فريق منتدى الدي في دي العربي
05-05-2016, 07:05 AM
أثر اللغة العربية على فن العمارة الهندي
د. هيفاء شاكري
نجد أول ذكر لدولة عربية إسلامية في الهند عام 90 للهجرة والتي قامت على يد محمد بن القاسم الثقفي، ولكن المجتمع الهندي كان قد تعرف على الثقافة العربية الإسلامية وبالتالي اللغة العربية قبل ذلك عن طريق القوافل التجارية التي كانت ترد إليها من شبه الجزيرة العربية.
وقد توالت الحكومات الإسلامية بمختلف أشكالها على الهند منذ عصر الدولة الأموية إلى احتلال الإنجليز لها عام 1857م. وخلال هذه الفترة الطويلة تأثر المجتمع الهندي بالإسلام واللغة العربية في مختلف مجالاته من سياسية واجتماعية واقتصادية وعمرانية وثقافية وفنية. والحديث عن جميع الجوانب سيشغل مؤلفات ومؤلفات وهو لا ينتهي،[1] لذلك اخترت جانبًا مهمًا من هذه الجوانب وهي النهضة المعمارية التي شهدتها الهند خلال الحكم الإسلامي وآثار العربية عليها، فالهند منطقة سياحية مهمة في العالم، والمعروف أن أغلب السياح يفدون إليها لمشاهدة معالمها الأثرية والتي شيّدت أثناء الحكم الإسلامي.[2]
ولأن الهند دولة مترامية الأطراف مع تنوع في شعوبها ودياناتها وحضاراتها، فكأنها بلدان عديدة وليست دولة واحدة، فاختلفت كذلك المنشآت المعمارية في شبه القارة الهندية، وظهر الفن المعماري الإسلامي كذلك بأشكال مختلفة عبر القرون، ولكن ظهر فيه أثر الإسلام والعروبة بحيث جعله مختلفًا عن المعالم الأثرية التي أنشئت تحت تأثير الثقافات والحضارات الأخرى.
قام قطب الدين أيبك بإنشاء العديد من المباني في مدينة دلهي، ومع الحكم الإسلامي وانتشار الإسلام في ربوع الهند أصبحت هذه الدولة العريقة ثاني أكبر دولة من حيث عدد المسلمين في العالم. والمسلمون الآن جزء لا يتجزأ من تركيبة المجتمع الهندي حيث قاموا بدور بارز في تقديم الإنجازات في المجال الثقافي والسياسي والحضاري والفني والاقتصادي.
سنقوم بتقسيم البحث إلى قسمين:
قسم يناقش الكلمات والمفردات العربية المستخدمة في فن العمارة الهندي بنفس معانيها أو التي تستخدم بلفظها مع تغير في المعنى الدال على ذلك.
والقسم الثاني دراسة عن بعض أهم المعالم والآثار لفن العمارة الإسلامي الهندي مع إبراز جوانب تأثير العربية على هذه المعالم.
نتحدث في البداية عن الكلمات العربية التي تستخدم في المجال المعماري الهندي سواء بنفس معانيها أو استخدام الكلمة مع تغير في المعنى.
كلمة "فن العمارة" تستخدم بنفس المعنى مع تغيير بسيط في طريقة الكتابة، فتكتب "فن عمارت"، عمارت بمعنى المبنى.
كلمة "المسجد" تستعمل بنفس معناها أي بيت الله ومكان إقامة الصلاة.
وفي المسجد يوجد "الباب" (مثل باب عبد الله في المسجد الجامع في دلهي)، و"الصحن" (وتستعمل كلمة صحن لصحن البيت أيضًا) و"المنارة" وتنطق "مينار" و"المئذنة"، و"المحراب" و"القبة" والحوض للوضوء.
وتستعمل كذلك كلمة المصلى ولكن للسجاد الذي يصلّى عليه وليس لمكان الصلاة.
والمسجد الكبير يسمّى "جامع مسجد" أي "المسجد الجامع" فاختلف فقط ترتيب الكلمات.
وهناك كلمات مثل "وضوخانة" و"غسل خانة" فهي كلمات مركبة يتكون الجزء الأول منها من الكلمة العربية والثاني من أصل فارسي أو هندي.
وأغلب أسماء المساجد في الهند هي أسماء عربية على أسماء الصحابة والصلحاء أو تركيبات عربية مثل مسجد عمر بن الخطاب ومسجد عائشة ومسجد زينة المساجد (والذي بنته زينت النساء ابنة الإمبراطور أورنك زيب) ونوري مسجد.
وقد أطلقت الأسماء العربية على المدارس أيضًا، فإضافة إلى استخدام كلمة "مدرسة" نفسها تستخدم كلمة "دار العلوم" في أسماء كثير من المدارس مثل دار العلوم ديوبند ودار العلوم ندوة العلماء، ومدرسة الإصلاح، ومدرسة عالية، ومدرسة فيض عام، ومدرسة خديجة الكبرى ومعهد عائشة وغيرها من آلاف المدارس المنتشرة في أنحاء الهند.
وهناك من الجامعات التي تعرف بأسمائها العربية "الجامعة الملية الإسلامية" و"جامعة ابن تيمية"، و"جامعة الفلاح".
ويطلق "قلعة" على الحصن. وهناك الكثير من الحصون التي بنيت وأطلقت عليها أسماء ذات كلمات عربية، مثل: قلعة مبارك في مدينة باتندا وهي من أقدم القلاع، وقلعة أكبر في آغرا.
