zoro1
08-11-2024, 11:39 AM
تنبيهات للابسي الساعات
د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
تنبيهات للابسي الساعات
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فقد انتشر بين الرجال لبس ساعات الماركات العالمية، والتي تكون من الذهب الملون، مثل الذهب الأبيض والذهب الوردي إضافة إلى الذهب الأصفر، كما أن كثيراً منها يكون فيه اليسير من الذهب في عقاربها وعلامات الساعات والكتابة، ونحو ذلك، ونظراً لقرب العيد الذي يتجمل فيه الرجال بتلك الساعات، كتبت هذه التنبيهات، على سبيل الإيجاز، وأسأل الله أن يلهمني الصواب.
المسألة الأولى: تحريم الذهب على الرجال
صح النهي عن لبس الرجال للذهب في حديث أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها. رواه الترمذي في اللباس (1720)، والنسائي في الزينة (5148).
ولبس الذهب من الكبائر، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- قال: «من أحب أن يُحَلِّقَ حبيبَه حَلْقَة من نار فَلْيُحَلِّقْهُ حَلْقة من ذهب، ومن أحب أن يُطَوِّقَ حبيبه طَوْقاً من نار فَليُطَوِّقه طوقاً من ذهب، ومن أَحب أن يُسَوِّرَ حبيبه بِسِوارٍ من نار فَلْيُسَوِّرْهُ سِواراً من ذهب، ولكن عليكم بالفضة، فالعبوا بها». أخرجه أبو داود(4236) في الخاتم، باب ما جاء في الذهب للنساء، ورواه أيضاً أحمد في " المسند " 2 / 378.
وقد اتفق الفقهاء على أنه يجوز للنساء التختم بالذهب، ويحرم على الرجال ذلك، الاختيار لتعليل المختار 4 / 159، وكفاية الطالب الرباني 2 / 359، وقليوبي وعميرة 2 / 23، وكشاف القناع 1 / 282.
ولا فرق في تحريم الذهب بين الصغار والكبار، لحديث جابر رضي الله عنه قال: " كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري "أخرجه أبو داود ( 4 / 331 ط عزت عبيد دعاس ) وإسناده صحيح.
وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم الإنكار والتغليظ على من يلبس الذهب، ويدل على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه -: «أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- أَبصر في يده خاتماً من ذهب، فجعل يَقْرعُهُ بِقَضيبٍ معه، فلما غَفَل النبي - صلى الله عليه وسلم- أَلقاه، قال: ما أُرَانا إِلا قد أَوجعناك، أو أغرمناك» رواه النسائي 8 / 171 وسنده حسن.
حكم لبس الرجل للساعة التي عقاربها وعلامات الساعات بها من الذهب:
وأما إن كان الذهب يسيرا، كعلامات الساعات والعقارب، ففيها خلاف بين أهل العلم، وقد روى أحمد في مسنده برقم 16833 بسند حسن عن معاوية رضي الله عنه أنه قال لجماعة من الصحابة: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا؟ " قالوا: اللهم نعم، قال: وأنا أشهد". ورواه أحمد مختصرا برقم 16833 وأبو داود برقم (4239) والنسائي في "الكبرى" برقم (9461) وفي المجتبى (8/161، 163). قال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: "وتفسيره: الشيء اليسير منه فعلى هذا لا يباح إلا أن يكون تابعاً لغيره، فأما أن يلبسه مفرداً فلا، لأنه لا يكون مقطعاً".
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 20/64: وأما باب اللباس، فإن لباس الذهب والفضة يباح للنساء بالاتفاق، ويباح للرجل ما يحتاج إليه من ذلك، ويباح يسير الفضة للزينة، وكذلك يسير الذهب التابع لغيره، كالطرز ونحوه في أصح القولين في مذهب أحمد وغيره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذهب إلا مقطعا.
وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله في شرح العمدة:" قال: الشيء اليسير كشد أسنانه وما كان مثله مما لا يتزين به الرجل، فأما الخاتم ونحوه فلا، وذلك لأنه قد دل ذلك على أن القطع من الذهب وهو اليسير منه مباح مطلقًا لكن لا بد أن يكون لحاجة؛ لأنه قد دلت النصوص على تحريم خاتم الذهب ونحوه" ""شرح العمدة" (2/3029 - الصلاة).
وفي تفصيله يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى 21/87: وفي يسير الذهب في ـ (باب اللباس )ـ عن أحمد أقوال:
أحدها: الرخصة مطلقا؛ لحديث معاوية: نهى عن الذهب إلا مقطعا. ولعل هذا القول أقوى من غيره وهو قول أبي بكر.
والثاني: الرخصة في السلاح فقط.
والثالث: في السيف خاصة.
وفيه وجه بتحريمه مطلقا؛ لحديث أسماء: لا يباح الذهب ولا خريصة. والخريصة عين الجرادة لكن هذا قد يحمل على الذهب المفرد دون التابع؛ ولا ريب أن هذا محرم عند الأئمة الأربعة. انتهى.
وعليه، فإذا كانت العقارب أو علامات الساعات من الذهب، فتعتبر من المعفو عنه والله أعلم.
حكم الساعة المطلية بذهب يسير:
إن كانت الساعة مطلية بذهب يسير في الجزء الذي يلي الساعد، فقد قال الشيخ العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع 6/119: إذا كانت الساعة مطلية بالذهب، والذهب فيها مجرد لون فقط فهي جائزة، لكن لا ينبغي للإنسان أن يلبسها لوجهين:
الوجه الأول: أنه يُساء به الظن أنه لبس ساعة من ذهب؛ لأن الناس لا يدرون.
الوجه الثاني: أنه ربما يُقتدى به، فالناس يقتدي بعضهم ببعض.
فنقول للإنسان إذا أتته ساعة مطلية بذهب هدية أو نحو ذلك: الأفضل ألا تلبسها، وإن لبستها فلا حرج.
لكن العلماء اشترطوا في المطلية بالذهب ألا يكون للذهب جرم أي: قشرة، بحيث يخرج منه شيء لو حك أو عرض على النار، فأما مجرد اللون فلا بأس.
فإن قال قائل: إذا كانت الساعة ليست ذهباً ولا مطلية به، لكن في آلاتها شيء من الذهب هل تجوز؟ الجواب: نعم لا بأس به؛ لأنه إذا كان في الآلات الداخلية، فإنه لا يرى ولا يعلم به، وإن كان في الآلات الخارجية كالعقرب مثلاً؛ فإنه يصير تابعاً فلا يضر، ولكن يبقى النظر، هل يجوز للإنسان أن يشتري ساعة فيها قطع من الذهب ؟ الجواب: فيه تفصيل: إذا كان لباس مثله لها يعتبر إسرافاً دخلت في حد الإسراف، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، وقلنا: هذا ليس لباس مثلك، وإذا كان لا يعد إسرافاً فالأصل الجواز.
ولو وضع الرجل ساعة الذهب في جيبه ولم يلبسها فلا بأس بذلك؛ لأنه لا يعد هذا لبساً.
وساعة الألماس جائزة في ذاتها، لكن قد تحرم من باب الإسراف" انتهى كلامه رحمه الله
المسألة الثانية: حكم ساعات الفضة للرجال:
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال"عليكم بالفضة، فالعبوا بها». أخرجه أبو داود(4236).
وقد قال الإمام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 25/65:" جاءت السنة بإباحة خاتم الفضة كان هذا دليلا على إباحة ذلك وما هو في معناه وما هو أولى منه بالإباحة".
المسألة الثالثة: حكم ساعات الحديد للرجال:
ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم – أنه حذر من خاتم الذهب وخاتم الحديد، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبي عن جده - رضي الله عنه - أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم من ذهب، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فلما رأى الرجل كراهيته ذهب فألقى الخاتم، وأخذ خاتم من حديد فلبسه، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذا شر؛ هذا حلية أهل النار". فرجع، فطرحه، ولبس خاتما من ورق، فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد رقم 6518 و 6680 والبخاري في الأدب المفرد رقم 1021، وسنده حسن، وصححه الألباني في آداب الزفاف ص 217.
وهذا خاص في خاتم الحديد الخالص، وأما إذا كان مع الحديد فضة فلا بأس، ففي حديث المعيقيب - رضي الله عنه - أنه قال «كان خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من حديد مَلْوِيٍّ، عليه فضةٌ، قال: فربما كان في يدي، قال: وكان المُعَيقيبُ على خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم-». أخرجه أبو داود (4224) قال: حدثنا ابن المثنى، وزياد بن يحيى والحسن بن علي. والنسائي (8/175) وسنده حسن.
وتقاس الساعة على الخاتم، وهذا واضح من تعليله صلى الله عليه وسلم للنهي بأنه حلية أهل النار، إلا أن النهي للكراهة.
