ياهو مكتوب الأردن
05-06-2016, 09:07 PM
خطوات النصر.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي قدر الأمور وأمضاها، وعلم أحوال الخلائق قبل خلقهم وقضاها، وجازى كل نفس بعد ذلك على سخطها بما قدّر أو رضاها، كل شيء خلقه -سبحانه- بقدْرٍ وقدَر، ولا يقع شيءٌ في كونه إلا بعلمٍ منه ونظَر، عَلِمَ الأجَل، وقَدّر العمل، وجَعل الأمور دُوَل، سبحانه كم أحاط علمه، وكم وَسِعَ حِلْمُه، وكم مضى حُكْمُه!
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بالهدى ودين الحق أرسله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحابته الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد عباد الله:
فاتقوا الله تعالى، فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى أمور دينه ودنياه، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا}.
عباد الله:
خلق الله الإنسان في كبد، ابتلاء له وتمحيصًا، وكلما ارتفع في مراتب الإيمان، كان ابتلاؤه بالخير والشر أكثرُ من غيره.
فَقَدَ نوحٌ -عليه السلام- ابنه أمام عينيه، ورُميَ في النار إبراهيم الخليل، وأُضجعَ للذبح إسماعيل، وبيع يوسفُ بثمن بخس دراهم معدودة، وذهبت من شدة البكاء عينا يعقوب، وذُبح السيد الحصور يحيى، وضَني بالبلاء وطولِ المرض أيوب، وأُدميت قدما رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم.
والابتلاء سنة الله في الأمم السابقة، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.
وبَعَثَ الله نبيه عليه الصلاة والسلام ليبتلي به، فعن عياض بن حمار -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمَقَتَهم، عربِهم وعجمِهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتليَ بك، وأنزلتُ عليك كتابًا لا يغسله الماء تقرؤه نائمًا ويقظان..." الحديث [رواه مسلم].
أيها المسلمون:
ابتلاء الله لعباده أنواع، منها ابتلاؤهم بما يقع عليهم من الحروب، والمجاعات، والفقر، والمرض، ومنها ابتلاؤهم بما يقع على غيرهم، لينظر كيف يصنعون.
وقد وقع على إخواننا في بلدان شتى ما وقع من البلاء، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولم يبق إنسان على وجه البسيطة إلا وسمع طرفًا من أخبارهم، ووقف على شيء من همومهم وبلائهم.
قصف بالمدافع والطائرات، وقتل لا يرحم بجميع الآلات، هجوم لا يتوقف ليلاً ولا نهارًا، ورعب لا يستثني صغارًا ولا كبارًا، وما أعجب حلمَ الله تعالى على الظالمين، الذين لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة.
وفي هذا الخضم، ومع ما نراه من حجم التدخلات، وتعقد المواقف، قد يستصغر المرء نفسه، ويرى فيها العجز عن نصرة إخوانه، وعدمَ القدرة على بذل ما ينفعهم، وما ذلك إلا أسلوب شيطاني، ليحجِز المؤمنين عن نصرة بعضهم، فينطبقَ عليهم قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ» [رواه أحمد وأبو داود وهو حديث حسن].
وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». [أخرجه البخاري].
عباد الله:
أول خطوات النصر، هي العودة إلى الله تعالى، والاعتصام بحبله المتين، وتقوية العلاقات بين المسلمين، على كافة الأصعدة الفردية والمجتمعية، امتثالاً لأمر الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا}، ولتحقيق ذلك لابد من الابتعاد عن حظوظ النفس، والتماس الأعذار للآخرين، والتجاوز عما يمكن تجاوزه من الإساءات، وسد الفجوات التي يحرص أعداء الملة على توسيعها.
ومن وسائل النصر تربية الأولاد على معرفة قضايا أمتهم وإخوانهم، وتعريفهم بهمومهم وبلائهم، فإن أمة الإسلام تضعف ولا تموت، والجيل الذي يعجز عن التغيير، سيعقبه جيل يحدث الله على يديه ما يريده من الصلاح.
ومن وسائل النصر استغلال كافة المنابر الإعلامية المتاحة لنشر معاناة إخواننا، والدفاع عنهم، وإشهار حقوقهم، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، وحث الجهود العالمية على الإسراع في تغيير الواقع المرير، فإن لكل أمةٍ عقلاءُ يستشعرون الخطر، ويسعون إلى حجزه قبل اندفاعه، بل إن بيان سبيل المجرمين مقصد بحد ذاته، فقد قال ربنا تبارك وتعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيلُ المجرمين}، ومن نعم الله علينا ما أتاحه لنا في وسائل التواصل الحديثة، من قدرة على المشاركة في نشر الوعي، والدفاع عن الحقوق، بأقل الجهود.
