فريق منتدى الدي في دي العربي
05-09-2016, 02:41 PM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. .أما بعد،
فقد أمرنا الله تعالى بأداء الأمانة فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى? أَهْلِهَا} [سورة النساء: 58].
وحذرنا تبارك وتعالى من خيانتها فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27].
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خيانة الأمانة من صفات المنافقين فقال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» [متفق عليه].
وقال كعب بن زهير رضي الله عنه:
أرعى الأمانة لا أخونُ أمانتي *** إن الخؤون على الطريق الأنكب
• فلماذا كل هذا الاهتمام بالأمانة؟
إن الأمانة هي التي تقوم عليها الدنيا. فهل تتصور حياة بلا أمانة؟، فمن أراد تزويج ابنته حرص على أفضل الرجال، حفظا لهذه الأمانة. وإذا أراد الرجل اللبيب الزواج حرص على ذات الدين، التي يأمنها على عرضه وأولاده وبيته.
ولذلك كلما قلَت الأمانة فسدت الحياة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن زمان تقل فيه الأمانة حتى تندر فقال: «فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلا أمينا» [رواه البخاري].
وأخبر صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم عن فساد الدنيا عندما يذهب خيار الناس ويبقى شرارهم الذين فسدت عهودهم وأماناتهم فقال: «كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي يغربل الناس فيه غربلة، ثم تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم» [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
وهكذا كلما فسدت أمانات الناس فسدت الدنيا، حتى إذا ضيعت الأمانة لم تصلح الدنيا للحياة فتقوم الساعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الساعة: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» [رواه البخاري].
• أعظم الناس أمانة:
فلا عجب أن تكون الأمانة من أخص صفات الحاملين لأعظم أمانة، وهي أمانة التبليغ عن الله تبارك وتعالى؛ فالله يختار من خلقه أكثرهم أمانة على ذلك، فالوحي {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [سورة الشعراء: 193]، وهو أمين الوحي جبريل عليه السلام، والله يريد للناس الإيمان برسالاته فيبعث في أهل القرى الرجال الأمناء منهم، ففي سورة الشعراء يخبرنا الله عز وجل أن كل رسول مذكور فيها كنوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام، كل رسول منهم قد قال لقومه: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كان في قومه قبل الرسالة وبعدها مشهورا بينهم بأنه الأمين، وكان الناس يختارونه بسبب أمانته لحفظ ودائعهم عنده، ولما هاجر وكل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بِرَدِ الودائع والأمانات إلى أصحابها، فقد كان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس أمانة، وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة إلى الله أعظم الناس أمانة؛ لأنهم يحملون أعظم أمانة، وهي رسالة الله إلى عباده.
• أصل الأمانة:
والأمانة كما قال العلماء أصلها أمران:
الأول: أمانة في حقوق الله تبارك وتعالى وهي العبادات، وهي كل ما افترض الله على العباد، كالصلاة والزكاة والصيام والطهارة وغيرها من العبادات. وهي كذلك تشمل الانتهاء عن ما نهى الله عباده عن اقتحامه من المحرمات؛ فالبصر أمانة لا يجوز إطلاقه في محارم الله ، والسمع أمانة لا يسمع به ما حرم الله، والقلب أمانة لا يودع من العلم إلا ما يُرضي الله كما قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَ?ئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
هذه هي أمانة العبادات التي كلف الله عباده بحملها وأدائها، فمن أداها فله الكرامة، ومن قصر فيها استحق الغرامة!!
الثاني: أمانة في حقوق البشر وهي كذلك من أمر الله، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى? أَهْلِهَا} [سورة النساء: 58].
والأمانة في حقوق البشر كثيرة، منها:
1- الأمانة المالية: وهي الودائع التي تعطى للإنسان ليحفظها لأهلها، فمن لم يؤد الوديعة فإنه لم يؤد الأمانة ، وهو مسؤول عن ذلك. وكذلك حق الأجير أمانة لدى من استعمله عليه أداؤها، وهذه من أعظم الأمانات، فمن أكل حق خادم أو أنقص عاملا من أجرته فليسمع هذا الوعيد من العزيز المجيد: قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: «قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره» [رواه البخاري]. فليحذر الإنسان أن يكون الله ملك يوم الدين خصمه في ذلك اليوم، فمن استأجر أجيرا ولم يعطه حقه فإنه لم يؤد الأمانة.
2- أمانة الوظيفة: فمن استؤجر لأداء عمل فلا بد من أدائه على ما اشترط عليه؛ فالمسلمون على شروطهم إذا وافقت الشرع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والمسلمون على شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما» [رواه الترمذي وقال الألباني صحيح لغيره].
وقد أمر الله تعالى بالوفاء بأمانة العقود فقال تعالى في أول سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة: 1]، فمن وكل إليه عمل مقابل أجر أو راتب، فعليه بالوفاء وأداء ما وكل إليه كما ينبغي، وإلا فإنه لم يؤد الأمانة!!
3- أمانة الولاية: فكل من ولاه الله تبارك وتعالى أمرا من أمور المسلمين، فهذه أمانة وهو مسؤول عن أدائها: هل أقام شرع الله فيهم؟، هل حقق العدل بينهم؟، هل حفظ مال المسلمين؟، هل أمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر؟، هل وسد الأمر إلى أهله؟، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل الذي سأله عن الأمانة كيف إضاعتُها؟ قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله» [رواه البخاري].
بل إن أمانة رعاية ما استرعانا الله تشمل كثيرا من الناس، كالوزير في وزارته ، والرجل في أهله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته ، الإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته . قال : وحسبت أن قد قال : والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته ، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته» [رواه البخاري].
4- ومن الأمانة كذلك ما يكون بين الإنسان وصاحبه من الأمور الخاصة التي يجب ألا يطلع عليها أحدٌ من الناس؛ فلا يجوز لأحدهما أن يخبر به، وإلا فإنه مضيع للأمانة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم عد التفات الرجل إذا حدث أخاه أنه موجب لحفظ أمانة هذا الحديث، لأنه يدل على أن هذا الرجل يخشى أن يسمعه أحد!!، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة» [رواه أبو الترمذي وحسنه الألباني].
5- ومن الأمانة أيضا ما يكون بين الرجل وزوجته من الأشياء الخاصة؛ فالعلاقة الزوجية هي من أخص العلاقات الإنسانية، ويجري بين الزوجين من الأمور ما لا يجوز أن يطلع عليه أحد من الناس، فمن خان هذه الأمانة ونشر سرا مما يكون بينهما، فإنه من أشر الناس منزلة عند الله تعالى يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها} رواه مسلم. وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم أمانة بل من أعظم الأمانة كما في رواية عند الإمام مسلم كذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها». وليس من الرجولة أن يفشي الرجل سر امرأته كما يفعله بعض السفهاء، بل الرجولة في أداء الأمانة وحفظ الأسرار.
6- حفظ النعم التي أنعم الله علينا بها : فالمال أمانة، لا يصرف إلا في مصارفه الشرعية التي فيها مصلحة الدين والدنيا، وقد نهينا عن الإسراف والتبذير كما قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ? إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [سورة الأعراف: 31]. وقال في وصف عبادة المؤمنين: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَ?لِكَ قَوَامًا} [سورة الفرقان: 67]. والصحة أمانة، فلا يجوز توجيهها في المحرمات ولا المخاطرة بها وتعريض الجسم للتلف، بتعاطي أسباب ذلك من شرب للدخان، أو تعاطي المخدرات، أو قيادة السيارة بسرعة، أو غير ذلك من أسباب هدر أمانة الصحة. بل الواجب حفظ هذا الجسد الذي هو مطية الروح فهو أمانة.
ومن النعمة كذلك ما يسره الله تبارك وتعالى لنا من المرافق العامة، فالواجب المحافظة عليها وعدم إتلافها، فهذه الطرق والمباني العامة وأجهزة الخدمات العامة قد كلفت من أموال الدولة الكثير فهلا حافظنا على هذه الأمانة وعلمنا أولادنا ذلك، لتبقى لنا ولغيرنا؟ فإنها أمانة!!
7- نعمة الأمن: الأمن الذي نعيش فيه، وحرمه الكثيرون غيرنا، ألم يمكن الله لنا بلدا آمنا ويتخطف الناس من حولنا؟
فهلا عرفنا لهذه الأمانة والنعمة قدرها فحافظنا عليها؟، هلا حافظنا عليها بالشكر لله قولا باللسان وعملا بالجوارح والأركان، وبطاعة الله ونبذ الشرك والعصيان، وطاعة ولي الأمر فيما يرضي الله، فالأمن أمانة عظيمة، ونعمة جسيمة لا يعرف قدرها إلا عند فقدها!!، نسأل الله العافية.
وبالجملة فكل ما أنعم الله به علينا من النعم فنحن مسؤولون عنها يوم القيامة، هل حافظنا عليها؟، هل قمنا بواجب شكرها قولا وعملا؟، {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [سورة التكاثر: 8].
لقد أمننا الله تبارك وتعالى من أن يظلمنا فقال: {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [سورة ق: 29]، وحملنا هذه الأمانة، فهلا اتقينا الله فيها؟، فإن في طاعة الله وأداء حقوقه وحقوق عباده كل خير في الدنيا والآخرة.
إن الأمانة خطرها عظيم فقد عُرضت على السماوات والأرض والجبال فأشفقن منها! عرضها الله تبارك وتعالى عليها كما قال في آخر سورة الأحزاب: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ? إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [سورة الأحزاب: 72].
فمن لم يؤد الأمانة كان له من هذا الوصف -وصف الظلم والجهل- بحسبه، ومن قام بالأمانة فقد انتفى عنه هذا الوصف بإذن الله.
فنسأل الله العظيم أن يوفقنا لأداء كل ما ائتمننا عليه سبحانه، وأن يحفظ علينا أمننا وأعراضنا وأموالنا وكل ما أنعم به علينا، وأن يعيننا على شكره وحسن عبادته، وأن يرحم والدينا كما ربونا صغارا، ويغفر لمشايخنا وعلمائنا وأرحامنا والمسلمين، إنه خير مسؤول، والحمد لله رب العالمين.
فقد أمرنا الله تعالى بأداء الأمانة فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى? أَهْلِهَا} [سورة النساء: 58].
وحذرنا تبارك وتعالى من خيانتها فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27].
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خيانة الأمانة من صفات المنافقين فقال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» [متفق عليه].
وقال كعب بن زهير رضي الله عنه:
أرعى الأمانة لا أخونُ أمانتي *** إن الخؤون على الطريق الأنكب
• فلماذا كل هذا الاهتمام بالأمانة؟
إن الأمانة هي التي تقوم عليها الدنيا. فهل تتصور حياة بلا أمانة؟، فمن أراد تزويج ابنته حرص على أفضل الرجال، حفظا لهذه الأمانة. وإذا أراد الرجل اللبيب الزواج حرص على ذات الدين، التي يأمنها على عرضه وأولاده وبيته.
ولذلك كلما قلَت الأمانة فسدت الحياة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن زمان تقل فيه الأمانة حتى تندر فقال: «فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلا أمينا» [رواه البخاري].
وأخبر صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم عن فساد الدنيا عندما يذهب خيار الناس ويبقى شرارهم الذين فسدت عهودهم وأماناتهم فقال: «كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي يغربل الناس فيه غربلة، ثم تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم» [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
وهكذا كلما فسدت أمانات الناس فسدت الدنيا، حتى إذا ضيعت الأمانة لم تصلح الدنيا للحياة فتقوم الساعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الساعة: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» [رواه البخاري].
• أعظم الناس أمانة:
فلا عجب أن تكون الأمانة من أخص صفات الحاملين لأعظم أمانة، وهي أمانة التبليغ عن الله تبارك وتعالى؛ فالله يختار من خلقه أكثرهم أمانة على ذلك، فالوحي {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [سورة الشعراء: 193]، وهو أمين الوحي جبريل عليه السلام، والله يريد للناس الإيمان برسالاته فيبعث في أهل القرى الرجال الأمناء منهم، ففي سورة الشعراء يخبرنا الله عز وجل أن كل رسول مذكور فيها كنوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام، كل رسول منهم قد قال لقومه: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كان في قومه قبل الرسالة وبعدها مشهورا بينهم بأنه الأمين، وكان الناس يختارونه بسبب أمانته لحفظ ودائعهم عنده، ولما هاجر وكل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بِرَدِ الودائع والأمانات إلى أصحابها، فقد كان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس أمانة، وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة إلى الله أعظم الناس أمانة؛ لأنهم يحملون أعظم أمانة، وهي رسالة الله إلى عباده.
• أصل الأمانة:
والأمانة كما قال العلماء أصلها أمران:
الأول: أمانة في حقوق الله تبارك وتعالى وهي العبادات، وهي كل ما افترض الله على العباد، كالصلاة والزكاة والصيام والطهارة وغيرها من العبادات. وهي كذلك تشمل الانتهاء عن ما نهى الله عباده عن اقتحامه من المحرمات؛ فالبصر أمانة لا يجوز إطلاقه في محارم الله ، والسمع أمانة لا يسمع به ما حرم الله، والقلب أمانة لا يودع من العلم إلا ما يُرضي الله كما قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَ?ئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
هذه هي أمانة العبادات التي كلف الله عباده بحملها وأدائها، فمن أداها فله الكرامة، ومن قصر فيها استحق الغرامة!!
الثاني: أمانة في حقوق البشر وهي كذلك من أمر الله، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى? أَهْلِهَا} [سورة النساء: 58].
والأمانة في حقوق البشر كثيرة، منها:
1- الأمانة المالية: وهي الودائع التي تعطى للإنسان ليحفظها لأهلها، فمن لم يؤد الوديعة فإنه لم يؤد الأمانة ، وهو مسؤول عن ذلك. وكذلك حق الأجير أمانة لدى من استعمله عليه أداؤها، وهذه من أعظم الأمانات، فمن أكل حق خادم أو أنقص عاملا من أجرته فليسمع هذا الوعيد من العزيز المجيد: قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: «قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره» [رواه البخاري]. فليحذر الإنسان أن يكون الله ملك يوم الدين خصمه في ذلك اليوم، فمن استأجر أجيرا ولم يعطه حقه فإنه لم يؤد الأمانة.
2- أمانة الوظيفة: فمن استؤجر لأداء عمل فلا بد من أدائه على ما اشترط عليه؛ فالمسلمون على شروطهم إذا وافقت الشرع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والمسلمون على شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما» [رواه الترمذي وقال الألباني صحيح لغيره].
وقد أمر الله تعالى بالوفاء بأمانة العقود فقال تعالى في أول سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة: 1]، فمن وكل إليه عمل مقابل أجر أو راتب، فعليه بالوفاء وأداء ما وكل إليه كما ينبغي، وإلا فإنه لم يؤد الأمانة!!
3- أمانة الولاية: فكل من ولاه الله تبارك وتعالى أمرا من أمور المسلمين، فهذه أمانة وهو مسؤول عن أدائها: هل أقام شرع الله فيهم؟، هل حقق العدل بينهم؟، هل حفظ مال المسلمين؟، هل أمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر؟، هل وسد الأمر إلى أهله؟، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل الذي سأله عن الأمانة كيف إضاعتُها؟ قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله» [رواه البخاري].
بل إن أمانة رعاية ما استرعانا الله تشمل كثيرا من الناس، كالوزير في وزارته ، والرجل في أهله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته ، الإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته . قال : وحسبت أن قد قال : والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته ، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته» [رواه البخاري].
4- ومن الأمانة كذلك ما يكون بين الإنسان وصاحبه من الأمور الخاصة التي يجب ألا يطلع عليها أحدٌ من الناس؛ فلا يجوز لأحدهما أن يخبر به، وإلا فإنه مضيع للأمانة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم عد التفات الرجل إذا حدث أخاه أنه موجب لحفظ أمانة هذا الحديث، لأنه يدل على أن هذا الرجل يخشى أن يسمعه أحد!!، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة» [رواه أبو الترمذي وحسنه الألباني].
5- ومن الأمانة أيضا ما يكون بين الرجل وزوجته من الأشياء الخاصة؛ فالعلاقة الزوجية هي من أخص العلاقات الإنسانية، ويجري بين الزوجين من الأمور ما لا يجوز أن يطلع عليه أحد من الناس، فمن خان هذه الأمانة ونشر سرا مما يكون بينهما، فإنه من أشر الناس منزلة عند الله تعالى يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها} رواه مسلم. وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم أمانة بل من أعظم الأمانة كما في رواية عند الإمام مسلم كذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها». وليس من الرجولة أن يفشي الرجل سر امرأته كما يفعله بعض السفهاء، بل الرجولة في أداء الأمانة وحفظ الأسرار.
6- حفظ النعم التي أنعم الله علينا بها : فالمال أمانة، لا يصرف إلا في مصارفه الشرعية التي فيها مصلحة الدين والدنيا، وقد نهينا عن الإسراف والتبذير كما قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ? إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [سورة الأعراف: 31]. وقال في وصف عبادة المؤمنين: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَ?لِكَ قَوَامًا} [سورة الفرقان: 67]. والصحة أمانة، فلا يجوز توجيهها في المحرمات ولا المخاطرة بها وتعريض الجسم للتلف، بتعاطي أسباب ذلك من شرب للدخان، أو تعاطي المخدرات، أو قيادة السيارة بسرعة، أو غير ذلك من أسباب هدر أمانة الصحة. بل الواجب حفظ هذا الجسد الذي هو مطية الروح فهو أمانة.
ومن النعمة كذلك ما يسره الله تبارك وتعالى لنا من المرافق العامة، فالواجب المحافظة عليها وعدم إتلافها، فهذه الطرق والمباني العامة وأجهزة الخدمات العامة قد كلفت من أموال الدولة الكثير فهلا حافظنا على هذه الأمانة وعلمنا أولادنا ذلك، لتبقى لنا ولغيرنا؟ فإنها أمانة!!
7- نعمة الأمن: الأمن الذي نعيش فيه، وحرمه الكثيرون غيرنا، ألم يمكن الله لنا بلدا آمنا ويتخطف الناس من حولنا؟
فهلا عرفنا لهذه الأمانة والنعمة قدرها فحافظنا عليها؟، هلا حافظنا عليها بالشكر لله قولا باللسان وعملا بالجوارح والأركان، وبطاعة الله ونبذ الشرك والعصيان، وطاعة ولي الأمر فيما يرضي الله، فالأمن أمانة عظيمة، ونعمة جسيمة لا يعرف قدرها إلا عند فقدها!!، نسأل الله العافية.
وبالجملة فكل ما أنعم الله به علينا من النعم فنحن مسؤولون عنها يوم القيامة، هل حافظنا عليها؟، هل قمنا بواجب شكرها قولا وعملا؟، {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [سورة التكاثر: 8].
لقد أمننا الله تبارك وتعالى من أن يظلمنا فقال: {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [سورة ق: 29]، وحملنا هذه الأمانة، فهلا اتقينا الله فيها؟، فإن في طاعة الله وأداء حقوقه وحقوق عباده كل خير في الدنيا والآخرة.
إن الأمانة خطرها عظيم فقد عُرضت على السماوات والأرض والجبال فأشفقن منها! عرضها الله تبارك وتعالى عليها كما قال في آخر سورة الأحزاب: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ? إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [سورة الأحزاب: 72].
فمن لم يؤد الأمانة كان له من هذا الوصف -وصف الظلم والجهل- بحسبه، ومن قام بالأمانة فقد انتفى عنه هذا الوصف بإذن الله.
فنسأل الله العظيم أن يوفقنا لأداء كل ما ائتمننا عليه سبحانه، وأن يحفظ علينا أمننا وأعراضنا وأموالنا وكل ما أنعم به علينا، وأن يعيننا على شكره وحسن عبادته، وأن يرحم والدينا كما ربونا صغارا، ويغفر لمشايخنا وعلمائنا وأرحامنا والمسلمين، إنه خير مسؤول، والحمد لله رب العالمين.