مشاهدة النسخة كاملة : صناعة القدوة


فريق منتدى الدي في دي العربي
05-11-2016, 04:06 AM
صناعة القدوة

صفاء ربيع




القدوة أو الأسوة هو من يتبعه الناس ويقتدون به أي يتخذونه قائداً، ويرون فيه تحقق الفضائل والخصال الحميدة.

فالنفس البشرية السوية والفطرة السليمة تتطلع دائماً إلى المعالى والخلق القويم، فإذا رأت تحققها في شخص ما زادت قناعتها بقدرتها على التأسي وبلوغ الكمال مثله.

والقدوة نوعان: قدوة حسنة مطلقة: كرسول الله - صلى الله عليه وسلم – والأنبياء -عليهم صلوات الله-.

وقدوة حسنة مقيدة: في أحد جوانب الحياة فلن يعدم كل شخص أن يكون عنده ما يميزه ويقتدى به في هذا الجانب دون باقي شخصيته فهذا عثمان -رضي الله عنه - في الحياء وهذا عمر -رضي الله عنه - في العدل وهذا خالد -رضي الله عنه - في الشجاعة والإقدام، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجه أصحابه ويربيهم بلفت أنظارهم إلى جوانب القدوة والتأسي في كل واحد منهم "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في دين الله عمر وأصدقها حياء عثمان وأفرضهم زيد وأقرؤهم أُبيٌّ وأعلمهم بالحلال والحرام معاذُ بن جبل وإن لكل أمة أمينا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)).

وقدوة سيئة زائفة: كمن يتخذ المطربين والمطربات وأمثالهم قدوة يقلد أفعالهم وكلامهم وقصات شعورهم ويتشبه بهم ولو أن يقذف في النار.

يخلِّد القرآن الكريمُ الفرعونَ القديم لمصر، حين يجعله مثالاً لأنذل قدوة بشرية في التاريخ القديم، والله يقول عنه وعن أشياعه: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ)، كيف وذلك الفرعونُ القديم: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ)، بئست القدوة، وهو يستخف بقومه ثم يطيعونه ولازال الفراعنة يتوالون ولازال أتباعهم يتهاوون خلفهم في النار.

أهمية القدوة:

1- أهم وسائل التربية:

من الاحتياجات الأساسية عند الإنسان وجود قدوة يحاكيه ويقلده.

انظر إلى عين طفل صغير وهو يرقب من حوله ويسجل كل حركاتهم وسكناتهم هو يختار قدوته تبعا لأكثرهم تأثيراً وهالة.

الله –عز وجل- أخبر البشر حين اعترضوا على بشرية الرسول ( لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولا)، فلا يلزمكم ملائكة بل ما تحتاجونه هو بشر مثلكم تتحقق فيه المثل العليا فيسهل عليكم اتباعه والاقتداء به.

ولأهمية وجود القدوة اختار الله - عز وجل - لنا القدوة التي يجب علينا أن نتأسى بها ( لقد كان لكم في رسول لله أسوة حسنة) الأحزاب21

( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) الممتحنة4 واختار لرسوله الكريم قدوة ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) الأنعام90

وحثنا أيضاً أن نكون نحن موضع قدوة وأن نتميز بديننا وسمتنا (( تنظفوا حتى تكونوا كالشامة بين الأمم)).

وأثنى على قوم وصفهم بعباد الرحمن الذين يسألونه - تعالى -أن يجعلهم للمتقين إماماً ( ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً) الفرقان74

كم مرة ارتدت ابنتك حجابك أو وضعت مكياجك وعطورك، وكم من مرة قام ابنك بحلاقة ذقنه تقليداً لك.

انتبه هم أيضاً يسجلون الانفعالات وردود الافعال فيكون الشبه ظاهرياً وباطنياً.

فإذا أردت ولداً صالحاً باراً فكن أباً صالحاً قدوة.

وإذا أردت فتاة مهذبة بارة فكونى أما مهذبة قدوة.

قال أب لابنه يا بني انتبه لخطواتك ألا تزل، قال: يا أبي بل انتبه أنت لخطواتك فأنا أتبعها.

2- أفضل طرق الدعوة إلى الله:

( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) فصلت33

وهل انتشر الإسلام في الهند والصين وكثير من البلدان إلا عن طريق التجار المسلمين وأمانتهم وحسن أخلاقهم وجميل فعالهم. ؟

3- أثر القدوة عام وأشمل

فبإمكان جميع الناس أن يتأسوا بالفعل مهما كانت ثقافتهم أو مستوياتهم ففعل رجل يعادل آلاف الكتب ومئات المواعظ؛ لذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلم الصحب الكرام بالقدوة (( صلوا كما رأيتموني أصلي)) (( خذوا عنى مناسككم)) إلقاؤه الخاتم، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اتخذَ خاتمًا فلبِسَه فقال: (( شغلني هذا عنكم منذُ اليومَ، إليه نظرةٌ وإليكم نظرةٌ، ثم ألقاه)).

