فريق منتدى الدي في دي العربي
05-06-2016, 06:39 PM
تسمية المولود
( رؤية تربوية )
الحمد لله الذي لا إله غيره، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
توارثت البشرية ظاهرة تضمين الأشياء والأغراض أسماء تعرف بها، وتتميز بها عما سواها، لا سيما الإنسان، وكان هذا الإرث البشري هو أحد أهم المميزات التي أودعها الله تعالى في هذا المخلوق.
أخبر الله الملائكة بخلق آدم، فاستفهمت؛ استعلامًا واستكشافًا عن الحكمة من خلقه: ? قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ? [البقرة: 30]، ظنًّا منهم، فأراد الله تعالى أن يبين لهم من فضل آدم ما يعرفون به فضله، فتحداهم الله بخاصية من أهم خصائص البشر: ? أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ? [البقرة: 31، 32].
وهنا تبدو أهمية وفضل التسمية؛ فقد ميَّز الله تعالى الإنسان الأول على الملائكة المعصومين بهذه الظاهرة، لقد وهبَه الله سر تمييز الأشياء بأسماء، فتحدَّى الله ملائكته بهذا السر الذي أودعه الإنسان.
وتوارثت البشرية هذه الخاصية جيلًا بعد جيل، واهتمُّوا بتسمية مواليدهم ذكورًا وإناثًا اهتمامًا بالغًا، يتأثرون في اختيارهم بالعادات الاجتماعية السائدة، وبالولاء للآباء والأجداد، كما يحرصون على أن يتمتع الاسم بالدلالات العصرية السائدة، وبما يتمنونه في أبنائهم.
أما الإسلام، فقد أولى هذه الخاصيَّة من العناية والاهتمام ما يفوق جميع الديانات والأيديولوجيات التي مرَّت بها البشرية؛ لما أدركه الإسلام دون غيره من أهمية هذه الظاهرة، ومدى تأثيرها على الفرد والجماعة، فوضعت لها الشريعة الإسلامية الأحكام والتشريعات التي تضبطها وتيسِّرها، وتضمن نفعها، وتحُدُّ من خطورتها.
فقد وضعت لها الأوقات، واستحسنت بعض الأسماء، وكرهت أخرى، وحرَّمت بعضها، وغيَّرت بعضًا آخرَ، وتفاءلت بمعانيها؛ لِتُعجزَ العلمَ الحديث بما يتفاخر به من توصُّلِه إلى نتائج أبحاث نفسية أبرزت وأكَّدَت على أهمية وخطورة هذه الظاهرة، وارتباطِها بسلوك الشخص مع المحيطين به، وتأثيرِه على خصائصه النفسيَّة؛ بما يستوجب ضبط هذه الخاصية البشرية.
وقد حرص التشريع الإسلامي في مُجمَله على تميُّز الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم؛ لتتعالى بكونها خيرَ أمة، حتَّى في أحلك الظروف وأصعب الأوقات: ? وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ? [آل عمران: 139]، بما يضمن عدم وقوع الكارثة التي يدبِّر لها أعداء الإسلام، وهي ذوبان الأمة في غيرها؛ فيستشعر المسلمون الهزيمة النفسية، ويُقبلون على الأمم الأخرى إقبال المهزوم على المنتصر؛ فتتصدع حصونهم العقدية، ومن ثَمَّ يستحوذ عليهم أعداؤهم، فعمل على تمييز أسماء المسلمين عن أعدائهم، على ما سيأتي إن شاء الله.
وقد ارتقى الإسلام بهذه الخاصية البشرية، وضمها إلى العبادات؛ يُثاب ويُؤجر فاعلُها، ويُلام تاركها؛ فقد جعلها حقًّا من حقوق الطفل على أبويه، روى أبو داود بإسناد حسن عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّمَ: ((إنكم تُدعَون يومَ القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم؛ فأحسِنوا أسماءَكم))، ومن أكثر النصوص التي تُبيِّن مدى احتفاء الإسلام بهذه الظاهرة قوله تعالى: ? يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ? [مريم: 7].
ظاهرة مرَضية:
لكن نبوءة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في عودة الإسلام غريبًا كما بدأ، وفي التقليد الأعمى من خير الأمم لليهود والنصارى - قد تحقَّقَت في هذا الجيل.
فهذا الصِّنف السائد من الآباء قد غَضَّ الطرف عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وخالفوا اليهود والنصارى...))، وعن قوله: ((من تشبه بقوم حُشِر معهم))؛ فتسابقوا إلى التشبُّه بأعداء الله في تسميتهم، وصبَغوا مواليدَهم - الصفحة البيضاء - بأسماءٍ ما أنزل الله بها من سلطان، ذلَّت أنفسهم، وأضعفت أمتهم، فوضعوا أهم أسباب الوهَن في أجيالهم، الذي هو من خصائص الأمة المغلوبة.
وقد ظهرت هذه النبوءة بوضوح ضمن هذه الظاهرة في آباء مُجوَّفين من ثقافتهم، ذهبت بهم التموُّجات الفكرية كلَّ مذهب؛ فتأثروا بالثقافة الوافدة، وكان أظهر هذه الآثار هو استيراد أسماء أجنبية عن لغتنا ودينِنا وقيَمِنا وأخلاقنا؛ فأصبحت فتنة عمياء، قلَّ من نجا منه.
وفي المقابل تجد أمم الكفر تتَّخذ التدابيرَ والإجراءاتِ التي تحفظ بها هُويَّتها وثقافتها؛ فقد وضعت فرنسا وغيرُها قوانينَ صارمة؛ لضبط اختيار أسماء المواليد؛ حتى لا تخرج عن تاريخهم ولا تتعارض مع قيمهم الوطنية والاجتماعية، وألزمت بلغاريا المسلمين بتغيير أسمائهم، فهذه أمم الكفر على ما هم عليه من تحلُّل في التقاليد، وانحلال في الأخلاق، وماديَّة السلوك، ألسنا أحقَّ منهم؟! وحسبك أنك لم تر من أولاد الكافرين من يتسمى بأسماء المسلمين.
تأثير التسمية:
بعد العرض السابق يتضح لنا أهمية التسمية، وآثارها على الفرد والمجتمع، بل والأمةِ عامَّتِها، ولا ينبغي الاستهانة بتأثيرها.
والاسم مأخوذ من الوسم؛ أي: العلامة، وقيل: من السموِّ والرفعة، وفي رأينا أنه مأخوذ من الاثنين معًا، فهو علامة على صاحبه، سمو ورفعة له، فهو سرٌّ من الأسرار التي حبا الله بها الإنسان.
الاسم هو أول عطايا الأبوة، وأول ما يواجه به بني مجتمعه، وأوَّل وسيلة يدخل بها ديوان أمته.
إن اختيارَ الاسم قد يكون سُنة حسنة وصدقة جارية، يمتدُّ أثرها ونفعها إلى أجيالٍ متعاقبة، وقد يكون سيئة جارية ينتقل أثرها السيئ إلى جيلٍ بعد جيل؛ لذلك كان الاسم هو أحب كلمة يسمعها صاحبه.
والاسم هو عنوان صاحبه، وأول انطباع يؤخذ عنه بعد مظهره، ويؤخذ من خلاله انطباعٌ عن والده، فكل إناء ينضح بما فيه، إن كان من أهل السُّنة والمتمسكين بها، كان اسم ابنه اسمًا شرعيًّا عربيًّا، وإن كان يحمل ميوعة وتحلُّلًا، كان كذلك، وإن كان تقليدًا للغرب، كان أبوه مستغرِبًا منهزِمًا، وكما قيل: مِن اسمِك أعرِف أباك، فهو المعيار المعبِّر عن هويَّة وثقافة الأب.
ولا شك أن هناك مناسبة قوية بين الاسم والمعنى، فالاسم دعاء وعنوان على صاحبه، وهو مرتبط به، وهذا الأمر قد قدَّره الله، وألهمه رسولَه الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فكان واضحًا في مواقفه، وألهم الله تعالى هذه الحقيقة نفوسَ العباد، واليوم يصيح علماء النفس مؤكدين ذلك؛ فقلَّ أن يوجد لقب إلا وهو يناسب صاحبَه، وقيل: لكل مسمًّى من اسمه نصيب، وقيل:
وقلَّ إن أبصرَتْ عيناك ذا لقَبٍ
إلا ومعناه إن فكَّرت في لقبِه
يقول ابن القيم: أكثر السِّفْلة أسماؤهم تناسبهم، وأكثر الشرفاء والعليَة أسماؤهم تناسبهم.
