ياهو مكتوب الأردن
05-06-2016, 05:16 PM
معالم في التعامل مع الفتن. 29/7/1437هـ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَلَمْ أَشْهَدْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ حَدَّثَنِيهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ، عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ، إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، [أَيْ: مَالَتْ عَنْ الطَّرِيق وَنَفَرَتْ، وكَادَتْ تُسقِطُهُ وتَرمِيه عن ظَهْرِها] وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ - قَالَ: كَذَا كَانَ يَقُولُ الْجُرَيْرِيُّ - فَقَالَ: «مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ؟» فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: «فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ.؟» قَالَ: مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، [أي: تُمْتَحَنُ في قبورها, ثم تُنَعَّمُ أو تُعَذَّب] فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ» ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ» قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، فَقَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، قَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. رواه مسلم .
أيها الأحبة: إن المتأمل لهذا الحديث ليدرك ما للاستعاذة بالله من الفتن من الأهمية.. وبنفس الوقت يدرك كثرة الفتن التي تحيط بالعبد في هذه الحياة فمنها الظاهر ومنها الباطن، وأنه مطالب بأن يعي الأخطار المحدقة به، وكيف يتعامل معها، لينجو بنفسه إلى دار السلام وبر الآمان..
ولعظم هذه الفتنة فقد لهج رسولنا صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله منها بجميع أنواعها مع أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا تأكيد منه صلى الله عليه وسلم لعظيم خطرها وأهمية التعوذ منها ولذا كان من دعائه «وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ» قال ابن رجب رحمه الله: المقصود من هذا الدعاء سلامة العبد من فتن الدنيا مدة حياته، فإن قدر الله عز وجل على عباده فتنة قبض عبده إليه قبل وقوعها، وهذا من أهم الأدعية فإن المؤمن إذا عاش سليماً من الفتن، ثم قبضه الله تعالى إليه قبل وقوعها وحصول الناس فيها كان في ذلك نجاة له من الشر كله، وقد أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه رضوان الله عليهم أن يتعوذوا بالله من الفتن فقال: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» وفي حديث آخر: "وَجَنِّبنَا الفَواحِشَ والفِتَنَ، ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ" رواه ابو داود وهو صحيح. وكان يخص بعض الفتن العظيمة بالذكر، فكان يتعوذ بالله في صلاته من أربع، ويأمر بالتعوذ منها: "أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال".
ففتنة المحيا تدخل فيها فتن الدين والدنيا كلها، كالكفر والبدع والفسوق والعصيان. وفتنة الممات يدخل فيها سوء الخاتمة وفتنة الملكين في القبر، فإن الناس يفتنون في قبورهم مثل أو قريباً من فتنة الدجال. ثم خص فتنة الدجال بالذكر لعظم موقعها، فإنه لم يكن في الدنيا فتنة قبل يوم القيامة أعظم منها، وكلما قرب الزمان من الساعة كثرت الفتن.. وفي حديث مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ» رواه ابن ماجة وابن حبان وصححه الألباني. وقد أخبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الفتن التي «...كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» رواه مسلم. أ هـ
أيها الإخوة: مما هو معين بإذن الله على حسن التعامل مع الفتن، والمصائب، والخروج منها بأمان بعد الدعاء ما يلي:
الاعتصام بالكتاب والسنة: وهو أهم المعالم بل هي داخلة فيه، متفرعة عنه، قال الله عز وجل: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.) [آل عمران: 101].
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا [إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا] كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ" حسنه الألباني في صحيح الجامع عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، فَتَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» رواه ابن حبان وابن ماجة وصححه الألباني عن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ
ومن المعالم المعينة على تجاوز الفتن التوبة النصوح: وهي واجبة في كل وقت، وهي في هذه الأوقات أوجب قال الله تعالى: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) [الأنعام:43]
ولما رأى قوم يونس عليه السلام نُذُر العذاب قد بدأت تلوح لجأوا إلى الله، وتضرعوا إليه، فرفع الله عنهم العذاب ومتعهم بالحياة إلى حين مماتهم، وانقضاء آجالهم..
فعلى الأمة أن تتوب، وأن تدرك أن ما أصابها إنما هو جارٍ على مقتضى سنن الله التي لا تحابي أحداً كائناً من كان؛ فتتوب من المنكرات التي أشاعتها من شرك، وحكم بغير ما أنزل الله، وتقصير في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وتتوب من المظالم ومن كل ما هو مؤذن باللعنة، وحلول العقوبة. وعلى كل فرد منا أن ينظر في حاله مع ربه، وفي جميع شؤونه؛ لأن الله تعالى قال: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى:30]
ومما يعين على تجاوز الفتن التذكير بعاقبة الظلم: فمهما طال البلاء، ومهما استبد الألم فإن عاقبة الظلم وخيمة، وإن العاقبة الحميدة إنما هي للتقوى وللمتقين، كما بين ذلك ربنا في محكم التنزيل؛ فماذا كانت عاقبة النمرود، وفرعون، وهامان وقارون، وغيرهم ممن طغى وتجبر وظلم.؟
إنها الدمار، والبوار، وجهنم وبئس القرار، وماذا كانت عاقبة الأنبياء والمصلحين المقسطين من عباد الله المؤمنين.؟
إنها الفلاح والنصر، والتمكين، والجنة ونعم عقبى الدار. أسأل الهم لنا وولدينا الجنة.
الثانية:
أما بعد: ومما يعين على الثبات وتجاوز الفتن وطرد شبح اليأس النظر في التاريخ خصوصاً تاريخ الحروب الصليبية وهجوم التتار، وذلك لأخذ العبرة، والبحث عن سبل النجاة والنصر.
فقد تسلط الصليبيون والتتار على أمة الإسلام، ولاقت كبريات مدنه من البلاء ما الله به عليم، ومع ذلك ظلت صامدة، محافظة إلى حد كبير على إسلامها وعراقتها.
والتاريخ يعيد نفسه في هذه الأيام، فقد قام أعداء الله من الباطنين خلال سنوات بدك وتدمير بلاد الشام والعراق وقتل وتهجير أهل السنة بكل سلاح وقد ستعانوا بأوباش العالم على عدوانهم إلا أنَّ هذه البلاد بلاد إيمان وسنة وستنفي خبث الظلم والجور والعدون بحول الله تعالى بعودتها لدينها وتوحدها..
فقد دَخَلَ تَيْمُورُ لَنْك حَلَبَ فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ التَّاسِعِ الْهِجْرِيِّ، عَنْوَةً، وَكَانَ أَعَاظِمُ الْعَلَوِيِّينَ وَالْأُمَرَاءِ وَالْأَشْرَافِ وَخَوَاصِّ الْعَلَوِيِّينَ مُلْتَجِئِينَ دَاخِلَ الْقَلْعَةِ... فَأَمْعَنَ فِي الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَالتَّعْذِيبِ وَالْهَدْمِ مُدَّةً طَوِيلَةً، حَتَّى أَنْشَأَ مِنْ رُؤُوسِ الْبَشَرِ تَلَّةً عَظِيمَةً، وَقَدْ قَتَلَ جَمِيعَ الْقُوَّادِ، وَانْحَصَرَتِ المَصَائِبُ بِالسُّنِّيِّينَ. كما ذكر ذلك مؤرخ باطني أَنَّ التَّتَرَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِأَبْنَاءِ مِلَّتِهِ وَلَا لِلنَّصَارَى، وَإِنَّما اقْتَصَرَتْ مَذَابِحُهُمْ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَقَطْ، كَمَا هُوَ الْحَالُ الْآنَ فِي حَلَبَ.
فالمَذَابِحُ الْقَدِيمَةُ فِي حَلَبَ فَظِيعَةٌ جِدًّا، وَالْعَذَابُ الَّذِي لَحِقَ بِأَهْلِ السُّنَّةِ فِيهَا آنَذَاكَ فَوْقَ الْخَيَالِ، ذَكَرَ شَيْئًا مِنْهُ المُؤَرِّخُ المِصْرِيُّ جَمَالُ الدِّينِ ابْنُ تَغْرِي، وَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ أُمَرَاءِ المَمَالِيكِ، وَكَلَامُهُ عَنْهَا مُؤْلِمٌ جِدًّا، سأقتصر على جزء منه لفضاعته؛ لِأَنَّنَا نَرَى الْفَجَائِعَ كُلَّ حِينٍ عَبْرَ الشَّاشَاتِ، فحَلَبَ هَذِهِ الْأَيَّامَ، تقع تحت قصف مركز أهلك الحرث والنسل، وَأَلَمُ الْحَاضِرِ مَا هُوَ إِلَّا امْتِدَادٌ لِأَلَمِ المَاضِي فِي أَهْلِ السُّنَّةِ، وَمَا يُعَانُونَهُ مِنَ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَاتِ وَالتَّآمُرِ، وَتَيْمُورُ الْيَوْمِ لَيْسَ أَرْحَمَ بِأَهْلِ حَلَبَ مِنْ تَيْمُورِ الْأَمْسِ، فَكُلُّهُمْ تَتَرٌ بَاطِنِيَّةٌ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً. ومما قال ابن تغري في كتابه النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: «اقْتَحَمَ عَسَاكِرُ تَيْمُورَ مَدِينَةَ حَلَبَ فِي الْحَالِ، وَأَشْعَلُوا فِيهَا النِّيرَانَ، وَأَخَذُوا فِي الْأَسْرِ وَالنَّهْبِ وَالْقَتْلِ، فَهَرَبَ سَائِرُ نِسَاءِ الْبَلَدِ وَالْأَطْفَالِ إِلَى جَامِعِ حَلَبَ وَبَقِيَّةِ المَسَاجِدِ، فَمَالَ أَصْحَابُ تَيْمُورَ عَلَيْهِنَّ، وَرَبَطُوهُنَّ بِالْحِبَالِ أَسْرَى، ثُمَّ وَضَعُوا السَّيْفَ فِي الْأَطْفَالِ، فَقَتَلُوهُمْ بِأَسْرِهِمْ، وَشَرَعُوا فِي تِلْكَ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ عَلَى عَادَتِهِمْ..
ومما ذكر أنهم فسقوا في النساء بالمسجد بغير احتشام.. ثُمَّ بَذَلُوا السَّيْفَ فِي عَامَّةِ حَلَبَ وَأَجْنَادِهَا حَتَّى امْتَلَأَتِ الْجَوَامِعُ وَالطُّرُقَاتُ بِالْقَتْلَى، وَجَافَتْ حَلَبُ –أَيْ: أَنْتَنَتْ مِنْ كَثْرَةِ الْجِيَفِ- وَاسْتَمَرَّ هَذَا مِنْ ضَحْوَةِ نَهَارِ السَّبْتِ إِلَى أَثْنَاءِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ رَابِعَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. ثم سِيقَتْ إِلَى تَيْمُورْ لَنْك نِسَاءُ حَلَبَ سَبَايَا، وَأُحْضِرَتْ إِلَيْهِ الْأَمْوَالُ وَالْجَوَاهِرُ وَالآلَاتُ الْفَاخِرَةُ، فَفَرَّقَهَا عَلَى أُمَرَائِهِ وَأَخِصَّائِهِ، وَاسْتَمَرَّ النَّهْبُ وَالسَّبْيُ وَالْقَتْلُ بِحَلَبَ فِي كُلِّ يَوْمٍ، مَعَ قَطْعِ الْأَشْجَارِ، وَهَدْمِ الْبُيُوتِ، وَإِحْرَاقِ المَسَاجِدِ..
ثُمَّ رَحَلَ تَيْمُورُ مِنْ حَلَبَ بَعْدَ أَنْ أَقَامَ بِهَا شَهْرًا، وَتَرَكَهَا خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا، خَالِيَةً مِنْ سُكَّانِهَا وَأَنِيسِهَا، قَدْ خَرِبَتْ وَتَعَطَّلَتْ مِنَ الْأَذَانِ وَالصَّلَوَاتِ، وَأَصْبَحَتْ خَرَابًا يَبَابًا، مُظْلِمَةً بِالْحَرِيقِ، مُوحِشَةً قَفْرًا، لَا يَأْوِيهَا إِلَّا الْبُومُ وَالرَّخَمُ. انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. وَرَحِمَ الهد قَتْلَى حَلَبَ الْأَمْسِ وَحَلَبَ الْيَوْمِ، وَكَشَفَ كُرَبَهُمْ وَكُرَبَ المُسْتَضْعَفِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَانْتَقَمَ مِنْ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وبعد أيها الإخوة: ستصمد تلك البلاد وغيرها من بلاد المسلمين بإذن الله في وجوه اليهود والنصارى والباطنين المعتدين.. وسيخرج من رحم المأساة رجالاً يقيمون معالم الشريعة ويرفعون راية الحق..
