فريق منتدى الدي في دي العربي
05-05-2016, 09:25 PM
اشتُهر عند الناس أن الجمع في الأكل بين السمك واللبن مضر بصاحبه؛ فهل لهذا القول أصل؟
عند بحث أصل هذا القول يلحظ أنه اشتهر حكاية هذه الجملة عند النحويين، والنحويون أكثر ما يوردون هذا المثال في نصب الفعل المضارع، ولهم في الفعل: (تشرب) أوجهٌ ثلاثة، أن يجزم، أو ينصب، أو يرفع، وأما الفعل (تأكل) فهو مجزوم كيفما دار.
فإن أردت النهي عن السمك واللبن اجتماعاً وانفراداً فإنك تجزم: (تشرب) عطفاً على الفعل: (تأكل)، وإن أردت النهي عن الجمع بينهما فإنك تنصب: (تشرب) بأن مضمرة وجوباً بعد واو المعية، وهذا على مذهب البصريين، وإن أردت النهي عن أكل السمك فقط فإنك ترفع: (تشرب) على الاستئناف.
هكذا أورده أهل النحو؛ لتوضيح أحوال الفعل المضارع؛ وتقريب فهمها، فهل النحويون وضعوه على أنه مجرد مثال، أم أن له أصلاً في الطب، فحكوه كما وضع؟
ذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه مجرد مثال نحوى؛ وأن الأطباء لا يقولون بذلك، وممن بالغ في ذلك العلامة البشير الإبراهيمي ـ كما في آثاره 2/46 ـ، يقول ـ رحمه الله ـ: (وانظر إلى قولهم ” لا تأكل السمك، وتشرب اللبن “، كيف لعب به الزمن، وتعاوره الاستعمال حتى أصبح ما ليس بصحيح فيه صحيحاً، وأصبح قاعدة طبية، وما هو من الطب، ولا قاله طبيب، ولا هو بصحيح في الواقع والتجربة، ولا بمطرد ضرره على فرض وقوع ضرر منه في جميع الأمزجة، وقد استعمله النحاة مثالاً لحكم لفظي فأدوا مرادهم به على أكمل وجه، ولكن لما لم يكن معناه صحيحاً أوقع أمماً وأجيالاً في الخطأ فحفظه الناس، ونقلوه من الاحتجاج به على حكم إعرابي إلى الاستشهاد به على حكم حيوي، وأصبح الناس يتحامون الجمع بن اللبن والحوت عن عقيدة قررها في نفوسهم هذا المثال، وإذا كانت في الـمِعَد معدة ضعيفة تتأثر من الجمع بين غداءين، فمحال أن تكون حجة على مِعَد بني آدم في عِلم أو عالَم الكروش).
ثم حكى عن حاله في ذلك ـ رحمه الله ـ فقال: (أما أنا فإنني ما رأيت أصلح لمعدتي من الجمع بين السمك واللبن..).
وممن أنكر الضرر في الجمع بينهما العلامة محمد العثيمين ـ رحمه الله ـ كما في الشرح الممتع15/10 ـ قال: (تمثيل النحويين: «لا تأكل السمك وتشرب اللبن» بالفتح، ولكننا نقول للنحويين في هذه القاعدة، أو هذا الضابط: ما هذا عشك فادرجي؛ فإن الأطباء الآن يقولون: إنه لا يضر، وقد رأينا أهل جدة يأكلون السمك، ويشربون اللبن، ولا يضرهم ذلك شيئا).
وكذلك العلامة بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ فإنه قال – كما في كتاب التعالم ص107ـ108- : (ومن وجه آخر أن النحاة أوردوا قولهم: “لا تأكل السمك، وتشرب اللبن” لبيان حكم إعرابي، فانتقلت هذه الجملة إلى حقيقة معناها، كأنه حديث صحيح، أو رسم طبيب، فكم تحامى الجمع بينهما من أجيال،
وقد رأيناهما يقدمان على موائد المترفين، والمهتمين في هذه الحياة برعاية أبدانهم، ومن الأطباء من ينصح بالجمع بينهما).
