فريق منتدى الدي في دي العربي
05-13-2016, 01:02 PM
الهند كما يصفها كتاب: أخبار الصين والهند
د. أورنك زيب الأعظمي [1]
مدخل إلى الموضوع:
الحمد لله الذي أمرنا بالسياحة في الأرض فالاعتبار بالعالمين، والصلاة والسلام الذي بعث للناس والجن أجمعين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، أما بعد:
فلم يزل تجَّار العرب يزورون بلادنا منذ جاهليتهم إلى أن أشرقت شمس الإسلام على الأرض، وانتشرت أشعتها في مختلف مناطق العالم، فزفّوا هذه البشرى إلى الناس غيرهم بمن فيهم أسلافنا الهنود. كانت رحلة العرب إلى الهند بادئ الأمر للتجارة، ثم تحوّلت التجارة إلى الحرب والاحتلال. وحكم العرب مناطق في السند والهند مستفيدين من علومها وفنونها وآدابها. وفي عصرنا الحديث اجتمعت كافة هذه الأهداف سوى الغزو والاحتلال فبين الهند والعرب علاقات متعددة الجهات من التجارة إلى الثقافة إلى السياسية، ويدعّمها رؤية المعالم التاريخية المتوفرة في البلاد. ففي آغره التاج وفي مهرولي منارة قطب وفي دلهي القديمة القلعة الحمراء والمسجد الجامع. هذه علاوة على المعالم الهندية الأخرى المتوفرة في أدنى مناطق الهند وأقصاها.
كل من جاء الهند ونزل بها أو ألقى عصا الترحال فيها حاول أن يحكي ما شهده أو يضبط ما رآه فبعضهم ألّف كتابًا فيها بينما البعض الآخر وفّر المواد للكتابة أو شارك في تأليف الكتاب. فمن مؤلفي النوع الأول سليمان التاجر بينما ينحدر أبو زيد الحسن السيرافي من مؤلفي النوع الأخير، ويسمّى جهدهما المشترك هذا بـ"أخبار الصين والهند".
المبحث الأول: معلومات بدائية عن هذه الرحلة
أولًا: اسمها وزمنها:
سمّيت هذه الرحلة إما بـ"أخبار الصين والهند" أو بـ"أخبار بلاد الهند والصين" أو بـ"أخبار بلاد الهند والصين وملوكهما". إنها في جزأين فالجزء الأول منها ألّفه سليمان التاجر في سنة 237ه بينما الجزء الثاني ألّفه أبو زيد السيرافي في الفترة ما بين 264ه و272ه. وهكذا فهي تتحدث عما حدث خلال العصر العباسي الزاهر (الثلث الأول والثلث الثاني من القرن الثالث الهجري). إنها أول وأقدم عمل موضوعي باللغة العربية وقد استفاد منها المتأخرون من الرحالين والمؤرخين العرب وغير العرب.
وثانيًا: من قام بكتابتها:
أما عن كاتبي هذه الرحلة فلا نجد عنهما سوى أن الأول تاجر عربي عراقي أسفاره كثيرة إلى الهند والصين وتجاربه في البحر تمتد لستة عشر عامًا. وأما الثاني فهو أبو زيد الحسن بن يزيد بن عمر بن زيد بن محمد بن مزد بن ساسياد وأصله من سيراف إلا أنه غادرها واستقرّ بالبصرة وكان من أهل التحصيل والتمييز فلم يكن السيرافي تاجرًا ولا بحّارًا بل كان عالمًا من علماء زمنه وكلّفته السلطة العليا بنقد الجزء الأول من "أخبار الصين والهند" والتعليق عليه والإضافة إليه وبالتالي فقد صدر الجزء الثاني من الكتاب بقلمه السلس السيّال.
وثالثًا: أسلوبها وترجماتها:
أسلوب هذه الرحلة يتصف بالبساطة والرصانة والرزانة، ووضوح الفكر ودقة التعبير، والابتعاد عن التنميق والمبالغة والخيال الجامح، والامتناع عن سرد الغرائب والعجائب إلا في القليل النادر جدًا كما سنشير إليها في هذه المقالة. وبما أنها مصدر عربي قديم للغاية فقد ترجم إلى اللغات الأجنبية الدولية كما قاموا بتلخيصها والحديث عنها وبناء المعلومات الجديدة عليها.
ورابعًا: هدفها:
لقد صرّح أبو زيد السيرافي المتحدث الكثير عن الهند عن هدف تأليف هذه الرحلة فقال:
"ولم يذكر في هذا الكتاب، يعني الكتاب الأول، ما تيامن من البحر عند خروج المراكب من عمان وأرض العرب، وتوسطهم للبحر الكبير. وإنما شرح فيه ما تياسر منها، إذ كان فيه بحر الهند والصين. وفيه كان مقصد من كتب ذلك الكتاب عنه"[2].
وهذا يعني أن الكاتب الأخير قد سدّ ما نقص في الجزء الأول منها وأكمل ما لم يذكر بيانه من وصف الهند خاصة.
المبحث الثاني: وصف الهند من جغرافياها وملوكها وما حرمته من الأشياء
أولًا: جغرافيا الهند وحكامها:
ولو أن الكاتبين يوجزان إلى حد بعيد عن جغرافيا الهند ومن حَكَمَها قبل عهدهما وفي أيامهما ولكن ما ذكراه مفيد ونافع فنشير إلى ذلك في الأسطر التالية:
يقول سليمان التاجر عن سعة بلاد الهند:
"وبلاد الهند أوسع من بلاد الصين وهي أضعافها. وعدد ملوكهم أكثر"[3].
ويقول عن حرمان معظم أرجاء الهند عن المدن والمحافظات: "وأكثر الهند لا مداين لها"[4]
والمنطقة الهندية الأولى التي ترحّب بالرحالين العرب هي كولم ملي فيقول سليمان التاجر:
"المسافة من مسقط إلى كولم ملي شهر على اعتدال الريح وفي كولم ملي مسلحة لبلاد كولم ملي تجبي السفن الصينية .... وبين مسقط وبين كولم ملي وبين هركند نحو من شهر".[5]
وفي الهند أنهار كبيرة وكثيرة كما توجد فيها المفاوز بالكثرة، وتكثر فيها الأمطار.[6]
ولقد كان في الهند ملوك استقلوا بحكمهم على المناطق الخاصة بهم وأكبرهم وأشرفهم ملك بلهرا فيقول سليمان التاجر:
"فأما بلهرا هذا فإنه أشرف الهند. وهم له مقرّون بالشرف. وكل ملك من ملوك الهند متفرّد بملكه غير أنهم مقرّون لهذا".[7]
ويقول في موضع آخر:
"وليس تنقاد ملوك الهند لملك واحد، بل كل واحد ملك ببلاده. وبلهرا ملك الملوك بالهند".[8]
والحكم لديهم موروث وراثة المناصب الكبرى فيقول سليمان التاجر:
"وأهل بيت المملكة في كل مملكة أهل بيت واحد، لا يخرج عنهم الملك، ولهم ولاة عهود. وكذلك أهل الكتابة والطب، أهل بيوتات، لا تكون الصناعة إلا فيهم".[9]
ومن عادة ملوك الهند أنهم لا يشنّون الغارة على الآخرين وإن فعلوا ذلك رجعوا الحكم إلى أحد أفراد السلالة الملكية فيقول سليمان التاجر:
"وربما اقتتلوا على الملك، وذلك قليل. لم أرَ أحدًا غلب أحدًا على مملكته، إلا قومًا تلو بلاد الفلفل. وإذا غلب ملك على مملكته، ولّي عليها رجل من أهل بيت الملك المغلوب، ويكون من تحت يده. لا يرضى أهل تلك المملكة إلا بذلك".[10]
والهنود يبنون بيوتهم من الحجارة والجص والآجر والطين كما ذكره سليمان التاجر.[11]
وألوان الهنود مختلفة فبعضهم أبيض وبعضهم أسود وبعضهم أسمر وهذا لأجل طقوس وأجواء البلاد المختلفة.
وثانيًا: بهائم ومحصولات الهند:
والهند تنشئ وتجني ما يلي:
الكركدن وهو حيوان كبير أسهب سليمان التاجر في وصفه[12] كما أثنى على الزعفران[13] وأشار إلى الذئب[14]. ثم قال: لا ينبت في الهند نخل ولا عنب. وفيها سائر الأشجار والأثمار والفواكه والرمان بالهند أكثر.[15]
ومن منتوجاتها كحل العين وهو يؤخذ من حيوان بحري ويفيد في بعض علل العين.[16]
ولقد أحصينا ما كانت الهند تجني وتخرج حين الحديث عن صادراتها فلا نريد تكرارها.
المبحث الثالث: المجتمع الهندي
وبعد الإشارة إلى هذا المبحث نودّ أن نتحدث عن المجتمع الهندي الذي قد أسهبا فيه ونقسم هذا المبحث في عناوين عديدة كما يلي:
أولًا: ثقافة الهنود:
لقد كان الهنود أكثر ثقافة من غيرهم واعترف به الرحالة العرب كلهم؛ ولقد كان ملوكهم يحضّون شعوبهم على ترويج العلوم والآداب فيقول السيرافي:
".... لهم مجالس كمجالس محدثينا، يجتمع إليهم الهند، فيكتبون عنهم سير أنبيائهم وسنن شرائعهم".[17]
ويقول في موضع آخر:
"وللهند عبّاد ومن يعرفون بالبراهمة، وشعراء يغشون الملوك، ومنجمون وفلاسفة وكهّان، وأهل زجر للعريان وغيرها. وبها سحرة وقوم يظهرون التخاييل ويبدعون فيها، وذلك بقنوج خاصة، وهو بلد عظيم في مملكة الحوز".[18]
ومما تثقفوا به من العلوم والفنون الحكمة. والواقع أن الهند أصل الحكمة وعينها كما قال السيرافي: "لأن أصلها (الحكمة) منهم"[19]
وكذا الطب والفلسفة "والطب بالهند والفلاسفة"[20] وأما علم النجوم فقد مهروا فيه.
