فريق منتدى الدي في دي العربي
05-04-2016, 11:08 PM
الحمد لله وبعد،،
من المظاهر الأليمة التي بدت ملحوظة بعض الشيء هذه الأيام.. أن ترى الشخص يتَّبِع الجنازة من أقاربه أو معارفه.. ويقف في زحام الناس في المقبرة.. أو متجافياً على مرمى خطوات يُطلّ عليهم.. ثم يتجاذب مع صاحب له تعليقات الدعابة والهزل..
بل ربما استدعى من ذاكرته نوادر يتفكّه بها..
بل ربما كان بعضهم في مبدأ أمره يخفي بعض ضحكاته، ثم صار لاحقاً يجاهر بها بصفاقة طبع..
كلما رأيت هذا المشهد السّمج انهمر على ذاكرتي حديث علي بن أبي طالب في الصحيحين أنهم كانوا مع النبي –صلى الله عليه وسلم- في جنازة، فقعد وقعدوا حوله، ونكّس النبي –صلى الله عليه وسلم- رأسه إلى الأرض، ثم أخذ عوداً وأخذ ينكت في الأرض، ثم قال صلى الله عليه وسلم
(ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار، أو من الجنة)..
تجوّل بطرفك في هذا المشهد لخشوع النبي صلى الله عليه وسلم وإطراقه وسكينته وقت الجنازة.. وتذكره لقاء الله والدار الآخرة، وتذكيره أصحابه.. ثم تذكّر أولئك المتظرّفين الثقلاء بينما ذوو الميت يوسّدون ميتهم اللحد وما أهالوا التراب عليه بعد!
إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم يقول (زوروا القبور فإنها تذكر الموت) فهل من تفسير لمن زار القبور ولم يتغير من حاله شيء إلا "موت القلب" بسبب ما تكاثف على القلب من الخطايا وتلبد عليه من السيئات..
تماماً كما لا يحس الجسد المعزول بآثار الحرارة الخارجية..
التابعي الجليل ثابت البناني تتلمذ على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وابن الزبير وغيرهم، وهو يروي مشهد الجنازة في ذلك الجيل فيقول كما روى عنه ابن أبي شبة في مصنفه:
(عن ثابت البناني قال: لقد كنا نتّبع الجنازة، فما نرى حول السرير إلا متقنعاً باكياً أو متفكراً، كأنما على رءوسهم الطير)..
يا الله .. كم هو مشهد يكشف لك القلوب الحية.. غشيتهم السكينة كأنما على رؤوسهم الطير..
وروى ابن أبي شيبة في المصنف –أيضاً- عن فقيه أهل العراق في زمانه إبراهيم النخعي مستغرباً ممن يتحدث بأمر لا يليق بمقام الجنازة قال:
(كنا إذا حضرنا جنازة أو سمعنا بميت يُعرَف ذلك فينا أياماً، لأنا قد عرفنا أنه قد نزل به أمر صيّره إلى الجنة أو النار, وإنكم تتحدثون في جنائزكم بحديث دنياكم!).
ومما يزيد الألم من مشهد المتفكّهين على شفير القبر أنهم لم يكتفوا بالإساءة لأنفسهم.. بل لم يرعوا حق أهل الميت المفجوعين بقريبهم..
فأين الأدب والذوق واللباقة في رجل يقابل عيناً تدمع بفم يقهقه!
وغاية الجهل غياب إدراك اختلاف المقامات وما يناسب كل حال..
بدلاً من أن يتضامن متبع الجنازة مع أهل الميت فيشعر بوجعهم ويحزن لحزنهم ويصبّرهم ويثبّتهم ويدعو لهم.. يبعث لهم بهذه الرسالة المضمرة الثقيلة أنه ما جاء إلا لأداء واجب اجتماعي محض.. كأنما هو عبء ينتظر أن يلقيه عن عاتقه.. ويتسلى بالمرح ريثما تنتهي مراسم الدفن!
