مشاهدة النسخة كاملة : مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند الرب العلي


فريق منتدى الدي في دي العربي
05-07-2016, 12:24 PM
مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند الرب العلي
السيد مراد سلامة


الخطبة الأولى:
أخي المسلم أختي المسلمة:
في هذا اللقاء نقف مع العطايا الربانية، والمنح الإلهية، لخير البرية -صلى الله عليه وسلم–، فقد أكرم الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بفضائل جمّة، وصفات عدة، فأحسن خلْقَه، وأتم خُلُقه، حتى وصفه -تعالى- بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]، ومنحه -جل وعلا- فضائل عديدة، وخصائص كثيرة، تميز بها -صلى الله عليه وسلم- عن غيره، فضلاً عن مكانة النبوة التي هي أشرف المراتب.
ونتناول في الأسطر التالية شيئًا يسيرًا من فضائله -صلى الله عليه وسلم-:
فمنها:
أنه خليل الرحمن:
فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا إني أبرأ إلى كل خل من خله، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، إن صاحبكم خليل الله)) [1] وهذه الفضيلة لم تثبت لأحد غير نبينا وإبراهيم الخليل -عليهما الصلاة والسلام-.
ومن فضائله أنه شهيد وبشير: فعن عقبة بن عامر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج يومًا، فصلى على أهل أُحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: ((إني فرط لكم -أي سابقكم-، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أُعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها)) متفق عليه.
ومن فضائله أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم: قال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الأحزاب: 6].
• قال الشوكاني في تفسيره "فتح القدير": "فإذا دعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لشيء ودعتهم أنفسهم إلى غيره، وجب عليهم أن يقدموا ما دعاهم إليهٍ، ويؤخروا ما دعتهم أنفسهم إليه، ويجب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لأنفسهم، ويقدموا طاعته على ما تميل إليه أنفسهم، وتطلبه خواطرهم" [2].
ومن فضائله -صلى الله عليه وسلم- أنه سيد ولد بني آدم:
فقد ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: "كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوة، فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة، وقال: ((أنا سيد القوم يوم القيامة)) متفق عليه.
وهو -صلى الله عليه وسلم- أمان لأمته: حيث جاء في الحديث الصحيح:
((النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)) رواه مسلم.
ومن فضائله -صلى الله عليه وسلم- أنه أول من تنشق عنه الأرض وأول من يشفع:
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع)) [3].
يقول النووي –رحمه الله-: "قال العلماء: وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((أنا سيد ولد آدم)) لم يقله فخراً، بل صرح بنفي الفخر في غير مسلم في الحديث المشهور: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) وإنما قاله لوجهين:
أحدهما: امتثال قوله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى: 11].
والثاني: أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته ليعرفوه، ويعتقدوه، ويعملوا بمقتضاه، ويوقروه -صلى الله عليه وسلم- بما تقتضي مرتبته كما أمرهم الله تعالى، وهذا الحديث دليل لتفضيله -صلى الله عليه وسلم- على الخلق كلهم ؛ لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة، وهو -صلى الله عليه وسلم- أفضل الآدميين وغيرهم، وأما الحديث الآخر: ((لا تخيروني من بين الأنبياء)) [4].
فجوابه من خمسة أوجه:
أحدهما: أنه -صلى الله عليه وسلم -قاله قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم، فلما علم أخبر به.
والثاني: قاله أدباً وتواضعاً.
والثالث: أن النهي إنما هو عن تفضيل يؤدي إلى تنقيص المفضول.
والرابع: إنما نهي عن تفضيل يؤدي إلى الخصومة والفتنة كما هو المشهور في سبب الحديث.
والخامس: أن النهي مختص بالتفضيل في نفس النبوة، فلا تفاضل فيها، وإنما التفاضل بالخصائص وفضائل أخرى ولا بد من اعتقاد التفضيل، فقد قال الله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) [5].
وهو صاحب المقام المحمود:
ففي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: ((إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا -أي جالسين على ركبهم- كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع، يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود)) رواه البخاري[6] [7].
تلك هي بعض فضائل نبينا الكريم ورسولنا العظيم، الذي اختاره الله ليكون خاتم الرسل المكرمين ورحمة للخلق أجمعين، نسأل الله أن يجمعنا به، ويدخلنا مُدخله، وألا يحرمنا شفاعته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
ما أكرمه الله تعالى به لذاته في الدنيا:
أخذ الله له العهد على جميع الأنبياء، -صلى الله عليه وسلم- (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 81].
كان عند أهل الكتاب علم تام به -صلى الله عليه وسلم- (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: 20].