وكذا كانت الخطابة مكرمة لديهم فيقول السيرافي: "ولهم الخطب وليس في الأمم كخطبائهم بألسنتهم. وفيهم من يتعبّد، فيستتر بجلد نمر أو جلد قرد، ويأخذ بيده عصا، ويقبل نحوهم. فيجتمع إليه منهم جمع. فيقف على رجله يومًا إلى الليل يخطب عليهم، ويذكّرهم بالله جلّ ذكره، ويصف لهم أمور من هلك منهم".[21]
ولقد أشار سليمان التاجر إلى عدم وجود من يتحدث بالعربية أو يؤمن بدين الإسلام على أرض الهند فقال: "لا يوجد فيهم من لا يتكلم بالعربية أو يؤمن بالإسلام".[22]
وثانيًا: ديانتهم:
ديانة الهند الشرك وجعلوا لهم أصنامًا وهم الذين صدّروا هذه الفكرة إلى الصين وكان فيهم صنم كبير في المولتان نذروا له العود الثمين الذي اشتراه التجار من سدنته. وكذلك كان الهنود يؤمنون بالتناسخ.[23] وهكذا لم يكن القمار ممنوعًا لديهم فيقول السيرافي وهو يحكي عجيب أضرار القمار:
"وأكثر أعمالهم القمار بالديكة والنرد. والديكة عندهم عظيمة الأجسام، وافرة الصياصي، يستعملون لها من الخناجر الصغار المرهفة ما يشذّ على صياصيها، ثم ترسل. وقمارهم في الذهب والفضة والأرضين والنبات وغير ذلك. فيبلغ الديك الغالب جملة من الذهب. وكذلك لعبهم بالنرد دائم على خطر واسع حتى إن أهل الضعف منهم، ومن لا مال له، ممن يذهب إلى طلب الباطل والفتوة، ربما لاعب في أنامله، فيلعب وإلى جنبه شيء قد جعل فيه من دهن الجوز أو دهن السمسم، إذ كان الزيت معدومًا عندهم، وتحته نار تحميه، وبينهما فأس صغيرة مشحوذة. فإذا غلب أحدهما صاحبه، وضع يده على حجر، وضرب القامر بالفأس أنملة المقمور، فأبانها، ووضع المقمور يده في الدهن، وهو في نهاية الحرارة، فيكويها. ولا يقطعه ذاك عن المعاودة في اللعب. فربما افترقا، وقد بطلت أناملهما جميعًا. ومنهم من يأخذ الفتيلة، فينقعها في الدهن، ثم يضعها على عضو من أعضائه، ويشعل النار فيها. فهي تحترق، ورائحة اللحم تفوح، وهو يلعب بالنرد، لا يظهر منه جزع".[24]
ومن عجيب أفكارهم أنهم إذا أسنّوا طلبوا من أهلهم أن يميتوهم بطريقة أو أخرى فيقول السيرافي:
"ومن شأنهم، إذا أخذت السنّ من رجالهم ونسائهم، وضعفت حواسّهم، أن يطالب من صار في هذه الحال منهم أهله بطرحه في النار أو تغريقه في الماء، ثقة منهم بالرجعة".[25]
وبالرغم من شركهم وكفرهم لله سبحانه فكانوا يتحمّلون أديان وملل الآخرين، ولم يكونوا يمنعونهم عن اتباعها فيقول السيرافي:
"وبهذه الجزيرة (سرنديب) جمع من اليهود كثير، ومن ساير الملل. وبها أيضًا ثنوية. والملك يبيح لكل فريق منهم ما يتشرع به".[26]
وثالثًا: محاسنهم وملابسهم:
وأهل الهند يطوّلون اللحى والشوارب إلى حد بعيد فيقول سليمان التاجر:
"والهند يطوّلون لحاهم. ربّما رأيت لحية أحدهم ثلاثة أذرع. ولا يأخذون شواربهم".[27]
ويقول عن أهل ملجان من بلاد الهند:
"وذكر أن في جزيرة يقال لها ملجان فيما بين سرنديب وكلاه وذلك من بلاد الهند في شرقيّ البحر قومًا من السودان عراة".[28]
ويقول كذلك عن ملابس أهالي كولم ملي:
"لباسهم الفُوط، يلبس السري والدني منهم الفوطة الواحدة".[29]
ويقول في موضع آخر:
"أهل الهند يلبسون فوطتين ويتحلّون بأسورة الذهب والجوهر، الرجال والنساء".[30]
ولكن الملوك والرؤساء كانوا مختلفين عن الشعب في ملابسهم ومراكبهم فقال السيرافي:
"وملوك الهند تلبس الأقراط من الجوهر النفيس في آذانها، المركّب في الذهب. وتضع في أعناقها القلائد النفيسة المشتملة على فاخر الجوهر الأحمر والأخضر واللؤلؤ ما يعظم قيمته ويجل مقداره. وهو اليوم كنوذهم وذخائرهم، وتلبسه قوّادهم ووجوهم، والرئيس منهم يركب على عنق رجل منهم، وعليه فوطة قد استتر بها، وفي يده شيء يعرف بالجترة، وهي مظلة من ريش الطواويس يأخذها بيده، فيتقي بها الشمس، وأصحابه محدقون به".[31]
ويحكي موابدهم كما يلي:
"وأما ملوكهم في بلادهم ووجوهم، فإنه يتخذ لهم في كل يوم موائد يسفّ خوصَ النارجيل سفًّ، ويعمل منه كهيئة الغضار والصحاف، فإذا أحضر الغذاء، أكلوا الطعام في ذلك الخوص المسفوف. فإذا فرغوا من غذائهم رُمِي بتلك المائدة والغضار والمسفوف من الخوص مع ما بقي من الطعام إلى الماء، واستأنفوا من غدهم مثله".[32]
ورابعًا: مآكلهم:
الهنود يهتمون بتطهير الأسنان اهتمامًا بالغًا فيستاكون[33] كل صباح ولا يأكلون بدون الغسل إلا أنهم لا يغتسلون من الجنابة.[34] والمهم أنهم لا يأكلون في طبق واحد حتى أن بعضهم لا يأكلون على مائدة واحدة فقال السيرافي:
"ومنهم صنف لا يأكل اثنان منهم في غضارة واحدة، ولا على مائدة واحدة، يجدون ذلك عيبًا فاحشًا. فإذا وردوا سيراف، فدعاهم وجه من وجوه التجّار، وكانوا مائة نفس أو دونها أو فوقها، احتاج أن يضع بين يدي كل رجل منهم طبقًا فيه ما يأكله، لا يشاركه فيه سواه".[35].
والهنود كانوا يأكلون ما وجدوه من المطاعم والمآكل حتى أنهم كانوا يأكلون الإنسان ففيما يلي ننقل بعض مآكلهم فيقول سليمان التاجر عن أهل ملجان وهي من الهند: "وغذاؤهم السمك والموز والنارجيل وقصب السكر".[36].
ويقول مقارنًا بين مآكل الهند والصين:
"وطعامهم (الهند) الأرز، وطعام الصين الحنطة والأرز. وأهل الهند لا يأكلون الحنطة".[37]
وكذا كانوا يأكلون الحشيش وثمر الغياض[38].
ويقول عن مآكل ملجان وهي من بلاد الهند:
"وذكر أن في جزيرة يقال لها ملجان فيما بين سرنديب وكلاه وذلك من بلاد الهند في شرقيّ البحر قومًا من السودان عراة، إذا وجدوا الإنسان من غير بلادهم علّقوه منكسًا وقطّعوه وأكلوه نيئًا. وعدد هؤلاء كثير".[39].
ويبدو من دراسة هذا الكتاب أن الهنود كانوا يأكلون اللحوم فيقول في موضع منه:
"والصين والهند يقتلون ما يريدون أكله ولا يذبحونه فيضربون هامته حتى يموت" [40].
وهم يكرهون الملاهي ولا يشربون الخمر لأنها تخلق الغفلة عن المسؤولية لا لأنها محرّمة عليهم فيقول سليمان التاجر:
"وأهل الصين أهل ملاهي. وأهل الهند يعيبون الملاهي، ولا يتخذونها، ولا يشربون الشرابَ، ولا يأكلون الخل، لأنه من الشراب. وليس ذلك دينًا، بل أنفة. ويقولون: أي ملك شرب الشراب، فليس بملك. وذلك أن حولهم ملوكًا يقاتلونهم، ويقولون: كيف يدبّر أمر ملكه من هو سكران" [41].
وخامسًا: أمراضهم:
لم يذكر الكاتبان كثيرًا من أمراض الهنود فقال سليمان التاجر خلال مقابلة الصين من الهند:
"وبلاد الصين أصحّ وأقلّ أمراضًا وأطيب هواءًا، لا يكاد يرى بها أعمى ولا أعور، ولا من به عاهة. وهذا كثير ببلاد الهند" [42].
وسادسًا: الزواج فيهم:
وقد عمّ الزواج في كل مجتمع إلا أن له طرقًا متعددة ففي الهند طرق مختلفة للزواج لسعتها ولاحتلاف أهاليها ففي أندمان إذا أراد رجل أن يتزوّج من فتاة واحدة صرع عدوًا واحدًا وإذا أراد أن يتزوّج من فتاتين صرع عدوّين اثنين فصاعدًا. يقول سليمان التاجر:
"وإذا أراد أحدٌ منهم أن يتزوّج، لم يزوّج إلا بقحف رأس رجل من أعدائهم. فإذا قتل اثنين، زوّج اثنتين. وكذلك إذا قتل خمسين، زوّج خمسين امرأة بخمسين قحفًا. وسبب ذلك أن أعدائهم كثر. فمن أقدم على القتل أكثر، كانت رغبتهم فيه أوفر" [43].
والطريق العام للزواج لدى الهنود كما يلي:
"وأهل الهند والصين، إذا أرادوا التزويج، تهانؤوا بينهم، ثم تهادوا، ثم يشهرون التزويج بالصنوج والطبول. وهديتهم من المال على قدر الإمكان".[44].
والهنود يقولون بتعدد الزوجات فالواحد منهم يتزوّج مما شاء من الفتيات فيقول سليمان التاجر:
"وليس الصين ولا الهند بأصحاب فرش. ويتزوّج الرجل من الصين والهند ما شاء من النساء".[45].
وسابعًا: جزاء السيئات:
ذكر سليمان التاجر من خلال حديثه عن الأشياء الأخرى ما حدّده الهنود من عقاب على الجرائم الكبار مثل الزنى والقتل والسرقة وما شابهها من الجرائم فيذكر أن الهنود كانوا أولًا يقبضون على الجاني فيحبسونه لسبعة أيام ويحرمونه من الطعام والشراب ثم يقدّم أمام القاضي فيفصل القاضي عنه ويحدّد العقاب.[46] ذكر سليمان التاجر عقاب الزنى فقال إن الزاني يقتل إذا ارتكب المرء الجريمة وقتل الزانية والزانية إذا ارتكب كلاهما الجريمة:
"وإذا أحضر الرجل امرأة، فبغت، فعليها وعلى الباغي بها القتل في جميع بلاد الهند. وإن زنى رجل بامرأة اغتصبها نفسها، قُتِل الرجل وحدة، فإن فجر بامرأة على رضى منها، قتلا جميعًا".[47].
وكذا عقاب السرق لديهم هو القتل فيذكره سليمان التاجر:
"والسرق في جميع بلاد الصين والهند، في القليل منه والكثير، القتل. فأما الهند، فإذا سرق السارق فلسًا فما فوقه، أخذت خشبة طويلة، فيحدّد طرفها، ثم يُقعَد عليها على استه حتى تخرج من خلفه".[48].
ونفس العقاب كان يحدّد لقطع الطريق فقال:
"ويقتل قاطع الطريق. وأهل الصين والهند يزعمون أن البددة تكلّمهم، وإنما يكلّمهم عبّادهم".[49].
وكذلك كان يقتل من قتل غيره فيقول السيرافي:
".... سبيل المحصّن والمحصّنة عندهم، إذا زنيا، القتل. وكذلك اللص والقاتل. وسبيلهم في القتل أن تشدّ يدا من يريدون قتله وثيقًا، ثم تطرح في رأسه حتى يصيرا على عنقه. ثم تدخل رجله اليمنى فيما ينفذ من يده اليمنى، ورجله اليسرى فيما ينفذ من يده اليسرى، فتصير قدماه جميعًا من ورائه، ويتقبض، ويبقى كالكرة لا حيلة له في نفسه. ويستغني عن ممسك يمسكه. وعند ذلك تزول عنقه عن مركبها وتتزايل خزرات ظهره عن بطنها، وتختلف وركاه، ويتداخل بعضه في بعض. وتضيق نفسه. ويصير في حال، لو ترك على ما هو به بعض ساعة، لتلف. فإذا بلغ منه، ضرب بخشبة لهم معروفة على مقاتله ضربات معروفة، لا تتجاوز. فليس دون نفسه. ثم يدفع إلى من ياكله".[50].
ولا توجد اللواطة لدى الهنود لأن سليمان التاجر خصّ به أهل الصين فقال فيهم:
"وأهل الصين يلوطون بغلمان قد أقيموا لذلك بمنزلة زواني البددة".[51].
وأما من ادعّى ضد رجل أنه قتل أحدًا ولكنه فشل في تقديم الشواهد فأغرم منًا من ذهب فقال ما يلي:
"وأما بلاد الهند، فإنه إذا ادّعى رجل آخر دعوى يجب فيها القتل، قيل للمدعي: أتحامله النار؟ فيقول: نعم، فتحمى حديدة إحماء شديدًا حتى يظهر النار فيها. ثم يقال له: ابسط يدك. فتوضع على يده سبع ورقات من ورق شجر لهم، ثم توضع على يده الحديدة فوق الورق، ثم يمشي بها مقبلًا مدبرًا حتى يلقيها عن يده. فيؤتى بكيس من جلود، فتدخل يده فيه ثم يختم بختم السلطان. فإذا كان بعد ثلاث، أتي بأرز غير مقشّر، فيقال له افركه. فإن لم يكن في بدء أثر، فلقد فلج، ولا قتل عليه، ويغرم الذي ادّعى عليه منًا من ذهب يقبضه السلطان لنفسه. وربما أغلوا الماء في قدر حديد أو نحاس حتى لا يقدر أحد يدنو منه، ثم يطرح فيه خاتم حديد، ويقال: أدخل يدك، فتناول الخاتم. وقد رأيت من أدخل يده وأخرجها صحيحة. ويغرم المدّعي أيضًا منًا من ذهب".[52].
ومن جملة العقابات أن من تزوّج مومسة وجب قتله فإن الفحشاء كانت مسموحة من قبل الحكّام إذا كانت مسجّلة. يقول السيرافي:
"وفيهم نساء لا يردن الإحصان، ويرغبن في الزنا. وسبيل هذا أن تحضر مجلس صاحب الشرط، فتذكر زهدها في الإحصان، ورغبتها في الدخول في جملة الزواني. وتسأل حملها على الرسم في مثلها ومن رسمهم فيمن أراد ذلك من النساء، أن تكتب نسبها وحليتها وموضع منزلها، وتثبت في ديوان الزواني، ويُجعَل في عنقها خيط فيه خاتم من نحاس مطبوع بخاتم الملك، ويُدفَع إليها منشور، يذكر فيه دخولها في جملة الزواني، وأن عليها لبيت المال في كل سنة كذا وكذا فلسًا، وأن من تزوّجها، فعليه، القتل. فتؤدي في كل سنة ما عليها، ويزول الإنكار عنها. فهذه الطبقة من النساء يرحن بالعشيات عليهن ألوان الثياب من غير استتار. فيصرن إلى من طرأ إلى تلك البلاد من الغرباء من أهل الفسق والفساد وأهل الصين. فيقمن عندهم وينصرفن بالغدوات. ونحن نحمد الله على ما طهّرنا به من هذه الفتن".[53].
وقال في موضع آخر:
"وبالهند قحاب يعرفون بقحاب البد. والسبب فيه أن المرأة، إذا نذرت نذرًا، ووُلِدَ لها جارية جميلة، أتت بها البدَّ، وهو الصنم الذي يعبدونه، فجمعلتها له. ثم اتخذت لها في السوق بيتًا، وعلّقت عليه سترًا، وأقعدتها على كرسي، لتجتاز بها أهل الهند وغيرهم من سائر الملل ممن يتجاوز في دينه. فتمكّن من نفسها بأجرة معلومة. وكلما اجتمع لها شيء من ذلك، دفعته إلى سدنة الصنم، ليصرف في عمارة الهيكل. والله جلّ وعزّ نحمده على ما اختار لنا، وطهّرنا من ذنوب الكفرة به".[54].
وثامنًا: تقاليد ما بعد الموت:
من تقاليد ما بعد الموت أن الهنود يجمعون للموتى الصندل والكافور والزعفران والخشب ثم يحرقونهم بالنار ولا يدفنونهم وربما ترافق الزوجة بعلها في التحريق فتموت معه ولكن ليس هذا إجباريًا بل تفعله الزوجة عن رضى.[55].
وهذا يدلّ على أن تقليد "الستي" كان قديمًا في المجتمع الهندي.
وإذا مات أحدهم حلّقوا رؤوسهم ولحاهم. يقول سليمان التاجر:
"وأهل الهند إذا مات لأحدهم ميت، حلق رأسه ولحيته".[56].
المبحث الرابع: تجارة الهند
والواقع أن الهند قد علا ذكرها لفضل تجارتها أولًا ولثقافتها وديانتها أخيرًا فقد عقدت العلاقات بينها وبين بلاد العرب أولًا بفضل التجارة فوجدت كلمات هندية عديدة في اللغة العربية عن هذه الطريقة. وكانت الهند تعامل إما بالدينار أو بالحديد[57] أو بما تيسّر لهم من أسباب المعادلة. نودّ في هذا المبحث أن نشير إلى صادرات الهند وواردتها فنشرع في ذكر صادرات الهند:
أولًا: صادرات الهند:
والهند قد اتصلت ببلاد العرب أولًا من أجل التجارة فهي كانت تصدّر إلى الدول الأخرى بما فيها الدول العربية ما يلي من الأشياء:
الذهب والفضة وأنواع من الجوهر[58] واللؤلؤ وأنواع من العود[59] وأصناف من الكافور والصندل والعنبر والمسك والقرنفل وأنواع الأفواه الطيبة الذكية والفلفل والنارجيل وأشجاره وشرابه[60] والفيل وأنيابه والخيل والإبل وأصناف من النمر[61] والذبل (جلود ظهور السلاحف) وقرن الكركدن[62] والرصاص القلعي والأبنوس والبقم والأفاويه والففاغي والببغاء والطاووس والخيزران والجوزبوا و والحرير[63] والثياب الصُمر. ولقد لخّص أحد شعراء الهند هذه الصادرات في منظومة عربية كما يلي:
لقد أنكرَ أصحابيْ وما ذلك بأمثل
إذا ما مدح وسهمُ الهندِ في المقتل
لعمريْ أنها أرضٌ إذا القطرُ بها ينزل
يصيرُ الدرّ والياقوتُ والدرّ لمنْ يعطل
فمنها المسكُ والكافورُ والعنبرُ والمندل
وأصنافٌ من الطيبِ يستعملُ منْ يتفل
وأنواعُ الأفاعية وجوزُ الطيبِ والسنبل
ومنها العاجُ والساجُ ومنها العودُ والصندل
وإنّ التوتيا فيها كمثل الجبلِ الأطول
ومنها الببرُ والنمرُ ومنها الفيلُ والدغفل
ومنها الكوكُ والببغاءُ والطاؤسُ والجوزل
ومنها شجرُ الرانج والساسم والفلفل
سيوفٌ ما لها مثلٌ قد استغنتْ عن الصيقل
وأرماحٌ إذا اهتزّتْ اهتزّ بها الجحفل
وهـل ينكر هـذا الفضل إلا الرجل الأخطل[64]
وثانيًا: ورادات الهند:
وأما عما كانت الهند تورّده الهند من الأمتعة والأسباب فهي قليلة للغاية ومنها ما ذكره السيرافي كما يلي:
"وكان يحمل إلى الهند في القديم الدنانير السندية، فيباع الدينار بثلاثة دنانير وما زاد. ويحمل إليهم الزمرّد الذي يرد من مصر، مركّبًا في الخواتيم، مصونًا في الحقاق، ويحمل البسذ، والمرجان، وحجر يقال له الدهنج، ثم تركوه".[65].
المبحث الخامس: بعض الأمور
أولًا: عجايب الهند:
ولقد ذكر الكاتبان عجائب وغرائب من الهند قد شاهدوها أو سمعوا عمن يوثق لديهم ونسردها إليكم بعض هذه العجائب:
يقول سليمان التاجر عن الأسماك الغريبة:
"وفي البحر سمكة، اصطدناها، يكون طولها عشرين ذراعًا. فشققنا بطنها، فأخرجنا منها أيضًا سمكة من جنسها. ثم شققنا بطن الثانية، فإذا في بطنها مثلها. وكل هذا حيّ يضطرب، يشبه بعضه بعضًا في الصورة. ولهذا السمك الكبير، الذي يدعى البال، مع عظم خلقه، سمكة تدعى اللشك، طةلها قدر ذراع. فإذا طغت السمكة دالكبيرةج وبغت، وآذت السمك في البحر، سلّطت عليها هذه السمكة الصغيرة، فصارت في أصل أذنها، ولا تفارقها حتى تقتلها. وتلتزق بالمركب، فلا تقرب المركبَ هذه السمكةُ الكبيرةُ مرفأ من الصغيرة".[66].
ويمضي قائلًا:
"وفي هذا البحر أيضًا سمكة يحكي وجهها وجه الإنسان، تطير فوق الماء. واسم هذا السمك الميج. وسمك آخر من تحت الماء يرصده، حتى إذا سقط ابتلعه. ويسمّى هذا السمك العنقتوس. والسمك كله يأكل بعضُه بعضًا".[67].
ويقول عن سمك يصعد في الشجرة:
"وذكروا أن بناحية البحر سمكًا يخرج حتى يصعد على النارجيل فيشرب ما في النارجيل من الماء ثم يعود إلى البحر".[68]
ويصف الثلاج الذي كانت الملوك يرمون فيه لبنة ذهبية كل يوم:
".... على ثلاج يأخذ من البحر. ومعنى الثلاج واد كدجلة مدينة السلام والبصرة، يغلب عليه ماء البحر بالمدّ، وينضب عنه الماء العذب بالجزر. ومنه غدير صغير يلاصق قصر الملك. فإذا كان في صبيحة كل يوم، دخل قهرمان الملك، ومعه لبنة قد سبكها من ذهب فيها أمنان، قد خفي عني مبلغُها. فيطرحها بين يدي الملك في ذلك الغدير. فإذا كان المدّ، علاها وما كان مجتمعًا معها من أمثالها وغمرها. فإذا كان الجزر، نضب عنها، فأظهرها، فلاحت في الشمس والملك مطّلع عليها عند جلوسه في المجلس المطلّ عليها. فلا تزال تلك حاله، يطرح في كل يوم في ذلك الغدير لبنة من ذهب، ما عاش ذلك الملك من الزمان لا يمسّ شيء منه. فإذا مات الملك، أخرجها القائم من بعده كلها، فلم يدع منها شيئًا، وأحصيت، ثم أذيبت، وفرّقت على أهل بيت المملكة، رجالهم ونسائهم، وأولادهم وقوّادهم وخدمهم، على قدر منازلهم، ورسوم لهم في كل صنف منهم. فما فضل بعد ذلك، فُضَّ على أهل المملكة والضعف، ثم دُوِّنَ عددُ اللبن الذهب ووزنه".[69].
وأما تقليد قتل الإنسان لنفسه أمام الناس فهو أصعب من أن يذكر. فليراجع القراء الصفحتين (82-83) من الكتاب.
وثانيًا: تكريم العرب من قبل الصين والهند:
وبما أن العرب قد سيطروا على جزء كبير من العالم فرعب منهم غيرهم. يقول أبو زيد السيرافي ناقلًا قول صيني عن العرب وشوكتهم:
"إنا نُعدّ الملوك خمسة: فأوسعهم ملكًا الذي يملك العراق، لأنه في وسط الدنيا، والملوك محدقة به. ونجد اسمه عندنا ملك الملوك. وبعده ملكُنا هذا، ونجده عندنا ملك الناس، لأنه لا أحد من الملوك أسوسَ منا، ولا أضبط لملكه من ضبطنا لملكنا، ولا رعية من الرعايا أطوع لملوكها من رعيتنا. فنحن ملوك الناس ومن بعدنا ملك السباع، وهو ملك الترك الذي يلينا. وبعدهم ملك الفيلة، وهو ملك الهند، ونجده عندنا ملك الحكمة، لأن أصلها منهم. وبعده ملك الروم، وهو عندنا ملك الرجال، لأن ليس في الأرض أتمَّ خَلْقًا من رجاله، ولا أحسن وجوهًا، فهؤلاء أعيان الملوك، والباقون دونهم".[70].
ولقد أكرمهم أهل الصين والهند فيقول سليمان التاجر:
"أهل الهند والصين مجمعون على أن ملوك الدنيا المعدودين أربعة. فأوّل من يعدّون من الأربعة، ملك العرب. وهو عندهم، بالإجماع، لا اختلاف بينهم فيه أنه أعظم الملوك، وأكثرهم مالًا، وأبهاهم جمالًا، وأنه ملك الدين الكبير، الذي ليس فوقه شيء. ثم بعد ملك الصين نفسه بعد ملك العرب، ثم ملك الروم، ثم بلهرا، ملك المُخرَّمي الآذان".[71].
ويقول الكاتب ذاته عن ملك آخر كان يحبّ العرب:
"وإلى جانبه ملك الطاقي. وهو قليل المملكة. ونساؤهم بيض، أجمل نساء الهند. وهو ملك موادع لمن حوله، لقلة جيشه. وهو يحبّ العرب كحبّ بلهرا".[72].
وليس هذا فقط بل كانوا يكرّمون من انتسب إلى الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم حيث تمتع ابن وهب خلال رحلته من أنواع التكريم والتعظيم من قبل ملوك الصين.[73].
وكذا أكرموا العرب لأنهم منبتوا التمر، والهنود كانوا يجلّونه فيقول السيرافي:
"وللعرب في قلوبهم هيبة عظيمة، فإذا عاينوا رجلًا منهم سجدوا له، وقالوا: هذا من مملكة ينبت بها شجر التمر، لجلالة التمر عندهم وفي قلوبهم".[74].
ولم يكن هذا عامًا في الهند كلها بل كان فيها ملوك يعادون العرب فقال سليمان التاجر:
"فمنهم يُدْعَى ملك الجُرْز وهو كثير الجيش، ليس لأحد من الهند مثل خيله. وهو عدوّ العرب، غير أنه مقرّ أن ملك العرب أعظم الملوك، وليس أحد من الهند أعدى للإسلام منه".[75].
خاتمة البحث:
بدا من دراسة هذا السفر الوجيز أن الهند كانت بلدًا واسع الأرجاء ومتعدد الملوك، وكانت لها علاقة تجارية سحيقة مع بلاد العرب وغيرها من البلاد، وكانت هي تصدّر منتوجاتها من الأمتعة والحيوان كما كانت تورّد منتوجات العرب ومحصولاتها. وكانت لها ثقافة عالية سامية تتكوّن من العلوم والفنون والآداب والتقاليد التي يندر وجودها لدى البلاد الأخرى ومنها العرب. فكانت لها درجة كبرى في قلوب الناس ولو أن أهالي بعض مناطقها كانوا يتخلّقون بأخلاق كانت مضادة ومعادية للإنسانية فكانوا يأكلون الناس أحياء ويؤدّون تقاليد لا تليق بالبشر ذوي الحجى والألباب. ولكنهم مع هذا وذلك كانوا يكرّمون العرب ويبجّلونهم إما لسعة سيطرتهم أو لإنباتهم أشجار التمر أو لانتسابهم إلى الرسول العربي صلّى الله عليه وسلّم.
[1] مدير تحرير، مجلة الهند وأستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، الهند.
[2] سليمان التاجر وأبو زيد السيرافي، أخبار الصين والهند، تحقيق وتحليل: إبراهيم خوري، دار الموسم للأعلام، بيروت، لبنان، 1991م، ص 90
[3] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54
[4] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 55
[5] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 36
[6] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 55
[7] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 41
[8] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 52
[9] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 52
[10] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 52
[11] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[12] فقال فيه:
"وفي بلاده البشان المعلّم، وهو الكركدن، له في مقدم جبهته قرن واحد. وفي قرنه علامة صورة خلقة كصورة الإنسان في حكايته. القرن كله أسود، والصورة بيضاء في وسطه. وهذا الكركدن دون الفيل في الخلقة، إلى السواد ما هو. ويشبه الجاموس، قويّ ليس كقوته شيء من الحيوان. وليس له مفصل في ركبته، ولا في يده. وهو، من لدن رجله إلى إبطه، قطعة واحدة. والفيل يهرب منه. وهو يجتر، كما يجتر البقر والإبل، ولحمه حلال، قد أكلناه. وهو في هذه المملكة كثير في غياضهم. وهو في سائر بلاد الهند، غير أن قرون هذا أجود. فربما كان في القرن صورة رجل، وصورة طاؤوس، وصورة سمكة، وسائر الصور. وأهل الصين يتخذون منها المناطق. وتبلغ المنطقة ببلاد الصين ألفي دينار وثلاثة آلاف وأكثر، على قدر حسن الصورة. وهذا كله يشترى من بلاد دهرم بالودع، وهو عين البلاد"، أخبار الصين والهند، ص 43
[13] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 51
[14] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[15] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54
[16] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 39
[17] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 84
[18] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 86
[19] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 66
[20] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54
[21] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 89
[22] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54
[23] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54 ويقول السيرافي مشيرًا إلى ذلك: "وساير ملوك الهند والصين يقولون بالتناسخ، ويدينون به"، أخبار الصين والهند، ص 74
[24] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 85
[25] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 83
[26] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 85
[27] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[28] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 39
[29] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 37
[30] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 55
[31] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 93-94
[32] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 94
[33] ويقول السيرافي عن مواظبة أهل مملكة القمار على السواك:
"... هو وأصحابه أهل سواك دائم يفعل الرجل منهم ذلك في اليوم مرّات. وسواك كل واحد منهم معه، لا يفارقه أو مع غلامه". أخبار الصين والهند، ص 73
[34] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54
[35] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 94
[36] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 39
[37] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[38] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 51
[39] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 39 وليس هذا فحسب بل كانت بعض مناطقها تأكل البشر فيقول سليمان التاجر عن أندمان:
"ومن وراء هؤلاء جزيرتان بينهما بحر يقال لهما أندمان وأهلها يأكلون الناس أحياءً وهم سود مفلفلوا الشعور ومناكير الوجوه والأعين طوال الأرجل. قدم أحدهم مثل الذراع، عراة. ليست لهم قوارب ولو كانت لهم لأكلوا كلَّ من مرّ بهم". أخبار الصين والهند، ص 32
[40] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54
[41] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 52
[42] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 55
[43] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 32
[44] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 52
[45] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[46] قال عن القضاة في الصين والهند:
"والهند إذا حبسوا رجلًا، أو لازموه، منعوه الطعام والشراب سبعة ايام، وهم يتلازمون. ولأهل الصين قضاة، يحكمون بينهم دون العمّال. وكذلك أهل الهند"، أخبار الصين والهند، ص 53
[47] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 52-53
[48] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[49] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54
[50] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 62
[51] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[52] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 50-51
[53] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 62-63
[54] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 87
[55] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 51
[56] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[57] "فإذا مرّت بهم المراكب، جاؤوا إليها بالقوارب الصغار والكبار، وبايعوا أهلها العنبر والنارجيل بالحديد وما يحتاجون إليه من كسوة"، أخبار الصين والهند، ص 32
[58] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 84
[59] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 87
[60] يقول عنه: "وهو شراب أبيض فإذا شُرِبَ ساعةَ يؤخذ من النارجيل فهو حلو مثل العسل فإذا تُرِكَ ساعةً صار شرابًا وإن بقي أيامًا صار خلًا"، أخبار الصين والهند، ص 36
[61] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 89
[62] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 43
[63] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 64
[64] زكريا القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد، دار صادر، بيروت، 1380ه، ص 85
[65] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 94
[66] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 30
[67] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 30
[68] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 39
[69] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 71
[70] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 66
[71] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 41
[72] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 42
[73] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 68
[74] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 89
[75] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 42
د. أورنك زيب الأعظمي [1]
مدخل إلى الموضوع:
الحمد لله الذي أمرنا بالسياحة في الأرض فالاعتبار بالعالمين، والصلاة والسلام الذي بعث للناس والجن أجمعين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، أما بعد:
فلم يزل تجَّار العرب يزورون بلادنا منذ جاهليتهم إلى أن أشرقت شمس الإسلام على الأرض، وانتشرت أشعتها في مختلف مناطق العالم، فزفّوا هذه البشرى إلى الناس غيرهم بمن فيهم أسلافنا الهنود. كانت رحلة العرب إلى الهند بادئ الأمر للتجارة، ثم تحوّلت التجارة إلى الحرب والاحتلال. وحكم العرب مناطق في السند والهند مستفيدين من علومها وفنونها وآدابها. وفي عصرنا الحديث اجتمعت كافة هذه الأهداف سوى الغزو والاحتلال فبين الهند والعرب علاقات متعددة الجهات من التجارة إلى الثقافة إلى السياسية، ويدعّمها رؤية المعالم التاريخية المتوفرة في البلاد. ففي آغره التاج وفي مهرولي منارة قطب وفي دلهي القديمة القلعة الحمراء والمسجد الجامع. هذه علاوة على المعالم الهندية الأخرى المتوفرة في أدنى مناطق الهند وأقصاها.
كل من جاء الهند ونزل بها أو ألقى عصا الترحال فيها حاول أن يحكي ما شهده أو يضبط ما رآه فبعضهم ألّف كتابًا فيها بينما البعض الآخر وفّر المواد للكتابة أو شارك في تأليف الكتاب. فمن مؤلفي النوع الأول سليمان التاجر بينما ينحدر أبو زيد الحسن السيرافي من مؤلفي النوع الأخير، ويسمّى جهدهما المشترك هذا بـ"أخبار الصين والهند".
المبحث الأول: معلومات بدائية عن هذه الرحلة
أولًا: اسمها وزمنها:
سمّيت هذه الرحلة إما بـ"أخبار الصين والهند" أو بـ"أخبار بلاد الهند والصين" أو بـ"أخبار بلاد الهند والصين وملوكهما". إنها في جزأين فالجزء الأول منها ألّفه سليمان التاجر في سنة 237ه بينما الجزء الثاني ألّفه أبو زيد السيرافي في الفترة ما بين 264ه و272ه. وهكذا فهي تتحدث عما حدث خلال العصر العباسي الزاهر (الثلث الأول والثلث الثاني من القرن الثالث الهجري). إنها أول وأقدم عمل موضوعي باللغة العربية وقد استفاد منها المتأخرون من الرحالين والمؤرخين العرب وغير العرب.
وثانيًا: من قام بكتابتها:
أما عن كاتبي هذه الرحلة فلا نجد عنهما سوى أن الأول تاجر عربي عراقي أسفاره كثيرة إلى الهند والصين وتجاربه في البحر تمتد لستة عشر عامًا. وأما الثاني فهو أبو زيد الحسن بن يزيد بن عمر بن زيد بن محمد بن مزد بن ساسياد وأصله من سيراف إلا أنه غادرها واستقرّ بالبصرة وكان من أهل التحصيل والتمييز فلم يكن السيرافي تاجرًا ولا بحّارًا بل كان عالمًا من علماء زمنه وكلّفته السلطة العليا بنقد الجزء الأول من "أخبار الصين والهند" والتعليق عليه والإضافة إليه وبالتالي فقد صدر الجزء الثاني من الكتاب بقلمه السلس السيّال.
وثالثًا: أسلوبها وترجماتها:
أسلوب هذه الرحلة يتصف بالبساطة والرصانة والرزانة، ووضوح الفكر ودقة التعبير، والابتعاد عن التنميق والمبالغة والخيال الجامح، والامتناع عن سرد الغرائب والعجائب إلا في القليل النادر جدًا كما سنشير إليها في هذه المقالة. وبما أنها مصدر عربي قديم للغاية فقد ترجم إلى اللغات الأجنبية الدولية كما قاموا بتلخيصها والحديث عنها وبناء المعلومات الجديدة عليها.
ورابعًا: هدفها:
لقد صرّح أبو زيد السيرافي المتحدث الكثير عن الهند عن هدف تأليف هذه الرحلة فقال:
"ولم يذكر في هذا الكتاب، يعني الكتاب الأول، ما تيامن من البحر عند خروج المراكب من عمان وأرض العرب، وتوسطهم للبحر الكبير. وإنما شرح فيه ما تياسر منها، إذ كان فيه بحر الهند والصين. وفيه كان مقصد من كتب ذلك الكتاب عنه"[2].
وهذا يعني أن الكاتب الأخير قد سدّ ما نقص في الجزء الأول منها وأكمل ما لم يذكر بيانه من وصف الهند خاصة.
المبحث الثاني: وصف الهند من جغرافياها وملوكها وما حرمته من الأشياء
أولًا: جغرافيا الهند وحكامها:
ولو أن الكاتبين يوجزان إلى حد بعيد عن جغرافيا الهند ومن حَكَمَها قبل عهدهما وفي أيامهما ولكن ما ذكراه مفيد ونافع فنشير إلى ذلك في الأسطر التالية:
يقول سليمان التاجر عن سعة بلاد الهند:
"وبلاد الهند أوسع من بلاد الصين وهي أضعافها. وعدد ملوكهم أكثر"[3].
ويقول عن حرمان معظم أرجاء الهند عن المدن والمحافظات: "وأكثر الهند لا مداين لها"[4]
والمنطقة الهندية الأولى التي ترحّب بالرحالين العرب هي كولم ملي فيقول سليمان التاجر:
"المسافة من مسقط إلى كولم ملي شهر على اعتدال الريح وفي كولم ملي مسلحة لبلاد كولم ملي تجبي السفن الصينية .... وبين مسقط وبين كولم ملي وبين هركند نحو من شهر".[5]
وفي الهند أنهار كبيرة وكثيرة كما توجد فيها المفاوز بالكثرة، وتكثر فيها الأمطار.[6]
ولقد كان في الهند ملوك استقلوا بحكمهم على المناطق الخاصة بهم وأكبرهم وأشرفهم ملك بلهرا فيقول سليمان التاجر:
"فأما بلهرا هذا فإنه أشرف الهند. وهم له مقرّون بالشرف. وكل ملك من ملوك الهند متفرّد بملكه غير أنهم مقرّون لهذا".[7]
ويقول في موضع آخر:
"وليس تنقاد ملوك الهند لملك واحد، بل كل واحد ملك ببلاده. وبلهرا ملك الملوك بالهند".[8]
والحكم لديهم موروث وراثة المناصب الكبرى فيقول سليمان التاجر:
"وأهل بيت المملكة في كل مملكة أهل بيت واحد، لا يخرج عنهم الملك، ولهم ولاة عهود. وكذلك أهل الكتابة والطب، أهل بيوتات، لا تكون الصناعة إلا فيهم".[9]
ومن عادة ملوك الهند أنهم لا يشنّون الغارة على الآخرين وإن فعلوا ذلك رجعوا الحكم إلى أحد أفراد السلالة الملكية فيقول سليمان التاجر:
"وربما اقتتلوا على الملك، وذلك قليل. لم أرَ أحدًا غلب أحدًا على مملكته، إلا قومًا تلو بلاد الفلفل. وإذا غلب ملك على مملكته، ولّي عليها رجل من أهل بيت الملك المغلوب، ويكون من تحت يده. لا يرضى أهل تلك المملكة إلا بذلك".[10]
والهنود يبنون بيوتهم من الحجارة والجص والآجر والطين كما ذكره سليمان التاجر.[11]
وألوان الهنود مختلفة فبعضهم أبيض وبعضهم أسود وبعضهم أسمر وهذا لأجل طقوس وأجواء البلاد المختلفة.
وثانيًا: بهائم ومحصولات الهند:
والهند تنشئ وتجني ما يلي:
الكركدن وهو حيوان كبير أسهب سليمان التاجر في وصفه[12] كما أثنى على الزعفران[13] وأشار إلى الذئب[14]. ثم قال: لا ينبت في الهند نخل ولا عنب. وفيها سائر الأشجار والأثمار والفواكه والرمان بالهند أكثر.[15]
ومن منتوجاتها كحل العين وهو يؤخذ من حيوان بحري ويفيد في بعض علل العين.[16]
ولقد أحصينا ما كانت الهند تجني وتخرج حين الحديث عن صادراتها فلا نريد تكرارها.
المبحث الثالث: المجتمع الهندي
وبعد الإشارة إلى هذا المبحث نودّ أن نتحدث عن المجتمع الهندي الذي قد أسهبا فيه ونقسم هذا المبحث في عناوين عديدة كما يلي:
أولًا: ثقافة الهنود:
لقد كان الهنود أكثر ثقافة من غيرهم واعترف به الرحالة العرب كلهم؛ ولقد كان ملوكهم يحضّون شعوبهم على ترويج العلوم والآداب فيقول السيرافي:
".... لهم مجالس كمجالس محدثينا، يجتمع إليهم الهند، فيكتبون عنهم سير أنبيائهم وسنن شرائعهم".[17]
ويقول في موضع آخر:
"وللهند عبّاد ومن يعرفون بالبراهمة، وشعراء يغشون الملوك، ومنجمون وفلاسفة وكهّان، وأهل زجر للعريان وغيرها. وبها سحرة وقوم يظهرون التخاييل ويبدعون فيها، وذلك بقنوج خاصة، وهو بلد عظيم في مملكة الحوز".[18]
ومما تثقفوا به من العلوم والفنون الحكمة. والواقع أن الهند أصل الحكمة وعينها كما قال السيرافي: "لأن أصلها (الحكمة) منهم"[19]
وكذا الطب والفلسفة "والطب بالهند والفلاسفة"[20] وأما علم النجوم فقد مهروا فيه.
