zoro1
11-05-2024, 08:36 AM
أقسام الناس في الصلاة
الشيخ نشأت كمال
أقسام الناس في الصلاة
قسم القرآن الكريم الناس بالنسبة إلى الصلاة أربعة أقسام:
القسم الأول: من أنكر الصلاة، وجحدها، ولم يعتقد بفرضيتها، وهم الكافرون.
القسم الثاني: المنافقون الذين يراؤون في صلاتهم ولا يذكرون الله إلا قليلًا.
القسم الثالث: أقوام أهملوها وضيعوها.
القسم الرابع: هم المحافظون عليها الفائزون بثوابها.
القسم الأول: من أنكر الصلاة، وجحدها، ولم يعتقد بفرضيتها، وهم الكافرون:
قال تعالى في سورة (المدثر) حكاية عن قول أصحاب اليمين في سؤالهم الكافرين: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴾ [المدثر: 42]، فيجيب الكافرون بقولهم:
﴿ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾ [المدثر: 43]؛ أي: لم نؤدِّ الصلاة، ولم نعتقد بفرضيتها، ﴿ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ﴾ [المدثر: 44]؛ أي: لم نكن نتصدق، ونحسن إلى الفقراء والمساكين، ﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴾ [المدثر: 45]؛ أي: وكنا نتحدث بالباطل مع أهل الغواية، والضلالة، ونقع معهم فيما لا ينبغي من الأباطيل، ﴿ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴾ [المدثر: 46]؛ أي: نكذب بيوم القيامة، وبالجزاء، والمعاد، ﴿ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ﴾ [المدثر: 47]؛ أي: حتى جاءنا الموت.
ومما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب:
عن جابر قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تركَ الصلاة))؛ [رواه مسلم (82)].
وعند الترمذي (2618): عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((بَيْنَ الكُفْرِ وَالإِيمَانِ تَرْكُ الصَّلَاةِ)).
وعند أبي داود (4678): عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَيْنَ الْعَبْدِ، وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ)).
وعَنْ عَبْداللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ))؛ [رواه الترمذي (2621)].
القسم الثاني: المنافقون الذين يراؤون في صلاتهم ولا يذكرون الله إلا قليلًا:
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142].
هذا إعلام من الله تعالى أن المنافقين لا يعملون شيئًا من الفروض إلا رياء، وإبقاء على أنفسهم، فهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى؛ إذ ليست عندهم بفرض، إنما يقومون للناس رياء؛ إذ لا يرجون ثوابًا، ولا يخافون عقابًا.
﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾؛ أي: إلا ذكرًا قليلًا، والمعنى: أنهم يذكرون الله رياء لا ذكر مؤمن موقن بتوحيد الله عز وجل؛ فلذلك سمي قليلًا؛ إذ هو غير مقصود به الله سبحانه، وما عنده تعالى، فمن أجل هذا وُصف بالقلة، مع أنه ليس في ذكر الله عز وجل قليل، إنما قلَّ من أجل اعتقادهم لا من أجل قلة ذكرهم، قيل: إنما قلَّ لأنه كان لغير الله سبحانه.
وقال تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4، 5].
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 5]: قيل: هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس، ويصلون في العلانية إذا حضروا معهم؛ لقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ﴾ [الماعون: 6]، قيل: لا يرجون لها ثوابًا إن صلوا، ولا يخافون عليها عقابًا إن تركوا، وقيل: هم الذين إذا صلوها، صلوها رياء، وإن فاتتهم لم يندموا عليها، وقيل: هم الذين لا يصلونها لمواقيتها، ولا يتمون لها ركوعها، ولا سجودها، ساهون عنها لا يبالون صلوا، أو لم يصلوا.
وفي قوله تعالى: ﴿ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ إشارة إلى أنها في المنافقين؛ ولهذا قال بعض السلف: الحمد لله الذي قال: ﴿ عَنْ صَلَاتِهِمْ ﴾، ولم يقل: فِي صَلَاتِهِمْ؛ لأنه لو قال: فِي صَلاتِهِمْ، لكانت في المؤمنين، والمؤمن قد يسهو في صلاته، والفرق بين السهوين واضح، فإن سهو المنافق سهوُ ترك، وقلة التفات إليها، فهو لا يتذكرها، ويكون مشغولًا عنها، والمؤمن إذا سها في صلاته، تداركه في الحال، وجبره بسجود السهو.
