مشاهدة النسخة كاملة : من أسباب تآليف الكتب اللغوية


فريق منتدى الدي في دي العربي
05-10-2016, 02:17 PM
من أسباب تآليف الكتب اللغوية
(1)
في 06-22-2009, 02:30 pm - كتبت موضوعا في منتديات كثيرة عنونته بـ"من أسباب تآليف الكتب اللغوية"، وكانت فكرته تتغيا نشر ثقافة قراءة مقدمات الكتب اللغوية لاستخراج سبب إقدام العلماء على تأليف كتبهم. وكانت المشاركة الأولى فيه هي: (فكرة لو تفاعلنا حولها تفاعلا متميزا لحصلنا معارف متميزة، فهل ...؟). واستحسن المهتمون والمعنيون الفكرة، وبدأ الهطول.
وبقي الموضوع وقته، ثم جاءت موضوعات أخر، ومر الزمن. وقبل شهر فؤجئت برسالة من أحد الأصدقاء يذكرني فيها به بعد كل هذه السنوات؛ فقد كان يبحث وخرج له الموضوع نتيجة أولى من نتائج البحث، وأفاده. فعدت إليه، وقرأته، ووجدت الفكرة على تألقها، فعزمت على إعادة نشره بعد إضافة أسباب التأليف التي حددها أجدادنا العظماء وذكروها؛ فقد ذكر الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه "حلية طالب العلم" ص69 من الفصل السابع المعنون بـ"المحاذير" في هامش مصدر معلومة "مقاصد التأليف"- أن (أول من ذكرها ابن حزم في "نقط العروس").
وقد جمعها أحدهم في أبياتٍ نظما:
ألا فاعلمن أن التآليف سبعة ** لكل لبيب في النصيحة خالص
فشرح لإغلاق وتصحيح مخطئ** وإبداع حبر مقدم غير ناكص
وترتيب منثور وجمع مفرق ** وتقصير تطويل وتتميم ناقص
ونظمها آخرون في أبيات أُخر.
وقد شرحت هذه المقاصد: [ينبغِي ألا يخلُوَ التَّصنيفُ من أَحد المعاني الثّمانية الّتي تُصنِّف لها العلماءُ، وهي:
أولا: «اختراعُ معـدوم» أَي: لم تُسبَق إليه فيما تعلم وتعتقد.
ثانيا: «جَمِـعُ مُفتَـرقٍ» أي: مسأَلة مُشتّتة وَأَدلَّتُها في بطون الكُتب تَجمعها في كتاب واحد.
ثالثا: «تكميـلُ ناقـصٍ» أَي: أنَّ الموضوع لم يكتمل فيه جانب من الجوانب فتُكمِلُه أَنتَ.
رابعا: «تفصيـلُ مجمـلٍ» أي: أَنَّك تفصِّل المسأَلةَ شيئاً فشيئاً حتّى يذهبَ تراكم المعاني ويتضّح المراد.
خامسا: «تهـذيبُ مطـوَّلٍ» أي: أَنّك تلجأُ إلى الاختصار دون الإخلاَل.
سادسا:«ترتيـبُ مُخلَّـطٍ» أي: أَنّك تقدِّمُ وتؤَخّر في ترتيب المادّة أوِ الموضوع.
سابعا: «تعيـينُ مبهـمٍ » أي: أنّك تعيّن وجود موضع خفيّ في مسأَلة أو نقطة أو نكتة لتظهرها وتجلّي أمرها.
ثامنا: «تبيـينُ خطـإٍ» أي: أَنّك تصحّح خطأَ الغَير إذا أَيقنت صواب ما أَنت عليه].
(2)
وهذه جولة في معرفة أسباب تآليف بعض الكتب اللغوية:
أ- كتاب سيبويه
قال: وسمعت نصراً يحكي عن أبيه قال : قال لي سيبويه حين أراد أن يضع كتابه: تعال حتى نتعاونَ على إحياء علم الخليل .
ب- كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف" لابن الأنباري
قال: وبعد، فإن جماعة من الفقهاء المتأدبين والأدباء المتفقهين المشتغلين علي ... سألوني أن ألخص لهم كتابا لطيفا يشتمل على مشاهير المسائل الخلافية بين نحويي البصرة والكوفة على ترتيب المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة؛ ليكون أول كتاب صنف في علم العربية على هذا الترتيب، وألف على هذا الأسلوب؛ لأنه لم يصنف عليه أحد من السلف ولا ألف عليه أحد من الخلف.
ج- "الإغراب في جدل الإعراب" لابن الأنباري
قال: فإن جماعة من الأصحاب اقتضوني بعد تلخيص كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف" تلخيص كتاب في جدل الإعراب معرى عن الإسهاب، مجرد عن الإطناب؛ ليكون أول ما صنف لهذه الصناعة في قوانين الجدل والآداب؛ ليسلكوا به عند المجادلة والمحاولة والمناظرة سبيل الحق والصواب، ويتأدبوا به عند المحاورة والمذاكرة عن المناكرة والمضاجرة في الخطاب- فأجبتهم على وفق طلبيتهم طلبا للثواب، وفصلته اثني عشر فصلا على غاية من الاختصار تقريبا على الطلاب؛ فالله تعالى ينفع به إنه كريم وهاب.
د- "فيض نشر الانشراح من روض طي الاقتراح" لابن الطيب
وبعد، فهذه غرر فوائد ودرر فرائد كنت وشيت بها هوامش كتاب "الاقتراح في أصول النحو"، وألحقت ما أغفله الجلال فيه مما نحا على ذلك النحو، وضبطت ألفاظا تركها غفلا. وصيرت مطالعته بسبب ذلك فرضا بعد أن كانت نفلا. ثم بدا لي أن أحرر ذلك في مصنف على جهة الاستقلال، وأضم إليه ما يفتح الله به من الفوائد العارية عن الإحلال والإملال خوفا عليها من الإضاعة والإبادة، وحرصا على تكثير الإفادة. فاستخرت الله، واستخرجت من أصدافه جواهره، وأدنيت للقاطفين من رياضه أزاهره، وقصدت بالشرح غوامضه، ولم أبلغ وامضه فتركت ظواهره لكثرة ما غال من الأشغال التي تحول بين المرء وقلبه وتزاحم الأهوال وتغير الأحوال التي لا يعرف فيها القشر من قلبه، والعذر وجهه بين لمن تحلى بالإنصاف، ومن تعسف فحسبه ما اختاره من قبيح الأوصاف. وقد سميته "فيض نشر الانشراح من روض طي الاقتراح". والله أسأل أن ينفع به كما نفع بأصوله، ويجعل العناية والكفاية ضمن أبوابه وفصوله، آمين!
هـ - "الاقتراح في أصول النحو" للسيوطي
... وبعد، فهذا كتاب غريب الوضع عجيب الصنع، لطيف المعنى ظريف المبنى، لم تسمح قريحة بمثاله ولم ينسج ناسج على منواله. في علم لم أسبق إلى ترتيبه، ولم أتقدم إلى تهذيبه. وهو أصول النحو الذي هو بالنسبة إلى النحو كأصول الفقه بالنسبة إلى الفقه. وإن وقع في متفرقات كلام بعض المؤلفين، وتشتت في أثناء كتب المصنفين- فجمعه وترتيبه صنع مخترع، وتأصيله وتبويبه وضع مبتدع؛ لأبرز في كل حين للطالبين ما تبتهج به أنفس الراغبين. وقد سميته بـ"الاقتراح في علم أصول النحو"، ورتبته على مقدمات وسبعة كتب.
و- "أهدى سبيل إلى علمي الخليل" لمحمود مصطفى
... ولقد طالما رويت في أمر هذا الاستعصاء- استعصاء تحصيل الناس علمي العروض والقافية- والانصراف، فهداني الله بحسن توفيقه إلى هذه الأسباب: تكثر في كتب العروض الإحالة على مجهول ...، وفي التأليف القديم والحديث لهذين العلمين نجد المؤلفين قد وقفوا عند الأبيات التي استشهد بها الخليل وأصحابه لا يتعدونها ...،وتقدمت العلوم وطبقت عليها قواعد التربية الحديثة فأعقب كل باب من أبواب النحو مثلا بتطبيق على مسائله ... ولكننا لم نجد فيها - كتب العروض والقافية- إلا سردا للمسائل وتوحيدا للشواهد... من أجل ذلك وضعت مؤلفي هذا متجنبا تلك العيوب ...
ز- "معاني القرآن" الفراء
يروى في سبب إملاء هذا الكتاب أن عمر بن بكير كان من أصحابه الفراء، وكان منقطعا إلى الحسن بن سهل، فكتب إلى الفراء أن الأمير الحسن بن سهل ربما سألني عن الشيء بعد الشيء من القرآن فلا يحضرني فيه جواب؛ فإن رأيت أن تجمع لي أصولا وتجعل في ذلك كتابا أرجع إليه- فعلت! فقال الفراء لأصحابه: اجتمعوا حتى أملي عليكم كتابا في القرآن، وجعل لهم يوما!
ح- "الاشتقاق" لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد
... وكان الذي حدانا على إنشاء هذا الكتاب أن قوما ممن يطعن على اللسان العربي وينسب أهله إلى التسمية بما لا أصل له في لغتهم ، وإلى ادعاء ما لم يقع عليه اصطلاح من أوليتهم، وعدوا أسماء جهلوا اشتقاقها ولم ينفذ علمهم في الفحص عنها، فعارضوا بالإنكار واحتجوا بما ذكره الخليل بزعمهم أنه سألَ أبا الدُّقيش: ما الدُّقيش؟ فقال: لا أدري، إنما هي أسماء نسمعها ولا نعرفُ معانيهَا. وهذا غلط على الخليل، وادعاء على أبي الدقيش، وكيف يَغبَى على أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد نضر الله وجهه مثل هذا، وقد سمع العرب سمَّت: دَقْشا ودُقَيشا ودَنقْشَا؛ فجاءوا به مكبَّرا ومحقرا ومعدولا من بنات الثلاثة إلى بنات الأربعة بالنون الزائدة ؟ والدَّقش معروف، وسنذكره في جملة الأسماء التي عَمُوا عن معرفتها، ونُفرد لها بابا في آخر كتابنا هذا، وبالله العصمة من الزَّيغ، والتوفيق للصواب .
ط- "العيون الغامزة" لابن الدماميني
... أما بعد، فلا يخفى أن العروض صناعة تقيم لبضاعة الشعر في سوق المحاسن وزنا، وتجعل تعاطيه بالقسطاس المستقيم سهلا بعد أن كان حزنا. وقد كنت في زمن الصبا مشغوفا بالنظر إلى محاسن هذا الفن، مولعا بالتنقير عن مباحثه التي طن على أذنى منها ما طن، أطيل الوقوف بمعاهده، وأتردد إلى بيوت شواهده، وأسبح في بحاره سبحا طويلا، وأجد التعلق بسببه خفيفا، وإن كان الجاهل يراه سبباً ثقيلا- إلى أن ظفرت في أثناء تصفحي لكتب هذا الفن بالقصيدة المقصورة المسماة بـ"الرامزة" نظم الشيخ الإمام البارع ضياء الدين أبى محمد عبد الله بن محمد الخزرجى نور الله ضريحه، وأمد بمدد الرحمة روحه؛ فوجدتها بديعة المثال بعيدة المنال، ورمت أن أذوق حلاوة فهمها فإذا الناس صيام، وحاولت أن أفترع أبكار معانيها فإذا هي من المقصورات في الخيام، وطمعت منها في لين الانقياد فأبدت إباءً وعزا، وسامتها الأفهام أن تفصح عن المراد فأبت أن تكلم الناس إلا رمزا- فطفقت أطلق النوم لمراجعتها وأنازل السهر لمطالتعها، مع أنى لا أجد شيخا أتطفل بقدرى الحقير على فضله الجليل، ولا أرى خليلاً أشاركه في الفن... ولم أزل على ذلك إلى أن حصلت على حل معقودها، وتحرير نقودها، وسددت سهام البحث إليها، وعطرت المحافل بنفحات الثناء عليها، فقتلتها خبرا وأحييت لها بين الطلبة ذكرا، وعلقت عليها شرحا مختصرا يضرب في هذا الفن بسهم مصيب، ويقسم للطالب من المطلوب أوفى وأوفر نصيب. ثم قدم علينا بعض طلبة الأندلس بشرح على هذه المقصورة للإمام العلامة قاضي الجماعة بغرناطة السيد الشريف أبى عبد الله محمد بن أحمد الحسيني السبتى رحمة الله عليه ورضوانه؛ فإذا هو شرح بديع لم يسبق إليه، ومؤلف نفيس ملأه من بدائع الحل بما يستحليه ذوق الواقف عليه، ووجدته قد سبقني إلى ابتكار ما ظننت أنى أبو عذرته، وتقدمني إلى الاحتكام في كثير مما خلت أنى مالك إمرته- فحمدت الله إذ وفقني لموافقة عالم متقدم، وشكرته على ما أنعم به من ذلك، ولم أكن على ما فات من السبق بمتندم، لكنني أعرضت عما كنت كتبته، وطرحته في زوايا الإهمال واجتنبته، إلى أن حركت الأقدار عزمي في هذا الوقت إلى كتابة شرح وسيط فوق الوجيز ودون البسيط، جمعت فيه بين ما سبق إليه من المعنى الشريف، وما سنح بعده للفكر من تالد وطريف، وبعض ما وقفت عليه لأئمة هذا الشآن، متحريا لما زان متحربا عما شان، معترفا بعجز الفكر وقصوره، وكلال الذهن وفتوره. ولما حوى هذا الشرح عيونا من النكت تطيل على خفايا المقصورة غمزها، وتكشف للأفهام حجبها المستورة وتظهر رمزها- سميته بـ(العيون الغامزة على خبايا الرامزة)، والله أسأل أن ينفع به، ويصل أسباب الخير بسببه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
(3)
وبعد هذه الرحلة القصيرة على بعض كتب اللغة في أكثر من علم فيها أدعو الله أن تتحرك الدواعي المقبلة على كتب اللغة لفهمها وإشاعة مسائلها!

Adsense Management by Losha