هكذا ذكر هؤلاء العلماء هذا الكلام المدلل عليه بالتجربة والبرهان أن الجمع بينها لا يضر، بينما ذكر ابن أبي أصيبعة في كتابه طبقات الأطباء ص166 قصة إصابة الجاحظ بالفالج، وأنها كانت بسبب جمعه اللبن مع السمك؛ وذلك بعد محاورة جرت بينه وبين الطبيب ابن ماسويه في هذا الأمر، يقول ابن أبي أصيبعة: (نقلت من خط المختار بن الحسن بن بطلان أن أبا عثمان الجاحظ، ويوحنا بن ماسويه قال: اجتمعا ـ بغالب ظني، على مائدة إسماعيل بن بلبل الوزير ـ وكان في جملة ما قدم مضيرة([1]) بعد سمك، فامتنع يوحنا من الجمع بينهما، قال له أبو عثمان: أيها الشيخ لا يخلو أن يكون السمك من طبع اللبن أو مضاداً له، فإن كان أحدهما ضد الآخر فهو دواء له، وإن كانا من طبع واحد فلنحسب أنا قد أكلنا من أحدهما إلى أن اكتفينا، فقال يوحنا: واللَّه مالي خبرة بالكلام، ولكن كل يا أبا عثمان، وانظر ما يكون في غد، فأكل أبو عثمان نصرة لدعواه، ففلج في ليلته، فقال هذه واللّه نتيجة القياس المحال، والذي ضلل أبا عثمان اعتقاده أن السمك من طبع اللبن، ولو سامحناه في أنهما من طبع واحد لكان لامتزاجهما قوة ليست لأحدهما).
ونقل ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد 4/372 محاذير طبية للطبيب ماسويه، ومنها قوله: (ومن جمع في معدته اللبن والسمك فأصابه جذام أو برص أو نقرس فلا يلومن إلا نفسه).
ولعل الأقرب باستقراء كلام هؤلاء العلماء أنه لا بأس في الجمع بين السمك واللبن، ولكن قد يكون لبعض الأشخاص حساسية في الجمع بينهما، وهذا لا يعطي قاعدة عامة في ذلك؛ فبعض الناس عنده حساسية من أكلة معينة، مع أن الناس يأكلون نفس أكلته، ولا تضرهم شيئاً، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
([1]) المضيرة: أن يطبخ اللحم باللبن البحت الصريح، حتى ينضج اللحم، وتخثر المضيرة.
المصدر : <h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>
عند بحث أصل هذا القول يلحظ أنه اشتهر حكاية هذه الجملة عند النحويين، والنحويون أكثر ما يوردون هذا المثال في نصب الفعل المضارع، ولهم في الفعل: (تشرب) أوجهٌ ثلاثة، أن يجزم، أو ينصب، أو يرفع، وأما الفعل (تأكل) فهو مجزوم كيفما دار.
فإن أردت النهي عن السمك واللبن اجتماعاً وانفراداً فإنك تجزم: (تشرب) عطفاً على الفعل: (تأكل)، وإن أردت النهي عن الجمع بينهما فإنك تنصب: (تشرب) بأن مضمرة وجوباً بعد واو المعية، وهذا على مذهب البصريين، وإن أردت النهي عن أكل السمك فقط فإنك ترفع: (تشرب) على الاستئناف.
هكذا أورده أهل النحو؛ لتوضيح أحوال الفعل المضارع؛ وتقريب فهمها، فهل النحويون وضعوه على أنه مجرد مثال، أم أن له أصلاً في الطب، فحكوه كما وضع؟
ذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه مجرد مثال نحوى؛ وأن الأطباء لا يقولون بذلك، وممن بالغ في ذلك العلامة البشير الإبراهيمي ـ كما في آثاره 2/46 ـ، يقول ـ رحمه الله ـ: (وانظر إلى قولهم ” لا تأكل السمك، وتشرب اللبن “، كيف لعب به الزمن، وتعاوره الاستعمال حتى أصبح ما ليس بصحيح فيه صحيحاً، وأصبح قاعدة طبية، وما هو من الطب، ولا قاله طبيب، ولا هو بصحيح في الواقع والتجربة، ولا بمطرد ضرره على فرض وقوع ضرر منه في جميع الأمزجة، وقد استعمله النحاة مثالاً لحكم لفظي فأدوا مرادهم به على أكمل وجه، ولكن لما لم يكن معناه صحيحاً أوقع أمماً وأجيالاً في الخطأ فحفظه الناس، ونقلوه من الاحتجاج به على حكم إعرابي إلى الاستشهاد به على حكم حيوي، وأصبح الناس يتحامون الجمع بن اللبن والحوت عن عقيدة قررها في نفوسهم هذا المثال، وإذا كانت في الـمِعَد معدة ضعيفة تتأثر من الجمع بين غداءين، فمحال أن تكون حجة على مِعَد بني آدم في عِلم أو عالَم الكروش).