أما ما نشاهده من تسلط الكفار واستعلائهم فإنما هو استعلاء استثنائي، وهو استدراجٌ وإملاءٌ من الله لهم، وعقوبة للأمة المسلمة على بعدها عن دينها.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَلَمْ أَشْهَدْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ حَدَّثَنِيهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ، عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ، إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، [أَيْ: مَالَتْ عَنْ الطَّرِيق وَنَفَرَتْ، وكَادَتْ تُسقِطُهُ وتَرمِيه عن ظَهْرِها] وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ - قَالَ: كَذَا كَانَ يَقُولُ الْجُرَيْرِيُّ - فَقَالَ: «مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ؟» فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: «فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ.؟» قَالَ: مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، [أي: تُمْتَحَنُ في قبورها, ثم تُنَعَّمُ أو تُعَذَّب] فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ» ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ» قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، فَقَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، قَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» قَالُوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. رواه مسلم .
أيها الأحبة: إن المتأمل لهذا الحديث ليدرك ما للاستعاذة بالله من الفتن من الأهمية.. وبنفس الوقت يدرك كثرة الفتن التي تحيط بالعبد في هذه الحياة فمنها الظاهر ومنها الباطن، وأنه مطالب بأن يعي الأخطار المحدقة به، وكيف يتعامل معها، لينجو بنفسه إلى دار السلام وبر الآمان..
ولعظم هذه الفتنة فقد لهج رسولنا صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله منها بجميع أنواعها مع أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا تأكيد منه صلى الله عليه وسلم لعظيم خطرها وأهمية التعوذ منها ولذا كان من دعائه «وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ» قال ابن رجب رحمه الله: المقصود من هذا الدعاء سلامة العبد من فتن الدنيا مدة حياته، فإن قدر الله عز وجل على عباده فتنة قبض عبده إليه قبل وقوعها، وهذا من أهم الأدعية فإن المؤمن إذا عاش سليماً من الفتن، ثم قبضه الله تعالى إليه قبل وقوعها وحصول الناس فيها كان في ذلك نجاة له من الشر كله، وقد أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه رضوان الله عليهم أن يتعوذوا بالله من الفتن فقال: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» وفي حديث آخر: "وَجَنِّبنَا الفَواحِشَ والفِتَنَ، ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ" رواه ابو داود وهو صحيح. وكان يخص بعض الفتن العظيمة بالذكر، فكان يتعوذ بالله في صلاته من أربع، ويأمر بالتعوذ منها: "أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال".
ففتنة المحيا تدخل فيها فتن الدين والدنيا كلها، كالكفر والبدع والفسوق والعصيان. وفتنة الممات يدخل فيها سوء الخاتمة وفتنة الملكين في القبر، فإن الناس يفتنون في قبورهم مثل أو قريباً من فتنة الدجال. ثم خص فتنة الدجال بالذكر لعظم موقعها، فإنه لم يكن في الدنيا فتنة قبل يوم القيامة أعظم منها، وكلما قرب الزمان من الساعة كثرت الفتن.. وفي حديث مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ» رواه ابن ماجة وابن حبان وصححه الألباني. وقد أخبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الفتن التي «...كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» رواه مسلم. أ هـ
أيها الإخوة: مما هو معين بإذن الله على حسن التعامل مع الفتن، والمصائب، والخروج منها بأمان بعد الدعاء ما يلي:
الاعتصام بالكتاب والسنة: وهو أهم المعالم بل هي داخلة فيه، متفرعة عنه، قال الله عز وجل: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.) [آل عمران: 101].
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا [إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا] كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ" حسنه الألباني في صحيح الجامع عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، فَتَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» رواه ابن حبان وابن ماجة وصححه الألباني عن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ
ومن المعالم المعينة على تجاوز الفتن التوبة النصوح: وهي واجبة في كل وقت، وهي في هذه الأوقات أوجب قال الله تعالى: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) [الأنعام:43]
ولما رأى قوم يونس عليه السلام نُذُر العذاب قد بدأت تلوح لجأوا إلى الله، وتضرعوا إليه، فرفع الله عنهم العذاب ومتعهم بالحياة إلى حين مماتهم، وانقضاء آجالهم..