القسم الثالث: أقوام كان آباؤهم يصلون ويحسنون الصلاة، أما هم فقد أهملوها وضيعوها:
قال تعالى في سورة (مريم): ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [مريم: 59].
وإضاعتهم الصلاة تأخيرها عن أوقاتها، وقيل: تركها، وذكر بعضهم أن هذه الآية في قوم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يكونون في آخر الزمان.
وفي صحيح البخاري (553) عن أبي المليح، قال: كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ترك صلاة العصر فقد حبِط عمله)).
وفي صحيح البخاري (552) ومسلم (626) عن عبدالله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الذي تفوته صلاة العصر، كأنما وُتِرَ أهله وماله)).
ويحتمل أن تكون إضاعتها الإِخلالَ باستيفاء شروطها؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل المسيء صلاته: ((ارجِع فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ))؛ [رواه البخاري (757)، ومسلم (397)].
وقال حذيفة رضي الله عنه لرجل يصلي، ولم يتم صلاته: ((منذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال: منذ أربعين عامًا، قال: ما صليت، ولو متَّ وأنت تصلي هذه الصلاة، لمتَّ على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن الرجل ليخفف الصلاة، ويتم، ويحسن))؛ [رواه النسائي (1312)].
القسم الرابع: هم المحافظون عليها الفائزون بثوابها:
قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2].
الفلاح هو السعادة، وقيل البقاء في الخير، والمفلحون الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما منه هربوا.
وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المؤمنون: 9].
وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [الأنعام: 92].
وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المعارج: 34].
وقال تعالى: ﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 22، 23].
وجماع ما قيل في ذلك: يحافظون على مواقيت الفرض منها، ويكثرون فعل التطوع منها، ولا يلتفتون فيها.
ومن الحفاظ عليها أداؤها ولو في حالة الحرب والخوف.
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [النساء: 101].
وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].
وقوله: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 103] كقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200].
ومن أهم أسباب الحفاظ عليها أداؤها في جماعة.
عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة))؛ [رواه البخاري (645)، ومسلم (650)].
وعن عبدالله بن مسعود قال: ((من سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيُحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتَى به يُهادَى بين الرجلين حتى يُقام في الصف))؛ [رواه مسلم (654)].
الألوكة
الشيخ نشأت كمال
أقسام الناس في الصلاة
قسم القرآن الكريم الناس بالنسبة إلى الصلاة أربعة أقسام:
القسم الأول: من أنكر الصلاة، وجحدها، ولم يعتقد بفرضيتها، وهم الكافرون.
القسم الثاني: المنافقون الذين يراؤون في صلاتهم ولا يذكرون الله إلا قليلًا.
القسم الثالث: أقوام أهملوها وضيعوها.
القسم الرابع: هم المحافظون عليها الفائزون بثوابها.
القسم الأول: من أنكر الصلاة، وجحدها، ولم يعتقد بفرضيتها، وهم الكافرون:
قال تعالى في سورة (المدثر) حكاية عن قول أصحاب اليمين في سؤالهم الكافرين: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴾ [المدثر: 42]، فيجيب الكافرون بقولهم:
﴿ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾ [المدثر: 43]؛ أي: لم نؤدِّ الصلاة، ولم نعتقد بفرضيتها، ﴿ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ﴾ [المدثر: 44]؛ أي: لم نكن نتصدق، ونحسن إلى الفقراء والمساكين، ﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴾ [المدثر: 45]؛ أي: وكنا نتحدث بالباطل مع أهل الغواية، والضلالة، ونقع معهم فيما لا ينبغي من الأباطيل، ﴿ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ﴾ [المدثر: 46]؛ أي: نكذب بيوم القيامة، وبالجزاء، والمعاد، ﴿ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ﴾ [المدثر: 47]؛ أي: حتى جاءنا الموت.
ومما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب:
عن جابر قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تركَ الصلاة))؛ [رواه مسلم (82)].
وعند الترمذي (2618): عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((بَيْنَ الكُفْرِ وَالإِيمَانِ تَرْكُ الصَّلَاةِ)).
وعند أبي داود (4678): عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَيْنَ الْعَبْدِ، وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ)).
وعَنْ عَبْداللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ))؛ [رواه الترمذي (2621)].
القسم الثاني: المنافقون الذين يراؤون في صلاتهم ولا يذكرون الله إلا قليلًا:
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142].