ومن أهم وسائل النصر، وأكثرها سهولة، رفع أكف الضراعة لله تعالى، والانطراح بين يديه، والتوسل إليه، والإلحاح عليه في الدعاء.
وإن من المؤسف تقصيرَنا في هذا الأمر على سهولته، وإحجامَنا عنه مع عظيم فائدته.
فدعاء المسلم للمسلم من الموالاة، وقد أخبر الله تعالى أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو للمستضعفين بمكة، بل يذكرهم بأسمائهم، وكان إذا رفع رأسه من الركعة الأخيرة من الصلاة يقول: "اللهم أنج عياش ابن أبي ربيعة، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد ابن أبي الوليد، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين". [رواه البخاري].
والضعفاء خير من يُستنصر بدعائهم، قال عليه الصلاة والسلام: "أبغوني ضعفاءكم فإنكم إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم". [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
قال بعض العلماء: تأويل الحديث أن الضعفاء أشدُّ إخلاصا في الدعاء، وأكثرُ خشوعًا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا. [فتح الباري 6/89].
والدعاء عند الله كريم، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء" [رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني].
وقال عليه الصلاة والسلام: "من لم يسأل الله يغضب عليه" [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
وقد يستبطئ البعض الإجابة، فيقول: ما أكثر ما دعونا، ولم يتغير شيء، نسيانًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي». [رواه البخاري ومسلم].
وما علم أن دعاء المسلم رابح في كل حال، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال، إما أن يُعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الأخرى، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر". [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على خير خلقه أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد عباد الله:
فاتقوا الله حق التقوى، وأطيعوه وتوبوا إليه، فالعز عز الطاعة، والذل ذل المعصية.
عباد الله:
نصرةً للمسلمين اشترى عثمان بئر رومة وسبّلها، وأرسل حسان قصائده الخالدة، وأطلق ثابت بن قيس خطبه العصماء، وخرج مصعب من مكة سياسيًا سفيرًا، وبذل الصحابة رضي الله عنهم كل نفيسٍ وغالٍ.
فإلى متى يبقى فؤادك قاسيًا
وإلى متى تبقى بغير شعورِ
هلاّ قرأت ملامح الأمِّ التي
ذبُلت محاسن وجهها المذعورِ
هلاّ استمعتَ إلى بكاء صغيرها
وإلى أنين فؤادها المفطورِ
هلاّ نظرت إلى دموع عفافها
وإلى جناح إبائها المكسورِ
إن علينا في نصرة إخواننا مسؤوليةً كبيرة، بما نقدر عليه من المال، والجاه، في الإعلام والتقنية، والشعر والنثر، والرأي والمشورة، دون غفلة عن ضوابط الشريعة، فكل ما أمر الله تعالى به عباده لا يقبل منه إلا ما وافق شريعته، فالصلاة لا تقبل بغير طُهور، والصدقة مردودة إن تبعها منَّة وأذى، وكذلك نصرة المسلمين، لا تكون بمخالفة الضوابط، أو تعدي الأوامر، بل تكون وفق منهج المتقين، دون جلب المفاسد والويلات على الآمنين المطمئنِّين.
فاستشعروا أيها الكرام مراقبة السميع البصير، الذي يرى ما تفعله الجوارح ولو دق، ويسمع ما تتحرك به الشفاه ولو خَفَتْ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، وهو العليم الخبير.
واحذروا أن يراكم حيث نهاكم، أو يفقدكم حيث أمركم، ثم اعلموا أن ثمرةَ الاستماع الاتباع، فكونوا من الذين يستمِعون القولَ فيتَّبِعون أحسنَه.
وصلُّوا وسلِّموا على خير الورى، فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك يا أرحم الراحمين.
اللهم فرج هموم المسلمين، ونفّس كروب المستضعفين، وارفع البأس والشدة عنهم يا رب العالمين، اللهم ارحم إخواننا المستضعفين، وفك الحصار عن المحصورين، اللهم إنا نسألك في ساعتنا أن تنصرهم على القوم الظالمين، اللهم انصرهم على من بغى عليهم.
