فريق منتدى الدي في دي العربي
05-07-2016, 12:24 PM
الثقافة والإنسان المثقف
عبدالمجيد قناوي
الثقافة كلمة قديمة وعريقة في العربية، فهي تعني صقل النفس والمنطق والفطانة.
و"ثقِّف نفسَك" معناها: أن تصير حاذقًا، خفيفَ القلب، ماهرًا، فَطِنًا، مُدركًا وفاهمًا، وثقَّفَه تثقيفًا؛ أي: سواه ليُكسبه الفطنة، وثقَّف الرمح، معناه: سوَّاه وقوَّمه.
والمثقَّف في اللغة هو القلم المَبري، وقد اشتقَّت هذه الكلمة منه؛ حيث إن المثقف يقوِّم نفسَه بتعلُّم أمور جديدة، كما هو حال القلم عندما يتمُّ برْيُه.
فالإنسان المثقَّف هو شخص متعلِّم، مهذَّب، يُدرك الكثير من العلوم والمعارف والفنون، ذو ثقافة عالية،
والثقافة هي: الرقيُّ الفكري والأدبي والاجتِماعي للأفراد والجَماعات.
فهي لا تعدُّ مجموعة مِن الأفكار فحسب، ولكنها نظرية في السلوك؛ مما يُساعد على رسم طريق الحياة إجمالًا، وبما يتمثَّل فيه الطابع العام الذي يَنطبِع عليه شعب مِن الشعوب، وهي الوجوه المميزة لمُقوِّمات الأمة، التي تميزها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من المعتقدات والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك المتوقَّع والمقبول من الناس، والأفكار والمقدَّسات والقوانين والتجارب.
وإجمالًا فإن الثقافة هي كل مركَّب يتضمَّن العلوم، والمعارف، والعقائد، والفنون، والأخلاق، والقوانين، والعادات التي يُطلب تعلُّمها والحذْق فيها.
ويُمكن استخدام كلمة "ثقافة" في التذوق المتميِّز للفنون الجميلة والعلوم الإنسانية، وهو ما يُعرف أيضًا بالثقافة عالية المُستوى.
فالثقافة هي هضم لمَدارك ومعلومات سابقة، يستعملها الإنسان كوسيلة للتخاطُب مع الآخرين ليكون اجتماعيًّا، والإنسان أصلًا هو مخلوق اجتماعي، وإن لم تكن لديه القدرة على التخاطُب وعلى أن يكون مقبولًا، فليس هو بمثقَّف إطلاقًا، ولو كان يَحمل أعلى الشهادات.
والشهادة العِلمية لا تَعني الثقافة، بل هي درجة يَحصل عليها المرء للغوص في سوق الحياة العملية لاحقًا.
فليس كل مُتعلِّم هو مثقَّفًا، ولكن كل مُثقَّف هو مُتعلِّم
فالمتعلِّم حاصل على شهادة جامعية أو أدنى أو أعلى، فهو أكاديمي إن صحَّ التعبير.
إذًا فالثقافة هي:
النور الذي يشعُّ في العقول أو الضمائر وهي يقظة للعقل والضمير الإنساني
إنها الإحساس الذي يتفجَّر في أعماقنا تجاه الحياة بكل ما فيها من أسرار وخفايا.
وعصارة الثقافة هي: الأخلاق، قبل أن تكون مجموعة من العلوم والمعارف من منظور آخَر، والأخلاق مسألة جوهرية في الحياة، تَنبع منها كل المبادئ والقيم الإنسانية الأخرى، وعلى الكل الالتزام بها، وعلى الكل أن يُعاقِب ويؤنِّب إذا أخلَّ بها وخرج عنها، رجلًا كان أم امرأة، دون تمْييز لجنْس معيَّن.
وظيفة الثقافة في المجتمع:
تُشبه وظيفة الثقافة في المجتمع وظيفة الدم في الجسم، فهو يتركب من كريات الدم الحمراء والبيضاء، وكلاهما يسبح في سائل واحد من البلازما ليُغذِّي الجسد.
