فريق منتدى الدي في دي العربي
05-05-2016, 12:33 PM
حديث: قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله
الشيخ عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري
عن سعيد بن المسيب، عن أبيه رضي الله عنه، قال: لَمَّا حضرت أبا طالبٍ الوفاةُ، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهلٍ وعبدَالله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال: ((أَيْ عمِّ، قل: لا إله إلا الله، كلمةً أحاجُّ لك بها عند الله))، فقال أبو جهل وعبدُالله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبدالمطلب؟! فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيدانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبدالمطلب، وأبى أن يقول: ((لا إله إلا الله))، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك))، فأنزل الله: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة: 113]، وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56]؛ متفق عليه [1].
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: عِظَم منزلة كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله)، وأنها المفتاح الذي يدخل به إلى الإسلام، وهي التي تعصم صاحبها في الدنيا، وتنجيه في الآخرة، ومعنى (لا إله إلا الله): لا معبود بحقٍّ إلا إله واحد، وهو الله وحده لا شريك له؛ فـ (لا إله): نافيًا جميع ما يُعبَد من دون الله، و(إلا الله) مثبتًا العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنه لا شريك له في مُلكه، وتفسيرها الذي يوضحها قولُه تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ [الزخرف: 26، 27]، وقوله: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 64].
الفائدة الثانية: دل الحديث على أن الأعمال بالخواتيم، وقد روى سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بخواتيمها))؛ رواه البخاري[2]، فمن قال كلمة التوحيد عند موته، فإنها تنفعه، ولو كان معاندًا أو محاربًا، وإلا لَمَا كان لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم لعمِّه عند موته فائدة، وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعوه إلى كلمة التوحيد: ((أحاجُّ لك بها عند الله))، والمراد بالمحاجة هنا: الشفاعة، كما جاء مصرحًا به من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي يعلى وابن حبان: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب حين حضره الموت: ((قل: لا إله إلا الله، أشفع لك يوم القيامة))[3]، والشفاعة لا تكون إلا للموحِّدين.
الفائدة الثالثة: لا يجوز الاستغفار - وهو الدعاء بالرحمة والمغفرة - للكفار، أو لِمَن مات مشركًا بالله تعالى الشركَ الأكبر، ولو كانوا أقربَ الناس؛ وسبب ذلك أنهم من أصحاب الخلود في النار؛ كما قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة: 113]، ولأن من مات مشركًا الشركَ الأكبر، فإن الله تعالى لا يغفر له؛ كما قال جل شأنه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116].
[1] رواه البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة القصص، باب: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56] 4/ 1788 (4494)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، ما لم يشرَعْ في النزع، وهو الغرغرة، 1/ 54 (24).
[2] رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها 5/ 2381 (6128)، في أثناء حديث، ورواه أيضًا في كتاب القدر، باب العمل بالخواتيم 6/ 2436 (6233) بلفظ: ((الأعمال بالخواتيم)).
[3] رواه أبو يعلى 11/ 39 (6178)، وعنه ابن حبان في صحيحه 14/ 167 (6270).
الشيخ عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري
عن سعيد بن المسيب، عن أبيه رضي الله عنه، قال: لَمَّا حضرت أبا طالبٍ الوفاةُ، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهلٍ وعبدَالله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال: ((أَيْ عمِّ، قل: لا إله إلا الله، كلمةً أحاجُّ لك بها عند الله))، فقال أبو جهل وعبدُالله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبدالمطلب؟! فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيدانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبدالمطلب، وأبى أن يقول: ((لا إله إلا الله))، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك))، فأنزل الله: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة: 113]، وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56]؛ متفق عليه [1].
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: عِظَم منزلة كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله)، وأنها المفتاح الذي يدخل به إلى الإسلام، وهي التي تعصم صاحبها في الدنيا، وتنجيه في الآخرة، ومعنى (لا إله إلا الله): لا معبود بحقٍّ إلا إله واحد، وهو الله وحده لا شريك له؛ فـ (لا إله): نافيًا جميع ما يُعبَد من دون الله، و(إلا الله) مثبتًا العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنه لا شريك له في مُلكه، وتفسيرها الذي يوضحها قولُه تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ [الزخرف: 26، 27]، وقوله: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 64].
الفائدة الثانية: دل الحديث على أن الأعمال بالخواتيم، وقد روى سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بخواتيمها))؛ رواه البخاري[2]، فمن قال كلمة التوحيد عند موته، فإنها تنفعه، ولو كان معاندًا أو محاربًا، وإلا لَمَا كان لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم لعمِّه عند موته فائدة، وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعوه إلى كلمة التوحيد: ((أحاجُّ لك بها عند الله))، والمراد بالمحاجة هنا: الشفاعة، كما جاء مصرحًا به من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي يعلى وابن حبان: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب حين حضره الموت: ((قل: لا إله إلا الله، أشفع لك يوم القيامة))[3]، والشفاعة لا تكون إلا للموحِّدين.
الفائدة الثالثة: لا يجوز الاستغفار - وهو الدعاء بالرحمة والمغفرة - للكفار، أو لِمَن مات مشركًا بالله تعالى الشركَ الأكبر، ولو كانوا أقربَ الناس؛ وسبب ذلك أنهم من أصحاب الخلود في النار؛ كما قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة: 113]، ولأن من مات مشركًا الشركَ الأكبر، فإن الله تعالى لا يغفر له؛ كما قال جل شأنه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116].
[1] رواه البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة القصص، باب: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56] 4/ 1788 (4494)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، ما لم يشرَعْ في النزع، وهو الغرغرة، 1/ 54 (24).
[2] رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها 5/ 2381 (6128)، في أثناء حديث، ورواه أيضًا في كتاب القدر، باب العمل بالخواتيم 6/ 2436 (6233) بلفظ: ((الأعمال بالخواتيم)).
[3] رواه أبو يعلى 11/ 39 (6178)، وعنه ابن حبان في صحيحه 14/ 167 (6270).