وكلمة "محل" تطلق على القصر منها "تاج محل" أي قصر التاج. وهو أهم معلم سياحي في الهند. وجهاز محل وزينت محل.
أما عن أسماء المدن الهندية والتي سمّيت بأسماء عربية أو تدخل في تركيبها أسماء عربية فلا تعد ولا تحصى، ومن أشهرها المدن التي تلحقها كلمة "آباد" أي إنشاء، ومنها: "إله آباد" مدينة كبيرة في ولاية أترابراديش وملتقى الأنهار، و"أحمد آباد" مدينة عظيمة في ولاية غجرات، وحيدر آباد المعروفة بقصورها ومتاحفها ودور النشر التي تنشر الكثير من الكتب العربية، وغازي آباد مدينة قرب دلهي.
ومدن أخرى تنتهي بكلمة "بور" بمعنى حي، ومنها: "مبارك بور" التي ينتسب إليها القاضي أطهر المباركبوري وكان عالمًا كبيرًا بالعربية، و"برهان بور" و"جبل بور" و"فتح بور" المدينة التي أنشأها الإمبراطور أكبر قرب مدينة "آغرا" المعروفة.[3]
ومدن تنتهي أسماؤها بكلمة "كره" ومعناها المركز أو المعسكر، ومنها: "أعظم كره" التي كانت مسقط رأس كثير من علماء العربية في العصور المختلفة، و"علي كره" التي توجد فيها الجامعة الإسلامية amu، و"فتح كره"، "عظمت كره".
وتطلق كلمة "محلة" على الحي، وهناك الكثير من أسماء الأحياء بكلمات عربية مثل "ذاكرنكر" و"أبو الفضل" و"منيركا" وأصلها منير خان، و"علي كنج" و"يحيى كنج".
ومن أسماء الشوارع: شارع "محمد علي جوهر" وشارع "جمال عبد الناصر" وشارع "أبو الكلام آزاد".
ومن أسماء المطابع والمكتبات: أصح المطابع في دلهي، وأفضل المطابع في لكناو، ومطبعة إشاعة الإسلام، ومكتبة العزيزية في دلهي القديمة.
ومن أسماء المجامع العلمية: ندوة المصنفين في دلهي، ودائرة المعارف في حيدرآباد، ودار المصنفين في أعظم كره. وإدارة علمية التابعة لجامعة الفلاح. وإدارة علوم القرآن في عليكره.
ومن عادة الهنود إطلاق اسم خاص حتى على بيوتهم ومنازلهم، ونذكر هنا بعض الأسماء التي قد تجدها مكتوبة بخط عربي جميل فوق الباب الرئيسي للبيت مثل بيت الرشيد وبيت العباد وبيت الحمد.
نستنتج مما سبق أن المعالم الإسلامية في الهند تنقسم إلى:
1- العمائر الدينية من المساجد والمآذن حيث تم بناؤها في أرجاء مختلفة من الهند، وهي ذات تصميمات جذابة مستوحاة من الآيات والأحاديث والأشعار العربية مع أثر لفن العمارة الإيراني أو الديانات الهندوسية المحلية.
2- المدن والمنشآت المدنية من قصور وقلاع وحصون وحدائق وشوارع وأحواض ومرافق أخرى.
3- المباني الشخصية من بيوت ومنازل وأضرحة ومقابر شخصية.
وسنقدم دراسة لأهم هذه المعالم الأثرية في الصفحات التالية:
أولا: المساجدوالمآذن: لعبت المساجد دورًا بارزًا ومهمًا في نشر الثقافة العربية الإسلامية في الهند، وكانت هذه المساجد مصادر العلوم والفنون إضافة إلى كونها أمثلة لروائع الفن المعماري، حيث امتزج فيها الأثر العربي الإسلامي مع الأثر الفارسي والتركي والإيراني إضافة إلى الفنون المحلية، فالهند كانت تتميز بأسلوب راق في فن البناء قبل قدوم الإسلام إليها، فكانت التشكيلات البنائية وخاصة الدينية منها تتميز بزخارف فنية مليئة بالصور والتماثيل. ولكن وبعد الاحتكاك بين الفن الوافد والفن المحلي ظهرت في مناطق مختلفة من الهند مساجد ومآذن متنوعة الأساليب، وأصبحت نموذجًا واضحًا وجليًا على تأثر الحضارة المحلية بالحضارة العربية الإسلامية، وذلك ما أطلق عليه الفن الهندي ـ الإسلامي المشترك. وجدير بالذكر أن أول مسجد بني في الهند والموجود إلى الآن هو المسجد الواقع في مدينة كدنجلور وهي العاصمة القديمة لولاية كيرالا في جنوب الهند. ووفقًا لبعض الروايات فإن هذا المسجد هو الأول من سلسلة أحد عشر مسجدًا بناها في الهند التابعي الشهير مالك بن دينار عام 701م. ويعرف هذا المسجد باسم شيرمان نسبة إلى الملك الذي بني في عهده.[4]
ومن أهم المساجد:
1- مسجد القلعة القديمة: هو مسجد فخم بناه السلطان شير شاه سوري داخل قلعته الشهيرة المعروفة بالقلعة القديمة عام 1540م بمساحة 51×15 متر مربع، له خمسة أبواب محرابية الشكل على أطرافها آيات قرآنية محفورة بخط جميل، وتوجد القبة على سطح المسجد، ولكننا نلاحظ عدم وجود المنارة التي عرفت بها المساجد فيما بعد. ويعد من أجمل المساجد وتزداد أهميته لأنه يظهر الطرز المعماري ما قبل عصر المغول.[5]
2- مسجد قوة الإسلام: يعدّ مسجد قوة الإسلام من أقدم المساجد في مدينة دلهي والذي بناه الحاكم المملوك قطب الدين أيبك في بدايات القرن الثاني عشر الميلادي، وأكمله خلفه شمس الدين ألتمش، وتم توسيع المسجد في عهد علاء الدين خلجي. تبلغ مساحة المسجد 43 مترًا طولًا و23 مترًا عرضًا، وبمرور الزمن لم يبق من المسجد إلا هيكله الرئيسي وعدد من أعمدته وجدرانه العالية التي ما زالت تخلب لبّ الزوّار والسيّاح بزخارفها وكتاباتها الجميلة من الآيات القرآنية. أما منارة قطب الشهيرة أو قطب مينار كما ينطقها الهنود، فيعتقد بعض المؤرخين أنها منارة تابعة لهذا المسجد، وبالإضافة إلى الأذان كانت تستخدم لأغراض أخرى مثل المراقبة والإعلانات الخاصة لأهل المدينة. وهي من أقدم المعالم الأثرية في الهند ومن ضمن العديد من الآثار التي تدخل في فهرس التراث الإنساني العالمي لروعتها وجمال تصميمها وطريقة بنائها التي لا تتشابه مع أي منارة أخرى. يبلغ ارتفاعها 72.5 مترًا وقطر قاعدتها 14 مترًا، أما قطر القمة فيبلغ 2.5 مترًا. شيّدت على شكل مخروطي بالحجر الرملي الأحمر والبرتقالي، وتوجد في جوانبها الخارجية أقواس حفرت عليها الآيات القرآنية بخط عربي جميل. ويذكر السبب في بنائها بهذا الارتفاع هو الاستفادة من المنارة في إيصال صوت الأذان إلى أبعد موضع ممكن ومراقبة جيوش العدو المقتربة.[6]
3- المسجد الجامع: المسجد الجامع أو جامع مسجد كما يطلق عليه في الهند، هو أهم المساجد الهندية من حيث كونه رمزًا لقوة الإسلام والمسلمين في الفترة التي بني فيها. وضع حجر أساسه الإمبراطور المغولي شاه جهان في 10 شوال 1060ه أي عام 1650م، وانتهى بناؤه عام 1656م، فاستغرق بناؤه ست سنوات على هضبة مرتفعة عن سطح الأرض، وتذكر الروايات أن الإمبراطور اختار للمسجد مكانًا مرتفعًا حتى يكون بناء بيت الله أعلى من بناء قلعته (لال قلعة) القلعة الحمراء الواقعة شرق المسجد، وحتى يتمكن الناس من رؤية المسجد من أي ناحية من نواحي المدينة. وتوجد مدرجات عالية من جوانب المسجد والتي تؤدي إلى الصحن الداخلي من خلال أبواب مسمّاة بأسماء عربية، ووضعت عليها لوحات تشتمل على كتابات جمعت بين العبارات العربية والفارسية. تجد أيضًا قبابًا من المرمر ومنارتين يبلغ ارتفاعهما 40 مترًا تقريبًا. والبوابة الرئيسية تواجه القلعة وتسمّى (البوابة الملكية) حيث كان الملك يدخل منها لأداء الصلاة. وكذلك يوجد حوض كبير للماء في وسط الصحن ليتوضأ منه المصلون.[7]
ثانيًا: القلاع والحصون: أولى الملوك المغول اهتمامًا خاصًا بإنشاء القلاع والحصون، وكانت هذه القلاع تضم بين أسوارها المنيعة العالية قصورهم الفخمة ودواوين الحكومة أيضًا. فأنشؤوا عدة قلاع في مدينة آغرا وفتح بورسيكري ودلهي ولاهور. وقد قلد الحكام الآخرون في الأقاليم الأخرى البعيدة عن دلهي الحكام المغول في بناء القلاع والحصون والقصور وذلك في مدينة حيدرآباد وميسور وغيرها.
ومن أشهر القلاع:
1- قلعة أكبر: قلعة أكبر وتعرف أيضا بقلعة آغرا مبنية من الحجر الرملي الأحمر وتقع على الجانب الأيمن من نهر "يمونا" في موضع قريب من تاج محل، وكانت هذه القلعة تعتبر مركزًا عسكريًا وإستراتيجيًا ومقرًا للحكومة المغولية خلال حكم ملوكها أكبر وجهانكير وشاهجهان، وقد شيّدت هذه القلعة على شكل هلال بجدران عالية ومستقيمة مواجهة للنهر. وتضم القلعة في مساحتها الممتدة إلى كيلومترين ونصف تقريبًا قصورًا فخمة مثل (قصر جهانكير) و(خاص محل) و(شيش محل) و(ديوان عام) وهي صالة اجتماعات الملك مع العامة من الشعب، ومسجدين جميلين وهما (ناغينا مسجد، بمعنى الجوهرة) و(موتي مسجد، بمعنى اللؤلؤة)، وشيّدت فيها بعض المباني بالمرمر الأبيض الناصع، وتوجد أبراج عالية مثمنة الشكل في أطراف القلعة. وقد أقام الملك شاهجهان باني تاج محل في أحد هذه الأبراج في أيامه الأخيرة. ويذكر أبو الفضل وهو كاتب البلاط المغولي أن القلعة تحتوي على 5000 مبنى فخم، وقد قام الإنجليز بعد احتلالهم الهند بهدم معظمها لبناء معسكرات الجنود، ولم يبق منها الآن سوى 30 مبنى تقريبًا. والجدير بالذكر أن بابين خشبين محفوظين في قلعة آغرا كانا في ضريح محمود بن سبكتكين المعروف بمحمود الغزنوي، الذي تولى الحكم من سنة 389 - 421 من الهجرة، (997ـ 1030م)،[8] فهو إذن يعاصر العزيز بالله ثم الحاكم بأمر الله ثم المستنصر بالله من الخلفاء الفاطميين الأول في مصر.[9]
2- لال قلعة (القلعة الحمراء): تعتبر هذه القلعة من روائع الهندسة المعمارية في العهد المغولي الإسلامي، بنيت هذه القلعة في دلهي على ضفاف نهر "يمونا" مثل قلعة آغرا وتاج محل، وقد استغرق البناء عشر سنوات، وهندسة هذه القلعة مزيج من الآثار العربية والفارسية والهندية، وتشتمل القلعة على مبان عديدة لإقامة الملك وحاشيته وجنوده، والديوان العام لعامة الشعب والديوان الخاص للخواص، ولها بوابتان رئيسيتان: باب دلهي المخصص للجنود، وباب لاهور المواجه لمدينة لاهور وكان مخصصًا للزوار، إضافة إلى بوابات أخرى أصغر حجمًا، ويوجد (موتي مسجد) داخل القلعة وحدائق جميلة منها (حياة بخش باغ) وتعني الحديقة التي تمنح الحياة. ويوجد كذلك العرش الذي كان يجلس عليه الملك في مكان مرتفع وقد أطلقت عليه كلمة العرش العربية. واشتملت القلعة كذلك على حمامات مجهزة بالمياه الساخنة والباردة مع قناة خاصة لماء الورد، وكانت تسمّى بلفظها العربي"الحمام". [10]
وخلاصة القول أن الفن المعماري في الهند قد تأثر كثيرًا باللغة العربية والثقافة الإسلامية ومازالت آثاره موجودة حيث امتزجت الثقافات الوافدة والمحلية لتترك للأجيال القادمة تحفا فنية أثرية رائعة، ويمكن القول أن العربية لم تترك آثارها على هذه البنايات الرائعة في تلك الفترة من تاريخ الهند العريق فقط، إنما نستطيع أن نلاحظ هذه التأثيرات حتى في يومنا هذا على المجالات المختلفة في هذا البلد، ولكن ذلك موضوع لبحث آخر.
والجدير بالذكر أن الكثير من هذه المعالم التاريخية تندرج تحت قائمة لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو، وتبذل الحكومة الهندية جهودًا كبيرة في المحافظة على هذه المعالم، فهي مصدر دخل كبير بسبب عدد السياح الهائل التي تجذبه، ولكن هناك ملاحظة وهي أن عملية الإصلاح والترميم لبعض الأجزاء المكسورة أو المتآكلة تؤدي في بعض الأحيان إلى الإضرار بروح المعالم الأثرية وجمالها التي حملته منذ القدم، فيجب توخي الحذر والعناية التامة والدراسة الشاملة للأصول قبل البدء في عملية الترميم، وتوكيل هذا العمل الحساس إلى الخبراء الماهرين.
ويجب أن لا ننسى أن ما قدّمناه ليس إلا نموذج بسيط للآثار العظيمة التي تركتها اللغة العربية والثقافة الإسلامية على معالم أثرية في دولة غير عربية مثل الهند، وهذا دليل واضح على أصالة وعراقة وقوة هذه اللغة التي لم تكن ولن تضعف في عصر من العصور.
[1] يرجى النظر للتفصيل عن الموضوع: مقالة الدكتور محمد عمر، المجتمع الهندي - الإسلامي، تبادل ثقافي، مجلة ثقافة الهند، المجلد: 54، العدد: 3-4، ص 64-108
[2] يرجى النظر للتفصيل عن الموضوع: مقالة مارتن إيس روجار، الفن المعماري الإسلامي في الهند، مجلة ثقافة الهند الفصلية الصادرة عن المجلس الهندي للعلاقات الثقافية، نيو دلهي، الهند، المجلد: 59، العدد: 4، ص 1-28
[3] يرجى النظر للتفصيل عن تاريخية فتح بور سيكري: مقالة أبي محمد، فتح بور سيكري مدينة تاريخية واقعية، مجلة ثقافة الهند، المجلد: 58، العدد: 4، ص 140-150
[4] يرجى النظر للتفصيل عن الموضوع: مقالة البروفيسور احتشام أحمد الندوي، ورود الإسلام في كيرالا، مجلة الهند الفصلية الصادرة عن مولانا آزاد أئيديل انترناشيونال ترست، المجلد: 2، العدد: 4، ص 123-124
[5] مقالة الدكتور ضياء الدين ديسائي، المساجد التاريخية في دلهي، مجلة ثقافة الهند، المجلد: 53، العدد: 2-4، ص 118
[6] المصدر نفسه، ص 1
11
[7] حفظ الرحمن الإصلاحي، دور الهند في نشر التراث العربي، كتاب العربي (21)، 2011م، ص 330
[8] دور الهند في نشر التراث العربي، ص 334
[9] حسن إبراهيم حسن، الفاطميون في مصر، تاريخ الإسلام السياسي
[10] دور الهند في نشر التراث العربي، ص
د. هيفاء شاكري
نجد أول ذكر لدولة عربية إسلامية في الهند عام 90 للهجرة والتي قامت على يد محمد بن القاسم الثقفي، ولكن المجتمع الهندي كان قد تعرف على الثقافة العربية الإسلامية وبالتالي اللغة العربية قبل ذلك عن طريق القوافل التجارية التي كانت ترد إليها من شبه الجزيرة العربية.
وقد توالت الحكومات الإسلامية بمختلف أشكالها على الهند منذ عصر الدولة الأموية إلى احتلال الإنجليز لها عام 1857م. وخلال هذه الفترة الطويلة تأثر المجتمع الهندي بالإسلام واللغة العربية في مختلف مجالاته من سياسية واجتماعية واقتصادية وعمرانية وثقافية وفنية. والحديث عن جميع الجوانب سيشغل مؤلفات ومؤلفات وهو لا ينتهي،[1] لذلك اخترت جانبًا مهمًا من هذه الجوانب وهي النهضة المعمارية التي شهدتها الهند خلال الحكم الإسلامي وآثار العربية عليها، فالهند منطقة سياحية مهمة في العالم، والمعروف أن أغلب السياح يفدون إليها لمشاهدة معالمها الأثرية والتي شيّدت أثناء الحكم الإسلامي.[2]
ولأن الهند دولة مترامية الأطراف مع تنوع في شعوبها ودياناتها وحضاراتها، فكأنها بلدان عديدة وليست دولة واحدة، فاختلفت كذلك المنشآت المعمارية في شبه القارة الهندية، وظهر الفن المعماري الإسلامي كذلك بأشكال مختلفة عبر القرون، ولكن ظهر فيه أثر الإسلام والعروبة بحيث جعله مختلفًا عن المعالم الأثرية التي أنشئت تحت تأثير الثقافات والحضارات الأخرى.
قام قطب الدين أيبك بإنشاء العديد من المباني في مدينة دلهي، ومع الحكم الإسلامي وانتشار الإسلام في ربوع الهند أصبحت هذه الدولة العريقة ثاني أكبر دولة من حيث عدد المسلمين في العالم. والمسلمون الآن جزء لا يتجزأ من تركيبة المجتمع الهندي حيث قاموا بدور بارز في تقديم الإنجازات في المجال الثقافي والسياسي والحضاري والفني والاقتصادي.
سنقوم بتقسيم البحث إلى قسمين:
قسم يناقش الكلمات والمفردات العربية المستخدمة في فن العمارة الهندي بنفس معانيها أو التي تستخدم بلفظها مع تغير في المعنى الدال على ذلك.
والقسم الثاني دراسة عن بعض أهم المعالم والآثار لفن العمارة الإسلامي الهندي مع إبراز جوانب تأثير العربية على هذه المعالم.
نتحدث في البداية عن الكلمات العربية التي تستخدم في المجال المعماري الهندي سواء بنفس معانيها أو استخدام الكلمة مع تغير في المعنى.
كلمة "فن العمارة" تستخدم بنفس المعنى مع تغيير بسيط في طريقة الكتابة، فتكتب "فن عمارت"، عمارت بمعنى المبنى.
كلمة "المسجد" تستعمل بنفس معناها أي بيت الله ومكان إقامة الصلاة.
وفي المسجد يوجد "الباب" (مثل باب عبد الله في المسجد الجامع في دلهي)، و"الصحن" (وتستعمل كلمة صحن لصحن البيت أيضًا) و"المنارة" وتنطق "مينار" و"المئذنة"، و"المحراب" و"القبة" والحوض للوضوء.
وتستعمل كذلك كلمة المصلى ولكن للسجاد الذي يصلّى عليه وليس لمكان الصلاة.
والمسجد الكبير يسمّى "جامع مسجد" أي "المسجد الجامع" فاختلف فقط ترتيب الكلمات.
وهناك كلمات مثل "وضوخانة" و"غسل خانة" فهي كلمات مركبة يتكون الجزء الأول منها من الكلمة العربية والثاني من أصل فارسي أو هندي.
وأغلب أسماء المساجد في الهند هي أسماء عربية على أسماء الصحابة والصلحاء أو تركيبات عربية مثل مسجد عمر بن الخطاب ومسجد عائشة ومسجد زينة المساجد (والذي بنته زينت النساء ابنة الإمبراطور أورنك زيب) ونوري مسجد.
وقد أطلقت الأسماء العربية على المدارس أيضًا، فإضافة إلى استخدام كلمة "مدرسة" نفسها تستخدم كلمة "دار العلوم" في أسماء كثير من المدارس مثل دار العلوم ديوبند ودار العلوم ندوة العلماء، ومدرسة الإصلاح، ومدرسة عالية، ومدرسة فيض عام، ومدرسة خديجة الكبرى ومعهد عائشة وغيرها من آلاف المدارس المنتشرة في أنحاء الهند.
وهناك من الجامعات التي تعرف بأسمائها العربية "الجامعة الملية الإسلامية" و"جامعة ابن تيمية"، و"جامعة الفلاح".
ويطلق "قلعة" على الحصن. وهناك الكثير من الحصون التي بنيت وأطلقت عليها أسماء ذات كلمات عربية، مثل: قلعة مبارك في مدينة باتندا وهي من أقدم القلاع، وقلعة أكبر في آغرا.