وكذا كانت الخطابة مكرمة لديهم فيقول السيرافي: "ولهم الخطب وليس في الأمم كخطبائهم بألسنتهم. وفيهم من يتعبّد، فيستتر بجلد نمر أو جلد قرد، ويأخذ بيده عصا، ويقبل نحوهم. فيجتمع إليه منهم جمع. فيقف على رجله يومًا إلى الليل يخطب عليهم، ويذكّرهم بالله جلّ ذكره، ويصف لهم أمور من هلك منهم".[21]
ولقد أشار سليمان التاجر إلى عدم وجود من يتحدث بالعربية أو يؤمن بدين الإسلام على أرض الهند فقال: "لا يوجد فيهم من لا يتكلم بالعربية أو يؤمن بالإسلام".[22]
وثانيًا: ديانتهم:
ديانة الهند الشرك وجعلوا لهم أصنامًا وهم الذين صدّروا هذه الفكرة إلى الصين وكان فيهم صنم كبير في المولتان نذروا له العود الثمين الذي اشتراه التجار من سدنته. وكذلك كان الهنود يؤمنون بالتناسخ.[23] وهكذا لم يكن القمار ممنوعًا لديهم فيقول السيرافي وهو يحكي عجيب أضرار القمار:
"وأكثر أعمالهم القمار بالديكة والنرد. والديكة عندهم عظيمة الأجسام، وافرة الصياصي، يستعملون لها من الخناجر الصغار المرهفة ما يشذّ على صياصيها، ثم ترسل. وقمارهم في الذهب والفضة والأرضين والنبات وغير ذلك. فيبلغ الديك الغالب جملة من الذهب. وكذلك لعبهم بالنرد دائم على خطر واسع حتى إن أهل الضعف منهم، ومن لا مال له، ممن يذهب إلى طلب الباطل والفتوة، ربما لاعب في أنامله، فيلعب وإلى جنبه شيء قد جعل فيه من دهن الجوز أو دهن السمسم، إذ كان الزيت معدومًا عندهم، وتحته نار تحميه، وبينهما فأس صغيرة مشحوذة. فإذا غلب أحدهما صاحبه، وضع يده على حجر، وضرب القامر بالفأس أنملة المقمور، فأبانها، ووضع المقمور يده في الدهن، وهو في نهاية الحرارة، فيكويها. ولا يقطعه ذاك عن المعاودة في اللعب. فربما افترقا، وقد بطلت أناملهما جميعًا. ومنهم من يأخذ الفتيلة، فينقعها في الدهن، ثم يضعها على عضو من أعضائه، ويشعل النار فيها. فهي تحترق، ورائحة اللحم تفوح، وهو يلعب بالنرد، لا يظهر منه جزع".[24]
ومن عجيب أفكارهم أنهم إذا أسنّوا طلبوا من أهلهم أن يميتوهم بطريقة أو أخرى فيقول السيرافي:
"ومن شأنهم، إذا أخذت السنّ من رجالهم ونسائهم، وضعفت حواسّهم، أن يطالب من صار في هذه الحال منهم أهله بطرحه في النار أو تغريقه في الماء، ثقة منهم بالرجعة".[25]
وبالرغم من شركهم وكفرهم لله سبحانه فكانوا يتحمّلون أديان وملل الآخرين، ولم يكونوا يمنعونهم عن اتباعها فيقول السيرافي:
"وبهذه الجزيرة (سرنديب) جمع من اليهود كثير، ومن ساير الملل. وبها أيضًا ثنوية. والملك يبيح لكل فريق منهم ما يتشرع به".[26]
وثالثًا: محاسنهم وملابسهم:
وأهل الهند يطوّلون اللحى والشوارب إلى حد بعيد فيقول سليمان التاجر:
"والهند يطوّلون لحاهم. ربّما رأيت لحية أحدهم ثلاثة أذرع. ولا يأخذون شواربهم".[27]
ويقول عن أهل ملجان من بلاد الهند:
"وذكر أن في جزيرة يقال لها ملجان فيما بين سرنديب وكلاه وذلك من بلاد الهند في شرقيّ البحر قومًا من السودان عراة".[28]
ويقول كذلك عن ملابس أهالي كولم ملي:
"لباسهم الفُوط، يلبس السري والدني منهم الفوطة الواحدة".[29]
ويقول في موضع آخر:
"أهل الهند يلبسون فوطتين ويتحلّون بأسورة الذهب والجوهر، الرجال والنساء".[30]
ولكن الملوك والرؤساء كانوا مختلفين عن الشعب في ملابسهم ومراكبهم فقال السيرافي:
"وملوك الهند تلبس الأقراط من الجوهر النفيس في آذانها، المركّب في الذهب. وتضع في أعناقها القلائد النفيسة المشتملة على فاخر الجوهر الأحمر والأخضر واللؤلؤ ما يعظم قيمته ويجل مقداره. وهو اليوم كنوذهم وذخائرهم، وتلبسه قوّادهم ووجوهم، والرئيس منهم يركب على عنق رجل منهم، وعليه فوطة قد استتر بها، وفي يده شيء يعرف بالجترة، وهي مظلة من ريش الطواويس يأخذها بيده، فيتقي بها الشمس، وأصحابه محدقون به".[31]
ويحكي موابدهم كما يلي:
"وأما ملوكهم في بلادهم ووجوهم، فإنه يتخذ لهم في كل يوم موائد يسفّ خوصَ النارجيل سفًّ، ويعمل منه كهيئة الغضار والصحاف، فإذا أحضر الغذاء، أكلوا الطعام في ذلك الخوص المسفوف. فإذا فرغوا من غذائهم رُمِي بتلك المائدة والغضار والمسفوف من الخوص مع ما بقي من الطعام إلى الماء، واستأنفوا من غدهم مثله".[32]
ورابعًا: مآكلهم:
الهنود يهتمون بتطهير الأسنان اهتمامًا بالغًا فيستاكون[33] كل صباح ولا يأكلون بدون الغسل إلا أنهم لا يغتسلون من الجنابة.[34] والمهم أنهم لا يأكلون في طبق واحد حتى أن بعضهم لا يأكلون على مائدة واحدة فقال السيرافي:
"ومنهم صنف لا يأكل اثنان منهم في غضارة واحدة، ولا على مائدة واحدة، يجدون ذلك عيبًا فاحشًا. فإذا وردوا سيراف، فدعاهم وجه من وجوه التجّار، وكانوا مائة نفس أو دونها أو فوقها، احتاج أن يضع بين يدي كل رجل منهم طبقًا فيه ما يأكله، لا يشاركه فيه سواه".[35].
والهنود كانوا يأكلون ما وجدوه من المطاعم والمآكل حتى أنهم كانوا يأكلون الإنسان ففيما يلي ننقل بعض مآكلهم فيقول سليمان التاجر عن أهل ملجان وهي من الهند: "وغذاؤهم السمك والموز والنارجيل وقصب السكر".[36].
ويقول مقارنًا بين مآكل الهند والصين:
"وطعامهم (الهند) الأرز، وطعام الصين الحنطة والأرز. وأهل الهند لا يأكلون الحنطة".[37]
وكذا كانوا يأكلون الحشيش وثمر الغياض[38].
ويقول عن مآكل ملجان وهي من بلاد الهند:
"وذكر أن في جزيرة يقال لها ملجان فيما بين سرنديب وكلاه وذلك من بلاد الهند في شرقيّ البحر قومًا من السودان عراة، إذا وجدوا الإنسان من غير بلادهم علّقوه منكسًا وقطّعوه وأكلوه نيئًا. وعدد هؤلاء كثير".[39].
ويبدو من دراسة هذا الكتاب أن الهنود كانوا يأكلون اللحوم فيقول في موضع منه:
"والصين والهند يقتلون ما يريدون أكله ولا يذبحونه فيضربون هامته حتى يموت" [40].
وهم يكرهون الملاهي ولا يشربون الخمر لأنها تخلق الغفلة عن المسؤولية لا لأنها محرّمة عليهم فيقول سليمان التاجر:
"وأهل الصين أهل ملاهي. وأهل الهند يعيبون الملاهي، ولا يتخذونها، ولا يشربون الشرابَ، ولا يأكلون الخل، لأنه من الشراب. وليس ذلك دينًا، بل أنفة. ويقولون: أي ملك شرب الشراب، فليس بملك. وذلك أن حولهم ملوكًا يقاتلونهم، ويقولون: كيف يدبّر أمر ملكه من هو سكران" [41].
وخامسًا: أمراضهم:
لم يذكر الكاتبان كثيرًا من أمراض الهنود فقال سليمان التاجر خلال مقابلة الصين من الهند:
"وبلاد الصين أصحّ وأقلّ أمراضًا وأطيب هواءًا، لا يكاد يرى بها أعمى ولا أعور، ولا من به عاهة. وهذا كثير ببلاد الهند" [42].
وسادسًا: الزواج فيهم:
وقد عمّ الزواج في كل مجتمع إلا أن له طرقًا متعددة ففي الهند طرق مختلفة للزواج لسعتها ولاحتلاف أهاليها ففي أندمان إذا أراد رجل أن يتزوّج من فتاة واحدة صرع عدوًا واحدًا وإذا أراد أن يتزوّج من فتاتين صرع عدوّين اثنين فصاعدًا. يقول سليمان التاجر:
"وإذا أراد أحدٌ منهم أن يتزوّج، لم يزوّج إلا بقحف رأس رجل من أعدائهم. فإذا قتل اثنين، زوّج اثنتين. وكذلك إذا قتل خمسين، زوّج خمسين امرأة بخمسين قحفًا. وسبب ذلك أن أعدائهم كثر. فمن أقدم على القتل أكثر، كانت رغبتهم فيه أوفر" [43].
والطريق العام للزواج لدى الهنود كما يلي:
"وأهل الهند والصين، إذا أرادوا التزويج، تهانؤوا بينهم، ثم تهادوا، ثم يشهرون التزويج بالصنوج والطبول. وهديتهم من المال على قدر الإمكان".[44].
والهنود يقولون بتعدد الزوجات فالواحد منهم يتزوّج مما شاء من الفتيات فيقول سليمان التاجر:
"وليس الصين ولا الهند بأصحاب فرش. ويتزوّج الرجل من الصين والهند ما شاء من النساء".[45].
وسابعًا: جزاء السيئات:
ذكر سليمان التاجر من خلال حديثه عن الأشياء الأخرى ما حدّده الهنود من عقاب على الجرائم الكبار مثل الزنى والقتل والسرقة وما شابهها من الجرائم فيذكر أن الهنود كانوا أولًا يقبضون على الجاني فيحبسونه لسبعة أيام ويحرمونه من الطعام والشراب ثم يقدّم أمام القاضي فيفصل القاضي عنه ويحدّد العقاب.[46] ذكر سليمان التاجر عقاب الزنى فقال إن الزاني يقتل إذا ارتكب المرء الجريمة وقتل الزانية والزانية إذا ارتكب كلاهما الجريمة:
"وإذا أحضر الرجل امرأة، فبغت، فعليها وعلى الباغي بها القتل في جميع بلاد الهند. وإن زنى رجل بامرأة اغتصبها نفسها، قُتِل الرجل وحدة، فإن فجر بامرأة على رضى منها، قتلا جميعًا".[47].
وكذا عقاب السرق لديهم هو القتل فيذكره سليمان التاجر:
"والسرق في جميع بلاد الصين والهند، في القليل منه والكثير، القتل. فأما الهند، فإذا سرق السارق فلسًا فما فوقه، أخذت خشبة طويلة، فيحدّد طرفها، ثم يُقعَد عليها على استه حتى تخرج من خلفه".[48].
