مشاهدة النسخة كاملة : ساعدوني؛ فقد كرهتُ حياتي وحاولتُ الانتحار!


فريق منتدى الدي في دي العربي
05-07-2016, 01:40 AM
ساعدوني؛ فقد كرهتُ حياتي وحاولتُ الانتحار!
أ. عائشة الحكمي



السؤال
أنا فتاة أُعاني مِن فقدان النوم لمدة طويلة، دائمًا أتأخَّر عن موعد الدوام المدرسي، ونومي متقطِّع نتيجة التفكير، أينما أذهب أفكِّر وأفكر، لا أستطيع أن أركِّز في حياتي، أنا فتاة طموح، متفوِّقة في الدِّراسة، وأحصل على امتياز في جميع المواد.
ولكن مع بداية دُخُولي مرحلة الثانويَّة بدأتْ مَشاكلي العاطفيَّة، فأسْتمرُّ في التفكير في مستقبلي، فأحلم أن أكونَ مهندسة، وأن أكون شخصيَّة مشهورة، رمزًا لوطني، وأيضًا أفكِّر في أشياء سخيفةٍ تشغل بالي عن الدراسة في المدرسة؛ مثل: ماذا سأفعل عندما أرجع إلى البيت؟ ما هو الغداء؟ ما الذي تقصده صديقتي بما قالتْ قبل لحظة؟ هل أكمل الدراسة أو لا؟
أفكِّر في الواجبات المدرسيَّة وكثرتها، وأني لا أستطيع إكمال الدِّراسة، فأهمل واجباتي المدرسيَّة، أفكِّر في مَشاكلي مع المدرِّسين، وفَقْد ثِقَتي في صديقاتي؛ فهن لا يستحققن ثقتي بهنَّ، دائمًا يبحثْن عن مصلحتهن! أفكِّر في عدم حبِّ صديقاتي لي!
أنا انطوائيَّة لا أخرج كثيرًا؛ بسبب قلَّة المال.
إذا رأيتُ أمي أبكي بشدَّة؛ فقد ضحَّتْ من أجلي كثيرًا، اقترضتْ من أجلي، لذا أحلم أن أمتلك مالًا كثيرًا لأعوِّض أمي عمَّا فعلتْ لي.
أُشارِك أمِّي أحلامي المستقبليَّة مثل الطِّفلة الصغيرة، فتقول لي: بعد فترة سوف أبني لكِ منزل الأحلام، وبه حديقة كبيرة ومساحة كبيرة جدًّا، لكِ أنت فقط!
أمَّا أبي فليس سِوى أجيرٍ في بيتنا، يُعطينا المال، وينتهي عملُه كل شهر، أنا أكرهه كثيرًا كثيرًا، فهو لا يُبالي بنا ولا يهتم، إذا طلب أحدنا منه شيئًا يقول: اذهبْ إلى أمك، يقضي أوقات فراغه في أشياء سخيفةٍ؛ مع أصدقائه، وفي البيت يجلس على الكمبيوتر.
تحملتْ أمي الكثيرَ من المشكلات منه مِن أجلنا؛ أريد أن أرسم البسمة على شفاهها، أريدها أن تفتخرَ بابنتها الفائقة، ويومًا ما ستصبح مهندسة، يا لها مِن أحلام جميلة!
في بعض الأحيان أرَدِّد: أنا سأنجح، سأنجح، وفي لحظةٍ تستولي الأفكار السخيفة عليَّ؛ فأستمر في البكاء والعزلة!
حاولتُ أن أنتحر 5 مرات أو أكثر، فقد فقدتُ الأمل، وفقدتُ مستقبلي.

ماذا أفعل؟ ساعدوني!


