فريق منتدى الدي في دي العربي
05-11-2016, 04:06 AM
قال الله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور : 31]
يرد على آية الإذن في إبداء ما ظهر من الزينة سؤال هو: هل دلالة قوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} هي نفس دلالة كلمة (إلا الوجه والكفين)؟
وجواب السؤال: أن الآية لم تبين الذي يظهر من الزينة والذي هو مستثنى من التحريم، وهو يحتمل أحد تفسيرين:
أحدهما: ما ظهر بحسب العرف، وبحسب هذا التفسير يجب أن يقيد ما يجوز أن تظهره النساء في جميع الأزمنة والأمكنة، لأن الرخصة لو كانت منوطة بعرف نساء أي زمان وأي مكان لأدى ذلك إلى إبداء زينة ما سوى الوجه والكفين وذلك محرم بالإجماع على خلاف ضعيف في القدم والساعد، وهذا ينافي مقصد الشارع من الأمر بإخفاء الزينة، ولو كانت الرخصة كذلك لأدى إلى تفاوت ما يجوز شرعا أن يظهر بين بلد وآخر وبين زمان وآخر، ولا قائل بذلك من أهل العلم.
وإذا تقرر أن العرف واجب الاتباع بحسب هذا التفسير هو عرف نساء الصحابة فقط، فماذا كان عرفهن بعد اكتمال الدين؟ وإذا أخذنا بتفسير بعض الصحابة لما أذن في إظهاره بأنه الوجه والكف أو ما في الوجه والكف فما الراجح من هاتين الكلمتين، لأن كلمة (ما في الوجه) لا تستلزم إلا إبداء عين أو عينين لضرورة إبصار الطريق ولا تستلزم إبداء كامل الوجه، وهذا حق ولا يعارض قول من أوجب ستر الوجه. ولو ثبت أن الراجح في تفسير الصحابة للآية هو إبداء كامل الوجه فهل كان ذلك آخر ما أمرن به، وهل الآية التي أمر النساء فيها بإدناء الجلابيب ناسخة أو منسوخة؟ قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وحقيقة الأمر: أن الله جعل الزينة زينتين: زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة وجوز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم. وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب يرى الرجل وجهها ويديها وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين وكان حينئذ يجوز النظر إليها لأنه يجوز لها إظهاره ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} حجب النساء عن الرجال وكان ذلك لما تزوج زينب بنت جحش فأرخى الستر ومنع النساء أن ينظرن ولما اصطفى صفية بنت حيي بعد ذلك عام خيبر قالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإلا فهي مما ملكت يمينه، فحجبها. فلما أمر الله أن لا يسألن إلا من وراء حجاب وأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن. و"الجلباب" هو الملاءة وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره الرداء وتسميه العامة الإزار وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها. وقد حكى أبو عبيد وغيره: أنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إلا عينها ومن جنسه النقاب: فكن النساء ينتقبن. وفي الصحيح أن المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين فإذا كن مأمورات بالجلباب لئلا يعرفن وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنقاب: كان الوجه واليدان من الزينة التي أمرت ألا تظهرها للأجانب فما بقي يحل للأجانب النظر إلا إلى الثياب الظاهرة فابن مسعود ذكر آخر الأمرين وابن عباس ذكر أول الأمرين".
