مشاهدة النسخة كاملة : حكم الصرف عبر وسائل الاتصال التي تنقل اللفظ


فريق منتدى الدي في دي العربي
05-05-2016, 12:33 PM
حكم الصرف عبر وسائل الاتصال التي تنقل اللفظ
عاصم أحمد عطية بدوي











إن ظهور وسائل الاتصال الحديثة كالهاتف والتلفاز، له في الفقه الإسلامي ما يمكن أن نسترشد من خلاله على الحكم الشرعي في إبرام العقود من خلال هذه الوسائل، حيث لا يعد التعاقد من خلالها عقداً مستحدثاً، وإنما الوسيلة التي يتم من خلالها التعاقد هي وسيلة مستحدثة، لذلك نجد أن القاعدة الأساسية في إبرام العقود هي تحقيق الرضا لكلا العاقدين، والتعبير عنه، وإظهاره بأية وسيلة مفهمة[1]، فاللفظ إنما هو وسيلة إلى تحصيل المعنى المراد، والمعنى هو المقصود[2].






ولقد جاء في أقوال العلماء ما يمكن أن نستدل من خلاله على شرعية التعاقد بوسائل الاتصال الحديثة التي تنقل اللفظ، حيث قال الإمام النووي رحمه الله: "لو تناديا وهما متباعدان وتبايعا صح البيع بلا خلاف"[3]، فالعقد هنا كالعقد بين شخصين بعيدين لا يرى أحدهما الآخر ولكنه يسمعه.






فعقد البيع من خلال الهاتف وغيره من وسائل الاتصال التي تنقل اللفظ جائزة، وهذا ما قرره المجمع الفقهي، حيث جاء في قراره: "إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانيين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقداً بين حاضرين، وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء"[4].






ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن إجراء عقود البيع بشكل عام من خلال وسائل الاتصال التي تنقل اللفظ له من الشريعة ما يؤيده ويجيزه، وأن مجلس العقد من خلال هذه الوسائل يمكن تكيفها بحيث تتناسب مع طبيعة هذه الوسائل المستحدثة.






ورغم أن الصرف من جملة عقود البيع، إلا أنه يختلف عنه بشروط لا بد من توافرها، حتى يصح بيع الأثمان بعضها ببعض، من خلال هذه الوسائل.






وإذا تأملنا طريقة إجراء الصرف عبر هذه الوسائل، فسوف نلاحظ أن فيها إخلالاً بشرط من شروطه ألا وهو شرط التقابض وذلك عن طريق تأجيل أحد البدلين أو هما معاً.






وبناءً على ما سبق فإن الباحث يرى عدم جواز الصرف عبر الهاتف والتلفاز والراديو، وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة التي تنقل اللفظ، ولا يترتب عليه أحكامه؛ لأن من شرط المصارفة التقابض بمجلس العقد، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الآخِذُ وَالْمُعْطِى فِيهِ سَوَاءٌ"[5].





حكم المواعدة بالصرف عبر وسائل الاتصال التي تنقل اللفظ:


إذا تواعد اثنان على الصرف عبر الهاتف أو التلفاز أو الراديو، بأن يصطرفا من بعضهما البعض، فإن ذلك لا يجوز من وجهة نظر الباحث إن حصلت المواعدة وكان العقد مقدماً والقبض بعد مدة زمنية معينة وبسعر الصرف الذي سبق الاتفاق عليه وذلك؛ لعدم تحقق القبض في مجلس العقد[6].






أما إن حصلت المواعدة عبر تلك الوسائل وكانت غير ملزمة للطرفين، كأن يتواعد اثنان علي الصرف في المستقبل، فإذا تمت الموافقة بينهما على البيع والشراء، اصطرفا بعقد جديد لا علاقة له بالمواعدة، فهذا جائز من وجهة نظر الباحث؛ لأنه لا فرق بين المواعدة التي تكون مباشرة بين العاقدين وبين المواعدة التي تكون عبر تلك الوسائل، ما دام الصرف يتم بعقد جديد ويتم التقابض في المجلس.





حكم الصرف في الذمة عبر وسائل الاتصال التي تنقل اللفظ:


لقد ذكر الباحث في الفصل الأول صورتين للصرف في الذمة، فالصورة الأولى هي اقتضاء أحد النقدين من الآخر، كأن يكون لرجل على آخر دراهم فيأخذ منه دنانير، وقد رجح الباحث بعد عرض أقوال الفقهاء وأدلتهم جواز هذه الصورة بشرط تقابض البدل في المجلس[7].






وبناءً عليه، فإن الباحث يرى عدم جواز اقتضاء أحد النقدين من الآخر عبر وسائل الاتصال التي تنقل اللفظ؛ لعدم تحقق التقابض في المجلس.






أما الصورة الثانية فهي، تطارح الدينين صرفاً، كأن يكون لرجل في ذمة رجل آخر ذهب وللآخر عليه دراهم فاصطرفا بما في ذمتهما، وقد رجح الباحث عدم جواز هذه الصورة.






وهذه الصورة ليس فيها قبض؛ لأن البدلين في ذمة العاقدين، وبناءً عليه فإن الباحث يرى عدم جواز تطارح الدينين صرفاً عبر وسائل الاتصال التي تنقل اللفظ، والله تعالى أعلم.






[1] أبو مصطفى: التجارة الإلكترونية في الفقه الإسلامي ص 98.





[2] الشاطبي: الموافقات 2/ 138.




[3]النووي: المجموع 9/ 181.




[4] مجلة مجمع الفقه الإسلامي, العدد 6 2/ 1267.




[5] سبق تخريجه ص 7.




[6] راجع حكم المواعدة للصرف من هذا البحث ص 28.




[7] راجع حكم الصرف في الذمة من هذا البحث ص 31.

Adsense Management by Losha