المسألة الرابعة: حكم ساعات النحاس للرجال:
يمكن معرفة حكم هذه المسألة بالنظر في نظير الساعة، وهو الخاتم، فقد ورد النهي عن خاتم النحاس، ففي حديث بريدة - رضي الله عنه -: قال: «جاء رجل إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-، وعليه خاتم من حديد، فقال: مالي أرى عليكَ حِلْيَةَ أهل النار؟ ثم جاءه، وعليه خاتم من صُفْرٍ، فقال: مالي أجد منك رِيحَ الأصنام؟ ثم أَتاه وعليه خاتم من ذهب، فقال: مالي أرى عليك حلية أَهل الجنة؟ قال: من أَيِّ شيءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قال: مِن وَرِقٍ، ولا تُتمَّهُ مِثْقَالاً». رواه الترمذي، ورواه أبو داود والنسائي بلفظ: «أَن رجلاً جاء إِلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، وعليه خاتمٌ من شَبَهٍ، فقال: مالي أجد منك ريح الأصنام؟ فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد، فقال: مالي أرى عليك حِليةِ أهل النار؟ فطرحه، فقال: يا رسولَ الله، من أي شيء أتَّخِذهُ؟ قال: مِن وَرِقٍ، ولا تُتمَّهُ مِثْقَالاً».
قال أهل العلم في شرحهم للحديث:
النهي عن خاتم النحاس لسببين:
الأول: لأن الأصنام تصنع من النحاس.
الثاني: أن المشركين يعتقدون أنه يمنع تأثير العين والجن ونحو ذلك.
المسألة الخامسة: الصارف للنهي من التحريم للكراهة:
اختلف العلماء في دلالة النهي عن لبس الحديد والنحاس على قولين:
الأول: ذهب الحنفية إلى أن النهي عن التختم بخاتم الحديد أو النحاس للتحريم. رد المحتار على الدر المختار 5 / 229 ـ 230.
الثاني: أنه محمول على الكراهة، ودليل ذلك ورود الإذن في خاتم الحديد والنحاس، والساعة بمعنى الخاتم، فقد روى أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: «أَنَّ رجلاً قَدِمَ من نَجْرَانَ إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وعليه خاتم من ذهب، فَأَعْرَضَ عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وقال: إِنَّكَ جئتني وفي يدك جمرة من نار». وفي أخرى: قال: «أقبل رجل من البحرين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-، فسلَّم، فلم يَرُدَّ عليه، وكان في يده خاتمٌ من ذهب، وجُبَّةُ حريرٍ، فألقاهما، ثم سلم، فرد عليه السلام، فقال: يا رسول الله، أتيتُك آنِفاً فأعرضتَ عني؟ قال: إنه كان في يدك جمرة من نار، قال: لقد جِئْتُ إِذاً بجمر كثير؟ قال: إن ما جئتَ به ليس بأجزأ عنك من حجارة الحَرَّة، ولكنه متاع الحياة الدنيا، قال: بماذا أَتخَتَّم؟ قال: حَلْقَةٍ مِنْ حَديدٍ، أو وَرِقٍ، أَو صُفْرٍ». أَخرجه النسائي 8 / 170 في الزينة، باب حديث أبي هريرة والاختلاف عليه، وباب لبس خاتم صفر، ورواه أيضاً أحمد في " المسند " 3 / 14، وإسناده صحيح.
كما صح في حديث الواهبة نفسها، قوله للذي أراد تزوجها: " انظر ولو خاتما من حديد "أخرجه البخاري ضمن حديث طويل ( فتح الباري 9 / 131 ط السلفية).
وهذا يدل على أن النهي عن لبس الحديد والنحاس محمول على الكراهة.
المسألة السادسة: موضع لبس الساعة:
من المقرر عند العلماء أن ما كان فيه تكريم، فتقدم فيه اليمنى لحديث عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم «يعجبه التيمن، في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله» رواه البخاري برقم 168 ومسلم برقم 268.
ولبس الساعة من التجمل في الغالب، ولذا فالأقرب أنها تلبس في اليمين استحباباً، وهي مثل الخاتم إن لبس للتجمل، قال الحافظ في " الفتح " 10/327: ويظهر لي أن ذلك يختلف باختلاف القصد، فإن كان اللبس للتزين به فاليمين أفضل، وإن كان للتختم به فاليسار أولى".
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الألوكة
...............................
د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
تنبيهات للابسي الساعات
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فقد انتشر بين الرجال لبس ساعات الماركات العالمية، والتي تكون من الذهب الملون، مثل الذهب الأبيض والذهب الوردي إضافة إلى الذهب الأصفر، كما أن كثيراً منها يكون فيه اليسير من الذهب في عقاربها وعلامات الساعات والكتابة، ونحو ذلك، ونظراً لقرب العيد الذي يتجمل فيه الرجال بتلك الساعات، كتبت هذه التنبيهات، على سبيل الإيجاز، وأسأل الله أن يلهمني الصواب.
المسألة الأولى: تحريم الذهب على الرجال
صح النهي عن لبس الرجال للذهب في حديث أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها. رواه الترمذي في اللباس (1720)، والنسائي في الزينة (5148).
ولبس الذهب من الكبائر، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- قال: «من أحب أن يُحَلِّقَ حبيبَه حَلْقَة من نار فَلْيُحَلِّقْهُ حَلْقة من ذهب، ومن أحب أن يُطَوِّقَ حبيبه طَوْقاً من نار فَليُطَوِّقه طوقاً من ذهب، ومن أَحب أن يُسَوِّرَ حبيبه بِسِوارٍ من نار فَلْيُسَوِّرْهُ سِواراً من ذهب، ولكن عليكم بالفضة، فالعبوا بها». أخرجه أبو داود(4236) في الخاتم، باب ما جاء في الذهب للنساء، ورواه أيضاً أحمد في " المسند " 2 / 378.
وقد اتفق الفقهاء على أنه يجوز للنساء التختم بالذهب، ويحرم على الرجال ذلك، الاختيار لتعليل المختار 4 / 159، وكفاية الطالب الرباني 2 / 359، وقليوبي وعميرة 2 / 23، وكشاف القناع 1 / 282.
ولا فرق في تحريم الذهب بين الصغار والكبار، لحديث جابر رضي الله عنه قال: " كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري "أخرجه أبو داود ( 4 / 331 ط عزت عبيد دعاس ) وإسناده صحيح.
وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم الإنكار والتغليظ على من يلبس الذهب، ويدل على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه -: «أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- أَبصر في يده خاتماً من ذهب، فجعل يَقْرعُهُ بِقَضيبٍ معه، فلما غَفَل النبي - صلى الله عليه وسلم- أَلقاه، قال: ما أُرَانا إِلا قد أَوجعناك، أو أغرمناك» رواه النسائي 8 / 171 وسنده حسن.
حكم لبس الرجل للساعة التي عقاربها وعلامات الساعات بها من الذهب:
وأما إن كان الذهب يسيرا، كعلامات الساعات والعقارب، ففيها خلاف بين أهل العلم، وقد روى أحمد في مسنده برقم 16833 بسند حسن عن معاوية رضي الله عنه أنه قال لجماعة من الصحابة: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا؟ " قالوا: اللهم نعم، قال: وأنا أشهد". ورواه أحمد مختصرا برقم 16833 وأبو داود برقم (4239) والنسائي في "الكبرى" برقم (9461) وفي المجتبى (8/161، 163). قال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: "وتفسيره: الشيء اليسير منه فعلى هذا لا يباح إلا أن يكون تابعاً لغيره، فأما أن يلبسه مفرداً فلا، لأنه لا يكون مقطعاً".
وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 20/64: وأما باب اللباس، فإن لباس الذهب والفضة يباح للنساء بالاتفاق، ويباح للرجل ما يحتاج إليه من ذلك، ويباح يسير الفضة للزينة، وكذلك يسير الذهب التابع لغيره، كالطرز ونحوه في أصح القولين في مذهب أحمد وغيره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذهب إلا مقطعا.
وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله في شرح العمدة:" قال: الشيء اليسير كشد أسنانه وما كان مثله مما لا يتزين به الرجل، فأما الخاتم ونحوه فلا، وذلك لأنه قد دل ذلك على أن القطع من الذهب وهو اليسير منه مباح مطلقًا لكن لا بد أن يكون لحاجة؛ لأنه قد دلت النصوص على تحريم خاتم الذهب ونحوه" ""شرح العمدة" (2/3029 - الصلاة).
وفي تفصيله يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى 21/87: وفي يسير الذهب في ـ (باب اللباس )ـ عن أحمد أقوال:
أحدها: الرخصة مطلقا؛ لحديث معاوية: نهى عن الذهب إلا مقطعا. ولعل هذا القول أقوى من غيره وهو قول أبي بكر.
والثاني: الرخصة في السلاح فقط.
والثالث: في السيف خاصة.
وفيه وجه بتحريمه مطلقا؛ لحديث أسماء: لا يباح الذهب ولا خريصة. والخريصة عين الجرادة لكن هذا قد يحمل على الذهب المفرد دون التابع؛ ولا ريب أن هذا محرم عند الأئمة الأربعة. انتهى.
وعليه، فإذا كانت العقارب أو علامات الساعات من الذهب، فتعتبر من المعفو عنه والله أعلم.
حكم الساعة المطلية بذهب يسير:
إن كانت الساعة مطلية بذهب يسير في الجزء الذي يلي الساعد، فقد قال الشيخ العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع 6/119: إذا كانت الساعة مطلية بالذهب، والذهب فيها مجرد لون فقط فهي جائزة، لكن لا ينبغي للإنسان أن يلبسها لوجهين:
الوجه الأول: أنه يُساء به الظن أنه لبس ساعة من ذهب؛ لأن الناس لا يدرون.
الوجه الثاني: أنه ربما يُقتدى به، فالناس يقتدي بعضهم ببعض.
فنقول للإنسان إذا أتته ساعة مطلية بذهب هدية أو نحو ذلك: الأفضل ألا تلبسها، وإن لبستها فلا حرج.
لكن العلماء اشترطوا في المطلية بالذهب ألا يكون للذهب جرم أي: قشرة، بحيث يخرج منه شيء لو حك أو عرض على النار، فأما مجرد اللون فلا بأس.
فإن قال قائل: إذا كانت الساعة ليست ذهباً ولا مطلية به، لكن في آلاتها شيء من الذهب هل تجوز؟ الجواب: نعم لا بأس به؛ لأنه إذا كان في الآلات الداخلية، فإنه لا يرى ولا يعلم به، وإن كان في الآلات الخارجية كالعقرب مثلاً؛ فإنه يصير تابعاً فلا يضر، ولكن يبقى النظر، هل يجوز للإنسان أن يشتري ساعة فيها قطع من الذهب ؟ الجواب: فيه تفصيل: إذا كان لباس مثله لها يعتبر إسرافاً دخلت في حد الإسراف، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، وقلنا: هذا ليس لباس مثلك، وإذا كان لا يعد إسرافاً فالأصل الجواز.
ولو وضع الرجل ساعة الذهب في جيبه ولم يلبسها فلا بأس بذلك؛ لأنه لا يعد هذا لبساً.
وساعة الألماس جائزة في ذاتها، لكن قد تحرم من باب الإسراف" انتهى كلامه رحمه الله
المسألة الثانية: حكم ساعات الفضة للرجال:
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال"عليكم بالفضة، فالعبوا بها». أخرجه أبو داود(4236).
وقد قال الإمام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 25/65:" جاءت السنة بإباحة خاتم الفضة كان هذا دليلا على إباحة ذلك وما هو في معناه وما هو أولى منه بالإباحة".
المسألة الثالثة: حكم ساعات الحديد للرجال:
ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم – أنه حذر من خاتم الذهب وخاتم الحديد، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبي عن جده - رضي الله عنه - أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم من ذهب، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فلما رأى الرجل كراهيته ذهب فألقى الخاتم، وأخذ خاتم من حديد فلبسه، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذا شر؛ هذا حلية أهل النار". فرجع، فطرحه، ولبس خاتما من ورق، فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد رقم 6518 و 6680 والبخاري في الأدب المفرد رقم 1021، وسنده حسن، وصححه الألباني في آداب الزفاف ص 217.
وهذا خاص في خاتم الحديد الخالص، وأما إذا كان مع الحديد فضة فلا بأس، ففي حديث المعيقيب - رضي الله عنه - أنه قال «كان خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من حديد مَلْوِيٍّ، عليه فضةٌ، قال: فربما كان في يدي، قال: وكان المُعَيقيبُ على خاتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم-». أخرجه أبو داود (4224) قال: حدثنا ابن المثنى، وزياد بن يحيى والحسن بن علي. والنسائي (8/175) وسنده حسن.
وتقاس الساعة على الخاتم، وهذا واضح من تعليله صلى الله عليه وسلم للنهي بأنه حلية أهل النار، إلا أن النهي للكراهة.