فعلى الأمة أن تتوب، وأن تدرك أن ما أصابها إنما هو جارٍ على مقتضى سنن الله التي لا تحابي أحداً كائناً من كان؛ فتتوب من المنكرات التي أشاعتها من شرك، وحكم بغير ما أنزل الله، وتقصير في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وتتوب من المظالم ومن كل ما هو مؤذن باللعنة، وحلول العقوبة. وعلى كل فرد منا أن ينظر في حاله مع ربه، وفي جميع شؤونه؛ لأن الله تعالى قال: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى:30]
ومما يعين على تجاوز الفتن التذكير بعاقبة الظلم: فمهما طال البلاء، ومهما استبد الألم فإن عاقبة الظلم وخيمة، وإن العاقبة الحميدة إنما هي للتقوى وللمتقين، كما بين ذلك ربنا في محكم التنزيل؛ فماذا كانت عاقبة النمرود، وفرعون، وهامان وقارون، وغيرهم ممن طغى وتجبر وظلم.؟
إنها الدمار، والبوار، وجهنم وبئس القرار، وماذا كانت عاقبة الأنبياء والمصلحين المقسطين من عباد الله المؤمنين.؟
إنها الفلاح والنصر، والتمكين، والجنة ونعم عقبى الدار. أسأل الهم لنا وولدينا الجنة.
الثانية:
أما بعد: ومما يعين على الثبات وتجاوز الفتن وطرد شبح اليأس النظر في التاريخ خصوصاً تاريخ الحروب الصليبية وهجوم التتار، وذلك لأخذ العبرة، والبحث عن سبل النجاة والنصر.
فقد تسلط الصليبيون والتتار على أمة الإسلام، ولاقت كبريات مدنه من البلاء ما الله به عليم، ومع ذلك ظلت صامدة، محافظة إلى حد كبير على إسلامها وعراقتها.
والتاريخ يعيد نفسه في هذه الأيام، فقد قام أعداء الله من الباطنين خلال سنوات بدك وتدمير بلاد الشام والعراق وقتل وتهجير أهل السنة بكل سلاح وقد ستعانوا بأوباش العالم على عدوانهم إلا أنَّ هذه البلاد بلاد إيمان وسنة وستنفي خبث الظلم والجور والعدون بحول الله تعالى بعودتها لدينها وتوحدها..
فقد دَخَلَ تَيْمُورُ لَنْك حَلَبَ فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ التَّاسِعِ الْهِجْرِيِّ، عَنْوَةً، وَكَانَ أَعَاظِمُ الْعَلَوِيِّينَ وَالْأُمَرَاءِ وَالْأَشْرَافِ وَخَوَاصِّ الْعَلَوِيِّينَ مُلْتَجِئِينَ دَاخِلَ الْقَلْعَةِ... فَأَمْعَنَ فِي الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَالتَّعْذِيبِ وَالْهَدْمِ مُدَّةً طَوِيلَةً، حَتَّى أَنْشَأَ مِنْ رُؤُوسِ الْبَشَرِ تَلَّةً عَظِيمَةً، وَقَدْ قَتَلَ جَمِيعَ الْقُوَّادِ، وَانْحَصَرَتِ المَصَائِبُ بِالسُّنِّيِّينَ. كما ذكر ذلك مؤرخ باطني أَنَّ التَّتَرَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِأَبْنَاءِ مِلَّتِهِ وَلَا لِلنَّصَارَى، وَإِنَّما اقْتَصَرَتْ مَذَابِحُهُمْ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَقَطْ، كَمَا هُوَ الْحَالُ الْآنَ فِي حَلَبَ.