والثقافة هي الدم الذي يَسري في الجسم الاجتماعي، يغذِّي حضارته، ويَحمل أفكار العلماء، كما يَحمل أفكار العالم، وكل هذه الأفكار المنسجمة في سائل واحد من الاستعدادات المتشابهة والاتجاهات الموحَّدة والأذواق المناسبة.
الثقافة مصدر للسعادة أو الشقاء:
إن الثقافة تقوِّي الحسَّ، وتشحَذ الذهن فتجعله ينشط ويتعمَّق في التفكير، وتصيب كل نواحي الرجُل ونواحي المرأة، حتَّى في أبسط الأحاسيس.
وهذه بعض الأمثلة البسيطة، التي تميز الإنسان المثقَّف عن الإنسان غير المثقَّف، نلخِّصها في جدول كالآتي:
رؤية الإنسان غير المثقف
رؤية الإنسان المثقف
نوع الأشياء
مادية كانت أم معنوية
لا يَعنيه فيما يأكل على الأرجح أكثر من الحلاوة
أو الملوحة، كذلك المخللات.
الحلاوة عنده أنواع، والملوحة عنده مذاقات، كذلك المخلِّلات.
حاسَّة الذوق
- يدرك الألوان البارزة، الصارخة، وهي الألوان الرئيسة: الأحمر القاني، الأخضر، الأزرق، الأصفر الفاتح، الأسود، الأبيض.
- يدرك أن هناك كمًّا من الفروق والاختلافات بين الألوان.
- يدرك الباقة مِن الزهر مجتمعة، من الزهر غير البارز اللون.
- يُدرك ما بين الزهرات.
الألوان
- تكفيه ساعة ليطوف بها
ويَخرج منها ضيِّق الصدر مُتثائبًا.
- عينه مغلقة.
- حديقة الجمال عنده أوسع كثيرًا.
- يجد فيها الجمال فنونًا، كما يجد ألوفًا.
- عينُه مفتوحة.
حديقة الجمال
يراه شعاعًا أبيضَ واحدًا.
يرى النور أطباقا وألوانًا، يُشقِّقه كما يشقِّقه البلور.
النور
عقلُه قليل العمل.
عقلُه كثير العمل.
العقل
يَكفيه من القراءة قراءة الصحف، ويقرؤها بسرعة دون توغُّل أو تبحُّر فيها، وهو يتخير منها الخفيف، والبسيط والسهل.
- لا يكلِّف نفسه حتى لا يفسد عليه هضمه من بعد طعام.
- يقرأ الكتب، يَطلب فيها ثمرات العقول وإرث الإنسان الذي صنعتْه الأجيال على مرِّ القرون، مدَّخِرًا كل هذا في عقله، يَطويه في فطنته.
- إذا نظر إلى الأشياء أو حكم عليها، نظر وحكم بعين نفسه، وبعيون ألف ممَّن قرأ لهم في حاضر الزمان وغابره.
القراءة
فالثقافة تبعث على الأمل، والإنسان المثقف يُؤمِّل للناس ويتمنَّى لنفسِه الأماني.
والثقافة التي نشقى بثقافتها "ثقافة ناقصة" بل علم ناقص، إنها عرفت جانبًا من العيش وغاب عنها أشياء.
فهذه الأرض التي تربط مَن عليها بقوانين طبيعية إلهية، وقوانين وضعية أو اصطناعية إنسانية، يجب أن يتفهمها كل مثقَّف، وأن يرضى بها حتى يُبدِّلها ويغيرها.
أما الطبيعية منها فيتفهَّمها حتى يوائم بينه وبينها، أو حتى يُحاورها ويُغالبها، حتى يكون سيدها بعد أن كانت سيدته، وهذا هو:
العلم الحديث؛الذي جاء لنا بهذه المدنية الحاضرة التي هي نتاج هذه المغالبة للطبيعة، أما الاصطِناعي الإنساني من هذه القوانين فله:
التنظيم الاجتماعي، التنظيم السياسي، التضحية في سبيل رفعة الإنسان على ظهر هذه الأرض.
إن الحياة كفاحٌ، واستِفراغ، ما في الوسع والطاقة قولًا، وبذل الجهد في الفعل، والكفاح عند المثقف لذة كما هو حركة، والحركة بعض لذائذ الحياةلا السكونولا رغد العيش، ولا الراحة، ولا السكينةالتي هي من لذَّات القبور.