والاسم السيئ الذي لم يُراعَ في اختياره الضوابطُ الشرعيةُ يؤثِّر سلبًا على نفسية المسمى، حين يشعر بالخجل من اسمه، ويتوارى ويتحاشى ذكره، مما قد يسبب له الانطواء وغيره من الأمراض النفسية؛ نتيجةً لسخرية الآخرين؛ فالإنسان كائن اجتماعي يتأثر ويؤثر في مَن حوله.
أمَّا الاسم الذي روعيت فيه الضوابط الشرعية، فهو يُشعِر صاحبَه بالعزَّة والإشباع النفسي، وكذلك والده، لاسيما عند سؤال والده عن سبب تسميته بذلك الاسم.
وللاسم الشرعي مردودٌ اجتماعي حين يكون اقتداءً بأسماء الأنبياء والصالحين؛ فتخلد أسماؤهم، وتستمر ذكراهم وما قدَّموه لأمتهم من خير ونفع للآخرين؛ فتستمر سلسلة الإصلاح في الأمة.
يقول الشيخ بكر أبو زيد: للاسم تأثير على الأمة في سلوكها وأخلاقياتها على حد قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سنَّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر مَن عمِل بها....))، ويعطي رؤية واضحة لمدى تأثير التموجات الفكرية والعقدية على الأمة، وانحسارها عن أخلاقياتها وآدابها، وماذا من استيلاء العجمة عليها ومداخلة الثقافات الوافدة لها؟
وماذا من انقطاع حبل الاتصال في عمود النسب عند نكث اليد من الصبغة الإسلامية: الأسماء الشرعية؟
ثم هو بعد من علائم الأمة المغلوبة بعقدة النقص والاستيلاء عليها؛ إذ النفس مولعة أبدًا بالاقتداء بالمتغلِّب عليها، كالعبد المملوك مع سيده، ثم هو أيضًا يدل على أن الأمة مُلقى حبلها على غاربها، وأن ليس فيها رجال يطفئون جذوة ما تعاظم في صدورهم من شأن ذلك الغالب الفاجر.
( رؤية تربوية )
الحمد لله الذي لا إله غيره، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
توارثت البشرية ظاهرة تضمين الأشياء والأغراض أسماء تعرف بها، وتتميز بها عما سواها، لا سيما الإنسان، وكان هذا الإرث البشري هو أحد أهم المميزات التي أودعها الله تعالى في هذا المخلوق.
أخبر الله الملائكة بخلق آدم، فاستفهمت؛ استعلامًا واستكشافًا عن الحكمة من خلقه: ? قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ? [البقرة: 30]، ظنًّا منهم، فأراد الله تعالى أن يبين لهم من فضل آدم ما يعرفون به فضله، فتحداهم الله بخاصية من أهم خصائص البشر: ? أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ? [البقرة: 31، 32].
وهنا تبدو أهمية وفضل التسمية؛ فقد ميَّز الله تعالى الإنسان الأول على الملائكة المعصومين بهذه الظاهرة، لقد وهبَه الله سر تمييز الأشياء بأسماء، فتحدَّى الله ملائكته بهذا السر الذي أودعه الإنسان.
وتوارثت البشرية هذه الخاصية جيلًا بعد جيل، واهتمُّوا بتسمية مواليدهم ذكورًا وإناثًا اهتمامًا بالغًا، يتأثرون في اختيارهم بالعادات الاجتماعية السائدة، وبالولاء للآباء والأجداد، كما يحرصون على أن يتمتع الاسم بالدلالات العصرية السائدة، وبما يتمنونه في أبنائهم.
أما الإسلام، فقد أولى هذه الخاصيَّة من العناية والاهتمام ما يفوق جميع الديانات والأيديولوجيات التي مرَّت بها البشرية؛ لما أدركه الإسلام دون غيره من أهمية هذه الظاهرة، ومدى تأثيرها على الفرد والجماعة، فوضعت لها الشريعة الإسلامية الأحكام والتشريعات التي تضبطها وتيسِّرها، وتضمن نفعها، وتحُدُّ من خطورتها.