التفسير الثاني: أن المستثنى هو ما ظهر بمقتضى الحاجة، وعليه، فمتى احتاجت المرأة إلى إبداء وجهها أبدته وإذا انتفت الحاجة سترته، فلا ينافي هذا التفسير قول من أوجب ستر الوجه. لكن الناظر في كلام الفقهاء يجد أن كثيرا منهم عدوا حاجة المرأة إلى إبداء وجهها حاجة عامة، ولذلك جوزوا للمرأة التي لا حاجة بها إلى إبداء وجهها أن تبديه، إضافة إلى أنهم قاسوا ما يظهر من المرأة حال الصلاة بما تظهره أمام الأجانب، وأرى أن قولهم في هذه المسألة ضعيف، ولا يسلم لهم أن إبداء النساء وجوههن حاجة عامة لاسيما في زماننا، فهل معظم نساء زماننا، أمي وأمك وأختي وأختك وبنتي وبنتك، يخرجن كل يوم إلى السوق لشراء حاجات البيت؟! وهل إذا خرجن يحتجن إلى أن يرى البائع وجوههن حتى يعلم شخصيتهن للحاجة للمطالبة بحقه إذا تخلفن عن السداد؟! وما نسبة النساء في المجتمع اللاتي يحتجن إلى كشف وجوههن في معاملاتهن؟ الظاهر أن نسبتهن لا تؤيد قول من يقول إنها حاجة عامة.
ولا يسلم للفقهاء أيضا قياس إبداء الوجه في الصلاة على إبدائه عند الأجانب، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طردا ولا عكسا" ويعني رحمه الله بعورة النظر ما يجب أن يستر لأجل نظر الأجانب. فاللباس في الصلاة لأجل أخذ الزينة لا لمجرد ستر العورة، كما قال تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} واللباس عند الأجانب لأجل إخفاء الزينة لا لمجرد ستر العورة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فإن الفقهاء يسمون ذلك: (باب ستر العورة) وليس هذا من ألفاظ الرسول ولا في الكتاب والسنة أن ما يستره المصلي فهو عورة، بل قال تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}".
وإذا تبين هذا فلا يصح قياس أحدهما على الآخر.
وقد يقول قائل إن علة ستر الزينة لأجل النظر منقوضة بأن الإماء لم يكن واجبا عليهن ستر وجوههن ولا رؤوسهن وهن نساء يشتهى منهن ما يشتهى من الحرائر، فالجواب:
- أن الله فرق بين الحرائر والإماء فيجب الوقوف عند أمره وأن لا تبدي الحرة من زينتها شيئا إلا حال الحاجة،
- وأن الإماء كن خدما مبتذلات يكثرن التصرف فيحتجن إلى التخفف من اللباس ما لا تحتاجه الحرة. ولا يتعرض لهن إلا خسيس،
- وأن من العلماء من أوجب على الأمة الجميلة التي تفتن بحسنها الاستتار، وهذا هو الحق. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وَقَدْ كَانَتْ الْإِمَاءُ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ يَمْشِينَ فِي الطُّرُقَاتِ وَهُنَّ مُتَكَشِّفَاتِ الرُّءُوسِ، وَتَخْدُمُ الرِّجَالَ مَعَ سَلَامَةِ الْقُلُوبِ، فَلَوْ أَرَادَ الرِّجَالُ أَنْ يَتْرُكَ الْإِمَاءَ التُّرْكِيَّاتِ الْحِسَانَ يَمْشِينَ بَيْنَ النَّاسِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ وَالْأَوْقَاتِ، كَمَا كَانَ أُولَئِكَ الْإِمَاءُ يَمْشِينَ كَانَ هَذَا مِنْ بَابِ الْفَسَادِ".
وليقل لنا هذا المدعي: إذا لم تكن تغطية المرأة رأسها لأجل النظر فلأي شيء؟ ولماذا تبديه لمحارمها المأمونين بحكم الجبلة وتستره عن الأجانب؟ إن كل عالم بالشرع يعلم أن ذلك الستر الواجب إنما هو سد لذريعة الحرام لا لمجرد التعبد.
وختاما: أود أن أرد قول من قاس على ترخيص الله عز وجل للنساء في إبداء زينة العين وهي الكحل، وزينة الكف وهي الخضاب، فقاس على ذلك تعمد النساء التجمل للخروج، وهذا قول باطل، لأن الله عز وجل إنما رخص فيما رخص فيه للمشقة الشديدة بإلزام المرأة بإزالة الخضاب من يديها والكحل من عينيها كلما أرادت الخروج لأن هذه الزينة تتزين بها في بيتها لأجل زوجها وهي إنما تبديها إذا خرجت لضرورة رؤية الطريق ومسك الأشياء فليس الإبداء للزينة اختياريا.
وتأملوا إخواني في الآية التي صدرت بها مقالتي هذه، تجدون فيها من الدلالات على أن الله يريد من المؤمنات المبالغة في التستر شيئا كثيرا، ومن ذلك:
١- أن الله عز وجل نهى عن إبداء الزينة ثم استثنى، فلم يقل سبحانه "لا جناح على النساء في إبداء زينتهن"، وهذه إشارة إلى أن الأصل عدم إبدائها، وأن إبداءها رخصة تفضل الله بها للحاجة.
٢- أنه تعالى ذكر الحال -بتشديد اللام- وأراد المحل، مبالغة في النهي عن الإبداء؛ لأن إبداء ما كان منفصلا عن أبدانهن إذا كان منهيا عنه فإبداء المتصل أولى بالنهي.
٣- أن الله سبحانه أسند الظهور إلى الزينة نفسها لا إلى المرأة بقوله: {إلا ما ظهر منها}، فلم يقل: "إلا ما أظهرن منها"، وهذا إشارة إلى أنهن مكرهات على إظهاره للحاجة، وأن المؤمنة لولا الحاجة ما أظهرته ولا أحبت ظهوره.
٤- في قوله سبحانه بعدها: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} دون قوله: "وليسترن جيوبهن" أو "وليرخين خمرهن على جيوبهن" دلالة على أن الواجب هو الضرب بخصوصه، والمراد بالضرب: تمكين الوضع، فلا يكفي أن يستر الخمار بما ينكشف المستور مع الحركة أو هبوب الريح.
ما رأي الإخوة فيما تقدم، وأي التفسيرين ترجحون، أن يكون المستثنى الإبداء بحسب العرف، أو بمقتضى الحاجة؟.
يرد على آية الإذن في إبداء ما ظهر من الزينة سؤال هو: هل دلالة قوله تعالى: {إلا ما ظهر منها} هي نفس دلالة كلمة (إلا الوجه والكفين)؟
وجواب السؤال: أن الآية لم تبين الذي يظهر من الزينة والذي هو مستثنى من التحريم، وهو يحتمل أحد تفسيرين:
أحدهما: ما ظهر بحسب العرف، وبحسب هذا التفسير يجب أن يقيد ما يجوز أن تظهره النساء في جميع الأزمنة والأمكنة، لأن الرخصة لو كانت منوطة بعرف نساء أي زمان وأي مكان لأدى ذلك إلى إبداء زينة ما سوى الوجه والكفين وذلك محرم بالإجماع على خلاف ضعيف في القدم والساعد، وهذا ينافي مقصد الشارع من الأمر بإخفاء الزينة، ولو كانت الرخصة كذلك لأدى إلى تفاوت ما يجوز شرعا أن يظهر بين بلد وآخر وبين زمان وآخر، ولا قائل بذلك من أهل العلم.
