فريق منتدى الدي في دي العربي
05-11-2016, 04:13 PM
أسباب النجاة من الفتن
عبد الله بن رجا الروقي
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فإن العبد معرض في حياته لأنواع من الفتن حتى يظهر صدق إيمانه من كذبه:
قال تعالى: (الم *أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).
وقال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)
وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)
ومن -رحمة الله- أن هنالك أسبابا للنجاة من الفتن جاء الشرع بذكرها والحث عليها فمنها:
العلم، فبالعلم تدفع الشبهات كما أن الصبر تدفع به الشهوات وإليهما الإشارة في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)
فاليقين هو العلم الراسخ الذي تدفع به الشبهات.
والفتن إذا أقبلت عرفها العلماء ببصيرتهم وما آتاهم الله من العلم
ولذلك فإن فتنة الدجال التي هي من أعظم الفتن يكشفها رجل من أهل العلم فذلك المسلم الذي يبين زيف الدجال وكذبه هو من أهل العلم بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولذا قال للدجال : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثه.
ومن أسباب النجاة من الفتن العمل الصالح:
ففي أوقات الفتن تطيش العقول وينشغل الناس بتتبع الأخبار ويغفلون عن العبادات مع أن الاشتغال بالعبادات واجبها ومستحبها من أعظم أسباب النجاة من الفتن فعن معقل بن يسار -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا)) رواه مسلم.
قال النووي -رحمه الله-:
معنى الحديث الحث على المبادرة إلى الاعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر ووصف -صلى الله عليه و سلم- نوعا من شدائد تلك الفتن وهو أنه يمسى مؤمنا ثم يصبح كافرا وهذا لعظم الفتن ينقلب الانسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب والله أعلم. ا.هـ
والعمل الصالح من أسباب الثبات على الحق قال تعالى: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً).
وقال تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) قال ابن سعدي -رحمه الله-: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا) بالإيمان والانقياد، واتباع ما يرضي الله (زَادَهُمْ هُدًى) شكرا منه تعالى لهم على ذلك، (وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) أي: وفقهم للخير، وحفظهم من الشر، فذكر للمهتدين جزاءين: العلم النافع، والعمل الصالح. ا.هـ
وكان طلق بن حبيب يقول: ”اتقوا الفتنة بالتقوى، فقيل له: أجمل لنا التقوى. فقال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو -رحمة الله- وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله.
ومن الأعمال الصالحة التي هي سبب للنجاة من الفتن: دعاء الله –عز وجل-.
فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: ((سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْفِتَنِ وَمَاذَا فُتِحَ مِنْ الْخَزَائِنِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ)).
قال الحافظ ابن حجر: فيه الندب إلى الدعاء والتضرع عند نزول الفتنة
ولاسيما في الليل لرجاء وقت الإجابة لتكشف أو يسلم الداعي ومن دعا له. ا.هـ
وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن)) قالوا نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. رواه مسلم.
وعن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ)) اخرجه البخاري ومسلم.
ومن أفضل الأدعية التي يدعى بها في أوقات الفتن: ما كان يستفتح به النبي صلاته في قيام الليل: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. رواه مسلم.
ومن أسباب النجاة من الفتن الصلاة قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
قال ابن سعدي -رحمه الله-:
ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة، مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها. ا.هـ
ولما اشتد الكرب والأذى ببني إسرائيل من فرعون أمروا بالصلاة قال تعالى: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين).
وقال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة).
وقال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)
أي: أكثر من ذكر الله وتسبيحه وتحميده والصلاة فإن ذلك يوسع الصدر ويشرحه ويعينك على أمورك.
ويدل على ذلك ما أخرجه أبوداود عن نعيم بن هَمَّار أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قال الله: يا ابن آدم، لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره)).
فدل على أن هذه الصلاة سبب في كفاية الله عبده.
والمقصود بالركعات الأربع هنا صلاة الضحى.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
فعن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: رجعت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مشتمل على شملة يصلي وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر صلى. رواه أبو داود
ومن أسباب النجاة من الفتن الصبر:
قال تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) قال ابن القيم -رحمه الله-: والمقصود: أن الله سبحانه فتن أصحاب الشهوات بالصور الجميلة وفتن أولئك بهم فكل من النوعين فتنة للآخر فمن صبر منهم على تلك الفتنة نجا مما هو أعظم منها ومن أصابته تلك الفتنة سقط فيما هو شر منها فإن تدارك ذلك بالتوبة النصوح وإلا فبسبيل من هلك ولهذا قال النبي ما تركت بعدي فتنة أضر من النساء على الرجال أو كما قال.