ونفس العقاب كان يحدّد لقطع الطريق فقال:
"ويقتل قاطع الطريق. وأهل الصين والهند يزعمون أن البددة تكلّمهم، وإنما يكلّمهم عبّادهم".[49].
وكذلك كان يقتل من قتل غيره فيقول السيرافي:
".... سبيل المحصّن والمحصّنة عندهم، إذا زنيا، القتل. وكذلك اللص والقاتل. وسبيلهم في القتل أن تشدّ يدا من يريدون قتله وثيقًا، ثم تطرح في رأسه حتى يصيرا على عنقه. ثم تدخل رجله اليمنى فيما ينفذ من يده اليمنى، ورجله اليسرى فيما ينفذ من يده اليسرى، فتصير قدماه جميعًا من ورائه، ويتقبض، ويبقى كالكرة لا حيلة له في نفسه. ويستغني عن ممسك يمسكه. وعند ذلك تزول عنقه عن مركبها وتتزايل خزرات ظهره عن بطنها، وتختلف وركاه، ويتداخل بعضه في بعض. وتضيق نفسه. ويصير في حال، لو ترك على ما هو به بعض ساعة، لتلف. فإذا بلغ منه، ضرب بخشبة لهم معروفة على مقاتله ضربات معروفة، لا تتجاوز. فليس دون نفسه. ثم يدفع إلى من ياكله".[50].
ولا توجد اللواطة لدى الهنود لأن سليمان التاجر خصّ به أهل الصين فقال فيهم:
"وأهل الصين يلوطون بغلمان قد أقيموا لذلك بمنزلة زواني البددة".[51].
وأما من ادعّى ضد رجل أنه قتل أحدًا ولكنه فشل في تقديم الشواهد فأغرم منًا من ذهب فقال ما يلي:
"وأما بلاد الهند، فإنه إذا ادّعى رجل آخر دعوى يجب فيها القتل، قيل للمدعي: أتحامله النار؟ فيقول: نعم، فتحمى حديدة إحماء شديدًا حتى يظهر النار فيها. ثم يقال له: ابسط يدك. فتوضع على يده سبع ورقات من ورق شجر لهم، ثم توضع على يده الحديدة فوق الورق، ثم يمشي بها مقبلًا مدبرًا حتى يلقيها عن يده. فيؤتى بكيس من جلود، فتدخل يده فيه ثم يختم بختم السلطان. فإذا كان بعد ثلاث، أتي بأرز غير مقشّر، فيقال له افركه. فإن لم يكن في بدء أثر، فلقد فلج، ولا قتل عليه، ويغرم الذي ادّعى عليه منًا من ذهب يقبضه السلطان لنفسه. وربما أغلوا الماء في قدر حديد أو نحاس حتى لا يقدر أحد يدنو منه، ثم يطرح فيه خاتم حديد، ويقال: أدخل يدك، فتناول الخاتم. وقد رأيت من أدخل يده وأخرجها صحيحة. ويغرم المدّعي أيضًا منًا من ذهب".[52].
ومن جملة العقابات أن من تزوّج مومسة وجب قتله فإن الفحشاء كانت مسموحة من قبل الحكّام إذا كانت مسجّلة. يقول السيرافي:
"وفيهم نساء لا يردن الإحصان، ويرغبن في الزنا. وسبيل هذا أن تحضر مجلس صاحب الشرط، فتذكر زهدها في الإحصان، ورغبتها في الدخول في جملة الزواني. وتسأل حملها على الرسم في مثلها ومن رسمهم فيمن أراد ذلك من النساء، أن تكتب نسبها وحليتها وموضع منزلها، وتثبت في ديوان الزواني، ويُجعَل في عنقها خيط فيه خاتم من نحاس مطبوع بخاتم الملك، ويُدفَع إليها منشور، يذكر فيه دخولها في جملة الزواني، وأن عليها لبيت المال في كل سنة كذا وكذا فلسًا، وأن من تزوّجها، فعليه، القتل. فتؤدي في كل سنة ما عليها، ويزول الإنكار عنها. فهذه الطبقة من النساء يرحن بالعشيات عليهن ألوان الثياب من غير استتار. فيصرن إلى من طرأ إلى تلك البلاد من الغرباء من أهل الفسق والفساد وأهل الصين. فيقمن عندهم وينصرفن بالغدوات. ونحن نحمد الله على ما طهّرنا به من هذه الفتن".[53].
وقال في موضع آخر:
"وبالهند قحاب يعرفون بقحاب البد. والسبب فيه أن المرأة، إذا نذرت نذرًا، ووُلِدَ لها جارية جميلة، أتت بها البدَّ، وهو الصنم الذي يعبدونه، فجمعلتها له. ثم اتخذت لها في السوق بيتًا، وعلّقت عليه سترًا، وأقعدتها على كرسي، لتجتاز بها أهل الهند وغيرهم من سائر الملل ممن يتجاوز في دينه. فتمكّن من نفسها بأجرة معلومة. وكلما اجتمع لها شيء من ذلك، دفعته إلى سدنة الصنم، ليصرف في عمارة الهيكل. والله جلّ وعزّ نحمده على ما اختار لنا، وطهّرنا من ذنوب الكفرة به".[54].
وثامنًا: تقاليد ما بعد الموت:
من تقاليد ما بعد الموت أن الهنود يجمعون للموتى الصندل والكافور والزعفران والخشب ثم يحرقونهم بالنار ولا يدفنونهم وربما ترافق الزوجة بعلها في التحريق فتموت معه ولكن ليس هذا إجباريًا بل تفعله الزوجة عن رضى.[55].
وهذا يدلّ على أن تقليد "الستي" كان قديمًا في المجتمع الهندي.
وإذا مات أحدهم حلّقوا رؤوسهم ولحاهم. يقول سليمان التاجر:
"وأهل الهند إذا مات لأحدهم ميت، حلق رأسه ولحيته".[56].
المبحث الرابع: تجارة الهند
والواقع أن الهند قد علا ذكرها لفضل تجارتها أولًا ولثقافتها وديانتها أخيرًا فقد عقدت العلاقات بينها وبين بلاد العرب أولًا بفضل التجارة فوجدت كلمات هندية عديدة في اللغة العربية عن هذه الطريقة. وكانت الهند تعامل إما بالدينار أو بالحديد[57] أو بما تيسّر لهم من أسباب المعادلة. نودّ في هذا المبحث أن نشير إلى صادرات الهند وواردتها فنشرع في ذكر صادرات الهند:
أولًا: صادرات الهند:
والهند قد اتصلت ببلاد العرب أولًا من أجل التجارة فهي كانت تصدّر إلى الدول الأخرى بما فيها الدول العربية ما يلي من الأشياء:
الذهب والفضة وأنواع من الجوهر[58] واللؤلؤ وأنواع من العود[59] وأصناف من الكافور والصندل والعنبر والمسك والقرنفل وأنواع الأفواه الطيبة الذكية والفلفل والنارجيل وأشجاره وشرابه[60] والفيل وأنيابه والخيل والإبل وأصناف من النمر[61] والذبل (جلود ظهور السلاحف) وقرن الكركدن[62] والرصاص القلعي والأبنوس والبقم والأفاويه والففاغي والببغاء والطاووس والخيزران والجوزبوا و والحرير[63] والثياب الصُمر. ولقد لخّص أحد شعراء الهند هذه الصادرات في منظومة عربية كما يلي:
لقد أنكرَ أصحابيْ وما ذلك بأمثل
إذا ما مدح وسهمُ الهندِ في المقتل
لعمريْ أنها أرضٌ إذا القطرُ بها ينزل
يصيرُ الدرّ والياقوتُ والدرّ لمنْ يعطل
فمنها المسكُ والكافورُ والعنبرُ والمندل
وأصنافٌ من الطيبِ يستعملُ منْ يتفل
وأنواعُ الأفاعية وجوزُ الطيبِ والسنبل
ومنها العاجُ والساجُ ومنها العودُ والصندل
وإنّ التوتيا فيها كمثل الجبلِ الأطول
ومنها الببرُ والنمرُ ومنها الفيلُ والدغفل
ومنها الكوكُ والببغاءُ والطاؤسُ والجوزل
ومنها شجرُ الرانج والساسم والفلفل
سيوفٌ ما لها مثلٌ قد استغنتْ عن الصيقل
وأرماحٌ إذا اهتزّتْ اهتزّ بها الجحفل
وهـل ينكر هـذا الفضل إلا الرجل الأخطل[64]
وثانيًا: ورادات الهند:
وأما عما كانت الهند تورّده الهند من الأمتعة والأسباب فهي قليلة للغاية ومنها ما ذكره السيرافي كما يلي:
"وكان يحمل إلى الهند في القديم الدنانير السندية، فيباع الدينار بثلاثة دنانير وما زاد. ويحمل إليهم الزمرّد الذي يرد من مصر، مركّبًا في الخواتيم، مصونًا في الحقاق، ويحمل البسذ، والمرجان، وحجر يقال له الدهنج، ثم تركوه".[65].
المبحث الخامس: بعض الأمور
أولًا: عجايب الهند:
ولقد ذكر الكاتبان عجائب وغرائب من الهند قد شاهدوها أو سمعوا عمن يوثق لديهم ونسردها إليكم بعض هذه العجائب:
يقول سليمان التاجر عن الأسماك الغريبة:
"وفي البحر سمكة، اصطدناها، يكون طولها عشرين ذراعًا. فشققنا بطنها، فأخرجنا منها أيضًا سمكة من جنسها. ثم شققنا بطن الثانية، فإذا في بطنها مثلها. وكل هذا حيّ يضطرب، يشبه بعضه بعضًا في الصورة. ولهذا السمك الكبير، الذي يدعى البال، مع عظم خلقه، سمكة تدعى اللشك، طةلها قدر ذراع. فإذا طغت السمكة دالكبيرةج وبغت، وآذت السمك في البحر، سلّطت عليها هذه السمكة الصغيرة، فصارت في أصل أذنها، ولا تفارقها حتى تقتلها. وتلتزق بالمركب، فلا تقرب المركبَ هذه السمكةُ الكبيرةُ مرفأ من الصغيرة".[66].
ويمضي قائلًا:
"وفي هذا البحر أيضًا سمكة يحكي وجهها وجه الإنسان، تطير فوق الماء. واسم هذا السمك الميج. وسمك آخر من تحت الماء يرصده، حتى إذا سقط ابتلعه. ويسمّى هذا السمك العنقتوس. والسمك كله يأكل بعضُه بعضًا".[67].
ويقول عن سمك يصعد في الشجرة:
"وذكروا أن بناحية البحر سمكًا يخرج حتى يصعد على النارجيل فيشرب ما في النارجيل من الماء ثم يعود إلى البحر".[68]
ويصف الثلاج الذي كانت الملوك يرمون فيه لبنة ذهبية كل يوم:
".... على ثلاج يأخذ من البحر. ومعنى الثلاج واد كدجلة مدينة السلام والبصرة، يغلب عليه ماء البحر بالمدّ، وينضب عنه الماء العذب بالجزر. ومنه غدير صغير يلاصق قصر الملك. فإذا كان في صبيحة كل يوم، دخل قهرمان الملك، ومعه لبنة قد سبكها من ذهب فيها أمنان، قد خفي عني مبلغُها. فيطرحها بين يدي الملك في ذلك الغدير. فإذا كان المدّ، علاها وما كان مجتمعًا معها من أمثالها وغمرها. فإذا كان الجزر، نضب عنها، فأظهرها، فلاحت في الشمس والملك مطّلع عليها عند جلوسه في المجلس المطلّ عليها. فلا تزال تلك حاله، يطرح في كل يوم في ذلك الغدير لبنة من ذهب، ما عاش ذلك الملك من الزمان لا يمسّ شيء منه. فإذا مات الملك، أخرجها القائم من بعده كلها، فلم يدع منها شيئًا، وأحصيت، ثم أذيبت، وفرّقت على أهل بيت المملكة، رجالهم ونسائهم، وأولادهم وقوّادهم وخدمهم، على قدر منازلهم، ورسوم لهم في كل صنف منهم. فما فضل بعد ذلك، فُضَّ على أهل المملكة والضعف، ثم دُوِّنَ عددُ اللبن الذهب ووزنه".[69].
وأما تقليد قتل الإنسان لنفسه أمام الناس فهو أصعب من أن يذكر. فليراجع القراء الصفحتين (82-83) من الكتاب.
وثانيًا: تكريم العرب من قبل الصين والهند:
وبما أن العرب قد سيطروا على جزء كبير من العالم فرعب منهم غيرهم. يقول أبو زيد السيرافي ناقلًا قول صيني عن العرب وشوكتهم:
"إنا نُعدّ الملوك خمسة: فأوسعهم ملكًا الذي يملك العراق، لأنه في وسط الدنيا، والملوك محدقة به. ونجد اسمه عندنا ملك الملوك. وبعده ملكُنا هذا، ونجده عندنا ملك الناس، لأنه لا أحد من الملوك أسوسَ منا، ولا أضبط لملكه من ضبطنا لملكنا، ولا رعية من الرعايا أطوع لملوكها من رعيتنا. فنحن ملوك الناس ومن بعدنا ملك السباع، وهو ملك الترك الذي يلينا. وبعدهم ملك الفيلة، وهو ملك الهند، ونجده عندنا ملك الحكمة، لأن أصلها منهم. وبعده ملك الروم، وهو عندنا ملك الرجال، لأن ليس في الأرض أتمَّ خَلْقًا من رجاله، ولا أحسن وجوهًا، فهؤلاء أعيان الملوك، والباقون دونهم".[70].
ولقد أكرمهم أهل الصين والهند فيقول سليمان التاجر:
"أهل الهند والصين مجمعون على أن ملوك الدنيا المعدودين أربعة. فأوّل من يعدّون من الأربعة، ملك العرب. وهو عندهم، بالإجماع، لا اختلاف بينهم فيه أنه أعظم الملوك، وأكثرهم مالًا، وأبهاهم جمالًا، وأنه ملك الدين الكبير، الذي ليس فوقه شيء. ثم بعد ملك الصين نفسه بعد ملك العرب، ثم ملك الروم، ثم بلهرا، ملك المُخرَّمي الآذان".[71].
ويقول الكاتب ذاته عن ملك آخر كان يحبّ العرب:
"وإلى جانبه ملك الطاقي. وهو قليل المملكة. ونساؤهم بيض، أجمل نساء الهند. وهو ملك موادع لمن حوله، لقلة جيشه. وهو يحبّ العرب كحبّ بلهرا".[72].
وليس هذا فقط بل كانوا يكرّمون من انتسب إلى الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم حيث تمتع ابن وهب خلال رحلته من أنواع التكريم والتعظيم من قبل ملوك الصين.[73].
وكذا أكرموا العرب لأنهم منبتوا التمر، والهنود كانوا يجلّونه فيقول السيرافي:
"وللعرب في قلوبهم هيبة عظيمة، فإذا عاينوا رجلًا منهم سجدوا له، وقالوا: هذا من مملكة ينبت بها شجر التمر، لجلالة التمر عندهم وفي قلوبهم".[74].
ولم يكن هذا عامًا في الهند كلها بل كان فيها ملوك يعادون العرب فقال سليمان التاجر:
"فمنهم يُدْعَى ملك الجُرْز وهو كثير الجيش، ليس لأحد من الهند مثل خيله. وهو عدوّ العرب، غير أنه مقرّ أن ملك العرب أعظم الملوك، وليس أحد من الهند أعدى للإسلام منه".[75].
خاتمة البحث:
بدا من دراسة هذا السفر الوجيز أن الهند كانت بلدًا واسع الأرجاء ومتعدد الملوك، وكانت لها علاقة تجارية سحيقة مع بلاد العرب وغيرها من البلاد، وكانت هي تصدّر منتوجاتها من الأمتعة والحيوان كما كانت تورّد منتوجات العرب ومحصولاتها. وكانت لها ثقافة عالية سامية تتكوّن من العلوم والفنون والآداب والتقاليد التي يندر وجودها لدى البلاد الأخرى ومنها العرب. فكانت لها درجة كبرى في قلوب الناس ولو أن أهالي بعض مناطقها كانوا يتخلّقون بأخلاق كانت مضادة ومعادية للإنسانية فكانوا يأكلون الناس أحياء ويؤدّون تقاليد لا تليق بالبشر ذوي الحجى والألباب. ولكنهم مع هذا وذلك كانوا يكرّمون العرب ويبجّلونهم إما لسعة سيطرتهم أو لإنباتهم أشجار التمر أو لانتسابهم إلى الرسول العربي صلّى الله عليه وسلّم.
[1] مدير تحرير، مجلة الهند وأستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، الهند.
[2] سليمان التاجر وأبو زيد السيرافي، أخبار الصين والهند، تحقيق وتحليل: إبراهيم خوري، دار الموسم للأعلام، بيروت، لبنان، 1991م، ص 90
[3] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54
[4] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 55
[5] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 36
[6] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 55
[7] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 41
[8] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 52
[9] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 52
[10] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 52
[11] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[12] فقال فيه:
"وفي بلاده البشان المعلّم، وهو الكركدن، له في مقدم جبهته قرن واحد. وفي قرنه علامة صورة خلقة كصورة الإنسان في حكايته. القرن كله أسود، والصورة بيضاء في وسطه. وهذا الكركدن دون الفيل في الخلقة، إلى السواد ما هو. ويشبه الجاموس، قويّ ليس كقوته شيء من الحيوان. وليس له مفصل في ركبته، ولا في يده. وهو، من لدن رجله إلى إبطه، قطعة واحدة. والفيل يهرب منه. وهو يجتر، كما يجتر البقر والإبل، ولحمه حلال، قد أكلناه. وهو في هذه المملكة كثير في غياضهم. وهو في سائر بلاد الهند، غير أن قرون هذا أجود. فربما كان في القرن صورة رجل، وصورة طاؤوس، وصورة سمكة، وسائر الصور. وأهل الصين يتخذون منها المناطق. وتبلغ المنطقة ببلاد الصين ألفي دينار وثلاثة آلاف وأكثر، على قدر حسن الصورة. وهذا كله يشترى من بلاد دهرم بالودع، وهو عين البلاد"، أخبار الصين والهند، ص 43
[13] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 51
[14] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[15] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54
[16] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 39
[17] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 84
[18] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 86
[19] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 66
[20] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54
[21] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 89
[22] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54
[23] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54 ويقول السيرافي مشيرًا إلى ذلك: "وساير ملوك الهند والصين يقولون بالتناسخ، ويدينون به"، أخبار الصين والهند، ص 74
[24] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 85
[25] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 83
[26] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 85
[27] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[28] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 39
[29] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 37
[30] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 55
[31] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 93-94
[32] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 94
[33] ويقول السيرافي عن مواظبة أهل مملكة القمار على السواك:
"... هو وأصحابه أهل سواك دائم يفعل الرجل منهم ذلك في اليوم مرّات. وسواك كل واحد منهم معه، لا يفارقه أو مع غلامه". أخبار الصين والهند، ص 73
[34] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54
[35] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 94
[36] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 39
[37] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[38] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 51
[39] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 39 وليس هذا فحسب بل كانت بعض مناطقها تأكل البشر فيقول سليمان التاجر عن أندمان:
"ومن وراء هؤلاء جزيرتان بينهما بحر يقال لهما أندمان وأهلها يأكلون الناس أحياءً وهم سود مفلفلوا الشعور ومناكير الوجوه والأعين طوال الأرجل. قدم أحدهم مثل الذراع، عراة. ليست لهم قوارب ولو كانت لهم لأكلوا كلَّ من مرّ بهم". أخبار الصين والهند، ص 32
[40] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54
[41] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 52
[42] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 55
[43] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 32
[44] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 52
[45] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[46] قال عن القضاة في الصين والهند:
"والهند إذا حبسوا رجلًا، أو لازموه، منعوه الطعام والشراب سبعة ايام، وهم يتلازمون. ولأهل الصين قضاة، يحكمون بينهم دون العمّال. وكذلك أهل الهند"، أخبار الصين والهند، ص 53
[47] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 52-53
[48] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[49] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 54
[50] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 62
[51] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[52] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 50-51
[53] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 62-63
[54] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 87
[55] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 51
[56] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 53
[57] "فإذا مرّت بهم المراكب، جاؤوا إليها بالقوارب الصغار والكبار، وبايعوا أهلها العنبر والنارجيل بالحديد وما يحتاجون إليه من كسوة"، أخبار الصين والهند، ص 32
[58] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 84
[59] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 87
[60] يقول عنه: "وهو شراب أبيض فإذا شُرِبَ ساعةَ يؤخذ من النارجيل فهو حلو مثل العسل فإذا تُرِكَ ساعةً صار شرابًا وإن بقي أيامًا صار خلًا"، أخبار الصين والهند، ص 36
[61] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 89
[62] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 43
[63] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 64
[64] زكريا القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد، دار صادر، بيروت، 1380ه، ص 85
[65] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 94
[66] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 30
[67] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 30
[68] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 39
[69] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 71
[70] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 66
[71] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 41
[72] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 42
[73] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 68
[74] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 89
[75] أخبار الصين والهند، المصدر نفسه، ص 42