فالمَذَابِحُ الْقَدِيمَةُ فِي حَلَبَ فَظِيعَةٌ جِدًّا، وَالْعَذَابُ الَّذِي لَحِقَ بِأَهْلِ السُّنَّةِ فِيهَا آنَذَاكَ فَوْقَ الْخَيَالِ، ذَكَرَ شَيْئًا مِنْهُ المُؤَرِّخُ المِصْرِيُّ جَمَالُ الدِّينِ ابْنُ تَغْرِي، وَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ أُمَرَاءِ المَمَالِيكِ، وَكَلَامُهُ عَنْهَا مُؤْلِمٌ جِدًّا، سأقتصر على جزء منه لفضاعته؛ لِأَنَّنَا نَرَى الْفَجَائِعَ كُلَّ حِينٍ عَبْرَ الشَّاشَاتِ، فحَلَبَ هَذِهِ الْأَيَّامَ، تقع تحت قصف مركز أهلك الحرث والنسل، وَأَلَمُ الْحَاضِرِ مَا هُوَ إِلَّا امْتِدَادٌ لِأَلَمِ المَاضِي فِي أَهْلِ السُّنَّةِ، وَمَا يُعَانُونَهُ مِنَ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَاتِ وَالتَّآمُرِ، وَتَيْمُورُ الْيَوْمِ لَيْسَ أَرْحَمَ بِأَهْلِ حَلَبَ مِنْ تَيْمُورِ الْأَمْسِ، فَكُلُّهُمْ تَتَرٌ بَاطِنِيَّةٌ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً. ومما قال ابن تغري في كتابه النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: «اقْتَحَمَ عَسَاكِرُ تَيْمُورَ مَدِينَةَ حَلَبَ فِي الْحَالِ، وَأَشْعَلُوا فِيهَا النِّيرَانَ، وَأَخَذُوا فِي الْأَسْرِ وَالنَّهْبِ وَالْقَتْلِ، فَهَرَبَ سَائِرُ نِسَاءِ الْبَلَدِ وَالْأَطْفَالِ إِلَى جَامِعِ حَلَبَ وَبَقِيَّةِ المَسَاجِدِ، فَمَالَ أَصْحَابُ تَيْمُورَ عَلَيْهِنَّ، وَرَبَطُوهُنَّ بِالْحِبَالِ أَسْرَى، ثُمَّ وَضَعُوا السَّيْفَ فِي الْأَطْفَالِ، فَقَتَلُوهُمْ بِأَسْرِهِمْ، وَشَرَعُوا فِي تِلْكَ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ عَلَى عَادَتِهِمْ..
ومما ذكر أنهم فسقوا في النساء بالمسجد بغير احتشام.. ثُمَّ بَذَلُوا السَّيْفَ فِي عَامَّةِ حَلَبَ وَأَجْنَادِهَا حَتَّى امْتَلَأَتِ الْجَوَامِعُ وَالطُّرُقَاتُ بِالْقَتْلَى، وَجَافَتْ حَلَبُ –أَيْ: أَنْتَنَتْ مِنْ كَثْرَةِ الْجِيَفِ- وَاسْتَمَرَّ هَذَا مِنْ ضَحْوَةِ نَهَارِ السَّبْتِ إِلَى أَثْنَاءِ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ رَابِعَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. ثم سِيقَتْ إِلَى تَيْمُورْ لَنْك نِسَاءُ حَلَبَ سَبَايَا، وَأُحْضِرَتْ إِلَيْهِ الْأَمْوَالُ وَالْجَوَاهِرُ وَالآلَاتُ الْفَاخِرَةُ، فَفَرَّقَهَا عَلَى أُمَرَائِهِ وَأَخِصَّائِهِ، وَاسْتَمَرَّ النَّهْبُ وَالسَّبْيُ وَالْقَتْلُ بِحَلَبَ فِي كُلِّ يَوْمٍ، مَعَ قَطْعِ الْأَشْجَارِ، وَهَدْمِ الْبُيُوتِ، وَإِحْرَاقِ المَسَاجِدِ..
ثُمَّ رَحَلَ تَيْمُورُ مِنْ حَلَبَ بَعْدَ أَنْ أَقَامَ بِهَا شَهْرًا، وَتَرَكَهَا خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا، خَالِيَةً مِنْ سُكَّانِهَا وَأَنِيسِهَا، قَدْ خَرِبَتْ وَتَعَطَّلَتْ مِنَ الْأَذَانِ وَالصَّلَوَاتِ، وَأَصْبَحَتْ خَرَابًا يَبَابًا، مُظْلِمَةً بِالْحَرِيقِ، مُوحِشَةً قَفْرًا، لَا يَأْوِيهَا إِلَّا الْبُومُ وَالرَّخَمُ. انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. وَرَحِمَ الهد قَتْلَى حَلَبَ الْأَمْسِ وَحَلَبَ الْيَوْمِ، وَكَشَفَ كُرَبَهُمْ وَكُرَبَ المُسْتَضْعَفِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَانْتَقَمَ مِنْ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وبعد أيها الإخوة: ستصمد تلك البلاد وغيرها من بلاد المسلمين بإذن الله في وجوه اليهود والنصارى والباطنين المعتدين.. وسيخرج من رحم المأساة رجالاً يقيمون معالم الشريعة ويرفعون راية الحق..
أما ما نشاهده من تسلط الكفار واستعلائهم فإنما هو استعلاء استثنائي، وهو استدراجٌ وإملاءٌ من الله لهم، وعقوبة للأمة المسلمة على بعدها عن دينها.