وكلمة "محل" تطلق على القصر منها "تاج محل" أي قصر التاج. وهو أهم معلم سياحي في الهند. وجهاز محل وزينت محل.
أما عن أسماء المدن الهندية والتي سمّيت بأسماء عربية أو تدخل في تركيبها أسماء عربية فلا تعد ولا تحصى، ومن أشهرها المدن التي تلحقها كلمة "آباد" أي إنشاء، ومنها: "إله آباد" مدينة كبيرة في ولاية أترابراديش وملتقى الأنهار، و"أحمد آباد" مدينة عظيمة في ولاية غجرات، وحيدر آباد المعروفة بقصورها ومتاحفها ودور النشر التي تنشر الكثير من الكتب العربية، وغازي آباد مدينة قرب دلهي.
ومدن أخرى تنتهي بكلمة "بور" بمعنى حي، ومنها: "مبارك بور" التي ينتسب إليها القاضي أطهر المباركبوري وكان عالمًا كبيرًا بالعربية، و"برهان بور" و"جبل بور" و"فتح بور" المدينة التي أنشأها الإمبراطور أكبر قرب مدينة "آغرا" المعروفة.[3]
ومدن تنتهي أسماؤها بكلمة "كره" ومعناها المركز أو المعسكر، ومنها: "أعظم كره" التي كانت مسقط رأس كثير من علماء العربية في العصور المختلفة، و"علي كره" التي توجد فيها الجامعة الإسلامية amu، و"فتح كره"، "عظمت كره".
وتطلق كلمة "محلة" على الحي، وهناك الكثير من أسماء الأحياء بكلمات عربية مثل "ذاكرنكر" و"أبو الفضل" و"منيركا" وأصلها منير خان، و"علي كنج" و"يحيى كنج".
ومن أسماء الشوارع: شارع "محمد علي جوهر" وشارع "جمال عبد الناصر" وشارع "أبو الكلام آزاد".
ومن أسماء المطابع والمكتبات: أصح المطابع في دلهي، وأفضل المطابع في لكناو، ومطبعة إشاعة الإسلام، ومكتبة العزيزية في دلهي القديمة.
ومن أسماء المجامع العلمية: ندوة المصنفين في دلهي، ودائرة المعارف في حيدرآباد، ودار المصنفين في أعظم كره. وإدارة علمية التابعة لجامعة الفلاح. وإدارة علوم القرآن في عليكره.
ومن عادة الهنود إطلاق اسم خاص حتى على بيوتهم ومنازلهم، ونذكر هنا بعض الأسماء التي قد تجدها مكتوبة بخط عربي جميل فوق الباب الرئيسي للبيت مثل بيت الرشيد وبيت العباد وبيت الحمد.
نستنتج مما سبق أن المعالم الإسلامية في الهند تنقسم إلى:
1- العمائر الدينية من المساجد والمآذن حيث تم بناؤها في أرجاء مختلفة من الهند، وهي ذات تصميمات جذابة مستوحاة من الآيات والأحاديث والأشعار العربية مع أثر لفن العمارة الإيراني أو الديانات الهندوسية المحلية.
2- المدن والمنشآت المدنية من قصور وقلاع وحصون وحدائق وشوارع وأحواض ومرافق أخرى.
3- المباني الشخصية من بيوت ومنازل وأضرحة ومقابر شخصية.
وسنقدم دراسة لأهم هذه المعالم الأثرية في الصفحات التالية:
أولا: المساجدوالمآذن: لعبت المساجد دورًا بارزًا ومهمًا في نشر الثقافة العربية الإسلامية في الهند، وكانت هذه المساجد مصادر العلوم والفنون إضافة إلى كونها أمثلة لروائع الفن المعماري، حيث امتزج فيها الأثر العربي الإسلامي مع الأثر الفارسي والتركي والإيراني إضافة إلى الفنون المحلية، فالهند كانت تتميز بأسلوب راق في فن البناء قبل قدوم الإسلام إليها، فكانت التشكيلات البنائية وخاصة الدينية منها تتميز بزخارف فنية مليئة بالصور والتماثيل. ولكن وبعد الاحتكاك بين الفن الوافد والفن المحلي ظهرت في مناطق مختلفة من الهند مساجد ومآذن متنوعة الأساليب، وأصبحت نموذجًا واضحًا وجليًا على تأثر الحضارة المحلية بالحضارة العربية الإسلامية، وذلك ما أطلق عليه الفن الهندي ـ الإسلامي المشترك. وجدير بالذكر أن أول مسجد بني في الهند والموجود إلى الآن هو المسجد الواقع في مدينة كدنجلور وهي العاصمة القديمة لولاية كيرالا في جنوب الهند. ووفقًا لبعض الروايات فإن هذا المسجد هو الأول من سلسلة أحد عشر مسجدًا بناها في الهند التابعي الشهير مالك بن دينار عام 701م. ويعرف هذا المسجد باسم شيرمان نسبة إلى الملك الذي بني في عهده.[4]
ومن أهم المساجد:
1- مسجد القلعة القديمة: هو مسجد فخم بناه السلطان شير شاه سوري داخل قلعته الشهيرة المعروفة بالقلعة القديمة عام 1540م بمساحة 51×15 متر مربع، له خمسة أبواب محرابية الشكل على أطرافها آيات قرآنية محفورة بخط جميل، وتوجد القبة على سطح المسجد، ولكننا نلاحظ عدم وجود المنارة التي عرفت بها المساجد فيما بعد. ويعد من أجمل المساجد وتزداد أهميته لأنه يظهر الطرز المعماري ما قبل عصر المغول.[5]
2- مسجد قوة الإسلام: يعدّ مسجد قوة الإسلام من أقدم المساجد في مدينة دلهي والذي بناه الحاكم المملوك قطب الدين أيبك في بدايات القرن الثاني عشر الميلادي، وأكمله خلفه شمس الدين ألتمش، وتم توسيع المسجد في عهد علاء الدين خلجي. تبلغ مساحة المسجد 43 مترًا طولًا و23 مترًا عرضًا، وبمرور الزمن لم يبق من المسجد إلا هيكله الرئيسي وعدد من أعمدته وجدرانه العالية التي ما زالت تخلب لبّ الزوّار والسيّاح بزخارفها وكتاباتها الجميلة من الآيات القرآنية. أما منارة قطب الشهيرة أو قطب مينار كما ينطقها الهنود، فيعتقد بعض المؤرخين أنها منارة تابعة لهذا المسجد، وبالإضافة إلى الأذان كانت تستخدم لأغراض أخرى مثل المراقبة والإعلانات الخاصة لأهل المدينة. وهي من أقدم المعالم الأثرية في الهند ومن ضمن العديد من الآثار التي تدخل في فهرس التراث الإنساني العالمي لروعتها وجمال تصميمها وطريقة بنائها التي لا تتشابه مع أي منارة أخرى. يبلغ ارتفاعها 72.5 مترًا وقطر قاعدتها 14 مترًا، أما قطر القمة فيبلغ 2.5 مترًا. شيّدت على شكل مخروطي بالحجر الرملي الأحمر والبرتقالي، وتوجد في جوانبها الخارجية أقواس حفرت عليها الآيات القرآنية بخط عربي جميل. ويذكر السبب في بنائها بهذا الارتفاع هو الاستفادة من المنارة في إيصال صوت الأذان إلى أبعد موضع ممكن ومراقبة جيوش العدو المقتربة.[6]
3- المسجد الجامع: المسجد الجامع أو جامع مسجد كما يطلق عليه في الهند، هو أهم المساجد الهندية من حيث كونه رمزًا لقوة الإسلام والمسلمين في الفترة التي بني فيها. وضع حجر أساسه الإمبراطور المغولي شاه جهان في 10 شوال 1060ه أي عام 1650م، وانتهى بناؤه عام 1656م، فاستغرق بناؤه ست سنوات على هضبة مرتفعة عن سطح الأرض، وتذكر الروايات أن الإمبراطور اختار للمسجد مكانًا مرتفعًا حتى يكون بناء بيت الله أعلى من بناء قلعته (لال قلعة) القلعة الحمراء الواقعة شرق المسجد، وحتى يتمكن الناس من رؤية المسجد من أي ناحية من نواحي المدينة. وتوجد مدرجات عالية من جوانب المسجد والتي تؤدي إلى الصحن الداخلي من خلال أبواب مسمّاة بأسماء عربية، ووضعت عليها لوحات تشتمل على كتابات جمعت بين العبارات العربية والفارسية. تجد أيضًا قبابًا من المرمر ومنارتين يبلغ ارتفاعهما 40 مترًا تقريبًا. والبوابة الرئيسية تواجه القلعة وتسمّى (البوابة الملكية) حيث كان الملك يدخل منها لأداء الصلاة. وكذلك يوجد حوض كبير للماء في وسط الصحن ليتوضأ منه المصلون.[7]
ثانيًا: القلاع والحصون: أولى الملوك المغول اهتمامًا خاصًا بإنشاء القلاع والحصون، وكانت هذه القلاع تضم بين أسوارها المنيعة العالية قصورهم الفخمة ودواوين الحكومة أيضًا. فأنشؤوا عدة قلاع في مدينة آغرا وفتح بورسيكري ودلهي ولاهور. وقد قلد الحكام الآخرون في الأقاليم الأخرى البعيدة عن دلهي الحكام المغول في بناء القلاع والحصون والقصور وذلك في مدينة حيدرآباد وميسور وغيرها.
