مشاهدة النسخة كاملة : بين التمدد والضمور


فريق منتدى الدي في دي العربي
05-11-2016, 04:13 PM
بين التمدد والضمور


إيناس حسين مليباري







عادةً يُعبِّر المَرء عَن فَرحهِ باهتِمامه الكبير بِالشَّيء المُعيَّن، فتَجده حريصًا أنْ يجعل فَرحته دائمةً لا مُؤقَّتة، فَيهيِّئ البيِئة الخصبة لذَلك الفَرح لِيمنحه نُموًّا أفضَل وحَياة أطْوَل.















ومِن مُنطَلق هَذا القَانون البَشري يُفتح لنَا المَجال لِقياس الأمر ذَاته عَلى حَال الأبَوَين فور وِلادة طِفلهما الأَوَّل، فَرحة لا تُقاس واهتِمام لا يُوصف، والكثيرُ مِن الأشياء والأُمور التي تهيَّأ لِذلك الضَّيف الجديد، ولأنَّه مَدعاة للفَرَح فسيحْرِصَانِ عَلى دوام ذَلك الشعور اللَّذيذ للنَّفْس.







فَفي كلِّ يوم تَرى عيْنا مَولودِهِما النُّور يسعَدان بِتَمدُّد بدَنه، مِمَّا يدُّل عَلى أنَّه "بدأ يكبر".







وتَزداد الحَمَاسة فَتُحشى أمعَاؤه بأنواع الطَّعام والشَّراب لِيُعجِّل الباري لهما نُموَّه، فَتتضاعف سَعادتهما.







وَبينما يَأخُذ ذلك البَدن حقَّه وأكثر مِن الغِذاء، فهُناك ضُمور وتَقلُّص كبير وفجْوة كبيرة آخذةٌ فِي الاتِّساع، إنَّه عَقل وفِكر الطِّفل المَهضُوم حَقُّه في كثيرٍ مِن الأحيَان.







فَجوة بين كِبر حَجْم البدن وصِغَر العَقل، تناقُض داخلي يَحمله إنسان واحد، فكيف ستكون تصَرُّفاته؟ أمَبنيَّة على قاعِدة البدن أم على قَاعدة العَقل الَّتي لم تُبنَ بَعد؟!







فَقد اعتاد الكَثير مِنَّا عَلى الاهتِمام بِجانب مُعيَّن عَلى حِساب فَناء جَانب آخر، وهذا مُخالِف للكثير مِن القوانِين الشَّرعيَّة مِنها والكَونِيَّة، فابتداءً مِن قانون "لا إفراط ولا تفريط" الذي نصَّه لنا الرَّسول - صلّى الله عَليه وسَلَّم - انتهاء إلى قانون الارتِداد والَّذي مفاده أنَّ: "الدنيا أخْذ وعطَاء"، فمثلاً لَن تُمطر السَّماء مَا لم تتبَخَّر مِياه البِحار لتتكوَّن فِيما بَعد الغُيوم ثمَّ المَطر، وكَذلك الحَال لعَدم انصِباب الاهِتمام بالجانب الفِكري لدى الطِّفل في سَنواته الأولى، والتي تَسبق دُخوله المَدرسة، فَعندما ينضج الطِّفل سَيواجه لا مَحالة العَديد مِن الأُمور المُختلفَة القَالب، والتي تتطلَّب لفكِّ شفرتِها أساليبَ فكريَّة مُعيَّنة تَختلف كلٌّ منْهَا عن الأُخرى، فَحتمًا سيجِد حياته مُعرَّضة للخطر.







وعلى الضِّفة الأُخرى قد يجد تكوّن تِلك "المُثَبّطات" ذاتها تعْتَرض حَياة آخر، ولكنَّه حَوَّل تِلك المُثَبّطات إلى مُنشِّطات، السَّبب ببساطة أنَّ خَلاياه الفِكريَّة اعتادت العَمل الدَّؤوب مُنذ الصِّغر.







السُّؤال الأهمّ من بَين زَحمة الأحرف: ما السَّبيل لِحصول تَمدُّدٍ لِعقل الطِّفل؟







يَصعُب حَصْر السُّبل ولكن نَكتفي بِذِكْر بعضِها، فأوَّل السُّبل وأكثرُها شيوعًا وأهمُّها: "القِراءة"، وبما أنَّ مِحور القِراءة للطِّفل مِن المحاور المُستهْلَك الحَديث عَنها والتَّفصيل؛ فَلن نُبحر فيها.







فقط أودُّ التَّنويه لأمرٍ بشأن أثَر قِراءة الطِّفل على كيفيَّة لعبه، سنجِد اخْتِلافًا بين طِفل يَمتلك مَهارات فِكريَّة - مهارات القراءة من تحليل وربْط واستنتاج .. إلخ - وبين طفل لا يَملك إلاَّ مهَاراته الفطريَّة، فالأَوَّل سَيُحَوِّل أجزاء ألعابِه إلى "نُصوص"، وسَيقوم بِعَرض جميع مهَاراته الفكريَّة التي كَان يُطَبّقها لفَهم النَّص، سيطَبّقها الآن لِفهم كَيفيَّة اللعب أوْ رُبَّما لاكتِشاف زَاوية جَديدة للَّعب؛ فالقراءة ليست بِناء مَعرفة وَتعلُّم لغة وفقط، بل أُسلوب تَفكِير.







من الوسائل أيضًا: اقتناء الألْعاب التَّعليميَّة والَّتي تَجمع بين التَّرفيه والتَّفكير، وعَدم الانْصِياع لِهَوى الطِّفل فَور رؤْيَته لِذلك الـ "الرَّشاش المَائي"، والَّذي أجدهُ يَميل للهَدم أكثر منه للبِناء.








وآخر السُّبل: فسْح المَجال وإعطاؤه الحُرِّيَّة التي يُريدها للمُحاولة في فِعل الأُمور المُختلفة، وَعدم قَطع مَوج الأَفْكار الَّذي ينهَال عليه بِقول: "سأفتحها لك"، فحتمًا كان سيصل لِذات الكيفيَّة التي تمَّت أمامه فَقط لو أنَّه أُمهِل.







فَلنوازن الأمور ولنُعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه.







إن أصبتُ فمن الله، وإنْ أخطأتُ فَمن نفسي والشَّيطان.

Adsense Management by Losha