فقد وضعت لها الأوقات، واستحسنت بعض الأسماء، وكرهت أخرى، وحرَّمت بعضها، وغيَّرت بعضًا آخرَ، وتفاءلت بمعانيها؛ لِتُعجزَ العلمَ الحديث بما يتفاخر به من توصُّلِه إلى نتائج أبحاث نفسية أبرزت وأكَّدَت على أهمية وخطورة هذه الظاهرة، وارتباطِها بسلوك الشخص مع المحيطين به، وتأثيرِه على خصائصه النفسيَّة؛ بما يستوجب ضبط هذه الخاصية البشرية.
وقد حرص التشريع الإسلامي في مُجمَله على تميُّز الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم؛ لتتعالى بكونها خيرَ أمة، حتَّى في أحلك الظروف وأصعب الأوقات: ? وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ? [آل عمران: 139]، بما يضمن عدم وقوع الكارثة التي يدبِّر لها أعداء الإسلام، وهي ذوبان الأمة في غيرها؛ فيستشعر المسلمون الهزيمة النفسية، ويُقبلون على الأمم الأخرى إقبال المهزوم على المنتصر؛ فتتصدع حصونهم العقدية، ومن ثَمَّ يستحوذ عليهم أعداؤهم، فعمل على تمييز أسماء المسلمين عن أعدائهم، على ما سيأتي إن شاء الله.
وقد ارتقى الإسلام بهذه الخاصية البشرية، وضمها إلى العبادات؛ يُثاب ويُؤجر فاعلُها، ويُلام تاركها؛ فقد جعلها حقًّا من حقوق الطفل على أبويه، روى أبو داود بإسناد حسن عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّمَ: ((إنكم تُدعَون يومَ القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم؛ فأحسِنوا أسماءَكم))، ومن أكثر النصوص التي تُبيِّن مدى احتفاء الإسلام بهذه الظاهرة قوله تعالى: ? يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ? [مريم: 7].
ظاهرة مرَضية:
لكن نبوءة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في عودة الإسلام غريبًا كما بدأ، وفي التقليد الأعمى من خير الأمم لليهود والنصارى - قد تحقَّقَت في هذا الجيل.
فهذا الصِّنف السائد من الآباء قد غَضَّ الطرف عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وخالفوا اليهود والنصارى...))، وعن قوله: ((من تشبه بقوم حُشِر معهم))؛ فتسابقوا إلى التشبُّه بأعداء الله في تسميتهم، وصبَغوا مواليدَهم - الصفحة البيضاء - بأسماءٍ ما أنزل الله بها من سلطان، ذلَّت أنفسهم، وأضعفت أمتهم، فوضعوا أهم أسباب الوهَن في أجيالهم، الذي هو من خصائص الأمة المغلوبة.
وقد ظهرت هذه النبوءة بوضوح ضمن هذه الظاهرة في آباء مُجوَّفين من ثقافتهم، ذهبت بهم التموُّجات الفكرية كلَّ مذهب؛ فتأثروا بالثقافة الوافدة، وكان أظهر هذه الآثار هو استيراد أسماء أجنبية عن لغتنا ودينِنا وقيَمِنا وأخلاقنا؛ فأصبحت فتنة عمياء، قلَّ من نجا منه.
وفي المقابل تجد أمم الكفر تتَّخذ التدابيرَ والإجراءاتِ التي تحفظ بها هُويَّتها وثقافتها؛ فقد وضعت فرنسا وغيرُها قوانينَ صارمة؛ لضبط اختيار أسماء المواليد؛ حتى لا تخرج عن تاريخهم ولا تتعارض مع قيمهم الوطنية والاجتماعية، وألزمت بلغاريا المسلمين بتغيير أسمائهم، فهذه أمم الكفر على ما هم عليه من تحلُّل في التقاليد، وانحلال في الأخلاق، وماديَّة السلوك، ألسنا أحقَّ منهم؟! وحسبك أنك لم تر من أولاد الكافرين من يتسمى بأسماء المسلمين.
تأثير التسمية:
بعد العرض السابق يتضح لنا أهمية التسمية، وآثارها على الفرد والمجتمع، بل والأمةِ عامَّتِها، ولا ينبغي الاستهانة بتأثيرها.
والاسم مأخوذ من الوسم؛ أي: العلامة، وقيل: من السموِّ والرفعة، وفي رأينا أنه مأخوذ من الاثنين معًا، فهو علامة على صاحبه، سمو ورفعة له، فهو سرٌّ من الأسرار التي حبا الله بها الإنسان.
الاسم هو أول عطايا الأبوة، وأول ما يواجه به بني مجتمعه، وأوَّل وسيلة يدخل بها ديوان أمته.
إن اختيارَ الاسم قد يكون سُنة حسنة وصدقة جارية، يمتدُّ أثرها ونفعها إلى أجيالٍ متعاقبة، وقد يكون سيئة جارية ينتقل أثرها السيئ إلى جيلٍ بعد جيل؛ لذلك كان الاسم هو أحب كلمة يسمعها صاحبه.
والاسم هو عنوان صاحبه، وأول انطباع يؤخذ عنه بعد مظهره، ويؤخذ من خلاله انطباعٌ عن والده، فكل إناء ينضح بما فيه، إن كان من أهل السُّنة والمتمسكين بها، كان اسم ابنه اسمًا شرعيًّا عربيًّا، وإن كان يحمل ميوعة وتحلُّلًا، كان كذلك، وإن كان تقليدًا للغرب، كان أبوه مستغرِبًا منهزِمًا، وكما قيل: مِن اسمِك أعرِف أباك، فهو المعيار المعبِّر عن هويَّة وثقافة الأب.
ولا شك أن هناك مناسبة قوية بين الاسم والمعنى، فالاسم دعاء وعنوان على صاحبه، وهو مرتبط به، وهذا الأمر قد قدَّره الله، وألهمه رسولَه الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فكان واضحًا في مواقفه، وألهم الله تعالى هذه الحقيقة نفوسَ العباد، واليوم يصيح علماء النفس مؤكدين ذلك؛ فقلَّ أن يوجد لقب إلا وهو يناسب صاحبَه، وقيل: لكل مسمًّى من اسمه نصيب، وقيل:
وقلَّ إن أبصرَتْ عيناك ذا لقَبٍ
إلا ومعناه إن فكَّرت في لقبِه
يقول ابن القيم: أكثر السِّفْلة أسماؤهم تناسبهم، وأكثر الشرفاء والعليَة أسماؤهم تناسبهم.
والاسم السيئ الذي لم يُراعَ في اختياره الضوابطُ الشرعيةُ يؤثِّر سلبًا على نفسية المسمى، حين يشعر بالخجل من اسمه، ويتوارى ويتحاشى ذكره، مما قد يسبب له الانطواء وغيره من الأمراض النفسية؛ نتيجةً لسخرية الآخرين؛ فالإنسان كائن اجتماعي يتأثر ويؤثر في مَن حوله.
أمَّا الاسم الذي روعيت فيه الضوابط الشرعية، فهو يُشعِر صاحبَه بالعزَّة والإشباع النفسي، وكذلك والده، لاسيما عند سؤال والده عن سبب تسميته بذلك الاسم.
وللاسم الشرعي مردودٌ اجتماعي حين يكون اقتداءً بأسماء الأنبياء والصالحين؛ فتخلد أسماؤهم، وتستمر ذكراهم وما قدَّموه لأمتهم من خير ونفع للآخرين؛ فتستمر سلسلة الإصلاح في الأمة.
يقول الشيخ بكر أبو زيد: للاسم تأثير على الأمة في سلوكها وأخلاقياتها على حد قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سنَّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر مَن عمِل بها....))، ويعطي رؤية واضحة لمدى تأثير التموجات الفكرية والعقدية على الأمة، وانحسارها عن أخلاقياتها وآدابها، وماذا من استيلاء العجمة عليها ومداخلة الثقافات الوافدة لها؟
وماذا من انقطاع حبل الاتصال في عمود النسب عند نكث اليد من الصبغة الإسلامية: الأسماء الشرعية؟
ثم هو بعد من علائم الأمة المغلوبة بعقدة النقص والاستيلاء عليها؛ إذ النفس مولعة أبدًا بالاقتداء بالمتغلِّب عليها، كالعبد المملوك مع سيده، ثم هو أيضًا يدل على أن الأمة مُلقى حبلها على غاربها، وأن ليس فيها رجال يطفئون جذوة ما تعاظم في صدورهم من شأن ذلك الغالب الفاجر.