الجواب
بسم الله الموفق للصواب
وهو المستعان

كم هو مؤلم أن تمضي فترة الشباب بإشراقها، وحيويتها، وطموحها، وأحلامها الجميلة حبيسةَ أزمةٍ نفسيَّة استسلم لها صاحبُها! "شكرًا أيها الأعداء"؛ سلمان العودة.
أيتها المهندسة العزيزة، أرى أنكِ بحاجةٍ إلى "هندسة" مشاعرِك وأفكاركِ، قبل دخول الجامعة، والتخصُّص في قسم الهندسة بمشيئة المولى - عز وجل؛ كي تتمكَّني من التركيز على حاضركِ، والتخطيط لمستقبلكِ الذي ينتظرُ تباشيرَ مَقْدمِكِ، وأنت مكتنزةٌ بالإيمان، والثقةِ بالله، والأمل، والإرادة.
مستقبلُكِ العلميُّ لم يُضيَّع ولم يُفقَد؛ لأنه لم يأتِ بعدُ، ولكن ما أراه ضائعًا بدون أن تلتفتي إلى ضياعه هو إيمانُكِ بالقدَر! هذا الإيمانُ العظيم الذي يَنقُص أكثرَ الناس بدون أن يلتفتوا إلى نقصِه في قلوبِهم الساخطة!
أُسائِلُكِ: لأي غايةٍ تودِّين الانتحارَ خمس مراتٍ أو أكثر؟!
لتَدخُلي الجنةَ؟!
كلَّا! لأنَّ الانتحار طريقٌ إلى النار، وأنتِ تعلمين ذلك؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن تردَّى من جبلٍ فقَتَلَ نفسَه، فهو في نار جهنم، يتردَّى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسَّى سُمًّا فقَتَلَ نفسَه، فسُمُّهُ في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قَتَلَ نفسه بحديدةٍ، فحديدتُه في يده يَجَأُ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا))؛ متفقٌ عليه، فإن لم تكن الجنةُ هي الغايةَ، فما الغاية إذًا؟ إنهاء الحياة الدنيا وحسْب؟!
إن كان هذا هو الهدفَ، فإن هذه الرغبةَ الحمقاء تنطوي على مطاعنَ شتَّى في أسماء الله العُلى وصفاتِه الحسنى؛ فالانتحارُ طعنٌ في رحمة الله - تعالى - بعباده؛ طعنٌ في "الرحمن الرحيم"، "الودود"، "الرؤوف"؛ وطعنٌ في حكمة الله - تعالى - وعدله وقدرته، طعنٌ في "الوهَّاب"، "الرزاق"، "القادر"، "العليم القدير"، "الحكيم"!
فيا لله! هل تثقين في الألوكة، وتَشُكِّين في الله؟! ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ ﴾ [إبراهيم: 10]؟! ﴿ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4]، واللهِ لا أنا ولا الألوكة سننفعُك يومَ القيامة، ما سينفعك هو عملُك، وإيمانُكِ، ورضا قلبِك بما قَسَمَ لك ربُّك - جل وعز - ويقينُك بأن اختيار الله - تعالى - هو الخير والعدل، وأن ما سِواه محضُ الشرِّ والبلاء، ولو كان مالًا، ولو كان جاهًا، ولو كان عزًّا، ولو كان فرحًا غامرًا!
ينفعكِ برُّك بأبيكِ هذا الذي "تكرهينه كثيرًا كثيرًا"! ويا للأسف! كيف أصبحتْ كراهية الآباء والأمهات شُعُورًا طبيعيًّا، نعبِّر عنه بمنتهى الأريحيَّة في قسْم الاستشارات؟!
إنَّ استمرار هذا النوعِ من التعبير العاقِّ الذي يُغضِب اللهَ - عز وجل - يعني أحد أمرين: إما أنَّ لديكم مشكلةً حقيقيَّة، أو أنَّ لدى مستشارينا الفُضَلاءِ مشكلةً حقيقيةً!