إنَّ المثقف التامَّ التثقيفِ، الذي تثقَّف عقلُه، وتثقف قلبه، وتثقف حسُّه، وجمع إلى العرفان "الحكمة"، هو أسعد إنسان، على هذه الأرض...
سعيد، وهو ممتلئ بطنه بالطعام.
سعيد، ومعدته فارغة.
سعيد، وهو لا ثياب له.
سعيد، وهو مُكتَسٍ.
سعيد ما بقي له شعاعُ عَقلِه، ودفْءُ قَلبِه، وتفتُّح بَصيرته.
فكل إنسان مطَّلع على أفكار وعلوم وأخلاق وآداب يُصبح مميَّزًا بين الآخرين بما يَحمله، وبِما ترسَّخ في ذاكرته من معلومات.
وهذا ينطبق تمامًا على النبي "محمد" صلى الله عليه وسلم، رسولِ الله، حين استمع وأنصتَ، ثمَّ حفظ وتعلَّم من رب العزة، فارتقى وارتفع بنفسه إلى مطالب الله سبحانه وتعالى، ثم عمل بكتابه القرآن الكريم "الوحي"، فتحرَّكت المواهب السامية فيه بعرض آثار القدرة الإلهية عليه، فأصبح أكمل الناس رشدًا، وأسبقهم فضلًا وأنبلهم خلُقًا، وأنضجهم رأيًّا، بشهادة كل من درس حياته من الشرق إلى الغرب، وما قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، إلا شهادة من الله لـ "محمد" صلَّى الله عليه وسلم، بأنه على أكمل الأخلاق وأتمِّها وأرفعها وأفضلها؛ بحيث لا يُدانى فيها بحالٍ مِن الأحوال.
وشهادته على نفسه صلى الله عليه وسلم في قوله: ((بُعثتُ لأتمِّمَ صالح الأخلاق))، فـ:
محمَّد صلى الله عليه وسلم إنسانٌ [كامل الثقافة]
عبدالمجيد قناوي
الثقافة كلمة قديمة وعريقة في العربية، فهي تعني صقل النفس والمنطق والفطانة.
و"ثقِّف نفسَك" معناها: أن تصير حاذقًا، خفيفَ القلب، ماهرًا، فَطِنًا، مُدركًا وفاهمًا، وثقَّفَه تثقيفًا؛ أي: سواه ليُكسبه الفطنة، وثقَّف الرمح، معناه: سوَّاه وقوَّمه.
والمثقَّف في اللغة هو القلم المَبري، وقد اشتقَّت هذه الكلمة منه؛ حيث إن المثقف يقوِّم نفسَه بتعلُّم أمور جديدة، كما هو حال القلم عندما يتمُّ برْيُه.
فالإنسان المثقَّف هو شخص متعلِّم، مهذَّب، يُدرك الكثير من العلوم والمعارف والفنون، ذو ثقافة عالية،
والثقافة هي: الرقيُّ الفكري والأدبي والاجتِماعي للأفراد والجَماعات.
فهي لا تعدُّ مجموعة مِن الأفكار فحسب، ولكنها نظرية في السلوك؛ مما يُساعد على رسم طريق الحياة إجمالًا، وبما يتمثَّل فيه الطابع العام الذي يَنطبِع عليه شعب مِن الشعوب، وهي الوجوه المميزة لمُقوِّمات الأمة، التي تميزها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من المعتقدات والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك المتوقَّع والمقبول من الناس، والأفكار والمقدَّسات والقوانين والتجارب.
وإجمالًا فإن الثقافة هي كل مركَّب يتضمَّن العلوم، والمعارف، والعقائد، والفنون، والأخلاق، والقوانين، والعادات التي يُطلب تعلُّمها والحذْق فيها.
ويُمكن استخدام كلمة "ثقافة" في التذوق المتميِّز للفنون الجميلة والعلوم الإنسانية، وهو ما يُعرف أيضًا بالثقافة عالية المُستوى.
فالثقافة هي هضم لمَدارك ومعلومات سابقة، يستعملها الإنسان كوسيلة للتخاطُب مع الآخرين ليكون اجتماعيًّا، والإنسان أصلًا هو مخلوق اجتماعي، وإن لم تكن لديه القدرة على التخاطُب وعلى أن يكون مقبولًا، فليس هو بمثقَّف إطلاقًا، ولو كان يَحمل أعلى الشهادات.
والشهادة العِلمية لا تَعني الثقافة، بل هي درجة يَحصل عليها المرء للغوص في سوق الحياة العملية لاحقًا.
فليس كل مُتعلِّم هو مثقَّفًا، ولكن كل مُثقَّف هو مُتعلِّم
فالمتعلِّم حاصل على شهادة جامعية أو أدنى أو أعلى، فهو أكاديمي إن صحَّ التعبير.
إذًا فالثقافة هي:
النور الذي يشعُّ في العقول أو الضمائر وهي يقظة للعقل والضمير الإنساني
إنها الإحساس الذي يتفجَّر في أعماقنا تجاه الحياة بكل ما فيها من أسرار وخفايا.
وعصارة الثقافة هي: الأخلاق، قبل أن تكون مجموعة من العلوم والمعارف من منظور آخَر، والأخلاق مسألة جوهرية في الحياة، تَنبع منها كل المبادئ والقيم الإنسانية الأخرى، وعلى الكل الالتزام بها، وعلى الكل أن يُعاقِب ويؤنِّب إذا أخلَّ بها وخرج عنها، رجلًا كان أم امرأة، دون تمْييز لجنْس معيَّن.
وظيفة الثقافة في المجتمع:
تُشبه وظيفة الثقافة في المجتمع وظيفة الدم في الجسم، فهو يتركب من كريات الدم الحمراء والبيضاء، وكلاهما يسبح في سائل واحد من البلازما ليُغذِّي الجسد.
والثقافة هي الدم الذي يَسري في الجسم الاجتماعي، يغذِّي حضارته، ويَحمل أفكار العلماء، كما يَحمل أفكار العالم، وكل هذه الأفكار المنسجمة في سائل واحد من الاستعدادات المتشابهة والاتجاهات الموحَّدة والأذواق المناسبة.
الثقافة مصدر للسعادة أو الشقاء:
إن الثقافة تقوِّي الحسَّ، وتشحَذ الذهن فتجعله ينشط ويتعمَّق في التفكير، وتصيب كل نواحي الرجُل ونواحي المرأة، حتَّى في أبسط الأحاسيس.
وهذه بعض الأمثلة البسيطة، التي تميز الإنسان المثقَّف عن الإنسان غير المثقَّف، نلخِّصها في جدول كالآتي:
رؤية الإنسان غير المثقف
رؤية الإنسان المثقف
نوع الأشياء
مادية كانت أم معنوية
لا يَعنيه فيما يأكل على الأرجح أكثر من الحلاوة
أو الملوحة، كذلك المخللات.
الحلاوة عنده أنواع، والملوحة عنده مذاقات، كذلك المخلِّلات.
حاسَّة الذوق
- يدرك الألوان البارزة، الصارخة، وهي الألوان الرئيسة: الأحمر القاني، الأخضر، الأزرق، الأصفر الفاتح، الأسود، الأبيض.
- يدرك أن هناك كمًّا من الفروق والاختلافات بين الألوان.
- يدرك الباقة مِن الزهر مجتمعة، من الزهر غير البارز اللون.
- يُدرك ما بين الزهرات.
الألوان
- تكفيه ساعة ليطوف بها
ويَخرج منها ضيِّق الصدر مُتثائبًا.
- عينه مغلقة.
- حديقة الجمال عنده أوسع كثيرًا.
- يجد فيها الجمال فنونًا، كما يجد ألوفًا.
- عينُه مفتوحة.
حديقة الجمال
يراه شعاعًا أبيضَ واحدًا.
يرى النور أطباقا وألوانًا، يُشقِّقه كما يشقِّقه البلور.
النور
عقلُه قليل العمل.
عقلُه كثير العمل.
