مشاهدة النسخة كاملة : اللّغات في القرآن الكريم


فريق منتدى الدي في دي العربي
05-06-2016, 01:34 PM
تــمـــهــــيـــــــد

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ ومِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ ... سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيْمُ الحَكِيْمُ ... وصَلاَةً وسَلاَماً دَائِمَيْنِ مُتَلاَزِمَيْنِ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ ورَسُولِهِ، خَيْرِ مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ، وخَيْرِ مَنْ فَسَّرَهُ، وخَيْرِ مَنْ عَمِلَ بِهِ.

وبـــعـــــــد


فمعلومٌ أنّ القرآن الكريم نزل بِلِسَان عَرَبي مُبِين كما أخبر اللهُ تعالى بذلك في كتابه الكريم، إِذْ قال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}. (سورة الشعراء: 195)، قال ابن عباس تفسيرًا لهذه الآية الكريمة: "بلسان قريش، ولو كان غير عربي ما فهموه".

وما أنزل الله عز وجل من السماء كتاباً إلا بالعبرانية، وكان جبريل عليه السلام يُترجم لكل نبي بلسان قومه، وذلك أن الله عز وجل قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}. (سورة إبراهيم: 4)؛ وليس من ألسنة الأُمم أوسع من لسان العرب، والقرآن ليس فيه لغة إلا لغة العرب، وربما وافقت اللغة اللغات، وأما الأصل والجـنـس فعربي لا يخالطه شيء.

واعلم أنه ليس المراد باللّغة هنا ما يُخالف اللغة العربيَّة من لُغات أخرى كالفارسية والرومية والتركية وغيرها من اللغات الأخرى الأعجمية، وإنَّما المُراد باللّغة هنا ما يُطلق عليه في الاصطلاح العلمي الحديث: اللّهجة؛ وهي مجموعة من الصفات اللغوية التي تخص بيئة معينة، يشترك في هذه الصفات جميع أفراد تلك البيئة.

وبيئة اللّهجة جزء من بيئة أوسع وأشمل تضم عِدّة لهجات لكل منها خصائصها، ولكنها تشترك جميعاً في مجموعة من الظواهر اللغوية.

وتلك البيئة الشاملة التي تتألف من عدة لَهَجات هي التي اصطلح على تسميتها باللّغة، فالعلاقة بين اللّغة واللّهجة هي العلاقة بين العام والخاص، فاللُّغة تشتمل على عدة لَهَجات لكل منها ما يميزها، وجميع هذه اللّهجات تشترك في مجموعة من الصفات اللّغوية التي تُؤلّف لغة مستقلة عن غيرها من اللّغات.

ويُعبِّر القُدماء عمّا نسميه الآن باللّهجة بكلمة "اللُّغة" كثيراً، فيشير أصحاب المعاجم إلى لغة تميم، ولغة طيء، ولغة هذيل، وغير ذلك ... وهم يريدون بذلك ما نعنيه نحن الآن بكلمة "اللَّهجة"، وقد يُعبّرون بكلمة "اللّسان"، وهو التعبير القرآني: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ}. (سورة إبراهيم: آية رقم 4)

وقد ذكر ابن عبد البر رحمه الله، أقوال العلماء في اللُّغات التي نزل عليها القرآن الكريم، واختار أن القرآن الكريم نزل بلغة قُرَيش في الأغلب؛ وهو الرّاجح.
والذي يظهر أن القرآن الكريم نزل بلغة قُرَيش قوم الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك لِحِكَم جَلِيلة، أهــمــهــــا:

- أنّ قُرَيْشاً هم قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جَرَت سُنّة الله تعالى في رُسُله أن يبعثهم بألسنة أقوامهم كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}. (سورة إبراهيم: آية)

- أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد أُمر بتبليغهم أولاً كما في قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِيـنَ}. (الشُّعراء: آية 114)؛ فلا بُدّ مِن مخاطبتهم بما يألفون ويعرفون ليستبين لهم أمر دينهم ... فأنزل اللهُ القرآنَ بلغتهم وأساليبهم التي يفضلونها، في مستوى رفيع من البلاغة لا يُجَارى ... وهذا ما دلّت عليه الآثار المروية عن عمر وعثمان رضي الله عنهما.

- أنّ لغة قريش أفصح اللُّغات العربيَّة، وهي تشمل معظم هذه اللُّغات لاختلاط قريش بالقبائل، واصطفائها الجيد الفصيح من لغاتهم، فإنزال القرآن بِلُغَة قريش يعني نزوله بألسنة العرب جميعاً من حيث الجُملة.

-- ويُجَاب عمّا ذكره العُلَماء من وجود غير لُغة قريش في صحيح القراءات، وكذلك وجود بعض الكلمات التي قيل إنها بلغات غير لغة قريش بأجوبة ... مـنــهــــا:

- أنّ ما ورد من هذه الألفاظ وإن كانت في الأصل من غير لغة قريش لكن قريشاً أخذتها واستعملتها حتى صارت قُرَشِية بالاستعمال، ومعروف أن مركز قريش هيأ لها أن تأخذ من اللغات الأخرى أعذبها وأسلسها.

- ومنها: أن هذه الكلمات واللُّغات المذكورة مِمَّا توافقت فيه لغة قريش وغيرها إلاَّ إنها عند غير قريش أشهر وأعرف ... وتوافق اللغات في بعض الكلمات أمر غير مستنكر ولا مستغرب، وأيّاً كان الحال، فوجود هذه الكلمات واللُّغات في القرآن لا ينافي كون القرآن نزل بلغة قريش ... ومثل هذه الكلماتُ التي جاءت في القرآن وقيل: إنها غير عربية في الأصل: {كَمِشْكَاةٍ} وَ {الْقِسْطَاسِ}، وَ {إِسْتَبْرَقٍ}، ونحوها، فإنها إمَّا صارت عربية بالاستعمال، أو أنها مِمَّا توافقت فيها لغة العرب وغيرهم، ولم يطعن وجودها في كون القرآن نزل بلسان عربي مبين.
---------



مـصــادر الـتـمـهـيــد


- "اللُّغات في القُرآن"؛ لِــــ/ ابن حسنون السامري.
- "فَتح البَارِي بِشَرح صَحيح البُخَاري"؛ لـِـــ/ ابن حجر العسقلاني.
- "الإِتقَان في عُلُوم القُرآن"؛ لِــــ/ جلال الدين السيوطي.
- "فَتح القَدير الجامع بين فَني الرِّواية والدراية من علم التفسير"؛ لِــــ/ محمد بن علي الشوكاني.
- "فَتح البيان في مقاصد القرآن"؛ لِــــ/صديق حسن خان القنوجي.
- "لُغَة القرآن الكريم"؛ لِلدكتور/ عبد الجليل عبد الرحيم.
- "نُزُول القرآن على سبعة أحرف"؛ لـــ/ مناع القطان ص 4.
- "الأَحْرُف السّبعة ومَنزلة القراءات منها"؛ للدكتور/ حسن ضياء الدين عتر.
-"المدخل لدراسة القرآن الكريم"؛ لـــ/ محمد أبي شيبة.

*********

Adsense Management by Losha