ثم حكى عن حاله في ذلك ـ رحمه الله ـ فقال: (أما أنا فإنني ما رأيت أصلح لمعدتي من الجمع بين السمك واللبن..).
وممن أنكر الضرر في الجمع بينهما العلامة محمد العثيمين ـ رحمه الله ـ كما في الشرح الممتع15/10 ـ قال: (تمثيل النحويين: «لا تأكل السمك وتشرب اللبن» بالفتح، ولكننا نقول للنحويين في هذه القاعدة، أو هذا الضابط: ما هذا عشك فادرجي؛ فإن الأطباء الآن يقولون: إنه لا يضر، وقد رأينا أهل جدة يأكلون السمك، ويشربون اللبن، ولا يضرهم ذلك شيئا).
وكذلك العلامة بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ فإنه قال – كما في كتاب التعالم ص107ـ108- : (ومن وجه آخر أن النحاة أوردوا قولهم: “لا تأكل السمك، وتشرب اللبن” لبيان حكم إعرابي، فانتقلت هذه الجملة إلى حقيقة معناها، كأنه حديث صحيح، أو رسم طبيب، فكم تحامى الجمع بينهما من أجيال،
وقد رأيناهما يقدمان على موائد المترفين، والمهتمين في هذه الحياة برعاية أبدانهم، ومن الأطباء من ينصح بالجمع بينهما).
هكذا ذكر هؤلاء العلماء هذا الكلام المدلل عليه بالتجربة والبرهان أن الجمع بينها لا يضر، بينما ذكر ابن أبي أصيبعة في كتابه طبقات الأطباء ص166 قصة إصابة الجاحظ بالفالج، وأنها كانت بسبب جمعه اللبن مع السمك؛ وذلك بعد محاورة جرت بينه وبين الطبيب ابن ماسويه في هذا الأمر، يقول ابن أبي أصيبعة: (نقلت من خط المختار بن الحسن بن بطلان أن أبا عثمان الجاحظ، ويوحنا بن ماسويه قال: اجتمعا ـ بغالب ظني، على مائدة إسماعيل بن بلبل الوزير ـ وكان في جملة ما قدم مضيرة([1]) بعد سمك، فامتنع يوحنا من الجمع بينهما، قال له أبو عثمان: أيها الشيخ لا يخلو أن يكون السمك من طبع اللبن أو مضاداً له، فإن كان أحدهما ضد الآخر فهو دواء له، وإن كانا من طبع واحد فلنحسب أنا قد أكلنا من أحدهما إلى أن اكتفينا، فقال يوحنا: واللَّه مالي خبرة بالكلام، ولكن كل يا أبا عثمان، وانظر ما يكون في غد، فأكل أبو عثمان نصرة لدعواه، ففلج في ليلته، فقال هذه واللّه نتيجة القياس المحال، والذي ضلل أبا عثمان اعتقاده أن السمك من طبع اللبن، ولو سامحناه في أنهما من طبع واحد لكان لامتزاجهما قوة ليست لأحدهما).
ونقل ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد 4/372 محاذير طبية للطبيب ماسويه، ومنها قوله: (ومن جمع في معدته اللبن والسمك فأصابه جذام أو برص أو نقرس فلا يلومن إلا نفسه).
ولعل الأقرب باستقراء كلام هؤلاء العلماء أنه لا بأس في الجمع بين السمك واللبن، ولكن قد يكون لبعض الأشخاص حساسية في الجمع بينهما، وهذا لا يعطي قاعدة عامة في ذلك؛ فبعض الناس عنده حساسية من أكلة معينة، مع أن الناس يأكلون نفس أكلته، ولا تضرهم شيئاً، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
([1]) المضيرة: أن يطبخ اللحم باللبن البحت الصريح، حتى ينضج اللحم، وتخثر المضيرة.
المصدر : <h1 dir="rtl" style="text-align:center"><strong><span style="color:#0000cc">:: الأعضاء المسجلين فقط هم من يمكنهم مشاهدة الروابط </span><a href="لايمكنك مشاهده الروابط الا بعد الرج" target="_blank"><span style="color:#0000cc">للتسجيل اضغط هنا</span></a><span style="color:#0000cc"> ::</span></strong></h1>