المسألة الرابعة: حكم ساعات النحاس للرجال:
يمكن معرفة حكم هذه المسألة بالنظر في نظير الساعة، وهو الخاتم، فقد ورد النهي عن خاتم النحاس، ففي حديث بريدة - رضي الله عنه -: قال: «جاء رجل إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-، وعليه خاتم من حديد، فقال: مالي أرى عليكَ حِلْيَةَ أهل النار؟ ثم جاءه، وعليه خاتم من صُفْرٍ، فقال: مالي أجد منك رِيحَ الأصنام؟ ثم أَتاه وعليه خاتم من ذهب، فقال: مالي أرى عليك حلية أَهل الجنة؟ قال: من أَيِّ شيءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قال: مِن وَرِقٍ، ولا تُتمَّهُ مِثْقَالاً». رواه الترمذي، ورواه أبو داود والنسائي بلفظ: «أَن رجلاً جاء إِلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، وعليه خاتمٌ من شَبَهٍ، فقال: مالي أجد منك ريح الأصنام؟ فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد، فقال: مالي أرى عليك حِليةِ أهل النار؟ فطرحه، فقال: يا رسولَ الله، من أي شيء أتَّخِذهُ؟ قال: مِن وَرِقٍ، ولا تُتمَّهُ مِثْقَالاً».
قال أهل العلم في شرحهم للحديث:
النهي عن خاتم النحاس لسببين:
الأول: لأن الأصنام تصنع من النحاس.
الثاني: أن المشركين يعتقدون أنه يمنع تأثير العين والجن ونحو ذلك.
المسألة الخامسة: الصارف للنهي من التحريم للكراهة:
اختلف العلماء في دلالة النهي عن لبس الحديد والنحاس على قولين:
الأول: ذهب الحنفية إلى أن النهي عن التختم بخاتم الحديد أو النحاس للتحريم. رد المحتار على الدر المختار 5 / 229 ـ 230.
الثاني: أنه محمول على الكراهة، ودليل ذلك ورود الإذن في خاتم الحديد والنحاس، والساعة بمعنى الخاتم، فقد روى أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: «أَنَّ رجلاً قَدِمَ من نَجْرَانَ إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وعليه خاتم من ذهب، فَأَعْرَضَ عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وقال: إِنَّكَ جئتني وفي يدك جمرة من نار». وفي أخرى: قال: «أقبل رجل من البحرين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-، فسلَّم، فلم يَرُدَّ عليه، وكان في يده خاتمٌ من ذهب، وجُبَّةُ حريرٍ، فألقاهما، ثم سلم، فرد عليه السلام، فقال: يا رسول الله، أتيتُك آنِفاً فأعرضتَ عني؟ قال: إنه كان في يدك جمرة من نار، قال: لقد جِئْتُ إِذاً بجمر كثير؟ قال: إن ما جئتَ به ليس بأجزأ عنك من حجارة الحَرَّة، ولكنه متاع الحياة الدنيا، قال: بماذا أَتخَتَّم؟ قال: حَلْقَةٍ مِنْ حَديدٍ، أو وَرِقٍ، أَو صُفْرٍ». أَخرجه النسائي 8 / 170 في الزينة، باب حديث أبي هريرة والاختلاف عليه، وباب لبس خاتم صفر، ورواه أيضاً أحمد في " المسند " 3 / 14، وإسناده صحيح.
كما صح في حديث الواهبة نفسها، قوله للذي أراد تزوجها: " انظر ولو خاتما من حديد "أخرجه البخاري ضمن حديث طويل ( فتح الباري 9 / 131 ط السلفية).
وهذا يدل على أن النهي عن لبس الحديد والنحاس محمول على الكراهة.
المسألة السادسة: موضع لبس الساعة:
من المقرر عند العلماء أن ما كان فيه تكريم، فتقدم فيه اليمنى لحديث عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم «يعجبه التيمن، في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله» رواه البخاري برقم 168 ومسلم برقم 268.
ولبس الساعة من التجمل في الغالب، ولذا فالأقرب أنها تلبس في اليمين استحباباً، وهي مثل الخاتم إن لبس للتجمل، قال الحافظ في " الفتح " 10/327: ويظهر لي أن ذلك يختلف باختلاف القصد، فإن كان اللبس للتزين به فاليمين أفضل، وإن كان للتختم به فاليسار أولى".
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الألوكة
...............................