4- خطورة القدوة من أثرها الذى تحدثه

قال - صلى الله عليه وسلم -: (( مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئة فعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ)).

وهذا ابن آدم أول من قتل كيف به وقد حمل وزر كل نفس تقتل من عهد آدم - عليه السلام -. (( لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا؛ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ)).

القدوة ينخدع ببروزه حتى الكيس الفطن فهذا خالد -رضي الله عنه - يتأخر اسلامه عشرون سنة؛ لأنه اتخذ قدوة سيئة من زعماء قومه قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاتباً: (( أين كان عقلك يا خالد؟! فلم ترَ نور النبوة بين ظهرانيكم منذ عشرين سنة؟! فقال خالد: "كان أمامنا رجال كنا نرى أحلامهم كالجبال)).

اصنع من نفسك قدوة.

1- العلم

تعلم ثم تعلم ثم تعلم ولا تترك التعلم حتى يأتيك اليقين تعلم علم الدين الشرعي تعلم في تخصصك الحياتي تعلم أن تطور نفسك وتكتسب خبرات جديدة لا تقل اكتفيت أو كبرت أو علمت فمن قالهم فقد جهل وخسر.

هناك دائماً الجديد لتعلمه هناك دائماً الأحدث لنواكبه.

العلم يرفع صاحبه ليكون في مكانة بين الأنبياء والشهداء ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات).

والمتعلم المتطور يكبره من حوله ويتخذونه قدوة فلا تتكبر على التعلم واطلب العلم ولو في الصين وتواضع لمن تعلم منه انظر إلى الإمام أبى حنيفة وتعلمه من حجام يقول - رحمه الله -:

" أخْطأْتُ في خمسة أبواب من المناسك بِمكَّة، فَعَلَّمَنيها حجَّام، وذلك أنَّني أردْتُ أن أحْلِقَ لأَخْرجَ من الإحرام، فأتَيْتُ حلاَّقًا، وقلتُ: بِكَم تحْلق لي رأسي؟ فقال الحجَّامُ: هداكَ الله، النُّسُك لا يُشارطُ عليه، اِجْلس ثمَّ ادْفع ما تريد، وكانت هذه مخالفة، لأنّ النُّسُك لا يُشارط عليه، ولا يُساوَم، قال: فَخَجِلْتُ وجلسْتُ، غير أنَّنِي جلسْتُ منحرفًا عن القِبْلة، فأَوْمَأ إليّ بِأنْ اسْتقبِلِ القِبْلة، ففعلْتُ وازْدَدْتُ خجلاً على خجلي، ثمّ أعْطيتُهُ رأسي من جانبي الأيْسَر لِيَحْلقهُ، فقال: أدِرْ شِقَّك الأيْمن، فأَدَرْتُهُ، وجعَلَ يحْلِقُ رأسي، وأنا ساكتٌ أنظر إليه، وأعْجبُ منه! فقال لي: ما لي أراك ساكتًا؟ كَبِّرْ، فجَعَلْتُ أُكبِّر حتى قُمْتُ لأَذْهب، فقال: أين تريد؟ فقلتُ: أريد أن أمضي إلى رحلي، فقال: صلِّ ركْعتين ثمَّ امْضِ إلى حيثُ تشاء.

قال: فصلَّيْتُ ركْعتين، وقلتُ في نفسي: ما ينبغي أن يقعَ مثلُ هذا مِن حجَّام، فقلْتُ له: مِن أيْنَ لك ما أمرْتني به من المناسك؟ فقال: لله أنت، لقد رأيْت عطاء بن أبي رباح يفعلُهُ، فأخذْتُ عنه، ووجَّهْتُ الناس إليه، فكان الحجّام تلميذَ عطاء بن أبي رباح". إذن تعلم وعلم غيرك "التمسوا العلم في كل المجالات وتفوقوا فيه، فاذا أتقنت فنا التمس آخرا سجلوا في الجامعات المفتوحة، فكما يرتفع شأن المتعلم في الدنيا بدرجاته العلمية يرتفع شأنه في الآخرة، فإذا غاب العلماء القدوة اتخذ الناس الجهلاء قدوة، واذكروا حديث قبض العلم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا))، هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم ليس هو محوه من صدور حفاظه، ولكن معناه أنه يموت حملته، ويتخذ الناس جهالاً يحكمون بجهالتهم فيضلونهم؛ بغياب القدوة الحقيقية يظهر الجهلاء ويعم الفساد.

