فريق منتدى الدي في دي العربي
05-09-2016, 02:41 PM
النجاة من النار... الفوز بالجنة
بسم الله الرحيم الرحيم
الحمدلله غافر الذنب وقابل التوب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين وصحبه الكرام البررة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...
أما بعد:
قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
وقال عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].
أخي القارئ: كلنا ذوو أخطاء وكلنا بحاجة ماسة إلى مغفرة الذنوب والمعاصي التي نقترفها بالليل والنهار، ومن رحمة الله بنا أن هيأ لنا أسباباً كثيرة وكثيرة جداً للمغفرة، ما أخذ بها المسلم إلا عمه الله تعالى بمغفرته ورحمته، إلا أنه سبحانه قد اشترط الإيمان والبراءة من الشرك حتى تترتب الآثار على هذه الأسباب لأن الكفر والشرك مانعان من الغفران.
قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} [النساء: 116].
أسباب مغفرة الذنوب:
وإليك أخي الحبيب بعضاً من الأسباب التي جعلها الله موجبة لمغفرة الذنوب والخطايا حتى تدفع عن نفسك اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى وتسارع إلى مغفرة الله ورضوانه: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
1-الإسلام: قال الله تعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} [الأنفال: 38].
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله» [رواه مسلم].
2-الهجرة في سبيل الله: وهي الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 110].
وحديث عمرو بن العاص المتقدم وفيه «وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها» [رواه مسلم].
3-الحج المبرور: عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «..وأن الحج يهدم ما كان قبله» [رواه مسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» [رواه البخاري].
4-الذكر عند سماع الأذان: عن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا، غفر له ذنبه» [رواه مسلم].
5-من وافق تأمينه تأمين الملائكة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم].
6-من وافق قوله: (سمع الله لمن حمده) قول الملائكة، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري].
7-صلاة ركعتين لا سهو فيهما: لقوله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن وضوءه ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه أبو داود، حسنه الألباني].
8-مسح الحجر الأسود والركن اليماني: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً» [صححه الألباني].
9-الاجتماع على ذكر الله: عن سهل بن الحنظلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمع قوم، على ذكر فتفرقوا عنه إلا قيل لهم: قوموا مغفورا لكم» [صححه الألباني].
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما جلس قوم يذكرون الله تعالى، إلا ناداهم مناد من السماء: قوموا مغفورا لكم» [صححه الألباني].
10-مرض الإنسان: عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا مرض أوحى الله إلى ملائكته: يا ملائكتي أنا قيدت عبدي بقيد من قيودي، فإن أقبضه أغفر له، وإن أعافه فحينئذ يقعد و لا ذنب له» [صححه الألباني].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتكى المؤمن أخلصه من الذنوب، كما يخلص الكير خبث الحديد» [صححه الألباني].
أسباب دفع العقوبات:
أخي الحبيب...
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن المؤمن إذا فعل سيئة، فإن عقوبتها تندفع بنحو عشرة أسباب:
أحدها: أن يتوب توبة نصوحاً، ليتوب الله عليه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
الثاني: أن يستغفر الله، فيغفر الله تعالى له.
الثالث: أن يعمل حسنات يمحو بها تلك السيئة لقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ} [هود: 114].
الرابع: أن يدعو له إخوانه المؤمنون، ويشفعوا له حياً وميتاً.
الخامس: أن يهدي له إخوانه المؤمنون من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به.
السادس: أن يشفع فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
السابع: أن يبتليه الله في الدنيا بمصائب في نفسه، وماله، وأولاده، وأقاربه، ومن يحب، ونحو ذلك.
الثامن: أن يبتليه في البرزخ بالفتتنة والضغطة وهي عصر القبر، فيكفر بها عنه.
التاسع: أن يبتليه الله في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه.
العاشر: أن يرحمه أرحم الراحمين.
فمن أخطائه هذه العشرة فلا يلومن إلا نفسه، كما قال تعالى في الحديث الإلهي: «إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» [رواه مسلم].
أسباب النجاة من النار:
فكما جعل الله سبحانه وتعالى أسباباً للمغفرة والعفو والرضوان، جعل أيضاً أعمالاً تنجي صاحبها من النار {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185].
فإليك أخي الحبيب بعضاً من هذه الأعمال:
1-من مات له ثلاثة من الولد وصبر: عن وائلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دفن ثلاثة من الولد حرم الله عليه النار» [صححه الألباني].
2-من عال ثلاث بنات أو أخوات وأحسن إليهن:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، فيحسن إليهن إلا كن له سترا من النار» [صححه الألباني].
3-الذب والدفاع عن عرض المؤمن وهو غائب: عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من ذب عن عرض أخيه بالغيبة، كان حقا على الله أن يعتقه من النار» [صححه الألباني].
4-من صلى أربعين يوماً في جماعة يدرك التبكيرة الأولى: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق» [حسنه الألباني].
5-حسن الخلق: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان سهلاً ليناً، حرمه الله على النار» [صححه الألباني].
6-المحافظة على صلاة الفجر والعصر: عن عمارة بن روبية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» [رواه مسلم].
7-غبار الجهاد: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما خالط قلب امرئ رهج في سبيل الله؛ إلا حرم الله عليه النار» [صححه الألباني]، والرهج هو: الغبار
موجبات الجنة:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} [الكهف: 107].
{جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} [مريم: 61].
1-التلفظ بالشهاتين مع العمل بمقتضاهما:
عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء»، وفي رواية : «لأدخله الله الجنة على ما كان من عمل ولم يذكر».
2-إحصاء أسماء الله الحسنى: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة» [رواه البخاري ومسلم].
والإحصاء معناه: الإيمان بها وحفظها والعمل بمقتضاها.
3-قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة: عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت» [صححه الألباني].
4-قراءة سورة تبارك: عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سورة من القرآن ما هي إلا ثلاثون آية، خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة وهي تبارك» [حسنه الألباني].
5-الصدقة: عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة» [صححه الألباني].
6-كفالة اليتيم: عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا و أشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما» [صححه الألباني].
7-ترك سؤال الناس شيئاً: عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «من يكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا وأتكفل له بالجنة» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
فقلت: فكان لا يسأل أحداً شيئاً.
8-حفظ اللسان والفرج عن المحارم: عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه أضمن له الجنة» [صححه الألباني].
9-الصبر على فقد الأحباب من الأولاد وغيرهم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة» [صححه الألباني].
والصفي: هو الحبيب المصافي كالولد والأخ وكل من يحبه الإنسان.
10-طاعة المرأة لزوجها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت» [صححه الألباني].
11-المرأة تموت في نفاسها: عن راشد بن حبيش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القتل في سبيل الله عز وجل شهادة، والطاعون شهادة، والغرق شهادة، والبطن شهادة، والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة» [قال الألباني حسن صحيح].
12-البراءة من الكبر والغلول والدين: عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو بريء من الكبر والغلول والدين دخل الجنة» [صححه الألباني].
13-صاحب السلطان المقسط والرجل الرحيم رقيق القلب والعفيف المتعفف ذو العيال: عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال» [صححه الألباني].
14-رحمة الحيوان: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «دنا رجل إلى بئر، فنزل فشرب منها، وعلى البئر كلب يلهث، فرحمه، فنزع أحد خفيه فسقاه؛ فشكر الله له، فأدخله الجنة» [قال الألباني حسن صحيح].
15-إماطة الأذى عن الطريق: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس» [صححه الألباني].
16-التجاوز عن المعسر: عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن رجلا مات فدخل الجنة، فقيل له: ما كنت تعمل؟ (قال فإما ذكر وإما ذكر)، فقال: "إني كنت أبايع الناس، فكنت أنظر المعسر وأتجوز في السكة أو في النقد، فغفر له» [رواه مسلم].
والتجوز معناه: المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء وقبول ما فيه نقص يسير.
17-من سأل الله الجنة ثلاثاً واستجار من النار ثلاثاً: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار: اللهم أجره من النار» [رواه النسائي وصححه الألباني].
أسباب أخرى للنجاة:
1-الوضوء بعد الحدث وصلاة ركعتين بعد هذا الوضوء: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال رضي الله عنه: «"يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة؟"، قال: "ما عملت عملا أرجى عندي: أني لم أتطهر طهورا، في ساعة ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي"» [رواه البخاري].
2-صوم يوم عرفة وعاشوراء: عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ماضية ومستقبلة، وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية» [صححه الألباني].
3-من أقال مسلماً: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أقال مسلما أقاله الله عثرته يوم القيامة» [صححه الألباني].
أقال: وافقه على نقض البيع وأجابه إليه.
نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ذنوبناً ويقبل عثراتنا وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحيم الرحيم
الحمدلله غافر الذنب وقابل التوب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين وصحبه الكرام البررة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...
أما بعد:
قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
وقال عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].
أخي القارئ: كلنا ذوو أخطاء وكلنا بحاجة ماسة إلى مغفرة الذنوب والمعاصي التي نقترفها بالليل والنهار، ومن رحمة الله بنا أن هيأ لنا أسباباً كثيرة وكثيرة جداً للمغفرة، ما أخذ بها المسلم إلا عمه الله تعالى بمغفرته ورحمته، إلا أنه سبحانه قد اشترط الإيمان والبراءة من الشرك حتى تترتب الآثار على هذه الأسباب لأن الكفر والشرك مانعان من الغفران.
قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} [النساء: 116].
أسباب مغفرة الذنوب:
وإليك أخي الحبيب بعضاً من الأسباب التي جعلها الله موجبة لمغفرة الذنوب والخطايا حتى تدفع عن نفسك اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى وتسارع إلى مغفرة الله ورضوانه: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
1-الإسلام: قال الله تعالى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ} [الأنفال: 38].
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله» [رواه مسلم].
2-الهجرة في سبيل الله: وهي الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 110].
وحديث عمرو بن العاص المتقدم وفيه «وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها» [رواه مسلم].
3-الحج المبرور: عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «..وأن الحج يهدم ما كان قبله» [رواه مسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» [رواه البخاري].
4-الذكر عند سماع الأذان: عن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا، غفر له ذنبه» [رواه مسلم].
5-من وافق تأمينه تأمين الملائكة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم].
6-من وافق قوله: (سمع الله لمن حمده) قول الملائكة، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري].
7-صلاة ركعتين لا سهو فيهما: لقوله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن وضوءه ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه أبو داود، حسنه الألباني].
8-مسح الحجر الأسود والركن اليماني: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً» [صححه الألباني].
9-الاجتماع على ذكر الله: عن سهل بن الحنظلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمع قوم، على ذكر فتفرقوا عنه إلا قيل لهم: قوموا مغفورا لكم» [صححه الألباني].
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما جلس قوم يذكرون الله تعالى، إلا ناداهم مناد من السماء: قوموا مغفورا لكم» [صححه الألباني].
10-مرض الإنسان: عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا مرض أوحى الله إلى ملائكته: يا ملائكتي أنا قيدت عبدي بقيد من قيودي، فإن أقبضه أغفر له، وإن أعافه فحينئذ يقعد و لا ذنب له» [صححه الألباني].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتكى المؤمن أخلصه من الذنوب، كما يخلص الكير خبث الحديد» [صححه الألباني].
أسباب دفع العقوبات:
أخي الحبيب...
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن المؤمن إذا فعل سيئة، فإن عقوبتها تندفع بنحو عشرة أسباب:
أحدها: أن يتوب توبة نصوحاً، ليتوب الله عليه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
الثاني: أن يستغفر الله، فيغفر الله تعالى له.
الثالث: أن يعمل حسنات يمحو بها تلك السيئة لقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ} [هود: 114].
الرابع: أن يدعو له إخوانه المؤمنون، ويشفعوا له حياً وميتاً.
الخامس: أن يهدي له إخوانه المؤمنون من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به.
السادس: أن يشفع فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
السابع: أن يبتليه الله في الدنيا بمصائب في نفسه، وماله، وأولاده، وأقاربه، ومن يحب، ونحو ذلك.
الثامن: أن يبتليه في البرزخ بالفتتنة والضغطة وهي عصر القبر، فيكفر بها عنه.
التاسع: أن يبتليه الله في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه.
العاشر: أن يرحمه أرحم الراحمين.
فمن أخطائه هذه العشرة فلا يلومن إلا نفسه، كما قال تعالى في الحديث الإلهي: «إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» [رواه مسلم].
أسباب النجاة من النار:
فكما جعل الله سبحانه وتعالى أسباباً للمغفرة والعفو والرضوان، جعل أيضاً أعمالاً تنجي صاحبها من النار {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران: 185].
فإليك أخي الحبيب بعضاً من هذه الأعمال:
1-من مات له ثلاثة من الولد وصبر: عن وائلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دفن ثلاثة من الولد حرم الله عليه النار» [صححه الألباني].
2-من عال ثلاث بنات أو أخوات وأحسن إليهن:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، فيحسن إليهن إلا كن له سترا من النار» [صححه الألباني].
3-الذب والدفاع عن عرض المؤمن وهو غائب: عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من ذب عن عرض أخيه بالغيبة، كان حقا على الله أن يعتقه من النار» [صححه الألباني].
4-من صلى أربعين يوماً في جماعة يدرك التبكيرة الأولى: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق» [حسنه الألباني].
5-حسن الخلق: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان سهلاً ليناً، حرمه الله على النار» [صححه الألباني].
6-المحافظة على صلاة الفجر والعصر: عن عمارة بن روبية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» [رواه مسلم].
7-غبار الجهاد: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما خالط قلب امرئ رهج في سبيل الله؛ إلا حرم الله عليه النار» [صححه الألباني]، والرهج هو: الغبار
موجبات الجنة:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} [الكهف: 107].
{جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} [مريم: 61].
1-التلفظ بالشهاتين مع العمل بمقتضاهما:
عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء»، وفي رواية : «لأدخله الله الجنة على ما كان من عمل ولم يذكر».
2-إحصاء أسماء الله الحسنى: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة» [رواه البخاري ومسلم].
والإحصاء معناه: الإيمان بها وحفظها والعمل بمقتضاها.
3-قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة: عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت» [صححه الألباني].
4-قراءة سورة تبارك: عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سورة من القرآن ما هي إلا ثلاثون آية، خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة وهي تبارك» [حسنه الألباني].
5-الصدقة: عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة» [صححه الألباني].
6-كفالة اليتيم: عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا و أشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما» [صححه الألباني].
7-ترك سؤال الناس شيئاً: عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «من يكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا وأتكفل له بالجنة» [رواه أبو داود وصححه الألباني].
فقلت: فكان لا يسأل أحداً شيئاً.
8-حفظ اللسان والفرج عن المحارم: عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه أضمن له الجنة» [صححه الألباني].
9-الصبر على فقد الأحباب من الأولاد وغيرهم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة» [صححه الألباني].
والصفي: هو الحبيب المصافي كالولد والأخ وكل من يحبه الإنسان.
10-طاعة المرأة لزوجها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت» [صححه الألباني].
11-المرأة تموت في نفاسها: عن راشد بن حبيش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القتل في سبيل الله عز وجل شهادة، والطاعون شهادة، والغرق شهادة، والبطن شهادة، والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة» [قال الألباني حسن صحيح].
12-البراءة من الكبر والغلول والدين: عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو بريء من الكبر والغلول والدين دخل الجنة» [صححه الألباني].
13-صاحب السلطان المقسط والرجل الرحيم رقيق القلب والعفيف المتعفف ذو العيال: عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال» [صححه الألباني].
14-رحمة الحيوان: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «دنا رجل إلى بئر، فنزل فشرب منها، وعلى البئر كلب يلهث، فرحمه، فنزع أحد خفيه فسقاه؛ فشكر الله له، فأدخله الجنة» [قال الألباني حسن صحيح].
15-إماطة الأذى عن الطريق: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس» [صححه الألباني].
16-التجاوز عن المعسر: عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن رجلا مات فدخل الجنة، فقيل له: ما كنت تعمل؟ (قال فإما ذكر وإما ذكر)، فقال: "إني كنت أبايع الناس، فكنت أنظر المعسر وأتجوز في السكة أو في النقد، فغفر له» [رواه مسلم].
والتجوز معناه: المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء وقبول ما فيه نقص يسير.
17-من سأل الله الجنة ثلاثاً واستجار من النار ثلاثاً: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار: اللهم أجره من النار» [رواه النسائي وصححه الألباني].
أسباب أخرى للنجاة:
1-الوضوء بعد الحدث وصلاة ركعتين بعد هذا الوضوء: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال رضي الله عنه: «"يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة؟"، قال: "ما عملت عملا أرجى عندي: أني لم أتطهر طهورا، في ساعة ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي"» [رواه البخاري].
2-صوم يوم عرفة وعاشوراء: عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ماضية ومستقبلة، وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية» [صححه الألباني].
3-من أقال مسلماً: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أقال مسلما أقاله الله عثرته يوم القيامة» [صححه الألباني].
أقال: وافقه على نقض البيع وأجابه إليه.
نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ذنوبناً ويقبل عثراتنا وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.