وإذا تقرر أن العرف واجب الاتباع بحسب هذا التفسير هو عرف نساء الصحابة فقط، فماذا كان عرفهن بعد اكتمال الدين؟ وإذا أخذنا بتفسير بعض الصحابة لما أذن في إظهاره بأنه الوجه والكف أو ما في الوجه والكف فما الراجح من هاتين الكلمتين، لأن كلمة (ما في الوجه) لا تستلزم إلا إبداء عين أو عينين لضرورة إبصار الطريق ولا تستلزم إبداء كامل الوجه، وهذا حق ولا يعارض قول من أوجب ستر الوجه. ولو ثبت أن الراجح في تفسير الصحابة للآية هو إبداء كامل الوجه فهل كان ذلك آخر ما أمرن به، وهل الآية التي أمر النساء فيها بإدناء الجلابيب ناسخة أو منسوخة؟ قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وحقيقة الأمر: أن الله جعل الزينة زينتين: زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة وجوز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم. وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب يرى الرجل وجهها ويديها وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين وكان حينئذ يجوز النظر إليها لأنه يجوز لها إظهاره ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} حجب النساء عن الرجال وكان ذلك لما تزوج زينب بنت جحش فأرخى الستر ومنع النساء أن ينظرن ولما اصطفى صفية بنت حيي بعد ذلك عام خيبر قالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإلا فهي مما ملكت يمينه، فحجبها. فلما أمر الله أن لا يسألن إلا من وراء حجاب وأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن. و"الجلباب" هو الملاءة وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره الرداء وتسميه العامة الإزار وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها. وقد حكى أبو عبيد وغيره: أنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إلا عينها ومن جنسه النقاب: فكن النساء ينتقبن. وفي الصحيح أن المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين فإذا كن مأمورات بالجلباب لئلا يعرفن وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنقاب: كان الوجه واليدان من الزينة التي أمرت ألا تظهرها للأجانب فما بقي يحل للأجانب النظر إلا إلى الثياب الظاهرة فابن مسعود ذكر آخر الأمرين وابن عباس ذكر أول الأمرين".
التفسير الثاني: أن المستثنى هو ما ظهر بمقتضى الحاجة، وعليه، فمتى احتاجت المرأة إلى إبداء وجهها أبدته وإذا انتفت الحاجة سترته، فلا ينافي هذا التفسير قول من أوجب ستر الوجه. لكن الناظر في كلام الفقهاء يجد أن كثيرا منهم عدوا حاجة المرأة إلى إبداء وجهها حاجة عامة، ولذلك جوزوا للمرأة التي لا حاجة بها إلى إبداء وجهها أن تبديه، إضافة إلى أنهم قاسوا ما يظهر من المرأة حال الصلاة بما تظهره أمام الأجانب، وأرى أن قولهم في هذه المسألة ضعيف، ولا يسلم لهم أن إبداء النساء وجوههن حاجة عامة لاسيما في زماننا، فهل معظم نساء زماننا، أمي وأمك وأختي وأختك وبنتي وبنتك، يخرجن كل يوم إلى السوق لشراء حاجات البيت؟! وهل إذا خرجن يحتجن إلى أن يرى البائع وجوههن حتى يعلم شخصيتهن للحاجة للمطالبة بحقه إذا تخلفن عن السداد؟! وما نسبة النساء في المجتمع اللاتي يحتجن إلى كشف وجوههن في معاملاتهن؟ الظاهر أن نسبتهن لا تؤيد قول من يقول إنها حاجة عامة.
ولا يسلم للفقهاء أيضا قياس إبداء الوجه في الصلاة على إبدائه عند الأجانب، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طردا ولا عكسا" ويعني رحمه الله بعورة النظر ما يجب أن يستر لأجل نظر الأجانب. فاللباس في الصلاة لأجل أخذ الزينة لا لمجرد ستر العورة، كما قال تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} واللباس عند الأجانب لأجل إخفاء الزينة لا لمجرد ستر العورة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فإن الفقهاء يسمون ذلك: (باب ستر العورة) وليس هذا من ألفاظ الرسول ولا في الكتاب والسنة أن ما يستره المصلي فهو عورة، بل قال تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}".
وإذا تبين هذا فلا يصح قياس أحدهما على الآخر.