اللهم إنا نسألك الحياء منك، ومن الناس..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
من المظاهر الأليمة التي بدت ملحوظة بعض الشيء هذه الأيام.. أن ترى الشخص يتَّبِع الجنازة من أقاربه أو معارفه.. ويقف في زحام الناس في المقبرة.. أو متجافياً على مرمى خطوات يُطلّ عليهم.. ثم يتجاذب مع صاحب له تعليقات الدعابة والهزل..
بل ربما استدعى من ذاكرته نوادر يتفكّه بها..
بل ربما كان بعضهم في مبدأ أمره يخفي بعض ضحكاته، ثم صار لاحقاً يجاهر بها بصفاقة طبع..
كلما رأيت هذا المشهد السّمج انهمر على ذاكرتي حديث علي بن أبي طالب في الصحيحين أنهم كانوا مع النبي –صلى الله عليه وسلم- في جنازة، فقعد وقعدوا حوله، ونكّس النبي –صلى الله عليه وسلم- رأسه إلى الأرض، ثم أخذ عوداً وأخذ ينكت في الأرض، ثم قال صلى الله عليه وسلم
(ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار، أو من الجنة)..
تجوّل بطرفك في هذا المشهد لخشوع النبي صلى الله عليه وسلم وإطراقه وسكينته وقت الجنازة.. وتذكره لقاء الله والدار الآخرة، وتذكيره أصحابه.. ثم تذكّر أولئك المتظرّفين الثقلاء بينما ذوو الميت يوسّدون ميتهم اللحد وما أهالوا التراب عليه بعد!
إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم يقول (زوروا القبور فإنها تذكر الموت) فهل من تفسير لمن زار القبور ولم يتغير من حاله شيء إلا "موت القلب" بسبب ما تكاثف على القلب من الخطايا وتلبد عليه من السيئات..
تماماً كما لا يحس الجسد المعزول بآثار الحرارة الخارجية..
التابعي الجليل ثابت البناني تتلمذ على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وابن الزبير وغيرهم، وهو يروي مشهد الجنازة في ذلك الجيل فيقول كما روى عنه ابن أبي شبة في مصنفه:
(عن ثابت البناني قال: لقد كنا نتّبع الجنازة، فما نرى حول السرير إلا متقنعاً باكياً أو متفكراً، كأنما على رءوسهم الطير)..
يا الله .. كم هو مشهد يكشف لك القلوب الحية.. غشيتهم السكينة كأنما على رؤوسهم الطير..
وروى ابن أبي شيبة في المصنف –أيضاً- عن فقيه أهل العراق في زمانه إبراهيم النخعي مستغرباً ممن يتحدث بأمر لا يليق بمقام الجنازة قال:
(كنا إذا حضرنا جنازة أو سمعنا بميت يُعرَف ذلك فينا أياماً، لأنا قد عرفنا أنه قد نزل به أمر صيّره إلى الجنة أو النار, وإنكم تتحدثون في جنائزكم بحديث دنياكم!).
ومما يزيد الألم من مشهد المتفكّهين على شفير القبر أنهم لم يكتفوا بالإساءة لأنفسهم.. بل لم يرعوا حق أهل الميت المفجوعين بقريبهم..
فأين الأدب والذوق واللباقة في رجل يقابل عيناً تدمع بفم يقهقه!
وغاية الجهل غياب إدراك اختلاف المقامات وما يناسب كل حال..
بدلاً من أن يتضامن متبع الجنازة مع أهل الميت فيشعر بوجعهم ويحزن لحزنهم ويصبّرهم ويثبّتهم ويدعو لهم.. يبعث لهم بهذه الرسالة المضمرة الثقيلة أنه ما جاء إلا لأداء واجب اجتماعي محض.. كأنما هو عبء ينتظر أن يلقيه عن عاتقه.. ويتسلى بالمرح ريثما تنتهي مراسم الدفن!
اللهم إنا نسألك الحياء منك، ومن الناس..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه