zoro1
01-22-2024, 10:41 AM
{إن الله لا يخفى عليه شيء}
د. خالد النجار
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ﴾ [آل عمران: 5]
يقول تعالى في سورة آل عمران:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 5، 6].
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ﴾، الخفاء ضد الظهور، ﴿ شَيْءٌ ﴾ نكرة في سياق النفي، فتعم كل شيء؛ الكليات والجزئيات، ﴿ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5]، فلو كان هناك من يستحق الألوهية معه، لعلِمه وأخبر عنه.
فعبَّر عنه بالأرض والسماء؛ إذ الحس لا يتجاوزهما، وابتدأ في الذكر بالأرض؛ ليتسنى التدرج في العطف إلى الأبعد في الحكم؛ لأن أشياء الأرض يعلم كثيرًا منها كثيرٌ من الناس، أما أشياء السماء، فلا يعلم أحد بعضها، فضلًا عن علم جميعها.
في هذه الآية الكريمة يُخبر الله عز وجل بأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهي صفة سلبية، المراد بها بيان كمال علمه؛ لأن الصفات المنفية لا يُراد بها مجرد النفي، وإنما يُراد بها بيان كمال ضد ذلك المنفي، ﴿ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ﴾؛ لكمال علمه لا يخفى عليه شيء، فالله عز وجل كامل العلم، والغرض من هذه الجملة تربية الإنسان نفسَه، في امتثال أمر الله، واجتناب نهيه، وأنك لا تظن أن عملك يخفى على الله، بل هو معلوم له، فعليك أن تقوم بطاعته، وتجتنب معصيته.
وفيه: التحذير من مخالفة الله تعالى سرًّا وجهرًا، ووعيد بالمجازاة؛ قال الزمخشري: "مُطَّلع على كُفْرِ مَن كَفَرَ، وإيمان من آمن، وهو مجازيهم عليه".
وفيه: الرد على القدَرية الذين يقولون: إن الله لا يعلم الشيء الذي يفعله العبد، إلا بعد وقوعه، وهؤلاء غُلاتهم.
• وفيه: أن صفات الله عز وجل إما مثبَتة وإما منفية؛ فالمثبتة يسمونها «ثبوتية»، والمنفية يسمونها «سلبية»، والسلبية متضمنة للثبوت لا بد، ولكنه ينفي نقص ذلك الثابت، فلكمال علمه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ ﴾ يجعلكم على صورة معينة يختارها ويريدها، ﴿ فِي الْأَرْحَامِ ﴾؛ وعاء الجنين في بطن أمه، ﴿ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ يصورنا على أي كيفية شاء، لا خيار لنا في اختيار صورة معينة للجنين الذي في البطن.
وخُصَّ من بين شؤون القَيُّومِيَّة تصوير البشر؛ لأنه من أعجب مظاهر القدرة، ولأن فيه تعريضًا بالرد على النصارى في اعتقادهم إلهية عيسى، من أجل أن الله صوَّره بكيفية غير معتادة، فبيَّن لهم أن الكيفيات العارضة للموجودات كلها من صنع الله وتصويره؛ سواء المعتاد، وغير المعتاد.
قال في البحر المحيط: وهي دالة على كمال العلم بالكليات والجزئيات، وعبَّر عن جميع العالم بالأرض والسماء؛ إذ هما أعظم ما نشاهده، والتصوير على ما شاء من الهيئات دال على كمال القدرة، وبالعلم والقدرة يتم معنى القيومية؛ إذ هو القائم بمصالح الخلق ومهماتهم، وفي ذلك ردٌّ على النصارى؛ إذ شُبْهتهم في ادعاء إلهية عيسى كونه يخبر بالغيوب، وهذا راجع إلى العلم، وكونه يُحيي الموتى، وهو راجع إلى القدرة.
فنبهت الآية على أن الإله هو العالم بجميع الأشياء، فلا يخفى عليه شيء، ولا يلزم من كون عيسى عالمًا ببعض المغيبات أن يكون إلهًا، ومن المعلوم بالضرورة أن عيسى لم يكن عالمًا بجميع المعلومات، ونبَّهت على أن الإله هو ذو القدرة التامة، فلا يمتنع عليه شيء، ولا يلزم من كون عيسى قادرًا على الإحياء في بعض الصور أن يكون إلهًا، ومن المعلوم بالضرورة أن عيسى لم يكن قادرًا على تركيب الصور وإحيائها، بل إنباؤه ببعض المغيبات، وخَلْقُه وإحياؤه بعضَ الصور، إنما كان ذلك بإنباء الله له على سبيل الوحي، وإقداره تعالى له على ذلك، وكلها على سبيل المعجزة التي أجراها وأمثالها على أيدي رسله.
﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾: لا إله حقٍّ إلا هو، وليس «هو» اسمًا من أسماء الله، كما تقوله الصوفية الذين يدَّعون أنه اسم من أسماء الله عز وجل، ويَدْعُون الله به، فيقولون: (هو، هو، هو)، وهذا من شطحاتهم.
﴿ الْعَزِيزُ ﴾ ذو العزة الكاملة، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ إشارة إلى كمال قدرته، وتناهي حكمته، وهو تذييل لتقرير الأحكام المتقدمة.
فالله عز وجل حاكِم مُحكِم، بمعنى (متقِن)، وهنا يكون بمعنى (ذي الحكمة)؛ أي: متقن لكل ما حَكَمَ به، ليس في حكمه خلل ولا نقص، فكل ما حَكَمَ الله به من حُكْمٍ كوني أو شرعي، فهو على أتم وجه وأتقنه وأحسنه.
• فهو «العزيز» العزَّة التي لا تُرام، يُقال: رُمْت الشيء إذا طلبته، والمعنى أنه سبحانه عزيز ممتنع لا يصل أحد إلى ضرِّه فيضره، ولا يستطيع أحد أن يسلبه شيئًا، أو ينقص من صفته، أو من فعله، أو من ملكه شيئًا، بل هو جل وعلا الممتنع الذي لا يُرام جانبه.
وهو تعالى «الحكيم» الحكمة التي لا تخطئ، وهما من مقتضيات ألوهيته الحقة التي لا يجادل فيها إلا مكابر، ولا يجاحد فيها إلا معاند، كَوَفْدِ نصارى نجران، ومَنْ على شاكلتهم من أهل الكفر والعناد.
• وكرر هذه الجملة ﴿ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 6] الدالة على نفي الإلهية عن غيره تعالى، وانحصارها فيه؛ توكيدًا لما قبلها من قوله: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾، وردًّا على من ادعى إلهية عيسى، وناسب مجيئها بعد الوصفين السابقين من العلم والقدرة؛ إذ مَن هذان الوصفان له، هو المتصف بالإلهية لا غيره، ثم أتى بوصف العزة الدالة على عدم النظير، والحكمة الموجبة لتصوير الأشياء على الإتقان التام.
الألوكة
.....................
د. خالد النجار
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ﴾ [آل عمران: 5]
يقول تعالى في سورة آل عمران:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 5، 6].
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ﴾، الخفاء ضد الظهور، ﴿ شَيْءٌ ﴾ نكرة في سياق النفي، فتعم كل شيء؛ الكليات والجزئيات، ﴿ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5]، فلو كان هناك من يستحق الألوهية معه، لعلِمه وأخبر عنه.
فعبَّر عنه بالأرض والسماء؛ إذ الحس لا يتجاوزهما، وابتدأ في الذكر بالأرض؛ ليتسنى التدرج في العطف إلى الأبعد في الحكم؛ لأن أشياء الأرض يعلم كثيرًا منها كثيرٌ من الناس، أما أشياء السماء، فلا يعلم أحد بعضها، فضلًا عن علم جميعها.
في هذه الآية الكريمة يُخبر الله عز وجل بأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهي صفة سلبية، المراد بها بيان كمال علمه؛ لأن الصفات المنفية لا يُراد بها مجرد النفي، وإنما يُراد بها بيان كمال ضد ذلك المنفي، ﴿ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ﴾؛ لكمال علمه لا يخفى عليه شيء، فالله عز وجل كامل العلم، والغرض من هذه الجملة تربية الإنسان نفسَه، في امتثال أمر الله، واجتناب نهيه، وأنك لا تظن أن عملك يخفى على الله، بل هو معلوم له، فعليك أن تقوم بطاعته، وتجتنب معصيته.
وفيه: التحذير من مخالفة الله تعالى سرًّا وجهرًا، ووعيد بالمجازاة؛ قال الزمخشري: "مُطَّلع على كُفْرِ مَن كَفَرَ، وإيمان من آمن، وهو مجازيهم عليه".
وفيه: الرد على القدَرية الذين يقولون: إن الله لا يعلم الشيء الذي يفعله العبد، إلا بعد وقوعه، وهؤلاء غُلاتهم.