اللهم أحي قلوبنا بالإيمان، وارزقنا حبك وحب من يحبك يا رحمن، وانصر عبادك الموحدين واجعل بلدنا هذا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي قدر الأمور وأمضاها، وعلم أحوال الخلائق قبل خلقهم وقضاها، وجازى كل نفس بعد ذلك على سخطها بما قدّر أو رضاها، كل شيء خلقه -سبحانه- بقدْرٍ وقدَر، ولا يقع شيءٌ في كونه إلا بعلمٍ منه ونظَر، عَلِمَ الأجَل، وقَدّر العمل، وجَعل الأمور دُوَل، سبحانه كم أحاط علمه، وكم وَسِعَ حِلْمُه، وكم مضى حُكْمُه!
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بالهدى ودين الحق أرسله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحابته الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد عباد الله:
فاتقوا الله تعالى، فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى أمور دينه ودنياه، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا}.
عباد الله:
خلق الله الإنسان في كبد، ابتلاء له وتمحيصًا، وكلما ارتفع في مراتب الإيمان، كان ابتلاؤه بالخير والشر أكثرُ من غيره.
فَقَدَ نوحٌ -عليه السلام- ابنه أمام عينيه، ورُميَ في النار إبراهيم الخليل، وأُضجعَ للذبح إسماعيل، وبيع يوسفُ بثمن بخس دراهم معدودة، وذهبت من شدة البكاء عينا يعقوب، وذُبح السيد الحصور يحيى، وضَني بالبلاء وطولِ المرض أيوب، وأُدميت قدما رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم.
والابتلاء سنة الله في الأمم السابقة، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.
وبَعَثَ الله نبيه عليه الصلاة والسلام ليبتلي به، فعن عياض بن حمار -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمَقَتَهم، عربِهم وعجمِهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتليَ بك، وأنزلتُ عليك كتابًا لا يغسله الماء تقرؤه نائمًا ويقظان..." الحديث [رواه مسلم].
أيها المسلمون:
ابتلاء الله لعباده أنواع، منها ابتلاؤهم بما يقع عليهم من الحروب، والمجاعات، والفقر، والمرض، ومنها ابتلاؤهم بما يقع على غيرهم، لينظر كيف يصنعون.
وقد وقع على إخواننا في بلدان شتى ما وقع من البلاء، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولم يبق إنسان على وجه البسيطة إلا وسمع طرفًا من أخبارهم، ووقف على شيء من همومهم وبلائهم.
قصف بالمدافع والطائرات، وقتل لا يرحم بجميع الآلات، هجوم لا يتوقف ليلاً ولا نهارًا، ورعب لا يستثني صغارًا ولا كبارًا، وما أعجب حلمَ الله تعالى على الظالمين، الذين لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة.
وفي هذا الخضم، ومع ما نراه من حجم التدخلات، وتعقد المواقف، قد يستصغر المرء نفسه، ويرى فيها العجز عن نصرة إخوانه، وعدمَ القدرة على بذل ما ينفعهم، وما ذلك إلا أسلوب شيطاني، ليحجِز المؤمنين عن نصرة بعضهم، فينطبقَ عليهم قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ» [رواه أحمد وأبو داود وهو حديث حسن].
وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». [أخرجه البخاري].
عباد الله:
أول خطوات النصر، هي العودة إلى الله تعالى، والاعتصام بحبله المتين، وتقوية العلاقات بين المسلمين، على كافة الأصعدة الفردية والمجتمعية، امتثالاً لأمر الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا}، ولتحقيق ذلك لابد من الابتعاد عن حظوظ النفس، والتماس الأعذار للآخرين، والتجاوز عما يمكن تجاوزه من الإساءات، وسد الفجوات التي يحرص أعداء الملة على توسيعها.
ومن وسائل النصر تربية الأولاد على معرفة قضايا أمتهم وإخوانهم، وتعريفهم بهمومهم وبلائهم، فإن أمة الإسلام تضعف ولا تموت، والجيل الذي يعجز عن التغيير، سيعقبه جيل يحدث الله على يديه ما يريده من الصلاح.
ومن وسائل النصر استغلال كافة المنابر الإعلامية المتاحة لنشر معاناة إخواننا، والدفاع عنهم، وإشهار حقوقهم، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، وحث الجهود العالمية على الإسراع في تغيير الواقع المرير، فإن لكل أمةٍ عقلاءُ يستشعرون الخطر، ويسعون إلى حجزه قبل اندفاعه، بل إن بيان سبيل المجرمين مقصد بحد ذاته، فقد قال ربنا تبارك وتعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيلُ المجرمين}، ومن نعم الله علينا ما أتاحه لنا في وسائل التواصل الحديثة، من قدرة على المشاركة في نشر الوعي، والدفاع عن الحقوق، بأقل الجهود.