وقد يقول قائل إن علة ستر الزينة لأجل النظر منقوضة بأن الإماء لم يكن واجبا عليهن ستر وجوههن ولا رؤوسهن وهن نساء يشتهى منهن ما يشتهى من الحرائر، فالجواب:
- أن الله فرق بين الحرائر والإماء فيجب الوقوف عند أمره وأن لا تبدي الحرة من زينتها شيئا إلا حال الحاجة،
- وأن الإماء كن خدما مبتذلات يكثرن التصرف فيحتجن إلى التخفف من اللباس ما لا تحتاجه الحرة. ولا يتعرض لهن إلا خسيس،
- وأن من العلماء من أوجب على الأمة الجميلة التي تفتن بحسنها الاستتار، وهذا هو الحق. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وَقَدْ كَانَتْ الْإِمَاءُ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ يَمْشِينَ فِي الطُّرُقَاتِ وَهُنَّ مُتَكَشِّفَاتِ الرُّءُوسِ، وَتَخْدُمُ الرِّجَالَ مَعَ سَلَامَةِ الْقُلُوبِ، فَلَوْ أَرَادَ الرِّجَالُ أَنْ يَتْرُكَ الْإِمَاءَ التُّرْكِيَّاتِ الْحِسَانَ يَمْشِينَ بَيْنَ النَّاسِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ وَالْأَوْقَاتِ، كَمَا كَانَ أُولَئِكَ الْإِمَاءُ يَمْشِينَ كَانَ هَذَا مِنْ بَابِ الْفَسَادِ".
وليقل لنا هذا المدعي: إذا لم تكن تغطية المرأة رأسها لأجل النظر فلأي شيء؟ ولماذا تبديه لمحارمها المأمونين بحكم الجبلة وتستره عن الأجانب؟ إن كل عالم بالشرع يعلم أن ذلك الستر الواجب إنما هو سد لذريعة الحرام لا لمجرد التعبد.
وختاما: أود أن أرد قول من قاس على ترخيص الله عز وجل للنساء في إبداء زينة العين وهي الكحل، وزينة الكف وهي الخضاب، فقاس على ذلك تعمد النساء التجمل للخروج، وهذا قول باطل، لأن الله عز وجل إنما رخص فيما رخص فيه للمشقة الشديدة بإلزام المرأة بإزالة الخضاب من يديها والكحل من عينيها كلما أرادت الخروج لأن هذه الزينة تتزين بها في بيتها لأجل زوجها وهي إنما تبديها إذا خرجت لضرورة رؤية الطريق ومسك الأشياء فليس الإبداء للزينة اختياريا.
وتأملوا إخواني في الآية التي صدرت بها مقالتي هذه، تجدون فيها من الدلالات على أن الله يريد من المؤمنات المبالغة في التستر شيئا كثيرا، ومن ذلك:
١- أن الله عز وجل نهى عن إبداء الزينة ثم استثنى، فلم يقل سبحانه "لا جناح على النساء في إبداء زينتهن"، وهذه إشارة إلى أن الأصل عدم إبدائها، وأن إبداءها رخصة تفضل الله بها للحاجة.
٢- أنه تعالى ذكر الحال -بتشديد اللام- وأراد المحل، مبالغة في النهي عن الإبداء؛ لأن إبداء ما كان منفصلا عن أبدانهن إذا كان منهيا عنه فإبداء المتصل أولى بالنهي.
٣- أن الله سبحانه أسند الظهور إلى الزينة نفسها لا إلى المرأة بقوله: {إلا ما ظهر منها}، فلم يقل: "إلا ما أظهرن منها"، وهذا إشارة إلى أنهن مكرهات على إظهاره للحاجة، وأن المؤمنة لولا الحاجة ما أظهرته ولا أحبت ظهوره.
٤- في قوله سبحانه بعدها: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} دون قوله: "وليسترن جيوبهن" أو "وليرخين خمرهن على جيوبهن" دلالة على أن الواجب هو الضرب بخصوصه، والمراد بالضرب: تمكين الوضع، فلا يكفي أن يستر الخمار بما ينكشف المستور مع الحركة أو هبوب الريح.
ما رأي الإخوة فيما تقدم، وأي التفسيرين ترجحون، أن يكون المستثنى الإبداء بحسب العرف، أو بمقتضى الحاجة؟.