فالعبد في هذه الدار مفتون بشهواته ونفسه الأمارة وشيطانه المغوي المزين وقرنائه وما يراه ويشاهد مما يعجز صبره عنه ويتفق مع ذلك ضعف الإيمان واليقين وضعف القلب ومرارة الصبر وذوق حلاوة العاجل وميل النفس إلى زهرة الحياة الدنيا وكون العوض مؤجلا في دار أخرى غير هذه الدار التي خلق فيها وفيها نشأ فهو مكلف بأن يترك شهوته الحاضرة المشاهدة لغيب طلب منه الإيمان به. انتهى
ومن الصبر الصبر على جور الولاة الظلمة قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ستَجِدونَ أثَرَةً شديدةً، فاصبِروا حتى تَلقَوُا اللهَ ورسولَه -صلى الله عليه وسلم- فإني على الحَوضِ)) متفق عليه.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((ستكون أثرة وأمور تنكرونها)) قالوا : يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: ((تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم)) متفق عليه.
ففي هذه الأحاديث البيان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أولي الأمر سيستأثرون بالأموال وغيرها من أمور الدنيا وسيكون منهم خلل في أمر الدين ومع ذلك أمر بالصبر على ظلمهم.
بل جاء الوعيد الشديد في من لا يطيع ولاة الأمر إلا لأجل ما يعطونه من الدنيا قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاثةٌ لا يكلمُهم اللهُ يوم القيامةِ ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليمٌ: وذكر منهم رجلاً بايع إمامًا لا يبايعُه إلا لدنياه، إن أعطاه ما يريدُ وفى له وإلا لم يفِ له)) رواه البخاري ومسلم.
وقد سأل سلمةُ بنُ يزيد الجعفيُّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فقال : يا نبيَّ اللهِ! أرأيتَ إن قامت علينا أمراءُ يسألونا حقَّهم ويمنعونا حقَّنا، فما تأمرنا فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: ((اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتُم)).
اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبد الله بن رجا الروقي
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فإن العبد معرض في حياته لأنواع من الفتن حتى يظهر صدق إيمانه من كذبه:
قال تعالى: (الم *أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).
وقال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)
وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)
ومن -رحمة الله- أن هنالك أسبابا للنجاة من الفتن جاء الشرع بذكرها والحث عليها فمنها:
العلم، فبالعلم تدفع الشبهات كما أن الصبر تدفع به الشهوات وإليهما الإشارة في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)
فاليقين هو العلم الراسخ الذي تدفع به الشبهات.
والفتن إذا أقبلت عرفها العلماء ببصيرتهم وما آتاهم الله من العلم
ولذلك فإن فتنة الدجال التي هي من أعظم الفتن يكشفها رجل من أهل العلم فذلك المسلم الذي يبين زيف الدجال وكذبه هو من أهل العلم بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولذا قال للدجال : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثه.
ومن أسباب النجاة من الفتن العمل الصالح:
ففي أوقات الفتن تطيش العقول وينشغل الناس بتتبع الأخبار ويغفلون عن العبادات مع أن الاشتغال بالعبادات واجبها ومستحبها من أعظم أسباب النجاة من الفتن فعن معقل بن يسار -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا)) رواه مسلم.
قال النووي -رحمه الله-:
معنى الحديث الحث على المبادرة إلى الاعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر ووصف -صلى الله عليه و سلم- نوعا من شدائد تلك الفتن وهو أنه يمسى مؤمنا ثم يصبح كافرا وهذا لعظم الفتن ينقلب الانسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب والله أعلم. ا.هـ
والعمل الصالح من أسباب الثبات على الحق قال تعالى: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً).
وقال تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) قال ابن سعدي -رحمه الله-: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا) بالإيمان والانقياد، واتباع ما يرضي الله (زَادَهُمْ هُدًى) شكرا منه تعالى لهم على ذلك، (وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) أي: وفقهم للخير، وحفظهم من الشر، فذكر للمهتدين جزاءين: العلم النافع، والعمل الصالح. ا.هـ
وكان طلق بن حبيب يقول: ”اتقوا الفتنة بالتقوى، فقيل له: أجمل لنا التقوى. فقال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو -رحمة الله- وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله.