هذا إعلام من الله تعالى أن المنافقين لا يعملون شيئًا من الفروض إلا رياء، وإبقاء على أنفسهم، فهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى؛ إذ ليست عندهم بفرض، إنما يقومون للناس رياء؛ إذ لا يرجون ثوابًا، ولا يخافون عقابًا.
﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾؛ أي: إلا ذكرًا قليلًا، والمعنى: أنهم يذكرون الله رياء لا ذكر مؤمن موقن بتوحيد الله عز وجل؛ فلذلك سمي قليلًا؛ إذ هو غير مقصود به الله سبحانه، وما عنده تعالى، فمن أجل هذا وُصف بالقلة، مع أنه ليس في ذكر الله عز وجل قليل، إنما قلَّ من أجل اعتقادهم لا من أجل قلة ذكرهم، قيل: إنما قلَّ لأنه كان لغير الله سبحانه.
وقال تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4، 5].
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 5]: قيل: هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس، ويصلون في العلانية إذا حضروا معهم؛ لقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ﴾ [الماعون: 6]، قيل: لا يرجون لها ثوابًا إن صلوا، ولا يخافون عليها عقابًا إن تركوا، وقيل: هم الذين إذا صلوها، صلوها رياء، وإن فاتتهم لم يندموا عليها، وقيل: هم الذين لا يصلونها لمواقيتها، ولا يتمون لها ركوعها، ولا سجودها، ساهون عنها لا يبالون صلوا، أو لم يصلوا.
وفي قوله تعالى: ﴿ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ إشارة إلى أنها في المنافقين؛ ولهذا قال بعض السلف: الحمد لله الذي قال: ﴿ عَنْ صَلَاتِهِمْ ﴾، ولم يقل: فِي صَلَاتِهِمْ؛ لأنه لو قال: فِي صَلاتِهِمْ، لكانت في المؤمنين، والمؤمن قد يسهو في صلاته، والفرق بين السهوين واضح، فإن سهو المنافق سهوُ ترك، وقلة التفات إليها، فهو لا يتذكرها، ويكون مشغولًا عنها، والمؤمن إذا سها في صلاته، تداركه في الحال، وجبره بسجود السهو.
القسم الثالث: أقوام كان آباؤهم يصلون ويحسنون الصلاة، أما هم فقد أهملوها وضيعوها:
قال تعالى في سورة (مريم): ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [مريم: 59].
وإضاعتهم الصلاة تأخيرها عن أوقاتها، وقيل: تركها، وذكر بعضهم أن هذه الآية في قوم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يكونون في آخر الزمان.
وفي صحيح البخاري (553) عن أبي المليح، قال: كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ترك صلاة العصر فقد حبِط عمله)).
وفي صحيح البخاري (552) ومسلم (626) عن عبدالله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الذي تفوته صلاة العصر، كأنما وُتِرَ أهله وماله)).
ويحتمل أن تكون إضاعتها الإِخلالَ باستيفاء شروطها؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل المسيء صلاته: ((ارجِع فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ))؛ [رواه البخاري (757)، ومسلم (397)].
وقال حذيفة رضي الله عنه لرجل يصلي، ولم يتم صلاته: ((منذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال: منذ أربعين عامًا، قال: ما صليت، ولو متَّ وأنت تصلي هذه الصلاة، لمتَّ على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن الرجل ليخفف الصلاة، ويتم، ويحسن))؛ [رواه النسائي (1312)].
القسم الرابع: هم المحافظون عليها الفائزون بثوابها:
قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2].
الفلاح هو السعادة، وقيل البقاء في الخير، والمفلحون الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما منه هربوا.
وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المؤمنون: 9].
وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [الأنعام: 92].
وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المعارج: 34].
وقال تعالى: ﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 22، 23].
وجماع ما قيل في ذلك: يحافظون على مواقيت الفرض منها، ويكثرون فعل التطوع منها، ولا يلتفتون فيها.
ومن الحفاظ عليها أداؤها ولو في حالة الحرب والخوف.
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [النساء: 101].
وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].
وقوله: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 103] كقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200].
ومن أهم أسباب الحفاظ عليها أداؤها في جماعة.
عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة))؛ [رواه البخاري (645)، ومسلم (650)].
وعن عبدالله بن مسعود قال: ((من سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيُحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتَى به يُهادَى بين الرجلين حتى يُقام في الصف))؛ [رواه مسلم (654)].
الألوكة