ومن أهم وسائل النصر، وأكثرها سهولة، رفع أكف الضراعة لله تعالى، والانطراح بين يديه، والتوسل إليه، والإلحاح عليه في الدعاء.
وإن من المؤسف تقصيرَنا في هذا الأمر على سهولته، وإحجامَنا عنه مع عظيم فائدته.
فدعاء المسلم للمسلم من الموالاة، وقد أخبر الله تعالى أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو للمستضعفين بمكة، بل يذكرهم بأسمائهم، وكان إذا رفع رأسه من الركعة الأخيرة من الصلاة يقول: "اللهم أنج عياش ابن أبي ربيعة، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد ابن أبي الوليد، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين". [رواه البخاري].
والضعفاء خير من يُستنصر بدعائهم، قال عليه الصلاة والسلام: "أبغوني ضعفاءكم فإنكم إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم". [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
قال بعض العلماء: تأويل الحديث أن الضعفاء أشدُّ إخلاصا في الدعاء، وأكثرُ خشوعًا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا. [فتح الباري 6/89].
والدعاء عند الله كريم، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء" [رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني].
وقال عليه الصلاة والسلام: "من لم يسأل الله يغضب عليه" [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
وقد يستبطئ البعض الإجابة، فيقول: ما أكثر ما دعونا، ولم يتغير شيء، نسيانًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي». [رواه البخاري ومسلم].
وما علم أن دعاء المسلم رابح في كل حال، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال، إما أن يُعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الأخرى، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر". [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على خير خلقه أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد عباد الله:
فاتقوا الله حق التقوى، وأطيعوه وتوبوا إليه، فالعز عز الطاعة، والذل ذل المعصية.
عباد الله:
نصرةً للمسلمين اشترى عثمان بئر رومة وسبّلها، وأرسل حسان قصائده الخالدة، وأطلق ثابت بن قيس خطبه العصماء، وخرج مصعب من مكة سياسيًا سفيرًا، وبذل الصحابة رضي الله عنهم كل نفيسٍ وغالٍ.
فإلى متى يبقى فؤادك قاسيًا
وإلى متى تبقى بغير شعورِ
هلاّ قرأت ملامح الأمِّ التي
ذبُلت محاسن وجهها المذعورِ
هلاّ استمعتَ إلى بكاء صغيرها
وإلى أنين فؤادها المفطورِ
هلاّ نظرت إلى دموع عفافها
وإلى جناح إبائها المكسورِ
إن علينا في نصرة إخواننا مسؤوليةً كبيرة، بما نقدر عليه من المال، والجاه، في الإعلام والتقنية، والشعر والنثر، والرأي والمشورة، دون غفلة عن ضوابط الشريعة، فكل ما أمر الله تعالى به عباده لا يقبل منه إلا ما وافق شريعته، فالصلاة لا تقبل بغير طُهور، والصدقة مردودة إن تبعها منَّة وأذى، وكذلك نصرة المسلمين، لا تكون بمخالفة الضوابط، أو تعدي الأوامر، بل تكون وفق منهج المتقين، دون جلب المفاسد والويلات على الآمنين المطمئنِّين.
فاستشعروا أيها الكرام مراقبة السميع البصير، الذي يرى ما تفعله الجوارح ولو دق، ويسمع ما تتحرك به الشفاه ولو خَفَتْ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، وهو العليم الخبير.
واحذروا أن يراكم حيث نهاكم، أو يفقدكم حيث أمركم، ثم اعلموا أن ثمرةَ الاستماع الاتباع، فكونوا من الذين يستمِعون القولَ فيتَّبِعون أحسنَه.
وصلُّوا وسلِّموا على خير الورى، فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك يا أرحم الراحمين.
اللهم فرج هموم المسلمين، ونفّس كروب المستضعفين، وارفع البأس والشدة عنهم يا رب العالمين، اللهم ارحم إخواننا المستضعفين، وفك الحصار عن المحصورين، اللهم إنا نسألك في ساعتنا أن تنصرهم على القوم الظالمين، اللهم انصرهم على من بغى عليهم.
اللهم أحي قلوبنا بالإيمان، وارزقنا حبك وحب من يحبك يا رحمن، وانصر عبادك الموحدين واجعل بلدنا هذا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور.