فريق منتدى الدي في دي العربي
05-10-2016, 02:17 PM
آثار الحازمي, دراسة وتمحيص1 :
تعددت تصانيف الحازمي على الرغم من موته المبكر؛ قال ابن كثير: "صاحب التصانيف على صغر سنه منها"2 . وقال ابن خلكان: "وغلب عليه الحديث، وبرع فيه واشتهر به، وصنف فيه وفي غيره كتبا مفيدة: منها " الناسخ والمنسوخ" في الحديث، وكتاب الفيصل في مشتبه النسبة، وكتاب العجالة في النسب وكتاب ما اتفق لفظه وافترق مسماه في الأماكن والبلدان المشتبهة في الخط، وكتاب سلسلة الذهب فيما روى الإمام أحمد بن حنبل عن الإمام الشافعي رضي الله عنهما، وشروط الأئمة وغير ذلك من الكتب النافعة". وإليكم تفصيل القول في مؤلفاته:
• الكتاب الأول: الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار3 : يعد هذا الكتاب فتحاً من الفتوح لأمرين مهمين؛ للمادة العلمية التي تضمنها على الرغم من صغر حجمه مقارنة بكتب التراث الكبيرة؛ هذا أولاً. وأما الأمر الثاني فهو مصدريته لغيره من الكتب؛ فقد أضحى من الموارد المهمة لغير واحد من العلماء في أبوابٍ متعددةٍ من العلم, الأمر الذي نكشف اللثام عنه من خلال تعرضنا للمادة العلمية التي أتى عليها الكتاب والتي نجملها بالآتي:
خطبة الكتاب ومقدمته والتي أصل فيها لعلم الناسخ والمنسوخ مبيناً أهميته كاشفاً عن صعوبته، موضحا تعريفه لغةً واصطلاحاً وشروطه وعلاماته. قال الجزائري: "وقد رأيت في كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الحديث للحافظ الحازمي عبارة ربما كان لها موقع عظيم هنا في المقدمة في بيان شروط النسخ.... "4 , ثم ذكرها ليبين لنا أن ما ذكره الحازمي هنا يعد أصلاً في بابه.
ومن مادته العلمية: وجوه الترجيح بين الأحاديث والتي أوصلها إلى خمسين وجهٍ, قال السخاوي في وجوه الترجيح: "قد سرد منها الحازمي في كتابه الناسخ والمنسوخ خمسين, مع إشارته إلى زيادتها على ذلك. وهو كذلك فقد زادها الأصوليون في باب معقود لها أكثر من خمسين"5 .
تفنن الحازمي في إيراد هذه القواعد وفروعها المختلفة, والتي نجمع شتاتها في النقاط الآتية:
1. الترجيح بحال الراوي, وذلك من مناحٍ متعددة منها:
الإتقان والحفظ وطول الملازمة لشيخه، وما يعارضها من الاضطراب والضعف والتدليس وغيرها؛ والتي جعل لها أكثر من وجهٍ من وجوه الترجيح.
عدالة الرواة وفقدانها وطرق إثباتها؛ ككونه ورعًا، أو حسن الاعتقاد، أي غير مبتدع
اعتبارات البلوغ وعدمه.
2. الترجيح بفقه الراوي؛ سواء كان الحديث مرويًا بالمعنى أو اللفظ؛ لأن الفقيه إذا سمع ما يمتنع حمْلُه على ظاهره بحث عنه حتى يطّلع على ما يزول به الإشكال، بخلاف العامي. ويضاف إليه من المرجحات ما عاد إلى العلم بالنحو واللغة والتي ترجح من علم بهما على من سواه.
3. الترجيح بكثرة الطرق على قلتها للروايات ذات المخرج الواحد. والترجيح بتعدد المخارج على قلتها للمتن الواحد. وفي ذات السياق علو الإسناد ونزوله.
4. الترجيح بطرق التحمل والأداء: وله في ذلك آراء متعددة يقدم فيها طرقاً على أخرى.وغيرها من قواعد الترجيح التي تظهر علمه وتكشف عن معرفته بعلوم الحديث المختلفة.
ومن مادته العلمية: النقد للرواة والمرويات فنجده يتكلم عن الأحاديث ويبين عللها ويحكم عليها أحياناً. حتى أصبح من الموارد التي اعتمدتها كتب التخريج المختلفة ومن ذلك: اعتماد الزيلعي عليه في نصب الراية فقد أكثر من النقل عنه6 . وكذا ابن حجر في التلخيص7 .
ومنها: بيان أقوال العلماء في المسائل التي سيق لأجلها الحديث, ثم بيان رأيه حتى أننا نجد شراح الحديث اعتمدوا قوله وصدروه مسائلهم في شروحهم كما فعل ابن حجر8 والقاري9 و العظيم أبادي في عون المعبود10 . وانظر كذلك: تحفة الأحوذي في أكثر من خمسين موضعاً11 . ونيل الأوطار في أكثر من ثلاثين موضعاً12 .
قلت: وبهذا ندرك أهمية كتاب الاعتبار على الرغم من تخصيصه للناسخ والمنسوخ من الآثار؛ فكيف لو اشتمل على كل أحاديث الأحكام؟
• الكتاب الثاني: تخريج أحاديث المهذب لأبي إسحاق الشيرازي: قال الدبيثي: "وكان يغلب عليه معرفة أحاديث الأحكام, وأملى طرق الأحاديث التي في كتاب المهذب للشيخ أبي إسحاق وأسندها ولم يتمه"13 . وأيد في ذلك ابن النجار وغيره. قلت: ولم أقف عليه في المطبوع؛ وقل من ينقل عنه فلم أقف إلا على موضعين عند الحافظ ابن حجر هما:
في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا غطى لحيته وهو في الصلاة فقال: "اكشف لحيتك فإنها من الوجه". قال ابن حجر: "ذكره الحازمي في تخريج أحاديث المهذب فقال هذا الحديث ضعيف"14 .