جاء في "الكشكول"؛ للبهاء العاملي ما نصه: "من كلام بعض الأعلام في تعظيم حق الوالدين: اعلم أنَّ الله - جل جلاله - عَلِمَ حاجتَك إلى أبويك؛ فجعل لك عندهما من المنزلة ما يُغنيهما عن وصيتِهما بك، وعلِم غناك عنهما ؛ فأكَّد وصيتَك بهما، وقد جاء في الحديث: أنَّ علي بن الحسين - رضي الله عنه - قال لولده زيد: "يا بُني، إن الله لم يَرْضَك لي؛ فأوصاك بي، ورضيني لك؛ فلم يوصِني بك"، فاعرف - وفَّقك الله - الفرقَ بين هاتين المرتبتين، وميِّز بعقلك بين المنزلتين، ثم عُد إلى بديهة عقلك الشاهدةِ لك بوجوب شُكر المنعِم عليك، وانظر هل ترى أحدًا من البشر أكثرَ نعمةً عليك من أبيك وأمك، وأولى منهما بشكرك وبرِّك؟! فقابِلْ ذلك بالإجلال والتعظيم، والطاعةِ والانقياد لهما ما داما حيَّيْنِ، وبالاستغفار لهما وأداء ما عليهما من الحقوق، وتعاهَدْ زيارتَهما والترحُّم عليهما إن كانا ميتَيْنِ، كما تحب أن يفعل أولادُك حالَ حياتك، وبعد مماتك"، وقد قالوا: "الكريم يرعى حقَّ اللفظة، وحُرمة اللحظة"، فكيف بحقِّ البرِّ "وصية الله - عز وجل -" وحُرمة الأبوة؟!
أمَّا أفكارك هذه التي تنثال على عقلك الباطن، وتقضُّ عليك مضجعَكِ، وتُضيِّع عليك وقتَك وشبابَك، فإنما تنثال عليك مِن تلك المداخلِ الفارغةِ من حرسِ الإيمان بالقَدَر، الخاليةِ من حبِّ أبيك، فحصِّني مداخلَكِ من الشيطان الرجيم، واطرُدي هذه الخطراتِ والأفكارَ بالرضا واليقين والعملِ الصالح، وانظُري في النِّعم التي وَهَبَكِ إياها العزيزُ الوهاب؛ فلقد حضَّنا الله - تعالى - على عدِّ النعم، لا على إحصاء النقم: ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، قال بكر بن عبدالله المزَني: "كن عدَّادًا لنِعَم الله؛ فإنك إن أحصيتَها، كنت قمنًا أن تَشكرَها، وإذا نسيتَها، كنت قمنًا أن تَكفرَها"؛ "ربيع الأبرار"؛ للزمخشري، فاشكُريه - تعالى - على ما أنعَمَ عليك، واحمَديه على الإسلام والسُّنة والعافية، وكوني متفائلةً دومًا، إيجابيةً أبدًا، وخطِّطي لمستقبلك وأنتِ واثقةٌ أن من خَلَقَ الكونَ ودبَّره لن يضيعك وأهلَك، فلا تستبْطئي الرزقَ؛ بل اعملي بالأسباب؛ من دعاءٍ، واستغفار، وتقوى، واجتهادٍ في الدِّراسة، وبرٍّ بالوالدين، ومحافَظةٍ على الصلاة، وحُسْنِ التوكُّل على الله ربِّنا، إنه نِعْمَ المولى ونعم الوكيل.


أنصحك أخيرًا بمُطالعة الكُتُب التالية لمزيد فائدة:
1- كتاب: "كيف تتحكَّم في شعورك وأحاسيسك؟"؛ تأليف: د.إبراهيم الفقي.
2- كتاب: "افتح النافذة ثمة ضوء"؛ تأليف: د.خالد المنيف.
3- كتاب: "ما لم يخبرني به أبي عن الحياة"؛ تأليف: كريم الشاذلي.

والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، وبه الأمان من الغفلة والخِذلان.

Adsense Management by Losha