كان نبياً وآدم منجدل في طينته -صلى الله عليه وسلم-:
عن العرباض بن سارية عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إني عند الله مكتوب: خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم بأول أمري دعوة إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني وقد خرج لها نور أضاء لها منه قصور الشام)) [8].
هو أول المسلمين -صلى الله عليه وسلم-:
(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162، 163].
(وَأَنَاْ أَوَّلُ المسلمين) أي: المنقادين إلى امتثال ما أمر الله تعالى به، وقيل: المستسلمين لقضاء الله تعالى وقدره، والمراد مسلمي أمته كما قيل، وهذا شأن كل نبي بالنسبة إلى أمته، وقيل: هذا إشارة إلى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أول ما خلق الله تعالى نوري)) [9].
هو خاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم-:
(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [الأحزاب: 40].
هو أولى بالأنبياء من أممهم -صلى الله عليه وسلم-:
عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ((أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ الْأَنْبِيَاءُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ)) [10].
هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم -صلى الله عليه وسلم-:
(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) [الأحزاب: 6].
كونه منة يمتن الله بها على عباده:
(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [164: آل عمران].
كونه خيرة الخلق، وسيد ولد آدم -صلى الله عليه وسلم-:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع)) [11].
يقول المناوي –رحمه الله-: "((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة)) خصه لأنه يوم مجموع له الناس فيظهر سؤدده لكل أحد عيانا، وصف نفسه بالسؤدد المطلق المفيد للعموم في المقام الخطابي على ما تقرر في علم المعاني، فيفيد تفوقه على جميع ولد آدم، حتى أولو العزم من الرسل، واحتياجهم إليه، كيف لا وهو سيد ولد آدم، وتخصيصه ولد آدم ليس للاحتراز، فهو أفضل حتى من خواص الملائكة، كما نقل الإمام عليه الإجماع، ومراده إجماع من يعتد به من أهل السنة ((وأول من ينشق عنه القبر)) أي: أول من يعجل إحياؤه مبالغة في إكرامه وتخصيصاً له بتعجيل جزيل إنعامه" قال القرطبي: "ويعارضه خبر: ((أنا أول من يبعث، فأجد موسى -عليه السلام- متعلقاً بساق العرش))".
((وأول شافع)) للعصاة، أي: لا يتقدمني شافع لا ملك ولا بشر في جميع أحكام الشفاعات ((وأول مشفع)) بشد الفاء أي مقبول الشفاعة، ولم يكتف بقوله: ((أول شافع)) لأنه قد يشفع الثاني فيشفع قبل الأول، قال ذلك امتثالاً لقوله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى: 11] وهو من البيان الذي يجب تبليغه"[12].
طاعته ومبايعته هي عين طاعة الله ومبايعته:
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) [النساء: 80].
الإيمان به مقرون بالإيمان بالله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء: 136].
هو رحمة للعالمين -صلى الله عليه وسلم-:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107].
يقول الشنقيطي –رحمه الله-: "ذكر -جل وعلا- في هذه الآية الكريمة: أنه ما أر سل هذا النَّبي الكريم -صلوات الله وسلامه عليه- إلى الخلائق إلا رحمة لهم؛ لأنه جاءهم بما يسعدهم، وينالون به كل خير من خير الدنيا والآخرة، إن اتبعوه, ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمية, وضرب بعض أهل العلم لهذا مثلاً قال: لو فجر الله عيناً للخلق غزيرة الماء، سهلة التناول, فسقى الناس زروعهم ومواشيهم بمائها، فتتابعت عليهم النعم بذلك، وبقي أناس مفرطون كسالى عن العمل, فضيعوا نصيبهم من تلك العين، فالعين المفجرة في نفسها رحمة من الله، ونعمة للفريقين, ولكن الكسلان محنة على نفسه حيث حرمها ما ينفعها، ويوضح ذلك قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ البوار) [ إبراهيم: 28 ] وقيل: كونه رحمة للكفار من حيث إن عقوبتهم أخرت بسببه، وأمنوا به عذاب الاسئتصال والأول أظهر.
وما ذكره -جل وعلا- في هذه الآية الكريمة: من أنه ما أرسله إلا رحمة للعالمين يدل على أنه جاء بالرحمة للخلق فيما تضمنه هذا القرآن العظيم، وهذا المعنى جاء موضحاً في مواضع من كتاب الله، كقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلك لَرَحْمَةً وذكرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [ العنكبوت: 51 ] وقوله: (وَمَا كُنتَ ترجو أَن يلقى إِلَيْكَ الكتاب إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ) [ القصص: 86 ] الآية.
وقد قدمنا الآيات الدالة على ذلك في سورة «الكهف» في موضعين منها، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله- قال: قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين، قال: ((إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة))" [13].