وفي حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "فليستنج بثلاثة أحجار يقبل بواحد ويدبر بواحد ويحلق بالثالث" قال ابن حجر: "وقد بيض له الحازمي و المنذري في تخريج أحاديث المهذب".15
قلت: ومما يذكر هنا أن نقل كتب التخريج أحكام الحازمي على الأحاديث إنما جاء من كتابه "الاعتبار" وهذا واضح في مراجعة ما سبق ذكره من نقول الزيلعي وابن حجر عنه.
• الكتاب الثالث: عجالة المبتدي وفضالة المنتهى في الأنساب, وهو مطبوع16 : قال السيوطي: "صنف في الأنساب الحازمي كتاب العجالة وهو صغير الحجم".17
• الكتاب الرابع: سلسلة الذهب فيما روى أحمد بن حنبل عن الشافعي, لم أقف عليه في المطبوع, قال ابن حجر: "صنف الحازمي جزءاً فيما رواه أحمد عن الشافعي وسماه سلسلة الذهب".18
• الكتاب الخامس: الفيصل في مشتبه النسبة, وهو مطبوع19 .
• الكتاب السادس: معرفة ما يجب للشيوخ على الشباب20 , ولم أقف عليه في المطبوع.
• الكتاب السابع: المؤتلف والمختلف في أسماء البلدان, قال الزركشي: "معرفة الأماكن واختلافها وضبط أسمائها, وقد تصدى الحازمي لإفراد ذلك بمصنف حافل"21 . قلت: الناظر في معجم البلدان لياقوت الحموي يجده حفل بالنقل عن الحازمي في ضبط الأماكن والتعريف بها, فقد أكثر عنه ما يزيد عن مائة وستين موضعاً. الأمر الذي يوحي أنه ضمن كتاب الحازمي في المعجم؛ لاسيما أنني لم أقف عليه مطبوعاً. وقد أفاد شراح الحديث من مادة هذا الكتاب فأكثروا النقل عنه.
• الكتاب الثامن: الضعفاء والمجهولون: ذكره الدكتور فاروق حمادة في مقدمة تحقيق الضعفاء لأبي نعيم قال: "الضعفاء والمجهولون لأبي بكر الحازمي محمد بن موسى المتوفى 584 هـ". قلت: ولم يذكر د. فاروق مصدره في هذه المعلومة؛ و لم أقف عليه عند من ترجم للحازمي, أو اهتم بذكر مؤلفاته لا سيما الكتب التي اختصت بذكر المؤلفات وأصحابها. لكن الإفادة عنه إنما حصلت من كلام الحازمي نفسه؛ حين قال في شروط الأئمة بعد أن مثل للطبقة الخامسة من تلاميذ الزهري وهي طبقة الضعفاء والمجاهيل؛ قال: "وهم خلق كثير اقتصرت منهم على هؤلاء, وقد أفردت لهم كتاباً استوفيت فيه ذكرهم"22 .
• الكتاب التاسع: المختلطين, ذكره السيوطي قال: "صنف مغلطاي كتاباً في المختلطين, وأشار الحافظ أبو الفضل العراقي وابن الصلاح إلى أنه لم يؤلف فيهم أحد, وليس كذلك فقد رأيت الحافظ أبا بكر الحازمي ذكر في كتابه التحفة أنه ألف فيهم كتابا"23 . وقال أيضاً في النوع الثاني والستين - من خلط من الثقات-: "قال العراقي وبسبب ذلك أفرده بالتصنيف من المتأخرين الحافظ صلاح الدين العلائي. قلت قد ألف فيه الحازمي تأليفاً لطيفاً رأيته"24 .
• الكتاب العاشر: تهذيب الإكمال وأوهام الأمير: وقفت عليه في كلام الحازمي نفسه في كتاب شروط الأئمة؛ فقد قال بعد كشفه خطأً وقع لابن عبد البر وابن ماكولا في ضبط اسم راوٍ قال: "وقد أشبعت الكلام في هذا الاسم في( تهذيب الإكمال وأوهام الأمير)".25 ومما يدل على تبحر في كتاب ابن ماكولا قول ابن النجار: "وسمعت بعض الأئمة يذكر أن الحازمي كان يحفظ كتاب (الإكمال) في المؤتلف والمختلف ومشتبه النسبة، كان يكرر عليه، ووجدت بخط الإمام أبي الخير القزويني وهو يسأل الحازمي: ماذا يقول سيدنا الإمام الحافظ في كذا وكذا ؟ وقد أجاب أبو بكر الحازمي بأحسن جواب"26 . قلت: لأجل ذلك قال الكوثري: "كان آية في الحفظ والذكاء. ينظر في كلام المصنفين المشهود لهم بالبراعة والتبريز في علومهم ويبدي لهم بحزمه أوهاماً لا تدفع. فهذا الأمير ابن ماكولا وهو من أقر له معاصروه ومن بعده بالإمامة والتقدم في علم الرجال ومعرفة المؤتلف والمختلف, وكتابه(مستمر الأوهام) في الرد على الدارقطني وعبد الغني الأزدي والخطيب البغدادي في ذلك يشهد بمبلغ سعة علمه, وكل من أتى بعده عالة على كتابه الإكمال وبقية كتبه؛ ومع ذلك كله فقد أجاد الحازمي في تبين أوهامه. وفعل ذلك مع الحاكم والإصابة حليفة له في انتقاداته, وهذا مما يستدل به على إتقانه وبراعته"27.
• الكتاب الحادي والثاني عشر: تحفة السفينة و ما اتفق في إسناده أربعة من الصحابة أو التابعين بعضهم عن بعض. ذكرها الصفدي ولم أقف على من ذكرهما سواه28 . غير ما كان من السيوطي في قوله السابق حول المختلطين: "ذكر في كتابه التحفة أنه ألف فيهم كتابا"29 . فقد أثبت له التحفة هنا. وليس في المطبوع لهما ذكر.
• الكتاب الثالث عشر: شروط الأئمة30 : جاء هذا الكتاب في شروط الأئمة الخمسة- البخاري, ومسلم, وأبو داود, والترمذي, والنسائي, وابن ماجة- رداً منه على سؤال وجه إليه بخصوص شروطهم في اختيار الأحاديث؛ لتأتي بين يدي هذه الورقات القلائل مادة علمية غزيرة يمكن إجمالها في النقاط الآتية:
الاستدراك على من اعتبر أن شرط الشيخين - البخاري ومسلم - ألا يخرجا إلا حديثاً سمعاه من شيخين عدلين, وكل واحد منهما رواه أيضاً عن عدلين كذلك إلى أن يتصل الحديث على هذا القانون برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ردَّ على من قال أنهما لم يخرجا حديثاً لم يعرف إلا من جهة واحدة أو لم يروه إلا راوٍ واحدٍ وإن كان ثقة. فأورد كلام الحاكم في هذا السياق مفصلاً, مبطلاً هذا الزعم؛ مستشهداً بجملة من الأحاديث المخرجة عند الشيخين الناقضة له.
ثم ليعطف ذلك بالحديث عن الأوصاف التي لا بد من توافرها في المخبر حتى يقبل خبره وهي: الإسلام, والعقل, والصدق, ونفي التدليس, والعدالة, مفصلاً ما يوضح كل واحد منها.
ثم ليأتي الحديث مفصلاً في مذهب الأئمة الخمسة في كيفية استنباط مخارج الحديث, الأمر الذي اقتضى منه الحديث في طبقات الرواة أولاً, ثم بيان شروطهم على ضوء الطبقات تباعاً. وهذا ما سيأتي الحديث عنه على وجه التفصيل في المبحث القادم؛ فهو غاية مقصد البحث ومنتهى الجهد المبذول في بيانه.
ويختم الحازمي كتابه أخيراً ببيان أنهما ما قصدا استيعاب الصحيح, راداً بذلك ما انتقده أبو زرعة, مسجلاً المعاتبة بين ابن وراة والإمام مسلم31 .
ثالثا: خلاصة القول في منزلته العلمية.
بعد هذه الجولة المطولة بين يدي هذا الإمام العظيم, ترجمةً وتأليفاً نقف عند جملة من الحقائق التي تكشف لنا عن الشخصية العلمية له, فعلى الرغم من قصر عمره وعدم تعميره إلا أنه أثبت إمامته وتقدمه على كثيرٍ من معاصريه وأهل فنه, وهذه الحقائق نجملها بالآتي:
1. الحازمي من أهل الرواية؛ فهو يورد أحاديثه بسند يتصل به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يعطيه تقدما في استيعاب الروايات المختلفة مما يمكنه من الوقوف على اختلاف الرواة والروايات, وهذا ما يشهده كتاب "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ", وكذا تخريجه أحاديث المهذب والتي أملاها من حفظه.
2. برز الحازمي في أكثر من فن من فنون الحديث؛ فهو القائل: "علم الحديث يشتمل على أنواع كثيرة تقرب من مائة نوع.... وكل نوع منها علم مستقل لو أنفد الطالب فيه عُمُرَه لما أدرك نهايته. ولكن المبتدئ يحتاج أن يستطرف من كل نوع، لأنها أصول الحديث، ومتى جهل الطالب الأصول، تعذَّر عليه طريق الوصول"32 . قلت: وهذا يدل على سعة أفق لدى الحازمي فمن خلال ما تقدم من مؤلفات نجده أفرد لأنواعٍ مختلفةٍ تآليفَ مهمة منها: النسخ, النسب, ضبط الأماكن, الضعفاء, المجهولين, المختلطين, الآداب, ثم شروط الأئمة. وبين يدي حديثه عن هذه الأنواع نجده يجود بالكثير من الحقائق والقواعد الاصطلاحية, والتي تحتاج إلى دراسات مستقلة.
3. للحازمي شخصية نقدية بارزة؛ ويظهر ذلك من خلال: تعليله لكثير من الأحاديث التي يوردها في كتبه وعلى الأخص في الاعتبار, وكذا تخريجه لأحاديث المهذب. وتظهر شخصيته النقدية أيضا في كشفه أوهام ابن ماكولا وهو من هو في علم المؤتلف والمختلف, وكذا في رده على الحاكم وغيره مما اقتضى تأليف كتاب الشروط.
4. الحازمي من أهل الاصطلاح؛ تعدُّ المرحلة التي وجد فيها الحازمي مرحلة برزخية في علم المصطلح ما بين الخطيب البغدادي وابن الصلاح؛ فالأول ألف في كل فن والثاني رتب هذه العلوم، حتى أصبح الناس عيالا عليهما, حتى اشتهرت مؤلفاتهم على اعتبارها مراحل فاصلة في علم المصطلح؛ غير أن للحازمي جهداً طيباً في هذا العلم نلمسه من خلال: تعريفه بالنسخ وتفاصيله كما واضح في مقدمة "الاعتبار", ثم كشفه عن قواعد الترجيح بين الأحاديث والتي نجد بين ثنياها كثيراً من القضايا الاصطلاحية: نحو الضبط, الملازمة, طرق التحمل والأداء وغيرها. ثم الحديث عن العديد من شروط قبول الحديث نحو: الإسلام والعقل والبلوغ العدالة والتي قال فيها: "العدالة هي اتباع أوامر الله تعالى، والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه، وتجنب الفواحش المسقطة، وتحري الحق، والتوقي في اللفظ مما يثلم الدين والمروءة, وليس يكفيه في ذلك اجتناب الكبائر حتى يجتنب الإصرار على الصغائر، فمتى وجدت هذه الصفات كان المتحلي بها عدلاً مقبول الشهادة"33 . ثم تجده يتحدث عن أنواع الحديث على اعتبار أعداد الرواة فهو يقول: "ثم الحديث الواحد لا يخلو إما أن يكون من قبيل التواتر أو من قبيل الآحاد, وإثبات التواتر في الأحاديث عسر جداً سيما على مذهب من لم يعتبر العدد في تحديده"34 وغيرها. يتأكد لنا أن حلقات علم المصطلح لم تجد فتوراً بين الخطيب وابن الصلاح, بل إن فيها من الأئمة من برزوا وأجادوا يحتاج العلم إنصافهم وبيان أياديهم البيضاء في ذلك.
5. الحازمي أصبح مورداً مهماً لكثيرٍ ممن جاء بعده. وقد كشفنا عن ذلك فيما سبق.
قلت: وبهذا يصدق في الحازمي قول الكوثري: "ولو عاش الحازمي لملأ الدنيا علماً"35 .