2- الصلاح والورع: -

فالقدوة يتميز بصلاحه وتقواه لا يتطلع إلى ما عند الناس ويتعفف عن السؤال ولو سوطه اذا وقع أن يناوله أحد وهو على فرسه، هو لا يخالط الدهماء ’ولا يكون ثرثاراً’ ولا يعرف اللغو ’يستعلى بالحق على الباطل ويتواضع لله.

الصلاح والتقوى سمة من سمات القدوة الحسنة (واجعلنا للمتقين إماماً)، والناس ينظرون للقدوة بمنظار فانتبه لأفعالك فخطؤك ليس كخطأ غيرك.

رأى عمر بن الخطاب ثوبًا معصفرًا على طلحة -رضي الله عنه- فقال: " مستنكرا "إنكم -أيها الرهط- أئمة يقتدي بكم الناس"

وكان -رضي الله عنه - أكثر تحرزا مع أهل بيته فإذا صعد المنبر فنهى الناس عن شيء، جمع أهله فقال: " إني نهيت الناس عن كذا وكذا ’وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم ’وأقسم بالله لا أجد أحداً منكم فعله إلا أضعفت عليه العقوبة".

فالناس كما ينظرون إلى الداعية في أعماله وتصرفاته ينظرون إلى أسرته وأهل بيته وإلى مدى تطبيقهم لما يقول، ويدعوهم إليه.

3- القدوة بالأفعال لا بالأقوال

في صلح الحديبية وبعد أن فرغ الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، من كتابة الصلح مع قريش، «أمر - عليه الصلاة والسلام - الصحابة أن ينحروا ثم يحلقوا من أجل أن يتحللوا من عمرتهم؛ لأنهم قد حصروا ومنعوا من البيت، يقول الراوي: فوالله ما قام منهم رجل واحد حتى قال ذلك ثلاث مرات.. فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة - رضي الله عنها-: يا رسول الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو حالقك فيحلق لك، فقام فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنته، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعض حتى كاد ان يقتل بعضهم بعضا.

يروى أن أبا جعفر الأنباري صاحب الِإمام أحمد عندما أُخبر بحمل الإِمام أحمد للمأمون في الأيام الأولى للفتنة، عبر الفرات إليه فإذا هو جالس في الخان، فسلم عليه، وقال: يا هذا أنت اليوم رأسٌ والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبتَ إلى خلق القرآن ليجيبنَّ بإجابتك خلق من خلق الله، وإن أنت لم تجب ليمتنعنَّ خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل- يعني المأمون - إن لم يقتلك فأنت تموت، ولا بد من الموت فاتق الله ولا تجبهم إلى شيء. فجعل أحمد يبكي ويقول: ما قلت؟ فأعاد عليه فجعل يقول: ما شاء الله، ما شاء الله.

وتمر الأيام عصيب.. أحد أصحابه يدخل عليه أيام المحنة ويقول له: "يا أستاذ قال الله - تعالى -: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء: 29] فقال أحمد: يا مروزي اخرج، انظر أي شيء ترى!!! قال: فخرجتُ إلى رحبة دار الخليفة فرأيت خلقًا من الناس لا يحصي عددهم إلا الله والصحف في أيديهم والأقلام والمحابر في أذرعتهم، فقال لهم المروزي: أي شيء تعملون؟ فقالوا: ننظر ما يقول أحمد فنكتبه، قال المروزي: مكانكم. فدخل إلى أحمد بن حنبل فقال له: رأيت قومًا بأيديهم الصحف والأقلام ينتظرون ما تقول فيكتبونه فقال: يا مروزي أضل هؤلاء كلهم!! أقتل نفسي ولا أضل هؤلاء.

4- قلة المخالطة:

فلصاحب القدوة الحسنة هيبة وهالة ويرسم له المقتدون صورة مثالية تحفزهم على بلوغ الكمال، فإذا كثرت خلطته معهم سقطت هيبته ووقع في اللغو والخطأ الذى يتنافى مع تلك الصورة لذلك على القدوة أن يقلل من المباحات ويلزم نفسه بالعزائم فيما يفعله.

ولا يوجد خلط بين حفظ الهيبة والكبر ’ يظهر هذا في سلوكه وخلقه فهو متواضع ولكنه غير مبتذل.

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اذا صلى الصبح جلس في مجلسه حتى تطلع الشمس وكان أصحابه حوله يتناشدون الشعر ويتذاكرون أيام الجاهلية ويضحكون وهو ساكت وربما يبتسم.

5- ألا يخالف قوله فعله:

(يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).

القدوة يفعل ولا يتكلم ويطابق قوله فعله (ولا أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) فالناس ينظرون إلى فعله قبل قوله تسبق العين الأذن. هذا ملك عمان التقى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال كلمة دقيقة بالغة الدقة قال: والله ما دلني على هذا النبي الأمي، إلا أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له وأنه يغِلب فلا يبطر، ويُغلب فلا يضجر، ويفي بالعهد، وينجز الوعد. فلا تنشغل بالإثبات والبراهين والحجج على كلامك افعل ونفذ وأرى الناس الكلام عملا فهذا أبلغ دليل وأقوى حجة.

6- توقى الشبهات

والتحرز من التعرض لسوء الظن والاحتياط من كيد الشيطان والاعتذار، مر رجلان من الأنصار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في معتكفه ومعه صفية -رضي الله عنه - اتزوره، فسلما على رسول الله، - صلى الله عليه وسلم - وأسرعا، (( فقال لهما النبي، - صلى الله عليه وسلم -: على رسلكما إنما هي صفيةُ بنت حيي فقالا: سبحان الله يا رسول الله وكَبُر عليهم فقال النبي، - صلى الله عليه وسلم -: إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم وإني خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شيئا)).

ويقول ابن دقيق العيد: وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى بهم فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلًا يوجب سوء الظن بهم وإن كان لهم فيه مخلص؛ لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم.

7- أخلاق القدوة:

التخلق بالأخلاق الفاضلة واهمها الصدق والصبر والرفق والتواضع

الصدق الله –عز وجل- اختار للمهاجرين أن يكونوا مع الصادقين: (( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )) وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (( إن الرائد لا يكذب أهله)) فالريادة والقدوة تتحقق بالصدق فلا يعهد على القدوة كذب.

الصبر (( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآيتنا يوقنون) السجدة24 الإمامة تنال بالصبر فالجزع لا يصنع رجالاً فضلاً عن أبطال أئمة.

الرفق: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) الفظاظة والغلظة تخيف الناس وتنفرهم ولا تجمع القلوب ولا تؤلفهم والقدوة رفيق لين يجتمع الناس على مودته واكباره حباً لا نفرة وهيبة لا خشية.

التواضع: صفة ملازمة للقدوة الحق الذى يرجع الفضل لما هو فيه من نعمة إلى خالقه فيتواضع له ولخلقه خاصة الضعفاء منهم وهذه ميزة وخلق عظيم قلما ثبت عنده المشهورون المعروفون أما الكبر فهو أيضا صفة قبيحة ملازمة للقدوات الزائفة فهذا قارون الزائف الذى يتطلع الجميع ليكونوا مثله (.... يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون إنه لذو حظ عظيم) القصص79 فكان جوابه الكبر: ( إنما أوتيته على علم عندي..)

صناعة القدوات

أخطر الصناعات وأشدها تأثيراً وهذا ما فطن إليه أعداء الأمة فصنعوا لنا ولأجيالنا قدوات زائفة ولكنها لامعة براقة وأهملنا نحن صناعة القدوة وتركنا فلذات أكبادنا نهباً للأبطال الخارقين من لاعبي الكرة وصانعي الأفلام، وقد رصدت الجوائز والمهرجانات في كل المجالات وفنون الحياة والعلوم لصنع القدوات بدءاً من جائزة نوبل الى مسابقات ملكات الجمال ومهرجانات الأفلام، واذا اختاروا أحد العرب أو المسلمين ليفوز بجائزتهم فهم يحرصون على اختيار من يدعم مبادئهم وينشر فكرهم حتى في الروايات وصناع السلام مع اسرائيل وأشباههم.

إن الاستهانة بأهمية القدوة وابرازها وتقديمها وصناعتها خلق أجيالاً ضائعة تنظر للغرب نظر التعظيم والإجلال وتتبعهم وتقلدهم كما وصفهم الحديث حتى لو دخلوا جحر ضب دخلتموه وراءهم.

الأمة المسلمة تذخر بالقدوات الصالحة في تاريخها القديم والحديث وفى واقعها المعاصر أيضاً الكثير من القدوات الثقات.