ومن أشهر القلاع:
1- قلعة أكبر: قلعة أكبر وتعرف أيضا بقلعة آغرا مبنية من الحجر الرملي الأحمر وتقع على الجانب الأيمن من نهر "يمونا" في موضع قريب من تاج محل، وكانت هذه القلعة تعتبر مركزًا عسكريًا وإستراتيجيًا ومقرًا للحكومة المغولية خلال حكم ملوكها أكبر وجهانكير وشاهجهان، وقد شيّدت هذه القلعة على شكل هلال بجدران عالية ومستقيمة مواجهة للنهر. وتضم القلعة في مساحتها الممتدة إلى كيلومترين ونصف تقريبًا قصورًا فخمة مثل (قصر جهانكير) و(خاص محل) و(شيش محل) و(ديوان عام) وهي صالة اجتماعات الملك مع العامة من الشعب، ومسجدين جميلين وهما (ناغينا مسجد، بمعنى الجوهرة) و(موتي مسجد، بمعنى اللؤلؤة)، وشيّدت فيها بعض المباني بالمرمر الأبيض الناصع، وتوجد أبراج عالية مثمنة الشكل في أطراف القلعة. وقد أقام الملك شاهجهان باني تاج محل في أحد هذه الأبراج في أيامه الأخيرة. ويذكر أبو الفضل وهو كاتب البلاط المغولي أن القلعة تحتوي على 5000 مبنى فخم، وقد قام الإنجليز بعد احتلالهم الهند بهدم معظمها لبناء معسكرات الجنود، ولم يبق منها الآن سوى 30 مبنى تقريبًا. والجدير بالذكر أن بابين خشبين محفوظين في قلعة آغرا كانا في ضريح محمود بن سبكتكين المعروف بمحمود الغزنوي، الذي تولى الحكم من سنة 389 - 421 من الهجرة، (997ـ 1030م)،[8] فهو إذن يعاصر العزيز بالله ثم الحاكم بأمر الله ثم المستنصر بالله من الخلفاء الفاطميين الأول في مصر.[9]
2- لال قلعة (القلعة الحمراء): تعتبر هذه القلعة من روائع الهندسة المعمارية في العهد المغولي الإسلامي، بنيت هذه القلعة في دلهي على ضفاف نهر "يمونا" مثل قلعة آغرا وتاج محل، وقد استغرق البناء عشر سنوات، وهندسة هذه القلعة مزيج من الآثار العربية والفارسية والهندية، وتشتمل القلعة على مبان عديدة لإقامة الملك وحاشيته وجنوده، والديوان العام لعامة الشعب والديوان الخاص للخواص، ولها بوابتان رئيسيتان: باب دلهي المخصص للجنود، وباب لاهور المواجه لمدينة لاهور وكان مخصصًا للزوار، إضافة إلى بوابات أخرى أصغر حجمًا، ويوجد (موتي مسجد) داخل القلعة وحدائق جميلة منها (حياة بخش باغ) وتعني الحديقة التي تمنح الحياة. ويوجد كذلك العرش الذي كان يجلس عليه الملك في مكان مرتفع وقد أطلقت عليه كلمة العرش العربية. واشتملت القلعة كذلك على حمامات مجهزة بالمياه الساخنة والباردة مع قناة خاصة لماء الورد، وكانت تسمّى بلفظها العربي"الحمام". [10]
وخلاصة القول أن الفن المعماري في الهند قد تأثر كثيرًا باللغة العربية والثقافة الإسلامية ومازالت آثاره موجودة حيث امتزجت الثقافات الوافدة والمحلية لتترك للأجيال القادمة تحفا فنية أثرية رائعة، ويمكن القول أن العربية لم تترك آثارها على هذه البنايات الرائعة في تلك الفترة من تاريخ الهند العريق فقط، إنما نستطيع أن نلاحظ هذه التأثيرات حتى في يومنا هذا على المجالات المختلفة في هذا البلد، ولكن ذلك موضوع لبحث آخر.
والجدير بالذكر أن الكثير من هذه المعالم التاريخية تندرج تحت قائمة لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو، وتبذل الحكومة الهندية جهودًا كبيرة في المحافظة على هذه المعالم، فهي مصدر دخل كبير بسبب عدد السياح الهائل التي تجذبه، ولكن هناك ملاحظة وهي أن عملية الإصلاح والترميم لبعض الأجزاء المكسورة أو المتآكلة تؤدي في بعض الأحيان إلى الإضرار بروح المعالم الأثرية وجمالها التي حملته منذ القدم، فيجب توخي الحذر والعناية التامة والدراسة الشاملة للأصول قبل البدء في عملية الترميم، وتوكيل هذا العمل الحساس إلى الخبراء الماهرين.
ويجب أن لا ننسى أن ما قدّمناه ليس إلا نموذج بسيط للآثار العظيمة التي تركتها اللغة العربية والثقافة الإسلامية على معالم أثرية في دولة غير عربية مثل الهند، وهذا دليل واضح على أصالة وعراقة وقوة هذه اللغة التي لم تكن ولن تضعف في عصر من العصور.
[1] يرجى النظر للتفصيل عن الموضوع: مقالة الدكتور محمد عمر، المجتمع الهندي - الإسلامي، تبادل ثقافي، مجلة ثقافة الهند، المجلد: 54، العدد: 3-4، ص 64-108
[2] يرجى النظر للتفصيل عن الموضوع: مقالة مارتن إيس روجار، الفن المعماري الإسلامي في الهند، مجلة ثقافة الهند الفصلية الصادرة عن المجلس الهندي للعلاقات الثقافية، نيو دلهي، الهند، المجلد: 59، العدد: 4، ص 1-28
[3] يرجى النظر للتفصيل عن تاريخية فتح بور سيكري: مقالة أبي محمد، فتح بور سيكري مدينة تاريخية واقعية، مجلة ثقافة الهند، المجلد: 58، العدد: 4، ص 140-150
[4] يرجى النظر للتفصيل عن الموضوع: مقالة البروفيسور احتشام أحمد الندوي، ورود الإسلام في كيرالا، مجلة الهند الفصلية الصادرة عن مولانا آزاد أئيديل انترناشيونال ترست، المجلد: 2، العدد: 4، ص 123-124
[5] مقالة الدكتور ضياء الدين ديسائي، المساجد التاريخية في دلهي، مجلة ثقافة الهند، المجلد: 53، العدد: 2-4، ص 118
[6] المصدر نفسه، ص 1
11
[7] حفظ الرحمن الإصلاحي، دور الهند في نشر التراث العربي، كتاب العربي (21)، 2011م، ص 330
[8] دور الهند في نشر التراث العربي، ص 334
[9] حسن إبراهيم حسن، الفاطميون في مصر، تاريخ الإسلام السياسي
[10] دور الهند في نشر التراث العربي، ص