الحواشي:
1. وممن ذكر مؤلفاته: ابن خلكان, وفيات الأعيان, 4/294. الذهبي, سير أعلام النبلاء, 21/167ـ168. الصفدي, الوافي في الوفيات, 1/620. ابن كثير, البداية والنهاية, 12/332. إسماعيل باشا, هداية العارفين, 1/499. قلت: غير أنني وقفت على مصنفات له لم تذكر في هذه الكتب, وقد تبيناها من خلال كلام الحازمي نفسه, أو خلال نقل بعض الأئمة عنها كما سيأتي ذكره.
2. ابن كثير, البداية والنهاية, 12/332.
3. حُقِقَ الكتاب أكثر من مرة منها: نسخة دار المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن ـ الهند, وقام بتحقيقه أفاضل الدار منهم: السيد هاشم الندوي, المعلمي اليماني وآخرون وصدر منه الطبعة الثانية 1359هـ. ونسخة دار العلمية, لبنان ـ بيروت, بتحقيق: زكريا عميرات, 1416هـ ـ1996م(ط1).
4. الجزائري, توجيه النظر إلى أصول الأثر, 1/545.
5. السخاوي, فتح المغيث, 3/84.
6. الزيلعي, نصب الراية, انظر: الجزء الأول: 76, 77, 78, 88, 115, 124, 204, 222, 223, 265, 294. الجزء الثاني: 2, 23 28, 65, 66, 72, 77, 85, 114, 2, 184, 185, 240, 341, 342. الجزء الثالث: 18, 47, 109, 178, 179, 297, 322, 339, 389, 395, 425, 431. الجزء الرابع: 264, 396, 436.
7. ابن حجر, التخليص الحبير, انظر: الجزء الأول: 14, 48, 102, 107, 122, 125, 131, 134, 254. ج2, 281, ج3, 155, ج4, 52.
8. انظر ذلك: ابن حجر, فتح الباري, وخاصة الأبواب التي تحتمل النسخ, ومن ذلك: باب زيارة القبور أي مشروعيتها 3/148. و باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة 9/167. و باب لحوم الخيل 9/649. و باب الفرق 10/361. وغيرها.
9. الملا على القاري, مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح, انظر: ج4, 209, 412. ج6, 327, ج10, 86, وغيرها.
10. العظيم أبادي, عون المعبود, انظر: الجزء الأول: 97, 211, 212, 215, 264. الجزء الثاني: 45, 307, 354. الجزء الثالث: 50, 51, 52, 130, 242. الجزء الثامن: 7. الجزء العاشر: 188, 221.
11. المباركفوري, تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي, انظر في الجزء الأول فقط: 216, 229, 231, 233, 234, 309, 403, 404, 410, 492, 498, 499, 509, 510.
12. الشوكاني, نيل الأوطار, انظر في الجزء الأول فقط: 45, 78, 247, 252, 276, 420.
13. الذهبي, سير أعلام النبلاء, 21/167ـ168. الصفدي, الوافي في الوفيات, 1/620. السبكي, طبقات الشافعية الكبرى, 4/8.
14. ابن حجر, تلخيص الحبير, 1/56.
15. المصدر السابق 1/111.
16. قلت: وهو مطبوع مرتين: الأولى بعنوان: عجالة المبتدئ وفضالة المنتهي في النسب, حققه: محمد زينهم، وعائشة التهامي، ومديحة الشرقاوي, ونشر في القاهرة, مكتبة مدبولي، 1998م. والثانية: عام 1384ه في مجمع اللغة العربية بمصر, بتحقيق: عبد الله كنون. ثم أعيد عام 1393ه.
17. السيوطي, تدريب الراوي, 2/385.
18. ابن حجر, النكت على مقدمة ابن الصلاح, 1/ 144.
19. مطبوع: بتحقيق سعود بن عبد الله الريحاني. ط(1) - الرياض، السعودية: مكتبة الرشد, ناشرون، 2007. سلسلة الرشد للرسائل الجامعية, 192.
20. ذكره الحاجي خليفة في كشف الظنون انظر: 2/ 1739.
21. الزركشي, النكت على مقدمة ابن الصلاح, 1/84.
22. انظر: الحازمي, شروط الأئمة الخمسة, ص60. فاروق حمادة, مقدمة تحقيق كتاب الضعفاء لأبي نعيم الأصبهاني ص30.
23. السيوطي, إتمام الدراية لقراء النقاية, ص65.
24. السيوطي, تدريب الراوي, 2/372.
25. الحازمي, شروط الأئمة, 40. قلت: والغريب أن كل من ترجم للحازمي, أو من تخصص بذكر المؤلفين والمؤلفات ككشف الظنون والرسالة المستطرفة لم يذكروا جميعاً هذا الكتاب رغم أهميته كما يتضح في قول الكوثري القادم.
26. الذهبي, سير أعلام النبلاء, 21/167ـ168.
27. الكوثري, مقدمة تحقيق شروط الأئمة, ص 9.
28. الصفدي, الوافي في الوفيات, 1/620.
29. السيوطي, إتمام الدراية لقراء النقاية, ص65.
30. حقق الكتاب وطبع مرتين؛ الأولى: وهي نسخة حسام الدين المقدسي المطبوعة في القاهرة سنة 1357هـ وصححها الشيخ محمد زاهد الكوثري. وقد طبعت مع شروط الأئمة الستة لابن طاهر. وقد أعادت دار الكتب العلمية طباعتها في عام 1984م -1405هـ (ط1) وذكروا أنهم اعتمدوا نسخة المقدسي.
الثانية: حققها الشيخ عبد الفتاح أبوغدة ضمن " ثلاث رسائل في مصطلح الحديث" رسالة أبي داود, شروط الأئمة الستة, ثم شروط الأئمة الخمسة, والتي طبعها مكتب المطبوعات الإسلامية (ط2)1426هـ - 2005م.
31. انظر ذلك: الحازمي, شروط الأئمة الخمسة, ص 31_71.
32. الحازمي, العجالة, ص2. "بتصرف".
33. الحازمي, شروط الأئمة الخمسة, ص 55.
34. المصدر السابق ص50.
35. الكوثري, مقدمة تحقيق شروط الأئمة الخمسة 9.
تعددت تصانيف الحازمي على الرغم من موته المبكر؛ قال ابن كثير: "صاحب التصانيف على صغر سنه منها"2 . وقال ابن خلكان: "وغلب عليه الحديث، وبرع فيه واشتهر به، وصنف فيه وفي غيره كتبا مفيدة: منها " الناسخ والمنسوخ" في الحديث، وكتاب الفيصل في مشتبه النسبة، وكتاب العجالة في النسب وكتاب ما اتفق لفظه وافترق مسماه في الأماكن والبلدان المشتبهة في الخط، وكتاب سلسلة الذهب فيما روى الإمام أحمد بن حنبل عن الإمام الشافعي رضي الله عنهما، وشروط الأئمة وغير ذلك من الكتب النافعة". وإليكم تفصيل القول في مؤلفاته:
• الكتاب الأول: الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار3 : يعد هذا الكتاب فتحاً من الفتوح لأمرين مهمين؛ للمادة العلمية التي تضمنها على الرغم من صغر حجمه مقارنة بكتب التراث الكبيرة؛ هذا أولاً. وأما الأمر الثاني فهو مصدريته لغيره من الكتب؛ فقد أضحى من الموارد المهمة لغير واحد من العلماء في أبوابٍ متعددةٍ من العلم, الأمر الذي نكشف اللثام عنه من خلال تعرضنا للمادة العلمية التي أتى عليها الكتاب والتي نجملها بالآتي:
خطبة الكتاب ومقدمته والتي أصل فيها لعلم الناسخ والمنسوخ مبيناً أهميته كاشفاً عن صعوبته، موضحا تعريفه لغةً واصطلاحاً وشروطه وعلاماته. قال الجزائري: "وقد رأيت في كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الحديث للحافظ الحازمي عبارة ربما كان لها موقع عظيم هنا في المقدمة في بيان شروط النسخ.... "4 , ثم ذكرها ليبين لنا أن ما ذكره الحازمي هنا يعد أصلاً في بابه.
ومن مادته العلمية: وجوه الترجيح بين الأحاديث والتي أوصلها إلى خمسين وجهٍ, قال السخاوي في وجوه الترجيح: "قد سرد منها الحازمي في كتابه الناسخ والمنسوخ خمسين, مع إشارته إلى زيادتها على ذلك. وهو كذلك فقد زادها الأصوليون في باب معقود لها أكثر من خمسين"5 .
تفنن الحازمي في إيراد هذه القواعد وفروعها المختلفة, والتي نجمع شتاتها في النقاط الآتية:
1. الترجيح بحال الراوي, وذلك من مناحٍ متعددة منها:
الإتقان والحفظ وطول الملازمة لشيخه، وما يعارضها من الاضطراب والضعف والتدليس وغيرها؛ والتي جعل لها أكثر من وجهٍ من وجوه الترجيح.
عدالة الرواة وفقدانها وطرق إثباتها؛ ككونه ورعًا، أو حسن الاعتقاد، أي غير مبتدع
اعتبارات البلوغ وعدمه.
2. الترجيح بفقه الراوي؛ سواء كان الحديث مرويًا بالمعنى أو اللفظ؛ لأن الفقيه إذا سمع ما يمتنع حمْلُه على ظاهره بحث عنه حتى يطّلع على ما يزول به الإشكال، بخلاف العامي. ويضاف إليه من المرجحات ما عاد إلى العلم بالنحو واللغة والتي ترجح من علم بهما على من سواه.
3. الترجيح بكثرة الطرق على قلتها للروايات ذات المخرج الواحد. والترجيح بتعدد المخارج على قلتها للمتن الواحد. وفي ذات السياق علو الإسناد ونزوله.
4. الترجيح بطرق التحمل والأداء: وله في ذلك آراء متعددة يقدم فيها طرقاً على أخرى.وغيرها من قواعد الترجيح التي تظهر علمه وتكشف عن معرفته بعلوم الحديث المختلفة.
ومن مادته العلمية: النقد للرواة والمرويات فنجده يتكلم عن الأحاديث ويبين عللها ويحكم عليها أحياناً. حتى أصبح من الموارد التي اعتمدتها كتب التخريج المختلفة ومن ذلك: اعتماد الزيلعي عليه في نصب الراية فقد أكثر من النقل عنه6 . وكذا ابن حجر في التلخيص7 .
ومنها: بيان أقوال العلماء في المسائل التي سيق لأجلها الحديث, ثم بيان رأيه حتى أننا نجد شراح الحديث اعتمدوا قوله وصدروه مسائلهم في شروحهم كما فعل ابن حجر8 والقاري9 و العظيم أبادي في عون المعبود10 . وانظر كذلك: تحفة الأحوذي في أكثر من خمسين موضعاً11 . ونيل الأوطار في أكثر من ثلاثين موضعاً12 .
قلت: وبهذا ندرك أهمية كتاب الاعتبار على الرغم من تخصيصه للناسخ والمنسوخ من الآثار؛ فكيف لو اشتمل على كل أحاديث الأحكام؟
• الكتاب الثاني: تخريج أحاديث المهذب لأبي إسحاق الشيرازي: قال الدبيثي: "وكان يغلب عليه معرفة أحاديث الأحكام, وأملى طرق الأحاديث التي في كتاب المهذب للشيخ أبي إسحاق وأسندها ولم يتمه"13 . وأيد في ذلك ابن النجار وغيره. قلت: ولم أقف عليه في المطبوع؛ وقل من ينقل عنه فلم أقف إلا على موضعين عند الحافظ ابن حجر هما:
في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا غطى لحيته وهو في الصلاة فقال: "اكشف لحيتك فإنها من الوجه". قال ابن حجر: "ذكره الحازمي في تخريج أحاديث المهذب فقال هذا الحديث ضعيف"14 .
وفي حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "فليستنج بثلاثة أحجار يقبل بواحد ويدبر بواحد ويحلق بالثالث" قال ابن حجر: "وقد بيض له الحازمي و المنذري في تخريج أحاديث المهذب".15
قلت: ومما يذكر هنا أن نقل كتب التخريج أحكام الحازمي على الأحاديث إنما جاء من كتابه "الاعتبار" وهذا واضح في مراجعة ما سبق ذكره من نقول الزيلعي وابن حجر عنه.
• الكتاب الثالث: عجالة المبتدي وفضالة المنتهى في الأنساب, وهو مطبوع16 : قال السيوطي: "صنف في الأنساب الحازمي كتاب العجالة وهو صغير الحجم".17
• الكتاب الرابع: سلسلة الذهب فيما روى أحمد بن حنبل عن الشافعي, لم أقف عليه في المطبوع, قال ابن حجر: "صنف الحازمي جزءاً فيما رواه أحمد عن الشافعي وسماه سلسلة الذهب".18
• الكتاب الخامس: الفيصل في مشتبه النسبة, وهو مطبوع19 .
• الكتاب السادس: معرفة ما يجب للشيوخ على الشباب20 , ولم أقف عليه في المطبوع.
• الكتاب السابع: المؤتلف والمختلف في أسماء البلدان, قال الزركشي: "معرفة الأماكن واختلافها وضبط أسمائها, وقد تصدى الحازمي لإفراد ذلك بمصنف حافل"21 . قلت: الناظر في معجم البلدان لياقوت الحموي يجده حفل بالنقل عن الحازمي في ضبط الأماكن والتعريف بها, فقد أكثر عنه ما يزيد عن مائة وستين موضعاً. الأمر الذي يوحي أنه ضمن كتاب الحازمي في المعجم؛ لاسيما أنني لم أقف عليه مطبوعاً. وقد أفاد شراح الحديث من مادة هذا الكتاب فأكثروا النقل عنه.
• الكتاب الثامن: الضعفاء والمجهولون: ذكره الدكتور فاروق حمادة في مقدمة تحقيق الضعفاء لأبي نعيم قال: "الضعفاء والمجهولون لأبي بكر الحازمي محمد بن موسى المتوفى 584 هـ". قلت: ولم يذكر د. فاروق مصدره في هذه المعلومة؛ و لم أقف عليه عند من ترجم للحازمي, أو اهتم بذكر مؤلفاته لا سيما الكتب التي اختصت بذكر المؤلفات وأصحابها. لكن الإفادة عنه إنما حصلت من كلام الحازمي نفسه؛ حين قال في شروط الأئمة بعد أن مثل للطبقة الخامسة من تلاميذ الزهري وهي طبقة الضعفاء والمجاهيل؛ قال: "وهم خلق كثير اقتصرت منهم على هؤلاء, وقد أفردت لهم كتاباً استوفيت فيه ذكرهم"22 .
• الكتاب التاسع: المختلطين, ذكره السيوطي قال: "صنف مغلطاي كتاباً في المختلطين, وأشار الحافظ أبو الفضل العراقي وابن الصلاح إلى أنه لم يؤلف فيهم أحد, وليس كذلك فقد رأيت الحافظ أبا بكر الحازمي ذكر في كتابه التحفة أنه ألف فيهم كتابا"23 . وقال أيضاً في النوع الثاني والستين - من خلط من الثقات-: "قال العراقي وبسبب ذلك أفرده بالتصنيف من المتأخرين الحافظ صلاح الدين العلائي. قلت قد ألف فيه الحازمي تأليفاً لطيفاً رأيته"24 .
• الكتاب العاشر: تهذيب الإكمال وأوهام الأمير: وقفت عليه في كلام الحازمي نفسه في كتاب شروط الأئمة؛ فقد قال بعد كشفه خطأً وقع لابن عبد البر وابن ماكولا في ضبط اسم راوٍ قال: "وقد أشبعت الكلام في هذا الاسم في( تهذيب الإكمال وأوهام الأمير)".25 ومما يدل على تبحر في كتاب ابن ماكولا قول ابن النجار: "وسمعت بعض الأئمة يذكر أن الحازمي كان يحفظ كتاب (الإكمال) في المؤتلف والمختلف ومشتبه النسبة، كان يكرر عليه، ووجدت بخط الإمام أبي الخير القزويني وهو يسأل الحازمي: ماذا يقول سيدنا الإمام الحافظ في كذا وكذا ؟ وقد أجاب أبو بكر الحازمي بأحسن جواب"26 . قلت: لأجل ذلك قال الكوثري: "كان آية في الحفظ والذكاء. ينظر في كلام المصنفين المشهود لهم بالبراعة والتبريز في علومهم ويبدي لهم بحزمه أوهاماً لا تدفع. فهذا الأمير ابن ماكولا وهو من أقر له معاصروه ومن بعده بالإمامة والتقدم في علم الرجال ومعرفة المؤتلف والمختلف, وكتابه(مستمر الأوهام) في الرد على الدارقطني وعبد الغني الأزدي والخطيب البغدادي في ذلك يشهد بمبلغ سعة علمه, وكل من أتى بعده عالة على كتابه الإكمال وبقية كتبه؛ ومع ذلك كله فقد أجاد الحازمي في تبين أوهامه. وفعل ذلك مع الحاكم والإصابة حليفة له في انتقاداته, وهذا مما يستدل به على إتقانه وبراعته"27.
• الكتاب الحادي والثاني عشر: تحفة السفينة و ما اتفق في إسناده أربعة من الصحابة أو التابعين بعضهم عن بعض. ذكرها الصفدي ولم أقف على من ذكرهما سواه28 . غير ما كان من السيوطي في قوله السابق حول المختلطين: "ذكر في كتابه التحفة أنه ألف فيهم كتابا"29 . فقد أثبت له التحفة هنا. وليس في المطبوع لهما ذكر.
• الكتاب الثالث عشر: شروط الأئمة30 : جاء هذا الكتاب في شروط الأئمة الخمسة- البخاري, ومسلم, وأبو داود, والترمذي, والنسائي, وابن ماجة- رداً منه على سؤال وجه إليه بخصوص شروطهم في اختيار الأحاديث؛ لتأتي بين يدي هذه الورقات القلائل مادة علمية غزيرة يمكن إجمالها في النقاط الآتية:
الاستدراك على من اعتبر أن شرط الشيخين - البخاري ومسلم - ألا يخرجا إلا حديثاً سمعاه من شيخين عدلين, وكل واحد منهما رواه أيضاً عن عدلين كذلك إلى أن يتصل الحديث على هذا القانون برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ردَّ على من قال أنهما لم يخرجا حديثاً لم يعرف إلا من جهة واحدة أو لم يروه إلا راوٍ واحدٍ وإن كان ثقة. فأورد كلام الحاكم في هذا السياق مفصلاً, مبطلاً هذا الزعم؛ مستشهداً بجملة من الأحاديث المخرجة عند الشيخين الناقضة له.
