رب، قال: فيقول: أفظننتَ أنك ملاقيَّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني).
قال الترمذي: "ومعنى قوله: اليوم أنساك، يقول: اليوم أتركك في العذاب". قال: "وقد فسر بعض أهل العلم هذه الآية {فاليوم ننساهم} قالوا: إنما معناه اليوم نتركهم في العذاب".
وعقَّب النسفي على هذه الآية بقوله: "فمع الدين، التسليم والقناعة والتوكل، فتكون حياته طيبة، ومع الإعراض، الحرص والشح فعيشه ضنك، وحاله مظلمة، كما قال بعض أهل العلم: لا يُعرض أحدكم عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته، وتشوش عليه رزقه".
ومحصل القول، إنَّ من ترك شرع ربه، ولم يعبأ به، ولم يراع حلاله من حرامه، فإنَّ الله سبحانه يتركه يوم القيامة؛ فلا ينظر إليه برحمة، ولا يكلمه بلطف، ولا يزلف إليه بقرب، بل يتركه في العذاب.
المصدر : إسلام ويب
لقد جاء الجواب لذلك الـمُعْرِض عن شرع ربه وأدلته وبيانه الذي بينه في كتابه، فنبذه وراء ظهره، وأعرض عنه، ولم يؤمن به، ولم يعمل بما فيه، بقوله سبحانه: {وكذلك اليوم تنسى} أي: فكما نسيت آيات الله في الدنيا، فتركتها وأعرضت عنها، فكذلك اليوم تترك في النار.
روى الطبري عن مجاهد، في قوله تعالى: {كذلك أتتك آياتنا فنسيتها} قال: فتركتها {وكذلك اليوم تنسى} وكذلك اليوم تُترك في النار. وعن قتادة في قوله سبحانه: {قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} قال: نُسي من الخير، ولم يُنس من الشر. وهذا القول الذي قاله قتادة قريب المعنى مما قاله مجاهد؛ لأن تركه إياهم في النار أعظم الشر لهم.
والمراد ب (النسيان) في الموضعين {أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} كناية، أو استعارة في الحرمان من حظوظ الرحمة، أي: لما أعرضت عن آيات الله، وعاملتها معاملة من لم يذكرها، بعد بلاغها إليك تناسيتها، وأعرضت عنها وأغفلتها، كذلك نعاملك اليوم معاملة من ينساك. فإن الجزاء من جنس العمل.
قال ابن كثير: "فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه، فليس داخلاً في هذا الوعيد الخاص، وإن كان متوعداً عليه من جهة أخرى، فإنه قد وردت السنة بالنهي الأكيد، والوعيد الشديد في ذلك، روى الإمام أحمد عن سعد بن عبادة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل قرأ القرآن فنسيه، إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم) أي: مقطوع اليد.
ونظير هذه الآية قوله تعالى في حق آل فرعون: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} (غافر:46) فهذا في البرزخ {ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} (غافر:46) فهذا في القيامة الكبرى. ونظيرها أيضاً قوله تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} (الأنعام:93) فقول الملائكة: {اليوم تجزون عذاب الهون} المراد به عذاب البرزخ الذي أوله يوم القبض والموت. ونظيرها كذلك قوله تعالى: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق} (الأنفال:50) فهذه الإذاقة في البرزخ، وأولها حين الوفاة، فإنه معطوف على قوله {يضربون وجوههم وأدبارهم} وهو من القول المحذوف؛ لدلالة الكلام عليه كنظائره. وكلاهما واقع وقت الوفاة.
وذكر الرازي عند تفسيره لهذه الآية أنَّ "الأرواح البشرية إذا فارقت أبدانها جاهلة ضالة عن الاتصال بالروحانيات، بقيت على تلك الحالة بعد المفارقة، وعظمت الآلام الروحانية؛ فلهذا علَّل الله تعالى حصول العمى في الآخرة بالإعراض عن الدلائل في الدنيا، ومن فسر (المعيشة الضنك) بالضيق في الدنيا، قال: إنه تعالى بيَّن أن من أعرض عن ذكره في الدنيا، فله المعيشة الضنك في الدنيا، والعمى في الآخرة".
والمقصود مقابلة الجزاء للعمل؛ فإن تناسي آيات الله وحججه وأوامره في الدنيا، يقابله يوم القيامة تناسي صاحبه في عذاب جهنم. وقد أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقول الله له: ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً وولداً، وسخَّرت لك الأنعام والحرث، وتركتك تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ، فكنتَ تظنُّ أنك ملاقي يومك هذا؟ فيقول: لا. فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني).
وأصله في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: (هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة، ليست في سحابة؟) قالوا: لا، قال: (فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس في سحابة؟) قالوا: لا، قال: (فو الذي نفسي بيده، لا تضارون في رؤية ربكم، إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، فيلقى العبدَ، فيقول: أي فُل -معناه يا فلان! ألم أكرمْك، وأسودْك، وأزوجْك وأسخر لك الخيل، والإبل، وأذَرْك تَرْأَسُ، وَتَرْبَعُ؟ فيقول: بلى أي رب، قال: فيقول: أفظننتَ أنك ملاقيَّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني).
قال الترمذي: "ومعنى قوله: اليوم أنساك، يقول: اليوم أتركك في العذاب". قال: "وقد فسر بعض أهل العلم هذه الآية {فاليوم ننساهم} قالوا: إنما معناه اليوم نتركهم في العذاب".
وعقَّب النسفي على هذه الآية بقوله: "فمع الدين، التسليم والقناعة والتوكل، فتكون حياته طيبة، ومع الإعراض، الحرص والشح فعيشه ضنك، وحاله مظلمة، كما قال بعض أهل العلم: لا يُعرض أحدكم عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته، وتشوش عليه رزقه".
ومحصل القول، إنَّ من ترك شرع ربه، ولم يعبأ به، ولم يراع حلاله من حرامه، فإنَّ الله سبحانه يتركه يوم القيامة؛ فلا ينظر إليه برحمة، ولا يكلمه بلطف، ولا يزلف إليه بقرب، بل يتركه في العذاب.
المصدر : إسلام ويب