فريق منتدى الدي في دي العربي
05-04-2016, 09:20 PM
بين الإدانة والإبانة: اعرف نفسك قبل غيرك
نانسي خلف
من قال: إن المجرمين فقط في قفص الاتهام؟! ففي زمن أرخصُ ما يباع فيه الإنسان، هل نتوقع العفو من رشق الاتهامات؟! كلا، الكل متهم حتى تثبت براءته، نعم، لا تستغربوا، هكذا عُكِست القاعدة؛ ففي زمن التنافس المادي بكل أشكاله الكل متهم من هنا ومن هناك، وهل بات في هذا الزمن من أبرياء؟ الكل متهم بكل شيء وبأي شيء، المهم أن يقدموا لك (ملصق الاتهام) و"ببلاش"!
وإذا كانت عبارة: (الأصل في الإنسان البراءة) قاعدة شرعية، و(الأصل في المتهم - أي حتى بعد الاتهام - البراءة حتى تثبت إدانته) قانونًا في الأحكام الجنائية، ففي تعاملاتنا الشخصية معاييرُ مختلفة، معايير قلَبت القاعدة الشرعية قاعدة المزاجية، وحولت الحكم القانوني إلى حكم عشوائي؛ فلقد استبدلنا البراءة وهي (الأصل) إلى (فصل) تجاوزناه، وغيَّرنا (مبدأ البراءة) إلى (مبتدأ اتهام) لا خبر بعده.
وإذا استدعينا الذِّكريات لاستعرضَتْ لنا كم من مرة حاولنا فيها أن نلعب دور محامي الدفاع، وعن من؟! عن أنفسنا وهي أقرب ما تكون إلينا، جاهدين ومحاولين أن نثبت براءتنا، فنريد أن نثبت براءة أنفسنا للأصدقاء وللجيران وللبواب، ولكل من يقابلنا في طريقنا وفي حياتنا، فأصبح الإنجاز اليومي هو تقديم التبريرات على طبق من ألماس، فنغضب ونطمح في سجال ونحن ضائعون في متاهات الجدال، ولكن هل فكرت في يوم من الأيام أن تقبل الاتهام؟! نعم، لا تستغرب، أن تقبله بابتسامة وبدون أي كلام! وبتصرف عكسي تستوعب وتقبل قبولَ المفكر بالحل والمتحرك بالفعل المتيقظ لمصيدة رد الفعل؟ وهل تتوقع أن يكون هذا التصرف الحكيم من طفل؟ معًا لنقرأ هذه القصة.
دعت المعلمة والد الطالب يوسف للمدرسة لمناقشة وضع ابنه.
قالت له: أريدك أن تفهم أن ابنك يوسف يحتاج لريتالين (دواء لمن يعانون من صعوبة بالتركيز وفرط الحركة)، إنه يزعج أصدقاءه خلال الدرس، ويشوش على الجميع، وهو بليد لا يتعلم ولا يكتسب من العلوم إلا القليل.
فوافق الأب على اقتراح المعلمة، أما يوسف فلم يكن صامت الصوت، ولكن صامت الوجه أيضًا، وكيف لا يكون صامتًا وهو في صدمة من هذا الاتهام؟! ثم تنبه يوسف قائلًا: "أنا أخجل من تناول الدواء أمام أعين طلاب".
فعندها، اقترحت المعلمة أن يتوجَّهَ يوسف لغرفة المعلمين ليتناول حبة الريتالين، ويحضر لها القهوة، ثم يعود للصف.
وافق يوسف، وجرت الأمور كما هو متفق عليه.
ومرت الأيام، وبعد انقضاء شهر كان فيه يوسف مواظبًا على الدواء، دعت المعلمة أبا يوسف مرة أخرى، وماذا قالت هذه المرة؟! قالت: إنها راضية عن يوسف، ومدحت تصرفاته، وذكَرت مدى تحسن سلوكه، وهدوئه، وسرعة اكتسابه للمعلومات.
فكان الأب مسرورًا لسماع كلام المعلمة، وتوجه لابنه مبتسمًا، وقال له: أحسنتَ يا ولدي، إنك تتعلم الآن أفضل من ذي قبل، حدِّثْني كيف تغيرت؟ وبماذا تشعر بعد هذا التقدم الذي أحرزتَه؟
قال يوسف لأبيه: الأمر يا أبي في غاية البساطة؛ فقد كنت أتوجَّه لغرفة المعلمين، أُحضر القهوة للمعلمة، وأضع حبة الريتالين في قهوتها، وهكذا أصبحتِ المعلمة أكثر هدوءًا، واستطاعَتْ أن تعلِّمنا كما يجب.
أعزائي القراء، هل المشكلة فينا أم فيمن حولنا؟ في الواقع، المشكلة فينا جميعًا،ولكن على مستويات: فالمشكلة فينا حين ننجرُّ إلى مستنقع الاتهامات، ونرضى أن نكون المتهم الأول لأنفسنا، وهذا معتقدنا، وإلا لَمَا انجررنا وراء الاتهامات، ولانسحبنا بكل هدوء، ومشَيْنا في طريقنا، أليس كذلك؟!
والمشكلة في غيرنا من أصحاب الصراعات الشخصية حين ينقلون صراعهم مع أنفسهم إلى صراعات مع الآخرين على شكل بطاقات اتهامات وصفارات من المهاترات.
ولكيلا نُغرِق نحن أيضًا في التحليلات التي حذرنا منها في البدايات، دعونا نصوِّب الأمور بسهم السؤال:
لو أن هذه المعلمة كانت تقوم بدورها وتتمتع بالهدوء اللازم، لاختلف تعاملها، ولاختلفت نظرتها للمشكلة، وبالتالي السؤال: ألن ينعكس هذا الهدوء هدوءًا على الطفل يوسف؟ ولو وضعنا أقصى الاحتمالات وأنه رغم هدوء المعلمة لا زال يوسف مشاغبًا، ألن تستطيع المعلمة التخفيف من حجم المشكلة كأقل القليل بدلًا من اللجوء للريتالين؟
أحبتي، تلخيص الجواب: عندما يتهمنا البعض بأمور لم نقم بها حقيقة، إنما تكون هذه الاتهامات بسبب أنهم هم الذين يقومون بها.
ومن القصة يتبين أن المعلمة التي اتهمت يوسف بعدم التركيز وقلة الهدوء إنما هي التي كان ينقصها قدر من الهدوء؛ فاتهامها لطفل إنما هو اتهام لها ولنفسها بالدرجة الأولى.
وهذه المعلمة موجودة في كل بيت منا، موجودة بشخصها، وإن اختلف اسمها.
فهذه المعلمة تظهر في شخصية الأم التي تسأل طفلها بنبرة الاتهام": مَن فعل هذا؟ أو حين تسمع رضيعها يبكي وكانت قد تركته مع طفلها الأكبر، فإن أول ما تسأله هو: "ماذا فعلتَ لأخيك حتى بكى؟"، وإذا وقعت الزجاجة فها هي المعلمة تظهر في شخصية الأب الذي يسوق الاتهام مباشرة بدون أدنى شك ويسأل الطفل: "لمَ كسرتَ الزجاجة؟"، فينظر الطفل والصدمة في عينيه، فالزجاجة لم تكن معه أصلًا، إنها (لغة الاتهام) التي أصبحت لغة متمكنة في أحاديثنا اليومية.
ومن البيت إلى بيئة العمل، ومنها إلى الوسائل الإعلامية التي أصبحت تركز في مضامينها على الاتهامات، وكالرادار تراقب وتلتقط كل خيط، ولو خيط شك، لتدعيم هذه الاتهامات، وأبرعُ مَن أتقَنَ هذه اللغة هم السياسيون في حواراتهم ونقاشاتهم، ناهيكم عن البرامج القائمة على المهاترات والجدال والمواجهات بين نماذج متخاصمة.
وإن كان هذا هو الوضع، فما هو الحل؟!
وبين اتهام الآخرين لنا واتهام أنفسنا لنا يجب ألا نُغرِق في بحر التساؤلات والتحريات (من المخطئ ومن المصيب؟)، وإن كان هذا التقييم ضروريًّا كمرحلة أولية لمعرفة النفس ما لها وما عليها، ولكن يجب ألا نتوقف عنده؛ فليست نقطة الوصول معرفة من أخطأ ومن أصاب؛ لذا لا بد من التيقظ؛ كيلا نضيع المجاديف نحو التقدم، فيسبقنا قارب العمر دون أن نصل إلى بر الأمان، إلى بر الفوز، إلى بر النجاح بعد عاصفة الحياة وتيار الاتهامات.
فبين الاتهامين المتضادين في الاتجاه تتحد القوى لتجتمع علينا، أجل، وليس على أحد سوانا تتحد، على نفسي ونفسك، وتقيدها بالسلاسل ساحبة هذه النفس إلى أرض تجهلها، لا تصيب فيها نجاحًا، ولا ترتع فيها من الحسنات، كيف وقد غيرت طريقها؟ وعدلت عن مسيرها؟
نعم، علينا أن نرفع لافتة (احذر) و(انتبه)؛ لنذكر أنفسنا أن هذه الاتهامات وإن توجهت إلينا بأصابع الباطل، وغرزت فينا بعض الجروح النفسية من أشخاص بالنسبة لنا هم ثقات، يجب ألا ندع أصابع الاتهامات مغروزة فينا ونقف متألمين ومستسلمين لها، لا بد أن ننتقل إلى مرحلة النزع، ونقتلع لافتة (ممنوع المرور) نحو رضا الله؛ فالطريق سالكة للجميع دون استثناء.
وماذا بعد؟ فبين (الإدانة) و(الإبانة) لاءات ثلاثة: لا للتبرير، لا للتصديق، لا للتوقيف.
1 - لا تبرر لمَ فعلت ولم لم تفعل؟ فليس من الفطنة أن تبرر الاتهام وأنت تعلم أنه مجرد اتهام.
2 - ولا تصدق كل ما يقال وتأخذه على محمل المسلَّمات.
3 - لا لتوقيف المسير نحو الهدف الأعظم، ولا للتوقف عند سياج الاتهامات.
وإذا رخص اتهام الأبرياء، فلا ترخص أنت قدراتك، وتستهلك طاقاتك فيما لا ينفع ولا يضر؛ فليس الذي يتهمك زورًا على هذا المستوى من العلم عنك وبك، ولكن مستوى تصديقك وسرعتك في الاستجابة هو الذي يصنع ما عنده فيتهمك.
وبين (الإبانة) و(الإدانة) اعرِفْ نفسك قبل أن يتهمك غيرك؛ حتى لا تتسرع وتأخذ حبة الريتالين وأنت سليم.
نانسي خلف
من قال: إن المجرمين فقط في قفص الاتهام؟! ففي زمن أرخصُ ما يباع فيه الإنسان، هل نتوقع العفو من رشق الاتهامات؟! كلا، الكل متهم حتى تثبت براءته، نعم، لا تستغربوا، هكذا عُكِست القاعدة؛ ففي زمن التنافس المادي بكل أشكاله الكل متهم من هنا ومن هناك، وهل بات في هذا الزمن من أبرياء؟ الكل متهم بكل شيء وبأي شيء، المهم أن يقدموا لك (ملصق الاتهام) و"ببلاش"!
وإذا كانت عبارة: (الأصل في الإنسان البراءة) قاعدة شرعية، و(الأصل في المتهم - أي حتى بعد الاتهام - البراءة حتى تثبت إدانته) قانونًا في الأحكام الجنائية، ففي تعاملاتنا الشخصية معاييرُ مختلفة، معايير قلَبت القاعدة الشرعية قاعدة المزاجية، وحولت الحكم القانوني إلى حكم عشوائي؛ فلقد استبدلنا البراءة وهي (الأصل) إلى (فصل) تجاوزناه، وغيَّرنا (مبدأ البراءة) إلى (مبتدأ اتهام) لا خبر بعده.
وإذا استدعينا الذِّكريات لاستعرضَتْ لنا كم من مرة حاولنا فيها أن نلعب دور محامي الدفاع، وعن من؟! عن أنفسنا وهي أقرب ما تكون إلينا، جاهدين ومحاولين أن نثبت براءتنا، فنريد أن نثبت براءة أنفسنا للأصدقاء وللجيران وللبواب، ولكل من يقابلنا في طريقنا وفي حياتنا، فأصبح الإنجاز اليومي هو تقديم التبريرات على طبق من ألماس، فنغضب ونطمح في سجال ونحن ضائعون في متاهات الجدال، ولكن هل فكرت في يوم من الأيام أن تقبل الاتهام؟! نعم، لا تستغرب، أن تقبله بابتسامة وبدون أي كلام! وبتصرف عكسي تستوعب وتقبل قبولَ المفكر بالحل والمتحرك بالفعل المتيقظ لمصيدة رد الفعل؟ وهل تتوقع أن يكون هذا التصرف الحكيم من طفل؟ معًا لنقرأ هذه القصة.
دعت المعلمة والد الطالب يوسف للمدرسة لمناقشة وضع ابنه.
قالت له: أريدك أن تفهم أن ابنك يوسف يحتاج لريتالين (دواء لمن يعانون من صعوبة بالتركيز وفرط الحركة)، إنه يزعج أصدقاءه خلال الدرس، ويشوش على الجميع، وهو بليد لا يتعلم ولا يكتسب من العلوم إلا القليل.
فوافق الأب على اقتراح المعلمة، أما يوسف فلم يكن صامت الصوت، ولكن صامت الوجه أيضًا، وكيف لا يكون صامتًا وهو في صدمة من هذا الاتهام؟! ثم تنبه يوسف قائلًا: "أنا أخجل من تناول الدواء أمام أعين طلاب".
فعندها، اقترحت المعلمة أن يتوجَّهَ يوسف لغرفة المعلمين ليتناول حبة الريتالين، ويحضر لها القهوة، ثم يعود للصف.
وافق يوسف، وجرت الأمور كما هو متفق عليه.
ومرت الأيام، وبعد انقضاء شهر كان فيه يوسف مواظبًا على الدواء، دعت المعلمة أبا يوسف مرة أخرى، وماذا قالت هذه المرة؟! قالت: إنها راضية عن يوسف، ومدحت تصرفاته، وذكَرت مدى تحسن سلوكه، وهدوئه، وسرعة اكتسابه للمعلومات.
فكان الأب مسرورًا لسماع كلام المعلمة، وتوجه لابنه مبتسمًا، وقال له: أحسنتَ يا ولدي، إنك تتعلم الآن أفضل من ذي قبل، حدِّثْني كيف تغيرت؟ وبماذا تشعر بعد هذا التقدم الذي أحرزتَه؟
قال يوسف لأبيه: الأمر يا أبي في غاية البساطة؛ فقد كنت أتوجَّه لغرفة المعلمين، أُحضر القهوة للمعلمة، وأضع حبة الريتالين في قهوتها، وهكذا أصبحتِ المعلمة أكثر هدوءًا، واستطاعَتْ أن تعلِّمنا كما يجب.
أعزائي القراء، هل المشكلة فينا أم فيمن حولنا؟ في الواقع، المشكلة فينا جميعًا،ولكن على مستويات: فالمشكلة فينا حين ننجرُّ إلى مستنقع الاتهامات، ونرضى أن نكون المتهم الأول لأنفسنا، وهذا معتقدنا، وإلا لَمَا انجررنا وراء الاتهامات، ولانسحبنا بكل هدوء، ومشَيْنا في طريقنا، أليس كذلك؟!
والمشكلة في غيرنا من أصحاب الصراعات الشخصية حين ينقلون صراعهم مع أنفسهم إلى صراعات مع الآخرين على شكل بطاقات اتهامات وصفارات من المهاترات.
ولكيلا نُغرِق نحن أيضًا في التحليلات التي حذرنا منها في البدايات، دعونا نصوِّب الأمور بسهم السؤال:
لو أن هذه المعلمة كانت تقوم بدورها وتتمتع بالهدوء اللازم، لاختلف تعاملها، ولاختلفت نظرتها للمشكلة، وبالتالي السؤال: ألن ينعكس هذا الهدوء هدوءًا على الطفل يوسف؟ ولو وضعنا أقصى الاحتمالات وأنه رغم هدوء المعلمة لا زال يوسف مشاغبًا، ألن تستطيع المعلمة التخفيف من حجم المشكلة كأقل القليل بدلًا من اللجوء للريتالين؟
أحبتي، تلخيص الجواب: عندما يتهمنا البعض بأمور لم نقم بها حقيقة، إنما تكون هذه الاتهامات بسبب أنهم هم الذين يقومون بها.
ومن القصة يتبين أن المعلمة التي اتهمت يوسف بعدم التركيز وقلة الهدوء إنما هي التي كان ينقصها قدر من الهدوء؛ فاتهامها لطفل إنما هو اتهام لها ولنفسها بالدرجة الأولى.
وهذه المعلمة موجودة في كل بيت منا، موجودة بشخصها، وإن اختلف اسمها.
فهذه المعلمة تظهر في شخصية الأم التي تسأل طفلها بنبرة الاتهام": مَن فعل هذا؟ أو حين تسمع رضيعها يبكي وكانت قد تركته مع طفلها الأكبر، فإن أول ما تسأله هو: "ماذا فعلتَ لأخيك حتى بكى؟"، وإذا وقعت الزجاجة فها هي المعلمة تظهر في شخصية الأب الذي يسوق الاتهام مباشرة بدون أدنى شك ويسأل الطفل: "لمَ كسرتَ الزجاجة؟"، فينظر الطفل والصدمة في عينيه، فالزجاجة لم تكن معه أصلًا، إنها (لغة الاتهام) التي أصبحت لغة متمكنة في أحاديثنا اليومية.
ومن البيت إلى بيئة العمل، ومنها إلى الوسائل الإعلامية التي أصبحت تركز في مضامينها على الاتهامات، وكالرادار تراقب وتلتقط كل خيط، ولو خيط شك، لتدعيم هذه الاتهامات، وأبرعُ مَن أتقَنَ هذه اللغة هم السياسيون في حواراتهم ونقاشاتهم، ناهيكم عن البرامج القائمة على المهاترات والجدال والمواجهات بين نماذج متخاصمة.
وإن كان هذا هو الوضع، فما هو الحل؟!
وبين اتهام الآخرين لنا واتهام أنفسنا لنا يجب ألا نُغرِق في بحر التساؤلات والتحريات (من المخطئ ومن المصيب؟)، وإن كان هذا التقييم ضروريًّا كمرحلة أولية لمعرفة النفس ما لها وما عليها، ولكن يجب ألا نتوقف عنده؛ فليست نقطة الوصول معرفة من أخطأ ومن أصاب؛ لذا لا بد من التيقظ؛ كيلا نضيع المجاديف نحو التقدم، فيسبقنا قارب العمر دون أن نصل إلى بر الأمان، إلى بر الفوز، إلى بر النجاح بعد عاصفة الحياة وتيار الاتهامات.
فبين الاتهامين المتضادين في الاتجاه تتحد القوى لتجتمع علينا، أجل، وليس على أحد سوانا تتحد، على نفسي ونفسك، وتقيدها بالسلاسل ساحبة هذه النفس إلى أرض تجهلها، لا تصيب فيها نجاحًا، ولا ترتع فيها من الحسنات، كيف وقد غيرت طريقها؟ وعدلت عن مسيرها؟
نعم، علينا أن نرفع لافتة (احذر) و(انتبه)؛ لنذكر أنفسنا أن هذه الاتهامات وإن توجهت إلينا بأصابع الباطل، وغرزت فينا بعض الجروح النفسية من أشخاص بالنسبة لنا هم ثقات، يجب ألا ندع أصابع الاتهامات مغروزة فينا ونقف متألمين ومستسلمين لها، لا بد أن ننتقل إلى مرحلة النزع، ونقتلع لافتة (ممنوع المرور) نحو رضا الله؛ فالطريق سالكة للجميع دون استثناء.
وماذا بعد؟ فبين (الإدانة) و(الإبانة) لاءات ثلاثة: لا للتبرير، لا للتصديق، لا للتوقيف.
1 - لا تبرر لمَ فعلت ولم لم تفعل؟ فليس من الفطنة أن تبرر الاتهام وأنت تعلم أنه مجرد اتهام.
2 - ولا تصدق كل ما يقال وتأخذه على محمل المسلَّمات.
3 - لا لتوقيف المسير نحو الهدف الأعظم، ولا للتوقف عند سياج الاتهامات.
وإذا رخص اتهام الأبرياء، فلا ترخص أنت قدراتك، وتستهلك طاقاتك فيما لا ينفع ولا يضر؛ فليس الذي يتهمك زورًا على هذا المستوى من العلم عنك وبك، ولكن مستوى تصديقك وسرعتك في الاستجابة هو الذي يصنع ما عنده فيتهمك.
وبين (الإبانة) و(الإدانة) اعرِفْ نفسك قبل أن يتهمك غيرك؛ حتى لا تتسرع وتأخذ حبة الريتالين وأنت سليم.