العقل
يَكفيه من القراءة قراءة الصحف، ويقرؤها بسرعة دون توغُّل أو تبحُّر فيها، وهو يتخير منها الخفيف، والبسيط والسهل.
- لا يكلِّف نفسه حتى لا يفسد عليه هضمه من بعد طعام.
- يقرأ الكتب، يَطلب فيها ثمرات العقول وإرث الإنسان الذي صنعتْه الأجيال على مرِّ القرون، مدَّخِرًا كل هذا في عقله، يَطويه في فطنته.
- إذا نظر إلى الأشياء أو حكم عليها، نظر وحكم بعين نفسه، وبعيون ألف ممَّن قرأ لهم في حاضر الزمان وغابره.
القراءة
فالثقافة تبعث على الأمل، والإنسان المثقف يُؤمِّل للناس ويتمنَّى لنفسِه الأماني.
والثقافة التي نشقى بثقافتها "ثقافة ناقصة" بل علم ناقص، إنها عرفت جانبًا من العيش وغاب عنها أشياء.
فهذه الأرض التي تربط مَن عليها بقوانين طبيعية إلهية، وقوانين وضعية أو اصطناعية إنسانية، يجب أن يتفهمها كل مثقَّف، وأن يرضى بها حتى يُبدِّلها ويغيرها.
أما الطبيعية منها فيتفهَّمها حتى يوائم بينه وبينها، أو حتى يُحاورها ويُغالبها، حتى يكون سيدها بعد أن كانت سيدته، وهذا هو:
العلم الحديث؛الذي جاء لنا بهذه المدنية الحاضرة التي هي نتاج هذه المغالبة للطبيعة، أما الاصطِناعي الإنساني من هذه القوانين فله:
التنظيم الاجتماعي، التنظيم السياسي، التضحية في سبيل رفعة الإنسان على ظهر هذه الأرض.
إن الحياة كفاحٌ، واستِفراغ، ما في الوسع والطاقة قولًا، وبذل الجهد في الفعل، والكفاح عند المثقف لذة كما هو حركة، والحركة بعض لذائذ الحياةلا السكونولا رغد العيش، ولا الراحة، ولا السكينةالتي هي من لذَّات القبور.
إنَّ المثقف التامَّ التثقيفِ، الذي تثقَّف عقلُه، وتثقف قلبه، وتثقف حسُّه، وجمع إلى العرفان "الحكمة"، هو أسعد إنسان، على هذه الأرض...
سعيد، وهو ممتلئ بطنه بالطعام.
سعيد، ومعدته فارغة.
سعيد، وهو لا ثياب له.
سعيد، وهو مُكتَسٍ.
سعيد ما بقي له شعاعُ عَقلِه، ودفْءُ قَلبِه، وتفتُّح بَصيرته.
فكل إنسان مطَّلع على أفكار وعلوم وأخلاق وآداب يُصبح مميَّزًا بين الآخرين بما يَحمله، وبِما ترسَّخ في ذاكرته من معلومات.
وهذا ينطبق تمامًا على النبي "محمد" صلى الله عليه وسلم، رسولِ الله، حين استمع وأنصتَ، ثمَّ حفظ وتعلَّم من رب العزة، فارتقى وارتفع بنفسه إلى مطالب الله سبحانه وتعالى، ثم عمل بكتابه القرآن الكريم "الوحي"، فتحرَّكت المواهب السامية فيه بعرض آثار القدرة الإلهية عليه، فأصبح أكمل الناس رشدًا، وأسبقهم فضلًا وأنبلهم خلُقًا، وأنضجهم رأيًّا، بشهادة كل من درس حياته من الشرق إلى الغرب، وما قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، إلا شهادة من الله لـ "محمد" صلَّى الله عليه وسلم، بأنه على أكمل الأخلاق وأتمِّها وأرفعها وأفضلها؛ بحيث لا يُدانى فيها بحالٍ مِن الأحوال.
وشهادته على نفسه صلى الله عليه وسلم في قوله: ((بُعثتُ لأتمِّمَ صالح الأخلاق))، فـ:
محمَّد صلى الله عليه وسلم إنسانٌ [كامل الثقافة]