• وفيه: أن صفات الله عز وجل إما مثبَتة وإما منفية؛ فالمثبتة يسمونها «ثبوتية»، والمنفية يسمونها «سلبية»، والسلبية متضمنة للثبوت لا بد، ولكنه ينفي نقص ذلك الثابت، فلكمال علمه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ ﴾ يجعلكم على صورة معينة يختارها ويريدها، ﴿ فِي الْأَرْحَامِ ﴾؛ وعاء الجنين في بطن أمه، ﴿ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ يصورنا على أي كيفية شاء، لا خيار لنا في اختيار صورة معينة للجنين الذي في البطن.
وخُصَّ من بين شؤون القَيُّومِيَّة تصوير البشر؛ لأنه من أعجب مظاهر القدرة، ولأن فيه تعريضًا بالرد على النصارى في اعتقادهم إلهية عيسى، من أجل أن الله صوَّره بكيفية غير معتادة، فبيَّن لهم أن الكيفيات العارضة للموجودات كلها من صنع الله وتصويره؛ سواء المعتاد، وغير المعتاد.
قال في البحر المحيط: وهي دالة على كمال العلم بالكليات والجزئيات، وعبَّر عن جميع العالم بالأرض والسماء؛ إذ هما أعظم ما نشاهده، والتصوير على ما شاء من الهيئات دال على كمال القدرة، وبالعلم والقدرة يتم معنى القيومية؛ إذ هو القائم بمصالح الخلق ومهماتهم، وفي ذلك ردٌّ على النصارى؛ إذ شُبْهتهم في ادعاء إلهية عيسى كونه يخبر بالغيوب، وهذا راجع إلى العلم، وكونه يُحيي الموتى، وهو راجع إلى القدرة.
فنبهت الآية على أن الإله هو العالم بجميع الأشياء، فلا يخفى عليه شيء، ولا يلزم من كون عيسى عالمًا ببعض المغيبات أن يكون إلهًا، ومن المعلوم بالضرورة أن عيسى لم يكن عالمًا بجميع المعلومات، ونبَّهت على أن الإله هو ذو القدرة التامة، فلا يمتنع عليه شيء، ولا يلزم من كون عيسى قادرًا على الإحياء في بعض الصور أن يكون إلهًا، ومن المعلوم بالضرورة أن عيسى لم يكن قادرًا على تركيب الصور وإحيائها، بل إنباؤه ببعض المغيبات، وخَلْقُه وإحياؤه بعضَ الصور، إنما كان ذلك بإنباء الله له على سبيل الوحي، وإقداره تعالى له على ذلك، وكلها على سبيل المعجزة التي أجراها وأمثالها على أيدي رسله.
﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾: لا إله حقٍّ إلا هو، وليس «هو» اسمًا من أسماء الله، كما تقوله الصوفية الذين يدَّعون أنه اسم من أسماء الله عز وجل، ويَدْعُون الله به، فيقولون: (هو، هو، هو)، وهذا من شطحاتهم.
﴿ الْعَزِيزُ ﴾ ذو العزة الكاملة، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ إشارة إلى كمال قدرته، وتناهي حكمته، وهو تذييل لتقرير الأحكام المتقدمة.
فالله عز وجل حاكِم مُحكِم، بمعنى (متقِن)، وهنا يكون بمعنى (ذي الحكمة)؛ أي: متقن لكل ما حَكَمَ به، ليس في حكمه خلل ولا نقص، فكل ما حَكَمَ الله به من حُكْمٍ كوني أو شرعي، فهو على أتم وجه وأتقنه وأحسنه.
• فهو «العزيز» العزَّة التي لا تُرام، يُقال: رُمْت الشيء إذا طلبته، والمعنى أنه سبحانه عزيز ممتنع لا يصل أحد إلى ضرِّه فيضره، ولا يستطيع أحد أن يسلبه شيئًا، أو ينقص من صفته، أو من فعله، أو من ملكه شيئًا، بل هو جل وعلا الممتنع الذي لا يُرام جانبه.
وهو تعالى «الحكيم» الحكمة التي لا تخطئ، وهما من مقتضيات ألوهيته الحقة التي لا يجادل فيها إلا مكابر، ولا يجاحد فيها إلا معاند، كَوَفْدِ نصارى نجران، ومَنْ على شاكلتهم من أهل الكفر والعناد.
• وكرر هذه الجملة ﴿ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 6] الدالة على نفي الإلهية عن غيره تعالى، وانحصارها فيه؛ توكيدًا لما قبلها من قوله: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾، وردًّا على من ادعى إلهية عيسى، وناسب مجيئها بعد الوصفين السابقين من العلم والقدرة؛ إذ مَن هذان الوصفان له، هو المتصف بالإلهية لا غيره، ثم أتى بوصف العزة الدالة على عدم النظير، والحكمة الموجبة لتصوير الأشياء على الإتقان التام.
الألوكة
.....................