هو أمنة لأمته -صلى الله عليه وسلم-:
وعن أبي بردة عن أبيه قال: رفع يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسه إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء فقال: ((النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون))[14].
عموم رسالته -صلى الله عليه وسلم-:
عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي، كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة)) [15].
تكفل المولى بحفظه وعصمته -صلى الله عليه وسلم-:
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [المائدة: 67].
التكفل بحفظ دينه -صلى الله عليه وسلم-:
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9].
القسم بحياته -صلى الله عليه وسلم-:
(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [72: الحجر].
القسم ببلده -صلى الله عليه وسلم-:
(وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [(3: التين] (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) [البلد: 1، 2].
القسم له -صلى الله عليه وسلم- (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى: 1 - 5].
لم يناده باسمه -صلى الله عليه وسلم-:
النهي عن مناداته باسمه -صلى الله عليه وسلم- (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63].
لا يرفع صوت فوق صوته -صلى الله عليه وسلم-:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [الحجرات:2].
تقديم الصدقة بين يدي مناجاتهم له (ثم نسخ ذلك):
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المجادلة: 12، 13].
جعله الله نوراً -صلى الله عليه وسلم-:
(قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) [المائدة/ 15].
غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر -صلى الله عليه وسلم-:
عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم، فيقولون: أنت أبو الناس خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، ويذكر ذنبه فيستحي ائتوا نوحاً، فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتونه فيقول: لست هناكم، ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم فيستحي، فيقول: ائتوا خليل الرحمن، فيأتونه فيقول: لست هناكم، ائتوا موسى عبداً كلمه الله، وأعطاه التوراة، فيأتونه، فيقول: لست هناكم، ويذكر قتل النفس بغير نفس فيستحي من ربه فيقول: ائتوا عيسى عبد الله ورسوله، وكلمة الله وروحه، فيقول: لست هناكم، ائتوا محمداً -صلى الله عليه وسلم-، عبداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، فيأتوني، فأنطلق حتى أستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله، ثم يقال: ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة، ثم أعود إليه، فإذا رأيت ربي مثله، ثم أشفع فيحد لي حداً، فأدخلهم الجنة، ثم أعود الرابعة، فأقول: ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن، ووجب عليه الخلود قال أبو عبد الله: إلا من حبسه القرآن يعني قول الله تعالى: (خالدين فيها) [16])).
تأخير دعوته المستجابة ليوم القيامة -صلى الله عليه وسلم-:
عن أبي هريرة: قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة)) [17].
أعطي جوامع الكلم -صلى الله عليه وسلم-:
عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فضلت على الأنبياء بست، أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون)) [18].
أعطي مفاتيح خزائن الأرض -صلى الله عليه وسلم-:
عن عقبة بن عامر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: ((إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها)) [19].
• إسلام قرينه من الجن -صلى الله عليه وسلم-:
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن)) قالوا: وإياك يا رسول الله، قال: ((وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير))[20].
ما بين بيته ومنبره روضة من رياض الجنة -صلى الله عليه وسلم-:
عبد الله بن زيد أن النبي، -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) وعن أبى هريرة مثله، وزاد: ((ومنبري على حوضي)) [21].
أعطي انشقاق القمر -صلى الله عليه وسلم-:
(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر:1].
يرى من وراء ظهره -صلى الله عليه وسلم-:
عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال للناس: ((أحسنوا صلاتكم، فإني أراكم من خلفي، كما أراكم أمامي)) [22].
رؤيته في المنام حق -صلى الله عليه وسلم-:
عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي، ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))[23].
عرض الأنبياء مع أممهم عليه -صلى الله عليه وسلم-:
عن ابن عباس قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((عرضت على الأمم، فجعل النبي والنبيان يمرون ومعهم الرهط، والنبي ليس معه أحد حتى رفع لي سواد عظيم، قلت: ما هذا؟ أمتي هذه؟ قيل: بل هذا موسى وقومه، قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سواد يملأ الأفق، ثم قيل لي: انظر هاهنا وها هنا في آفاق السماء، فإذا سواد قد ملأ الأفق، قيل: هذه أمتك، ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفا بغير حساب)) ثم دخل ولم يبين لهم، فأفاض القوم، وقالوا: نحن الذين آمنا بالله، واتبعنا رسوله، فنحن هم أو أولادنا الذين ولدوا في الإسلام، وإنا ولدنا في الجاهلية، فبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم-، فخرج، فقال: ((هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون))، فقال عكاشة: أمنهم أنا يا رسول الله، قال: ((نعم)) فقام آخر، فقال: أمنهم أنا، قال: ((سبقك بها عكاشة)) [24].
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
ما أكرمه الله تعالى به في الآخرة:
وصفه بالشهادة -صلى الله عليه وسلم-:
(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) [النساء: 41].
كل الأنبياء تحت لوائه -صلى الله عليه وسلم- عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذٍ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر)).
إعطاؤه الوسيلة والفضيلة -صلى الله عليه وسلم-:
الوسيلة: أعلى منزلة في الجنة.
عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة)) [26].
إعطاؤه الكوثر -صلى الله عليه وسلم-:
وهو نهر في الجنة.
عن أنس -رضي الله عنه- قال: لما عرج بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء قال: ((أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوفاً فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر))[27].
إعطاؤه لواء الحمد - صلى الله عليه وسلم-:
عن أبي نضرة قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة، فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنه لم يكن نبي إلا له دعوة قد تنجزها في الدنيا، وإني قد اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر)) [28].
_____________
[1] أخرجه أحمد 3506 رواه مسلم. ح 4395.
[2] فتح القدير ج 6 ص 18.
[3] أخرجه مسلم 4223.
[4] أخرجه أحمد 3/ 31(11285) و3/ 33(11306\ و"البخاري" 3/ 158(2412) و"مسلم" 7/ 102(6231).
[5] شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 473).
[6] شرح السنة ـ للإمام البغوي متنا وشرحا (ج 13 / ص 207) صححه الألباني في مشكاة المصابيح (ج 3 ص 251).
[7] تفسير الألوسي - (ج 6 / ص 93).
[8] صحيح مسلم - (ج 12 / ص 58).
[9] صحيح مسلم - (ج 11 / ص 383).
[10] فيض القدير - (ج 3 / ص 54).
[11] أضواء البيان - (ج 4 / ص 319).
[12] أخرجه مسلم ح 4596.
[13] أخرجه أحمد (3/ 304) وعبد بن حميد (1145). والدارمي (1396). والبخاري (1/ 91و119 و(4. / 104). ومسلم (2/ 63). والنسائي (1/ 209و 2/ 56).
[14] أخرجه احمد ح 8969 ومسلم ح 812و الترمذي ح 1474.
[15] أخرجه أحمد (4/ 149) والبخاري (2/ 114) ومسلم (7/ 67) وأبو داود (3223). والنسائي (4/ 61).وأبو داود (3224).
[16] أخرجه احمد ح 3591 والدارمي ح 2785) ومسلم ح 5034 والترمذي ح 1092.
[17] أخرجه مالك ح واحمد ح والدارمي ح وابن حميد ح 308 والبخاري ح ومسلم ح.
[18] أخرجه أحمد 3/ 161(12674)، وعَبْد بن حُمَيْد (1251. المسند الجامع - (ج 2 / ص 175).
[19] أخرجه أحمد ح 3378.صحيح البخاري - (ج 1 / ص 189ح 107 ومسلم ح 4206.
[20] أخرجه أحمد ح 2321 والبخاري ح 5270 ومسلم ح 317.
[21] أخرجه أحمد ح 2415 والترمذي ج 10 / ص 422.
[22] أخرجه أحمد (3/ 354) والبخاري (1/ 159) وفى (6/ 108) وابن ماجة (722)، والترمذي (211) والنسائي (2/ 26) وابن خزيمة (420).
[23] أخرجه أحمد –ح 12084 البخاري ح 4582 والترمذي ح 3283.
[24] مسند أحمد - (ج 5 / ص 447رواه ابن سعد ( 1 / 20 ) و أخرجه الحاكم ( 2 / 604 - 605و أخرجه البخاري في " التاريخ " ( 4 / 1 / 400و الترمذي ( 4 / 140 ) وابن ماجة ( 2 / 581 - 582 ) وقال الترمذي: " حديث حسن ".
[25] أخرجه أحمد ح 2415 والترمذي ج 10 / ص 422.
[26] أخرجه أحمد (3/ 354) والبخاري (1/ 159) وفى (6/ 108) وابن ماجة (722)، والترمذي (211) والنسائي (2/ 26) وابن خزيمة (420).
[27] أخرجه أحمد –ح 12084 البخاري ح 4582 والترمذي ح 3283.
[28] مسند أحمد - (ج 5 / ص 447 رواه ابن سعد ( 1 / 20 ) وأخرجه الحاكم ( 2 / 604 - 605و أخرجه البخاري في "التاريخ" ( 4 / 1 / 400و الترمذي ( 4 / 140 ) وابن ماجة ( 2 / 581 - 582 ) وقال الترمذي: " حديث حسن".

Adsense Management by Losha