فما الأسباب التي أدت إلى غياب القدوة المسلم؟ وبروز القدوات والمثل العليا من غير المسلمين؟

فأصبح نيلسون مانديلا رمزا للكفاح ’وأصبح جيفارا رمزا للتحرر ’وأصبحت الأم تريزا رمزاً للعطف على الفقراء، فضلا عن رموز الأزياء والذوق وغيرها؟

هناك أسباب من أعداء أمتنا المسلمة ليخضعوا النشء لعولمتهم وهذا هو الاستعمار الفكري والتبعية للغرب المنتصر المتقدم والعبودية الحديثة.

نشر مركز التخطيط الاستراتيجي "راند" دراسة عام 2005 بعنوان: "الإسلام المدني الديمقراطي"، وهذه الدراسة تضع خطوات عملية لترويجه، كان من توصياته: إتاحة المنابر الإعلامية للمسلمين المعتدلين الذين ينتقدون جوانب في القرآن الكريم وحياةَ النبي وأحكام الشريعة، وضرورة إظهارهم كقدوات بطولية وخضوع كل وسائل الإعلام المسموع والمنظور للغرب الصهيوني ليست مبالغة بل هو الواقع المرير.

بل إن مركز تطوير التعليم في أغلب الدول الإسلامية تخضع لمراكز التعليم الأجنبية والأمريكية تحديداً.

"ومن يأخذ ثقافته ويتعلم دينه من وسائل الإعلام لن يكون إلا مسخاً لا هوية له فقد تشبع فكره بالنماذج البعيدة عن الإسلام حتى في أفلام الكارتون، ولن يجد أبداً ولو من باب لإنصاف نموذجاً لمسلم يصلح أن يكون قدوة ’بل يقدم دائماً المسلم الملتزم بدينه كإرهابي أو متهاون في عمله أو متكسب بالحرام والنصب ’والمسلم المعتدل عندهم هو المتحرر الذى يهدم أركان الإسلام وثوابته. وهذه الأمور لا تخفى على عاقل

. وهناك أسباب من أنفسنا وبعض التصورات الدينية التي لم نحسن تأويلها:

1- إن الميت يقتدى به ولا يؤمن على حي فتنة

وهذه حقيقة ولكن اتخاذ القدوة من الأموات فقط لا يكفي ولا يغني كما أوضحنا سابقاً، الناس يتأثرون بالفعل أمامهم في زمانهم وهذا خير من ألف قول ووصف لأناس في الزمن الغابر يعتبرونهم قصصاً للتسلية أو سبباً للتنصل من العمل كقولهم: أين نحن منهم هؤلاء الصحابة وهذا الرسول؟؟ فإذا وجد القدوة الحى الذى يعيش معهم ويقدم لهم كقدوة سيكون ذلك أعظم أثرا وأبطل لحججهم في عدم التأسي به.

اذن علينا أن نقدم القدوات الحية في كل المجالات وننوعها

2- التواضع وإخفاء الأعمال:

يغلب على أهل الصلاح والتقوى موضع القدوة تواضعهم وإخفاء أعمالهم وهو من الإخلاص المحمود أن لا يطلب المرء الشهرة ولا يسعى لها خوفاً من الرياء والسمعة، ولكن عند غياب القدوات يندب لمثل هؤلاء الجهر بأعمالهم وصدقاتهم حتى يتأسى بهم الآخرون فيكون لهم مثل أجور من تبعوهم لا ينقص من أجورهم شيئاً.

1. اجعل من نفسك قدوة في أي مجال تحسنه، فلن يُعدم الناسُ من خلق يقتدون بك فيه، فالأب قدوة لأولاده، والأم قدوة لبناتها، والأخ قدوة لإخوانه.

2. ابعث قدواتٍ حية لمن تحت يدك.

3. واقصص عليهم قصص القدوات لعلهم يتفكرون ويقتدون، ولن يكفيَ الماضي الجميل، بل في الحاضر قدواتٌ حية ثرية.

4. نوِّع لمن تحت يدك قدواتِهم.

5. اعرف مواطن الحاجة في كل واحد منهم، واختر له القدوة التي تشبع تطلعه وتحفزه.

فالصحابة وهم الصحابة، لم يبرز آحادهم بكل شيء، فأرحم الأمة بالأمة أبو بكر، وأشدها في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقضاهم علي، وأفرضهم زيد، وأشعرهم حسان، وأحفظهم للحديث أبو هريرة، وأكثرهم صيامًا عبد الله بن عمرو بن العاص. وأحمد بن حنبل ومالك أكثرهم جمعًا للحديث، وأبو حنيفة في صناعة الفقه والشافعي بينهما.

والقدوات السبعة الذين يظلهم الله في ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ومتصدق، ورجل متعفف، ورجلان تحابا في الله، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه.

رزقنا الله واياكم القدوة الصالحة وجعلنا كذلك.

Adsense Management by Losha