ثم ليعطف ذلك بالحديث عن الأوصاف التي لا بد من توافرها في المخبر حتى يقبل خبره وهي: الإسلام, والعقل, والصدق, ونفي التدليس, والعدالة, مفصلاً ما يوضح كل واحد منها.
ثم ليأتي الحديث مفصلاً في مذهب الأئمة الخمسة في كيفية استنباط مخارج الحديث, الأمر الذي اقتضى منه الحديث في طبقات الرواة أولاً, ثم بيان شروطهم على ضوء الطبقات تباعاً. وهذا ما سيأتي الحديث عنه على وجه التفصيل في المبحث القادم؛ فهو غاية مقصد البحث ومنتهى الجهد المبذول في بيانه.
ويختم الحازمي كتابه أخيراً ببيان أنهما ما قصدا استيعاب الصحيح, راداً بذلك ما انتقده أبو زرعة, مسجلاً المعاتبة بين ابن وراة والإمام مسلم31 .
ثالثا: خلاصة القول في منزلته العلمية.
بعد هذه الجولة المطولة بين يدي هذا الإمام العظيم, ترجمةً وتأليفاً نقف عند جملة من الحقائق التي تكشف لنا عن الشخصية العلمية له, فعلى الرغم من قصر عمره وعدم تعميره إلا أنه أثبت إمامته وتقدمه على كثيرٍ من معاصريه وأهل فنه, وهذه الحقائق نجملها بالآتي:
1. الحازمي من أهل الرواية؛ فهو يورد أحاديثه بسند يتصل به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يعطيه تقدما في استيعاب الروايات المختلفة مما يمكنه من الوقوف على اختلاف الرواة والروايات, وهذا ما يشهده كتاب "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ", وكذا تخريجه أحاديث المهذب والتي أملاها من حفظه.
2. برز الحازمي في أكثر من فن من فنون الحديث؛ فهو القائل: "علم الحديث يشتمل على أنواع كثيرة تقرب من مائة نوع.... وكل نوع منها علم مستقل لو أنفد الطالب فيه عُمُرَه لما أدرك نهايته. ولكن المبتدئ يحتاج أن يستطرف من كل نوع، لأنها أصول الحديث، ومتى جهل الطالب الأصول، تعذَّر عليه طريق الوصول"32 . قلت: وهذا يدل على سعة أفق لدى الحازمي فمن خلال ما تقدم من مؤلفات نجده أفرد لأنواعٍ مختلفةٍ تآليفَ مهمة منها: النسخ, النسب, ضبط الأماكن, الضعفاء, المجهولين, المختلطين, الآداب, ثم شروط الأئمة. وبين يدي حديثه عن هذه الأنواع نجده يجود بالكثير من الحقائق والقواعد الاصطلاحية, والتي تحتاج إلى دراسات مستقلة.
3. للحازمي شخصية نقدية بارزة؛ ويظهر ذلك من خلال: تعليله لكثير من الأحاديث التي يوردها في كتبه وعلى الأخص في الاعتبار, وكذا تخريجه لأحاديث المهذب. وتظهر شخصيته النقدية أيضا في كشفه أوهام ابن ماكولا وهو من هو في علم المؤتلف والمختلف, وكذا في رده على الحاكم وغيره مما اقتضى تأليف كتاب الشروط.
4. الحازمي من أهل الاصطلاح؛ تعدُّ المرحلة التي وجد فيها الحازمي مرحلة برزخية في علم المصطلح ما بين الخطيب البغدادي وابن الصلاح؛ فالأول ألف في كل فن والثاني رتب هذه العلوم، حتى أصبح الناس عيالا عليهما, حتى اشتهرت مؤلفاتهم على اعتبارها مراحل فاصلة في علم المصطلح؛ غير أن للحازمي جهداً طيباً في هذا العلم نلمسه من خلال: تعريفه بالنسخ وتفاصيله كما واضح في مقدمة "الاعتبار", ثم كشفه عن قواعد الترجيح بين الأحاديث والتي نجد بين ثنياها كثيراً من القضايا الاصطلاحية: نحو الضبط, الملازمة, طرق التحمل والأداء وغيرها. ثم الحديث عن العديد من شروط قبول الحديث نحو: الإسلام والعقل والبلوغ العدالة والتي قال فيها: "العدالة هي اتباع أوامر الله تعالى، والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه، وتجنب الفواحش المسقطة، وتحري الحق، والتوقي في اللفظ مما يثلم الدين والمروءة, وليس يكفيه في ذلك اجتناب الكبائر حتى يجتنب الإصرار على الصغائر، فمتى وجدت هذه الصفات كان المتحلي بها عدلاً مقبول الشهادة"33 . ثم تجده يتحدث عن أنواع الحديث على اعتبار أعداد الرواة فهو يقول: "ثم الحديث الواحد لا يخلو إما أن يكون من قبيل التواتر أو من قبيل الآحاد, وإثبات التواتر في الأحاديث عسر جداً سيما على مذهب من لم يعتبر العدد في تحديده"34 وغيرها. يتأكد لنا أن حلقات علم المصطلح لم تجد فتوراً بين الخطيب وابن الصلاح, بل إن فيها من الأئمة من برزوا وأجادوا يحتاج العلم إنصافهم وبيان أياديهم البيضاء في ذلك.
5. الحازمي أصبح مورداً مهماً لكثيرٍ ممن جاء بعده. وقد كشفنا عن ذلك فيما سبق.
قلت: وبهذا يصدق في الحازمي قول الكوثري: "ولو عاش الحازمي لملأ الدنيا علماً"35 .
الحواشي:
1. وممن ذكر مؤلفاته: ابن خلكان, وفيات الأعيان, 4/294. الذهبي, سير أعلام النبلاء, 21/167ـ168. الصفدي, الوافي في الوفيات, 1/620. ابن كثير, البداية والنهاية, 12/332. إسماعيل باشا, هداية العارفين, 1/499. قلت: غير أنني وقفت على مصنفات له لم تذكر في هذه الكتب, وقد تبيناها من خلال كلام الحازمي نفسه, أو خلال نقل بعض الأئمة عنها كما سيأتي ذكره.
2. ابن كثير, البداية والنهاية, 12/332.
3. حُقِقَ الكتاب أكثر من مرة منها: نسخة دار المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن ـ الهند, وقام بتحقيقه أفاضل الدار منهم: السيد هاشم الندوي, المعلمي اليماني وآخرون وصدر منه الطبعة الثانية 1359هـ. ونسخة دار العلمية, لبنان ـ بيروت, بتحقيق: زكريا عميرات, 1416هـ ـ1996م(ط1).
4. الجزائري, توجيه النظر إلى أصول الأثر, 1/545.
5. السخاوي, فتح المغيث, 3/84.
6. الزيلعي, نصب الراية, انظر: الجزء الأول: 76, 77, 78, 88, 115, 124, 204, 222, 223, 265, 294. الجزء الثاني: 2, 23 28, 65, 66, 72, 77, 85, 114, 2, 184, 185, 240, 341, 342. الجزء الثالث: 18, 47, 109, 178, 179, 297, 322, 339, 389, 395, 425, 431. الجزء الرابع: 264, 396, 436.
7. ابن حجر, التخليص الحبير, انظر: الجزء الأول: 14, 48, 102, 107, 122, 125, 131, 134, 254. ج2, 281, ج3, 155, ج4, 52.
8. انظر ذلك: ابن حجر, فتح الباري, وخاصة الأبواب التي تحتمل النسخ, ومن ذلك: باب زيارة القبور أي مشروعيتها 3/148. و باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة 9/167. و باب لحوم الخيل 9/649. و باب الفرق 10/361. وغيرها.
9. الملا على القاري, مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح, انظر: ج4, 209, 412. ج6, 327, ج10, 86, وغيرها.
10. العظيم أبادي, عون المعبود, انظر: الجزء الأول: 97, 211, 212, 215, 264. الجزء الثاني: 45, 307, 354. الجزء الثالث: 50, 51, 52, 130, 242. الجزء الثامن: 7. الجزء العاشر: 188, 221.
11. المباركفوري, تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي, انظر في الجزء الأول فقط: 216, 229, 231, 233, 234, 309, 403, 404, 410, 492, 498, 499, 509, 510.
12. الشوكاني, نيل الأوطار, انظر في الجزء الأول فقط: 45, 78, 247, 252, 276, 420.
13. الذهبي, سير أعلام النبلاء, 21/167ـ168. الصفدي, الوافي في الوفيات, 1/620. السبكي, طبقات الشافعية الكبرى, 4/8.
14. ابن حجر, تلخيص الحبير, 1/56.
15. المصدر السابق 1/111.
16. قلت: وهو مطبوع مرتين: الأولى بعنوان: عجالة المبتدئ وفضالة المنتهي في النسب, حققه: محمد زينهم، وعائشة التهامي، ومديحة الشرقاوي, ونشر في القاهرة, مكتبة مدبولي، 1998م. والثانية: عام 1384ه في مجمع اللغة العربية بمصر, بتحقيق: عبد الله كنون. ثم أعيد عام 1393ه.
17. السيوطي, تدريب الراوي, 2/385.
18. ابن حجر, النكت على مقدمة ابن الصلاح, 1/ 144.
19. مطبوع: بتحقيق سعود بن عبد الله الريحاني. ط(1) - الرياض، السعودية: مكتبة الرشد, ناشرون، 2007. سلسلة الرشد للرسائل الجامعية, 192.
20. ذكره الحاجي خليفة في كشف الظنون انظر: 2/ 1739.
21. الزركشي, النكت على مقدمة ابن الصلاح, 1/84.
22. انظر: الحازمي, شروط الأئمة الخمسة, ص60. فاروق حمادة, مقدمة تحقيق كتاب الضعفاء لأبي نعيم الأصبهاني ص30.
23. السيوطي, إتمام الدراية لقراء النقاية, ص65.
24. السيوطي, تدريب الراوي, 2/372.
25. الحازمي, شروط الأئمة, 40. قلت: والغريب أن كل من ترجم للحازمي, أو من تخصص بذكر المؤلفين والمؤلفات ككشف الظنون والرسالة المستطرفة لم يذكروا جميعاً هذا الكتاب رغم أهميته كما يتضح في قول الكوثري القادم.
26. الذهبي, سير أعلام النبلاء, 21/167ـ168.
27. الكوثري, مقدمة تحقيق شروط الأئمة, ص 9.
28. الصفدي, الوافي في الوفيات, 1/620.
29. السيوطي, إتمام الدراية لقراء النقاية, ص65.
30. حقق الكتاب وطبع مرتين؛ الأولى: وهي نسخة حسام الدين المقدسي المطبوعة في القاهرة سنة 1357هـ وصححها الشيخ محمد زاهد الكوثري. وقد طبعت مع شروط الأئمة الستة لابن طاهر. وقد أعادت دار الكتب العلمية طباعتها في عام 1984م -1405هـ (ط1) وذكروا أنهم اعتمدوا نسخة المقدسي.
الثانية: حققها الشيخ عبد الفتاح أبوغدة ضمن " ثلاث رسائل في مصطلح الحديث" رسالة أبي داود, شروط الأئمة الستة, ثم شروط الأئمة الخمسة, والتي طبعها مكتب المطبوعات الإسلامية (ط2)1426هـ - 2005م.
31. انظر ذلك: الحازمي, شروط الأئمة الخمسة, ص 31_71.
32. الحازمي, العجالة, ص2. "بتصرف".
33. الحازمي, شروط الأئمة الخمسة, ص 55.
34. المصدر السابق ص50.
35. الكوثري, مقدمة تحقيق شروط الأئمة الخمسة 9.