ومن الأعمال الصالحة التي هي سبب للنجاة من الفتن: دعاء الله –عز وجل-.
فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: ((سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْفِتَنِ وَمَاذَا فُتِحَ مِنْ الْخَزَائِنِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ)).
قال الحافظ ابن حجر: فيه الندب إلى الدعاء والتضرع عند نزول الفتنة
ولاسيما في الليل لرجاء وقت الإجابة لتكشف أو يسلم الداعي ومن دعا له. ا.هـ
وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن)) قالوا نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. رواه مسلم.
وعن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ)) اخرجه البخاري ومسلم.
ومن أفضل الأدعية التي يدعى بها في أوقات الفتن: ما كان يستفتح به النبي صلاته في قيام الليل: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. رواه مسلم.
ومن أسباب النجاة من الفتن الصلاة قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
قال ابن سعدي -رحمه الله-:
ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة، مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها. ا.هـ
ولما اشتد الكرب والأذى ببني إسرائيل من فرعون أمروا بالصلاة قال تعالى: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين).
وقال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة).
وقال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)
أي: أكثر من ذكر الله وتسبيحه وتحميده والصلاة فإن ذلك يوسع الصدر ويشرحه ويعينك على أمورك.
ويدل على ذلك ما أخرجه أبوداود عن نعيم بن هَمَّار أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قال الله: يا ابن آدم، لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره)).
فدل على أن هذه الصلاة سبب في كفاية الله عبده.
والمقصود بالركعات الأربع هنا صلاة الضحى.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
فعن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: رجعت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مشتمل على شملة يصلي وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر صلى. رواه أبو داود
ومن أسباب النجاة من الفتن الصبر:
قال تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) قال ابن القيم -رحمه الله-: والمقصود: أن الله سبحانه فتن أصحاب الشهوات بالصور الجميلة وفتن أولئك بهم فكل من النوعين فتنة للآخر فمن صبر منهم على تلك الفتنة نجا مما هو أعظم منها ومن أصابته تلك الفتنة سقط فيما هو شر منها فإن تدارك ذلك بالتوبة النصوح وإلا فبسبيل من هلك ولهذا قال النبي ما تركت بعدي فتنة أضر من النساء على الرجال أو كما قال.
فالعبد في هذه الدار مفتون بشهواته ونفسه الأمارة وشيطانه المغوي المزين وقرنائه وما يراه ويشاهد مما يعجز صبره عنه ويتفق مع ذلك ضعف الإيمان واليقين وضعف القلب ومرارة الصبر وذوق حلاوة العاجل وميل النفس إلى زهرة الحياة الدنيا وكون العوض مؤجلا في دار أخرى غير هذه الدار التي خلق فيها وفيها نشأ فهو مكلف بأن يترك شهوته الحاضرة المشاهدة لغيب طلب منه الإيمان به. انتهى
ومن الصبر الصبر على جور الولاة الظلمة قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ستَجِدونَ أثَرَةً شديدةً، فاصبِروا حتى تَلقَوُا اللهَ ورسولَه -صلى الله عليه وسلم- فإني على الحَوضِ)) متفق عليه.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((ستكون أثرة وأمور تنكرونها)) قالوا : يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: ((تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم)) متفق عليه.
ففي هذه الأحاديث البيان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أولي الأمر سيستأثرون بالأموال وغيرها من أمور الدنيا وسيكون منهم خلل في أمر الدين ومع ذلك أمر بالصبر على ظلمهم.
بل جاء الوعيد الشديد في من لا يطيع ولاة الأمر إلا لأجل ما يعطونه من الدنيا قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاثةٌ لا يكلمُهم اللهُ يوم القيامةِ ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليمٌ: وذكر منهم رجلاً بايع إمامًا لا يبايعُه إلا لدنياه، إن أعطاه ما يريدُ وفى له وإلا لم يفِ له)) رواه البخاري ومسلم.
وقد سأل سلمةُ بنُ يزيد الجعفيُّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فقال : يا نبيَّ اللهِ! أرأيتَ إن قامت علينا أمراءُ يسألونا حقَّهم ويمنعونا حقَّنا، فما تأمرنا فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: ((اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتُم)).
اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.